أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - هل الصحراء مغربية ؟















المزيد.....


هل الصحراء مغربية ؟


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5117 - 2016 / 3 / 29 - 16:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل الصحراء الغربية مغربية ؟
منذ ان اندلع نزاع الصحراء الغربية في بداية منتصف السبعينات من القرن الماضي ، والمشكل لا يزال الى اليوم عالقا ، دون ان يعرف طريقه الى الحل ، رغم العديد من القرارات التي اصدرها مجلس الامن منذ 1975 ، والقرارات التي اصدرتها الامم المتحدة منذ 1963 .
لقد اندلعت الحرب بين النظام الملكي وبين جبهة البوليساريو منذ 1975 ، ودامت ستة عشر سنة بالتمام والكمال ، وآثرت بشكل مباشر في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب المغربي ، وشكلت تهديدا مباشرا لوجود النظام ، حيث وحتى يتجنب السقطة التي كانت اكيدة ، اعلن في سنة 1982 من نيروبي بقبوله للاستفتاء وتقرير المصير طبقا للمسطرة الدولية ، وبإشراف الامم المتحدة . وكان ذلك بعد الهزة السياسية العنيفة التي احدثتها انتفاضة الدارالبيضاء الشعبية في يونيو 1981 ، وبعد ورود معلومات اكيدة ودقيقة ، تفيد قيام الجيش بقيادة الجنرال احمد الدليمي ، بانقلاب عسكري ، بالتنسيق مع جبهة البوليساريو والجزائر . لكن ما ان تمكن النظام من النجاة من حبل المشنقة التي كانت ستلف عنقه ، وتمكن من الوقوف على رجليه ، حتى انقلب مجددا على تعهداته مع الامم المتحدة والمجتمع الدولي ، حين عوّض الاستفتاء الأممي بالاستفتاء التأكيدي غير الموجود في القانون الدولي .
ان نفس المسار الذي ادى الى اعتراف 1982 بالاستفتاء ، سيدفع النظام الذي ارهقته حرب الصحراء مجددا ، الى قبول اتفاق الاطار الذي اعده السيد جميس بيكر ممثل الامين العام للأمم المتحدة رغم انه يتوفر على شقين متناقضين :
---- شق اول ، ويعني تطبيق حكم ذاتي مدته خمس سنوات
---- وشق ثاني ، ويعني تمكين الصحراويين بعد تجريبهم شكل الحكم الذاتي من ان يقرروا مصيرهم بأنفسهم ، سواء بالاستمرار في نظام الحكم الذاتي ، او في الدمج مع المغرب ، او الانفصال و الاعلان عن تأسيس الجمهورية الصحراوية . بطبيعة الحال عندما شعر النظام بالخطر المحدق بوجوده من جراء نتائج الاستفتاء في آخر الشوط ، وبعد انقضاء مدة خمس سنوات من تجربة الحكم الذاتي ، عاد مجددا ورفض ما قبله بالأمس ، اي رفض اتفاق الاطار بالكامل .
ان نفس المسار هذا ، سيدفع بالنظام ان يطلب من مجلس الامن الدولي ، السهر على وقف اطلاق النار ، والشروع حالا في تنظيم الاستفتاء طبقا للمسطرة الاممية ، وهو الاتفاق المسمى ب " اتفاق وقف اطلاق النار " المبرم سنة 1991 ، وتحت اشراف الامم المتحدة ومجلس الامن .
لقد تمخض عن اتفاق وقف اطلاق النار ، خلق المينورسو " هيئة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية " . وكان من المتوقع ان يتم تنظيم هذا الاستفتاء في سنة 1992 ، وفي ابعد تقدير في سنة 1993 . ورغم مرور خمسة وعشرين سنة خلت على هذا الاتفاق ، لا يزال لم ينظم استفتاء بعد ، وهذا برهان على فشل المينورسو في انجاز المهمة التي تأسست من اجلها التي هي الاستفتاء .
امام طول انتظار دام اكثر من اربعين سنة ، اي منذ 1975 ، لنا ان نطرح سؤال اساسي ، وسنجيب عنه بكل حياد وموضوعية :
من يملك الصحراء الغربية تاريخيا . هل النظام الملكي ، ام جبهة البوليساريو التي ظهرت الى العلن في سنة 1973 ، رغم ان نزاع قضية الصحراء الغربية يعود الى بداية ستينات القرن الماضي ؟ هل الصحراء الغربية مغربية ، ام انها ليست كذلك ؟ وهل النزاع والصراع ، هو بين النظام المغربي وبين جبهة البوليساريو ، ام انه نزاع بين النظام المغربي ( المخزن ) وبين النظام الجزائري ( جبهة التحرير الوطني ) الجزائرية التي تستأثر بالحكم منذ استقلال الجزائر في سنة 1961 ؟ وهل من طرق لحل نزاع الصحراء الغربية ، بعيدا عن كل تشنج او تطرف في التمسك بالمواقف ، سواء بالنسبة للنظام المغربي ، او بالنسبة للنظام الجزائري مؤسس الجمهورية الصحراوية ؟ وكيف يمكن لهذا الصراع ان يتطور إذا لم تراع مصلحة الشعوب التي تحترق بصراع الانظمة ، مع انتظار سقوط الجميع في الهاوية إذا لم يستحضر العقل والرزانة وثقل المسؤولية ؟
إذا عدنا الى ستينات القرن الماضي ، سنجد ان النظام الملكي هو من طالب من الامم المتحدة ادراج قضية الصحراء الغربية ضمن المناطق المشمولة بتصفية الاستعمار ، اي اعتبرها محتلة . وسفير القصر حين كان يلقي خطاباته بالجمعية العامة ، لم يكن يتردد او يشعر بالحرج ، وهو يردد وصف الصحراء الغربية ، والصحراء الاسبانية ، وهو نفس الوصف استعمله رئيس مجلس الامن الدولي مؤخرا ، عند البث في النزاع الذي حصل بين النظام ، وبين الامين العام للأمم المتحدة السيد بانكيمون . وعندما كان النظام يطالب بالاستفتاء لحل مشكلة جنسية الصحراء ، فانه لم يكن في مداخلته ما يتضمن ما يفيد التأكيد على مغربيتها ، بل كان يحصر السؤال المطروح لاستفتاء الصحراويين ، وفي تحديد مستقبل الصحراء في : إما البقاء تحت السيادة الاسبانية ، او الاستقلال وتأسيس الدولة الصحراوية التي سيعترف بها إذا تحقق الاستقلال احتراما لإرادة الصحراويين الذين لم يكونوا يوصفون حتى تلك اللحظة بالشعب .
الكل يعلم ان المناضلين الصحراويين من الجيل الاول المؤسس للجبهة ، كانوا طلابا بالكليات والجامعات المغربية ، خاصة بكلية الآداب والعلوم الانسانية وبكلية الحقوق بالرباط . من هنا وكمغاربة ينتمون الى الصحراء التي تحتلها اسبانيا ، انظموا الى مختلف التنظيمات والتشكيلات السياسية آنذاك من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، الى حزب التحرر والاشتراكية ، الى حزب الاستقلال ، الى منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، وخاصة انتماءهم الى المنظمة الطلابية المغربية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " .
من هذا الانتماء المفصلي ، والعضوي ، والإيديولوجي الذي كانت تغذيه وتمثله في تصورات مختلفة ، حركة القوميين العرب بزعامة حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش ، الذي زار تندوف ، والقى خطابا يشيد بالانفصال وبالثورة الصحراوية ، وأحزاب البعث بشقية العراقي والسوري والناصرية ، والأفكار الثورية التي الهمت شباب تلك الفترة ، من ماوية ، وستالينية ، ولينينية ، وغيفارية ، وكستراوية ، وكل زعماء الحركة الثورية العالمية ، وضمن صراع الحرب الباردة ، بين المعسكرين الغربي والشرقي المنحل ، طرح الطلبة الصحراويون الثوريون والتحرريون ، نزاع الصحراء الغربية ضمن تطورات الصراع الدولي الذي كان يجري بالعالم بأنساق مختلفة . فاعتبروا ان مهمة تحرير الصحراء هو في الاصل تحريرها من قبضة الفاشية الفرنكونية الاسبانية المقيتة ، ومن تحررها من السيطرة الامبريالية ، ومن ثم اعتبار انجاز التحرير ، انتصارا سيكون مُهدأ لحركة التحرر العربي في صراعها مع الامبريالية ، والصهيونية ، والاستعمار الجديد ، بكل مخلفاته وممثليه المحليين والجهويين ، وهم من كان يطلق عليهم بأذناب الاستعمار ووكلاءه بالمنقطة العربية .
من هذه القناعة الثورية ، وفي اطار الصراع الذي كانت تخوضه احزاب الحركة الوطنية ، " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، " حزب التحرر والاشتراكية " ضد القصر ، لم يتردد الطلبة الصحراويون من توظيف نزاع الصحراء وتحريرها ، ضمن المواجهة العامة التي كانت محتدمة ، بين النظام وبين المعارضة الراديكالية بشقيها البلانكي والإصلاحي السياسي . هكذا وفي اطار الصراع المحتدم حول الحكم وليس الحكومة ، لم يتردد الطلبة الصحراويون التحرريون والثوا ، من طرح قضية تحرير الصحراء على انظار الزعماء السياسيين ، بدءا بالأستاذ عبدالله ابراهيم ، الى عبدالرحيم بوعبيد ، الى علي يعتة ، الى المحجوب بن الصديق ، الى علال الفاسي ، الى ابراهام السرفاتي مؤسس منظمة الى الامام المغربية . وفي كل مرة لم يكن الصحراويون يجنون من اتصالاتهم هذه ، غير الخيبة وفقدان الامل في نخبة سياسية لا يهمها من الصحراء إلاّ المتاجرة والبيع والشراء ، وتهرب زعماء الطبقة السياسة من تحمل مسؤوليتهم في هذا الشأن . وكان التبرير الوحيد الذي كان يتحجج به هؤلاء ، هو ان قضية الصحراء ليست من اختصاصهم ، وأنها من اختصاص القصر . وهنا لنا ان نتساءل : كيف تعيب مخلفات هؤلاء الزعماء اليوم على الحكم انفراده بمعالجة قضية الصحراء ، في الوقت الذين لعبوا فيه دورا مهما وأساسيا في تمكين الحكم من الاستفراد بها ؟
لقد دفع هذا الموقف اللاّمسؤول لزعماء الاحزاب السياسية بالحركة الطلابية الصحراوية التحررية ، الى البحث عن بديل ، وطريق آخر لتجاوز المواقف اليمينية للحركة التقدمية المغربية ، فكانت احداث موسم طانطان في سنة 1970 التي عرفت تنظيم مظاهرات صحراوية خالصة ، تطالب بعودة الصحراء الى المغرب ، وكانت الاعتقالات بالجملة والتعذيب والسجون . وكان الجواب عن هذه الخيانة العظمى ، هو قيام الطلبة الصحراويين باتخاذ المبادرة الفردية ، والاتكال والاعتماد على انفسهم ، وقدراتهم الذاتية الصحراوية الثورية . فكان انشاء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في سنة 1973 بايدي صحراوية – صحراوية ، والشروع من ثم في خوض حرب تحرير على شاكلة حرب العصابات ، مقتدين في ذلك بالحرب التي خاضها المجاهد عبدالكريم الخطابي في الريف ، وبحرب العصابات التي كانت تخوضها منظمات منظمة التحرير الفلسطينية . وللتذكير فحتى هذه السنة لم تكن الجبهة تردد دعوات الانفصال ، ولا تأسيس الجمهورية الصحراوية ، بل كان النضال التحرري للمناضلين الصحراويين هو الوحدة وإعادة ضم الصحراء الى المغرب .
بالرجوع الى التاريخ سنجد ان جميع القبائل والسلالات التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء وسقطت كذلك من الصحراء . ولم يكن في يوم من الايام نظام الحكم في المغرب مهددا من الشمال . فثورة الجيلالي الروغي المكنى ب " بوحمارة " ، تم الالتفاف عليها ، وتشويهها ، وتصويرها على انها مروق ، وزندقة ، وفتنة ضد اولي الامر ، وكان ما كان من النهاية التي آل اليها الروغي الذي كان ثائرا ضد الحكم المركزي الملكي بفاس ولم يكن زنديقا ولا مارقا ولا فتنويا ، بل كان ثائرا مثل المجاهد عبدالكريم الخطابي والمجاهد احمد الهبة ماء العينين وعدي اوبيهي وغيرهم كثيرون انتفضوا على الحكم المركزي.
ان اندلاع الكفاح المسلح بالحدود الجنوبية المغربية ، اثار مخاوف النظام الملكي الذي كان يستحضر دائما مقولة " الصحراء بالنسبة للمغرب ( الحكم ) قضية حياة او موت " ، اي إذا تركنا الصحراء تزحف نحونا ، التهمتنا وغرقنا في كثبانها الرملية الحارقة ، وإذا نحن بادرنا بالهجوم عليها ، كان في ذلك قوة وشدة نظامنا ودولتنا . فعوض ان نترك الخطر يتهددنا من الصحراء ، يجب العمل على دفعه الى وسطها ، حتى لا تتكرر مقولة ،جميع السلالات والقبائل التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء وسقطت من الصحراء ، في حين ان السقوط هذه المرة إن كان بسبب الصحراء ، فلا يعني هذا ان تجيء سلالة تحكم محل السلالة التي سقطت ، بل السقوط كان سيأتي من طرف الجيش الذي ارهقته حرب الصحراء .
وحيث ان الحرب الباردة كانت في اشدها ، لم يتردد النظام المغربي والنظام الجزائري ومعه ليبيا من اعتبار نزاع الصحراء الغربية ، جزء لا يتجزأ من الحرب الباردة . ان الجزائر بلد المليون شهيد في حرب التحرير ، جزائر الثورة والجمهورية ، والمتحالفة مع المعسكر الشرقي ، ومع عبد الناصر ، والبعث بشقيه العراقي والسوري ، والتي الهمت فئات كثير من البرجوازية الصغيرة المغربية ، والتي احتضنت الثوار المغاربة حين ضاق بهم الوضع بالمغرب ، هي تمثل خطرا على النظام الملكي الموالي للغرب . والمغرب البلد الملكي المتخندق حتى النخاع مع الغرب الامبريالي ، يشكل بدوره خطرا وتهديدا للجزائر الثورة ، كوبا افريقيا . والكل ربما يتذكر الثقل الذي كانت تلعبه الجزائر في سبعينات القرن الماضي ، في افريقيا ، وبمنظومة دول عدم الانحياز ، وبالنسبة لحركة التحرر العربي والعالم ثالثية . ان الصراع بين النظامين وحول الصحراء ، هو امتداد لصراع الحرب الباردة بين المعسكرين المتقابلين الغربي الرأسمالي ، والاشتراكي الشيوعي .
في خضم هذا الصراع بالمنطقة ، والذي كانت تغذيه الدول الكبرى ، وهنا لا ننسى ان وزير الخارجية الامريكي الصهيوني هنري كيسينجر ، هو من اقنع الرئيس الهواري بومدين ، بضرورة معاكسة المغرب في حقوقه المشروعة في الصحراء ، وذلك من اجل الهاءه ، حتى لا يستمر في تقديم الدعم العسكري والمادي لمصر جمال عبدالناصر ، وحتى يشغله بحرب اقليمية مع المغرب ، في افق تقوية الدولة الصهيونية بالمنطقة العربية . هنا نتساءل . هل موقف الجزائر من الصحراء ، هو بسبب اقتناعها التام بعدم مغربيتها ، ام ان السبب يرجع الى رغبة الجزائر في الحصول على نصيبها من الصحراء بممر يوصلها الى المحيط الاطلسي ؟ وهنا نذكر بطلب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة للمبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة ، السيد جيمس بيكر ، بضرورة تقسيم الصحراء ، بين المغرب ، وبين الجزائر ، ودون اعطاء اعتبار للجمهورية الصحراوية ، ولا للجبهة الشعبية ، ولا للصحراويين الذي يستعملونهم ككمبراس في خدمة مخططات ضيقة ، لا علاقة لها بحقوق الشعب الصحراوي . ثم هل الصحراء مغربية ؟
لقد عدت الى اهم مرجع قانوني قضائي ، بخصوص نزاع الصحراء الغربية بين النظام المغربي والنظام الجزائري ، وبعد دراسة متأنية وعميقة توصلت الى ان النزاع هو مفبرك ومصطنع ، وان جنسية الصحراء قبل احتلالها من قبل اسبانيا كانت مغربية . ان هذا المرجع القانوني القضائي ، هو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 اكتوبر 1975 .
بالرجوع الى تحليل الحكم ، سنجد اولا ، انه لم يكن قانونيا ، بل كان سياسيا ، لان القضاة في حكمهم ، حاولوا ارضاء طرفا النزاع ، المغرب والجزائر .
الحكم يعترف بوجود علاقة بيعة للقبائل الصحراوية مع السلاطين المغاربة قبل غزو اسبانيا للصحراء ، وهنا اعتراف صريح بمغربية الصحراء . لكن القضاة بعد هذا الاعتراف ، سيعتبرون انه رغم وجود علاقة بيعة من السلاطين ، فان تحديد الوضع النهائي للصحراء سيحدده استفتاء .
ان هذا التناقض الصارخ بين الاعتراف الواضح بوجود علاقة بيعة ، وبالتنصيص على الاستفتاء ، مرده ان القضاة الذين حكموا الملف ، من جهة يجهلون اصل الحكم الاثوقراطي وإن كان مزيفا في المغرب ، ومن جهة اعتمدوا عند تنصيصهم على علاقة البيعة ، على المعطيات الاجتماعية ، والسياسية ، والدينية التي كانت تسود الصحراء ، قبل احتلالها من قبل الاسبان . وبالرجوع دائما الى اصل الحكم ، سنجد ان القرار حين كان يتكلم عن بيعة القبائل ، فهو كان يخص كل القبائل ، وليس فقط بعضها ، وإلاّ لكان على القضاة ان يذكروا بالاسم اسم القبائل التي لم تكن تبايع السلاطين . وهذا ما لم يحصل اطلاقا حين تم التنصيص على البيعة قبل الاحتلال .
لكن ان نحن تعمقنا في تحليل الاسباب التي جعلت المحكمة ، رغم انها اعترفت بوجود علاقة بيعة مع السلاطين ، اعترفت بالاستفتاء كحل نهائي لقضية الصحراء ، سنجد ان المعطيات السياسية والاجتماعية التي اعتمدت عليها بعد 1975 ، لم تكن هي نفس المعطيات التي اعتمدت عليها قبل الغزو والاحتلال الاسباني للصحراء . ان المعطيات الجديدة لما بعد 1975 كانت كلها تنهل من الايديولوجية ، والأفكار السياسية لحركة القوميين العرب × وللأحزاب البعثية والناصرية ، والثورة الجزائرية ، وليبيا معمر القدافي ، وأفكار مفكري الحركة الثورية العالمية ، من شيوعيين ، وماركسيين مختلفين . طبعا فحين ربط خبراء المحكمة اتصالاتهم مع الشباب الذي اسس في سنة 1973 ، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، كان متوقعا ان يطالبوا بالانفصال بدعوى انهم لم يبايعوا قط السلاطين العلويين .
ان المعطيات القديمة التي اعترفت بها المحكمة في التنصيص على البيعة ، جسدها الشيوخ الصحراويين الذين يعرفون التاريخ حق المعرفة من خلال الاجيال السابقة ، ومن خلال التاريخ ، والخرائط الموجودة بحوزة فرنسا واسبانيا ، وهي المعطيات التي تفيد بمغربية الصحراء . اما المعطيات الجديدة التي استندت عليها المحكمة عند التنصيص على الاستفتاء ، فهي افكار دخيلة ولا علاقة لها بأحقية الثورة بالمغرب الكبير .
ان تنصيص قرار والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، فقط على وجود بيعة دينية ، وليست سيادية قبل الغزو الاسباني ، مرده الى الجهل في فهم اصل النظام الثيوقراطي العلوي ، الذي يجمع بيد واحدة ، السلطة الدينية والسلطة الدنيوية . وهنا نتذكر قول الفقهاء عند وصفهم الاسلام ، بأنه دين دنيا وعبادات ومعاملات ، لأنه في نظام ثيوقراطي ، لا يمكن ابدا تصور فصل الدين عن الدولة ، لان الدين هو المعاملة ، وهذه يقصد بها ، تدبير الحكم ، وليس المعاملة بين الناس . لذا سنجد ان الملك بالمغرب عند ترتيب الاوضاع الداخلية ، فهو لا يتصرف كملك عصري ، بل يتصرف كأمير للمؤمنين وخليفة الله في ارضه . انه وحده الاسلام ، ووحده الدين . لذا فالحاكم في المغرب يختزل ( الدولة ) في شخصه " الدولة انا – انا الدولة " .
هنا سنجد ان قرار محكمة العدل الدولية لم يأخذ في التقييم هذا النوع من الحكم عند اتخاذه للقرار ، معتقدا ان الدولة في المغرب ، مثل الدولة الاوربية ، تفصل الدين عن السياسية .
وبالرجوع الى اصل النظام الثيوقراطي العلوي ، يكون الحكم الذي اصدرته محكمة العدل الدولية ، يعترف بمغربية الصحراء . ان علاقة البيعة مع السلاطين لا تعني بيعة مع اشخاص ، بل هي بيعة مع نظام ديني ثيوقراطي ، ومن ثم يكون اعتراف المحكمة بالبيعة ، ليس اعترافا بالبيعة الدينية ، بل هو اعتراف بالبيعة الدينية والسياسية . والحسن الثاني حين قرر تنظيم المسيرة التي ذهب فيها فقط الفقراء ، اعتمد على هذا التفسير الذي يجعل الحاكم في مثل هذه الاحداث ، إماما ، اميرا للمؤمنين ، يجمع السلطتين الدينية والسياسية في آن .
اضافة الى هذه الحقيقة التي تؤكد اعتراف المحكمة بمغربية الصحراء ، ورغم التناقض في التنصيص على الاستفتاء كحل ، بناء على معطيات ما بعد 1975 ، ولا علاقة لها بالمعطيات الحقيقية التي كانت قبل الغزو الاسباني ، سنطرح بعض الاسئلة المقتضبة حول نزاع الصحراء .
قبل الاحتلال الاسباني للصحراء . كيف كان وضع الصحراء ؟ هل كانت ارض خلاء ، ام لم تكن كذلك خلاء ؟
وإذا لم تكن خلاء ، كيف كان وضعها القانوني والسياسي ، ولمن كانت تنتمي ؟
وقبل انشاء الجمهورية الصحراوية من قبل الجزائر ، هل كانت هناك جمهورية قبل الاحتلال الاسباني ، ام ان الصحراء كانت تابعة للمغرب ؟
وأين كانت الجزائر وليبيا وجبهة البوليساريو ، عندما استرد المغرب مدينة طرفاية وسيدي افني ؟ لماذا لم يعترض احد على ارجاع هاتين المدينتين الى المغرب ؟
كيف نفسر تقسيم المغرب من قبل المحتلين . اسبانيا تحتل الصحراء وتحتل سبتة ومليلية . فرنسا تستعمر مدن الداخل . الامم المتحدة وبالضبط بريطانيا وألمانيا وواشنطن يحتلون طنجة ؟
امام هذه الحقائق التي اضحت مُشوّهة ، بفعل اختلاط الاوراق ، ولعب النظام في الدفاع عنها دور محام القضايا الخاسرة ، سنجد ان الاستمرار في المطالبة بالاستفتاء وتقرير المصير ، اصبح حقا يراد به باطل . ان نزاع الصحراء الذي وقف في مفترق الطرق ، اضحى تكملة لما يحصل اليوم بالشرق الاوسط ، اي دخل في الاجندة الصهيونية والامبريالية ، في تقسيم المقسم ، وإضعاف الضعيف ، وتجزيء المجزأ . والمشكل سيطول ولن يجد طريقه الى الحل بفعل توظيفه من قبل الدول الكبرى المسيطرة على مجلس الامن والأمم المتحدة . وان ما يلاحظ في هذه المسرحية ، ان القرارات التي يتخذها الاتحاد الاوربي الذي له دول لها حق الفيتو ، والبرلمان الاوربي ، والاتحاد الاوربي ، هي تكملة بشكل اكثر عنفا من القرارات التي يتخذها مجلس الامن والجمعية العامة ، بل يجب اعتبارها بمثابة قرارات تكميلية لها .
امام الفشل في وضع حد نهائي لنزاع الصحراء الغربية ، رغم انه عمر لأكثر من اربعين سنة خلت ، وبعد الزيارة الاخيرة للامين العام للأمم المتحدة ، السيد بانكيومن الى المنطقة ، مع انتظار قرارا في ابريل القادم سيكون قاسيا لمغربية الصحراء ، يروج الحديث عن حلول قد تكون اجتهادات صحافية لرمي بالونات اختبار واستكشاف ، تدور حول مقترحات بحكم فدرالي او كنفدرالي . وهنا هل سيقبل المغرب بحل الفدرالية او الكنفدرالية ، وهل ستقبل به الجزائر عراب جبهة البوليساريو ؟.
الجزائر لن تقبل بالفدرالية مثل سويسرا او المانيا ، لأنها ستكون نسخة لا تختلف عن الحكم الذاتي الملوح به من قبل النظام .
والمغرب لن يقبل بحل الكنفدرالية الدولة المستقلة ، التي سُترتبط بعلاقة البيعة الدينية مع النظام وليس مع المغرب ، اي مثل دول الكمنولت .
الجزائر تورطت في مستنقع لا يمكن ان تتراجع عنه بعد اربعين سنة من العداوة للمغرب . والنظام المغربي الذي ادار ملف الصحراء بشكل سيء ، لا يمكنه ان يعطي شيئا اكثر من الحكم الذاتي المرفوض من قبل الجزائر وجبهة البوليساريو والمنتظم الدولي .
الوضع جد خطير وجد معقد . النظام إذا اضاع الصحراء فان سيسقط حتما . والنظام الجزائري ( جبهة التحرير الوطني ) إذا تمكن النظام في المغرب من حسم نزاع الصحراء ، يعني سقوط النظام الجزائري .
فهل النظام المغربي الذي يعرف بقاءه من عدمه ، مرتبط ببقاء او ذهاب الصحراء ، سيسمح بذهابها . وهل النظام الجزائري الذي يعرف ان حسم النزاع مغربيا ، يعني اسقاط النظام ( جبهة التحرير الوطني ) ، سيسمح بالانتصار المغربي ؟
وحتى نكون واضحين . الحرب عائدة وبقوة . لكن شروطها غير متوفرة الآن ، ما دامت القضية بيد مجلس الامن ، والأمم المتحدة . ان قرار 30 ابريل القادم ، رغم انه سيكون قاسيا بتنصيصه على تقرير المصير ، مع تحديد سقف زمني للاستفتاء ، إلاّ انه لن يؤثر في شيء على المغرب ، لا سيصدر تحت البند السادس وليس السابع . وستعتبر المدة الفاصلة بين 30 ابريل 2016 ، و قبل 30 ابريل 2017 ، فترة انتقالية في انتظار تطبيق ما نصص عليه 30 ابريل 2016 . لكن إذا استمر الستاتيكو ، فان قرار 30 ابريل 2017 لن يصدر تحت البند السابع ، لان فرنسا ستستعمل الفيتو . ان اصدار قرار تحت هذا البند ، لا يعني فقط ذهاب الصحراء ، بل يعني ذهاب النظام وفرنسا لن تسمح بذلك تحت اي سبب ولو لم يكن مبررا .
بعد 30 ابريل 2017 سيكون مجلس الامن والأمم المتحدة قد استنفدا كل الطرق والحلول الممكنة .
ان هذا الوضع لن يستمر ، والعودة الى لغة السلاح حتمية ، ابتداء من صيف 2017 وحتى بداية 2018 .
السؤال الى اين تنجرف المنطقة ؟ هل الحرب ستقتصر على النظام وجبهة البوليساريو، ام ستتورط فيها حتى الجزائر ؟
على الشعوب التي تقدم ككبش فداء في معركة الصحراء التي هي معركة انظمة ان تتحرك .
الوضع اكبر من الجميع ، والمؤامرة محبوكة ، ولا تنتظر إلاّ الضوء الاخضر ، ليبدأ الدمار والخراب .
الصحراء مغربية ، ومشكلتها انه اضاعها محام فاشل لم يستوعب الفرصة التي اعطاها له الاوربيون ، وواشنطن للقيام بالإصلاحات الضرورية منذ جلوسه على الحكم منذ سبعة عشر سنة خلت .




#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيتم حل قضية الصحراء الغربية بلجوء مجلس الامن الى الفصل ا ...
- التجييش والتهييج
- هل تعترف الامم المتحدة بالجمهورية الصحراوية ؟
- وضع المرأة في المجتمع الراسمالي : الجنس والاستغلال
- المرأة المحتقرة في النظام الراسمالي
- في المغرب سلك القضاء من وظائف الامامة
- اربعون سنة مرت على تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية
- النظام الملكي في مواجهة مباشرة مع مجلس الامن والامم المتحدة
- الدولة القامعة
- عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه
- تحقيق الوعد الالهي : دولة الاسلام
- سؤالان حرجان ومحرجان : هل يوجد هناك شعب صحراوي . وان كان الا ...
- لو لم يكن ادريس البصري وزيرا للداخلية لكان في المعارضة -- من ...
- مملكة السويد تقرر عدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية -- حين ي ...
- شيء من الدراما : الأبسينية دون كيتشوتية مُتطورة لحل ازمة الث ...
- الدولة البوليسية : ان الشكل الاكثر بشاعة للقهر هو استغلال اج ...
- المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو
- تحليل : في استحالة ثورة شعب مخزني اكثر من المخزن
- فشل القصر الملكي في تدبير ملف الصحراء
- محكمة العدل الاوربية تلغي الاتفاق التجاري حول المواد الفلاحي ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - هل الصحراء مغربية ؟