أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 2 -















المزيد.....

خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 2 -


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 5121 - 2016 / 4 / 2 - 18:57
المحور: الادب والفن
    


خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 2 -
من دروس قسم الإخراج في كلية السينما ـ درس السينما التجريبية لدومنيك نوغيز
جواد بشارة

بدأت مدارس واتجاهات سينما الطليعة والسينما المستقلة والسينما الصافية أو المحضة كاحتجاج على السينما التجارية أو سينما التسلية والإمتاع الرخيص، وثورة على أساليب واحتكار هوليود لهذه الماكينة الجبارة لغسل العقول، وتمرداً على المجتمع البرجوازي والرأسمالي، أي كانت بمثابة حكم أخلاقي بقدر ما هي حكماً جمالياً لوضعها سياقاً ومستويات للقيم الفنية والجمالية البديلة.
فالفنانون التجريديون يريدون عزل العنصر الجمالي عن باقي التجربة المعاشة. لذلك نجدهم يرفضون معالجة المواضيع الاجتماعية والأخلاقية ذات الحبكة التقليدية بذريعة أنها أمور ومشاكل مادية تتعلق بنمط الحياة البرجوازية المرفهة. فمهاجمة المجتمع البرجوازي مدرج أساساً في أغلب إنتاج وإبداع هؤلاء الفنانين، سواء كان ذلك على نحو صريح أو مقنع وغير مباشر. ومع ذلك لم ينجح الكثير منهم في التحرر من ربقة هذا المجتمع البرجوازي الذي ينتمون إليه وكانوا جزءاً من إفرازاته ، وبالتالي هم عاجزون عن رؤية ما هو خارج هذا النظام الاجتماعي الذي ينتقدوه ويهاجموه في أعمالهم بعنف، وإن كان رصدهم له على نحو صحيح ودقيق. فهم يشخصونه ويتماهون معه عندما يتعاطون مع مبادئه القانونية والأخلاقية وأكاذيبه وأوهامه وخداعه ويسقطونها على الواقع الحياتي المحيط بهم لأنه هو الواقع الوحيد الذي يعرفونه أو القادرين على تصوره وتخيله بكل أبعاده لأنهم سجناء في داخله، من هنا شاع الاعتقاد أن حكمهم القاسي على الرأسمالية يفتقد للموضوعية لأنهم لا يتناولونها في إطار أفقها وسياقها التاريخي وتطورها وصراعاتها وتناقضاتها الداخلية. فالفنان الطليعي في المجتمع الغربي يطوف بين عالمين ، فلا هو راغب في العودة إلى ماضي البرجوازية ولا هو قادر على مواجهة المستقبل الاشتراكي الذي يفترضه البديل المقبول، وبذلك نراه يطور تكنيكاً غايته التعبير عن شعوره إزاء هذا الواقع الذي يراه فاقداً لاستقراره وتوازنه ومعناه.
أحد هؤلاء الفنانين الطليعيين المتمردين على النظام الإنتاجي الهوليودي هو المخرج السينمائي المستقل جوناس ميكاس Jonas Mekas الذي لم يتوان عن سرقة مشاهد من هنا وهناك رميت في القمامة بعد المونتاج في أفلام لا أحد يعرف لمن تعود ولأي فيلم ومن الذي صورها أو أخرجها، وإدماجها على نحو عشوائي في مشاهد صورها ميكاس بصورة شبه بدائية تفتقر للمعايير الفنية والحرفية ليصنع فيلمه " مسدسات في الأشجار Guns in the Trees كما يفعل الرسامون التجريديون عند عمل لوحات تشكيلية أو جداريات ضخمة فريسك fresque وعندما يقوم الرسام بتلطيخ لوحته ببقع لونية لا على التعيين كيفما شاء، وكانت النتيجة فيلماً يهجر الواقعية رغم واقعية الكثير من مشاهده، ويحاول أن يبلغ المستوى الشعري في التعبير بالصورة.
مخرج آخر هو ستانلي براكاج Stanley Brakhage الذي فاز فيلماه " الموت The Dead و تمهيد Prelude" بالجائزة الرابعة في مهرجان الفيلم المستقل عام 1962، يدعونا إلى التخلي عن الجماليات المنمقة وإهمال التقنيات المتقنة لأن السينما ما تزال مثل أمريكا قابلة للاكتشاف، وينطلق مذهولاً ومأخوذاً ومسحوراً بإمكانيات الكاميرا ولغة الصورة، ويعتقد أنه يكفي أن تمسك بكاميرا حتى تفتح أمامك عوالم وأكوان وفضاءات لا محدودة حتى لو كانت الأشرطة المصورة فائقة الإنارة surexposé أو ناقصة الإنارة sous exposé تكنيكياً فهذا لا يهم. يمكننا استخدام المرشحات أو الفلترات التي تقدم لنا صورة مشوهة عن العالم أو الصور المضببة أو المشاهد العاصفة أو الإضاءة العنيفة أو استخدام أضواء النيونات الصارخة أو الخافتة وتصوير الواجهات الزجاجية وانعكاساتها الضوئية والتي هي ليست مهيئة لكي تصورها الكاميرات الاحترافية والمصورين المحترفين. ويربط براكاج هذا الانشداه المهووس إزاء العالم الفيزيائي بشعور الاستلاب ويقول بهذا الصدد:" أشعر وكأن المجتمع البشري متكالب برمته لتدمير ما بقي حياً داخل الفرد الإنساني".
فالسينما الصافية Cinéma Pur هي صرخة غضب ويأس لأنها موجهة ضد المجتمع البشري بأكمله، لأنه المسؤول عن حالة الاستلاب والاغتراب الذي يعانيه الفرد في المجتمعات الغربية . ويلاحق الفنان الطليعي والمخرج التجريبي في هذا النوع من السينما الصافية وعياً ذاتياً سيقوده آجلاً أم عاجلاً نحو الواقع الذي رفضه وتمرد عليه. وتقنيته تلجأ إلى الحساسية الصرفة التي تتضمن لحظات من الجمال الصافي أو السعادة النقية والهاربة من الكآبة الجمعية، وكذلك تتضمن التناقضات الغامضة والشطحات العبقرية الخاطفة لكنها مدفونة وغالباً ما تكون مشوهة لأنها عاجزة عن الاندماج في مجموع عقلاني يفرضه المجتمع التقليدي.
إن الإنجازات التقنية لهذه المدارس السينمائية تستحق انتباهنا واهتمامنا. فالتركيز على العلاقة المباشرة بين المخرج وأثره الإبداعي يساهم في تحرير السينما من تبعية وهيمنة الأساليب التدجينية التي تفرضها السينما التجارية. ويمكننا القول أن هؤلاء المخرجين الطليعيين يمتلكون رؤية منعشة وتجديدية عن الواقع رغم المفارقة القائمة بين نظريتهم وتطبيقاتها العملية التي تتطلب دائماً العثور على حلول بديلة فمجرد المعارضة والتمرد لا يكفي ولذلك يحاولون أن يخلقوا صوراً من العدم أو من لا شيء وذلك من خلال إضفاء معنى على العالم الذي يطوقهم بكل تبايناته، أو إضفاء شكل تعبيري أو ماهية ما للتفكير الذي يسكن هواجسهم ولقد تجسد ذلك عملياً في التباين الذي ولد بين عملاقين سينمائيين في سنوات الثلاثينات وهما لويس بونويل وجان كوكتو.
فكوكتو ينقلنا إلى عالم اللاوعي واللاشعور لكنه لم يجد سوى تجربته الموضوعية ويقودنا لاختراقها والولوج في أعماقها في فيلم " دم الشاعر" الذي أخرجه سنة 1932، من خلال ولوجنا إلى عالم بطله ومع ذلك كان عالمه مليئاً بالصور الواقعية والشخصيات الإنسانية من لحم ودم والتي تعيش مشاعر وتجاذبات وتجارب جنسية لكن الجوهر يبقى هو ذاته عالم الطفولة والعودة إليه باستمرار فالشاعرـــ الطفل يعاني من جروح رمزية ويموت موتاً رمزياً ويواجه اختبارات الحياة بآلامها ومقارباتها للموت، ولكن على الدوام تحت شكل رمزي ومن ثم يتحرر الشاعر ــ البالغ من واقعه المريع ويبقى جوهر الرسالة غامضاً ورمزياً يواصله المخرج في فيلمه التالي حكاية " الحسناء والوحش" الخرافية الذي أخرجه سنة 1945 للغوص أكثر في عالم الطفولة وخيالاتها الغنية، ما يعني محاولة الهروب من المسؤوليات ورفض الالتزام الذي يوسم أغلب أعمال كوكتو السينمائية ورؤيته الشعرية للوجود . وفي فيلمه " أورفيه" الذي أخرجه عام 1949 يقوم كوكتو بمواصلة الرحلة الخيالية إلى ماوراء الواقع للهروب من الواقع. حيث يقيم الشاعر في مناطق جهنمية لاتحتمل على هيئة خرائب تسبح في الظلمة حيث ينثر كوكتو سلطته الشعرية عبر الصور ويعترف على نحو رمزي وغير مباشر إن التمترس خلف اللاشعور واللاوعي يعني في نهاية المطاف الموت . ولكن أمام فظاعة الواقع يضطر لقبول البديل بقبوله الموت طوعاً، ويهو يعتقد أنه بذلك ينتصر على الحياة باعتباره الموت كشرط أساسي للوجود.
إن عالم وآثار كوكتو ترفد فكرة الموت بنوع من الشمولية من خلال الشعور المهيمن بأننا محاطون بالعنف والدم والمعاناة . إن هذا المفهوم للواقع مارس تأثيراً طاغياً على تطور الفكر السينمائي وأساليبه التعبيرية ولغته الصورية المجازية لا سيما في السينما الطليعية .

يتبع



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -
- السينما والأثر الأدبي وجهاً لوجه
- تطورات الكون المرئي فيزيائياً وثيولوجياً
- قراءات في كتب
- الله بين العلم والدين
- أنشودة الكون الأنيق
- الكون المرئي من كافة جوانبه
- تيار السينما الذاتية عند شاعر السينما الراحل اندريه تاركوفسك ...
- وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:
- الإستراتيجيات الدولية في الشرق الأوسط وصراع الدول العظمى سور ...
- شرخ كبير في نسيج العلاقات بين الجالية العراقية والسفارة العر ...
- حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
- السينما عندما كانت فن ورسالة
- هنا حوارية اليوم مع الأستاذ د. جواد بشارة حول ( الانسان بين ...
- الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1
- كون واحد أم عدد لامتناهي من الأكوان؟
- فرنسا بين نارين
- الله والكون جدل العلم والدين
- كمبيوتر المستقبل : هل هو الحاسوب الكمومي أو الكوانتي ؟
- الكون المرئي في سطور خلال قرن


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 2 -