أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - مَنْ هُناك؟














المزيد.....

مَنْ هُناك؟


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 5118 - 2016 / 3 / 30 - 11:22
المحور: الادب والفن
    


مَنْ هُناك؟

* * *
جلس الغريب ليس بعيدًا عن الحقول ولاح في الأفق جدارٌ ضخمٌ مرتفعٌ يلتفّ كأفعى ليقسم البلدة إلى جزئين.
- مَنْ هذا الغريب؟ تساءل كبارُ السنّ الجالسين في الجوار، اقترب منه فتى يافع وصاح قائلا: - يسألون "من هذا الغريب؟".
- أبي ولد في هذا المكان قبل ما يزيد على نصف قرن.
- يقول إنّ أباه قد ولد هنا قبل نصف قرن. صاح الفتى للشيوخ الذين ازدادت حيرتهم بأمر الغريب وسرّه، تفكّروا قليلا وقال أحدهم: - لم يسبق أن ولد كائن حيّ بنصف قرن في رأسه في هذا المكان. صاح الفتى تجاه الغريب وقال.
- يسألونك إذا كنت على ثقة من أنّ والدك لم يلد بقرن بكامل؟ التفت الغريب إلى الجدار وهزّ رأسه بألم.
- كلّنا نمتلك قرونًا في هذا الزمن السيّء، كلّنا نمتلك قرونًا دون أن نشعر بذلك. صاح الفتى نحو شيوخ القرية: - يقول إنّ الزمن سيّئ للغاية، ولا أحد يدري أو يشعر بذلك. وجّهوا أنظارهم إلى السماء وكانت صافية دون غيوم أو سحب عابرة.
- الزمن قيمة ثابتة، وقد يقصد حالة الطقس، لكنّ السماء تبدو صافية ولا مؤشّرات لهطول الأمطار في القريب العاجل، لا يحلم أحد بسقوط قطرة ماء واحدة من السماء في مثل هذه الأوقات. يا له من غريب، ادعوه لتناول الطعام معنا إذا رغب برفقتنا يا فتى.
- يا غريب، لا ماء في السماء، هل تريد تناول الطعام أم ترغب برفقة؟
- أريد أن أحلم لبعض الوقت، هنا دُفِن أجدادي قبل أن تضيع البلاد ويغتصبها الغرباء من كلّ جنس ولون. نظر الفتى لحشد الكبار وقد تعب من نقل الحديث وصاح مجددًا: - يقول إنّ الغرباء ملوّنون ولا جنس لهم.
ضرب الكبار كفًا بكفّ ومضوا بعيدًا كلّ إلى شأنه تاركين الغريب وحيدًا يتأمّل الأفق. اقترب الفتى من الغريب وهمس: - ذهب المسنّون ولم يبقَ سواك تلوك حسرة الماضي. لماذا حضرت إلى هنا بعد هذا العمر؟
- ما أكثر أسئلتك، لماذا طردتهم؟ إنّهم أقربائي في نهاية المطاف، صاح الغريب بدهشة.
- لقد أنقذتك من الوهم، تغيّرت الأحوال يا صاحبي ولن تجد سوى الحسرة. ستخسر الأمل والذكرى، توقّعتُ أن تشكرني بدلا من لومي.
- لكنّي حضرت لأسقي قبر جدّي، هذا ما أوصاني به والدي قبل أن يموت، وأنتَ تعرف ذلك جيّدًا. صاح بحيرة.
- بل أعرف أكثر من ذلك. قال الفتى الذي كانه يومًا وابتعد ليختفي في طريق فرعية مهجورة بمحاذاة الجدار.
* * *
اقتربَ من الجدار، تحسّس قلبه الإسمنتيّ البارد، حاول أن يستمع لنبض الحياة خلفه، لكنّ وقعَ الصمت أقوى. ابتعد خطوات إلى الخلف ونظر إلى الأعلى، الجدار يملأ الأفق، يحجب الحياة وقبر الجدّ هناك، حيث صودر رحيقُ الأرض وتاريخُها. القبرُ على بعد أمتارٍ معدودة فقط، لكنّ الوصولَ إليه يحتاجُ للتحليق في السماء لساعات فوق العديد من الدول كي يصل إلى غايته، يحتاج لتحمّل عبء التفتيش والتحقيق. تُرى، هل يمكن إقناعهم بحسن نواياه، وأنّ الذاكرة وحدها هي التي حثّته على قطع القارات لسقي تربة قبر؟ ماذا سيفعل إذا قرّروا مصادرة ذاكرته؟ عليه أن يصرّح بحمله الثقيل وأن يعرّي ذاكرته كي يدخل التاريخ ويعود عقودًا إلى الوراء، حين كان الزيزفون والزيتون ينموان في الفضاء حرّان، ينطلقان نحو الأعلى دون منغّصات ودون خوف من الجرّافات المعربدة، والتينُ التينُ لا يخشى القنّاصَ ويثمرُ كلّما تنهّدت الأرض.
الجدارُ أفعى تمتدّ حوله، تطوّقه، لا ترحم ضعفَه، تنتهك حنينَه، ولا يتوقّف فحيحُها، تبتلعُ العصافيرَ والأرانبَ والشنّارَ والأفعى لا تشبع. وفي أعلى الجدار يرقبُ قنّاصٌ عبر عدسة منظار رَجْعَ كلّ حركة يقوم بها، يرقب دبيب خطواته البطيئة ودقّات قلبه.
يصوّب البندقية بدقّة نحو مركز الحنين والذكريات، خلفه قبرٌ نضجَ يطالبُ بقطرات ماء يصبّها الحفيد وأمامه هدفٌ رائعٌ مثاليّ يستجدي رصاصة، والغيوم على غير عادتها تجمّعت لتسقي قبرًا وجثّة سقطت للتوّ برصاصة موجّهة بدقّة الليزر.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البدء كانت الخاتمة
- ظلّ الراقصين
- ما فوق مستوى البحر للحبّ
- الشاعر - قال لي الخالق تكلّم فكتبت.
- هي تملك بيتًا البحر كلّه
- ما تحمله النساء
- كلماتٌ تختقي ما فوق الكعب
- لاعب الشطرنج
- حديث القطط
- أعراس في الحيّ العتيق
- ذكريات خارجة عن القانون
- الرياحُ وحدها تربطني بالمتاهة
- لا خيانة بعد اليوم
- موناليزا
- إمبراطورية الرعب
- حجرةٌ للحياةِ والموت
- عشاءٌ برفقة الأنبياء
- الحلزون الحكيم
- مجنون حتّى إشعار آخر.
- الزمن المفقود


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - مَنْ هُناك؟