أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 61















المزيد.....


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 61


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 5117 - 2016 / 3 / 29 - 09:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



رسالتي إلى رئيس لجنة كتابة الدستور
في 20/07/2005 كتبت رسالة إلى همام حمودي، رئيس لجنة كتابة الدستور، يتبين منها مدى سذاجتي، إذ كنت ما زلت على حسن ظني ببعض الإسلاميين، الذين كانوا يتقنون تمثيل دور الاعتدال والانفتاح. ففي الرسالة هذه أشكو إليه مدى تطرف بعض أعضاء اللجنة الأولى، دون الالتفات إلى أنهم جميعا في خانة واحدة، وعلى تنسيق تام فيما بينهم، وخضوع لتوجيهات رئيس المجلس الأعلى آنذاك عبد العزيز الحكيم، وكذلك المرجعية في النجف. كتبت له الرسالة أدناه، وسأعلق على بعض فقراتها [بين مضلعين].
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز سماحة الشيخ همام حفظه المولى تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع تفهمي لكثرة مشاغلك لاسيما في هذه الأيام، أرجو الاهتمام بقراءة رسالتي هذه، لتدارك ما أجد فيه احتمال ضرر على العملية الدستورية، بمعايير النفع والضرر بالنسبة للإسلام [لأني كنت فعلا ما زلت أعتبر نفسي إسلاميا وحريصا على الإسلام، لكن الإسلام الذي كنت أفهمه، والذي عبرت عنه بمقالة "عمق إسلاميتي صيرني علمانيا"]، طبعا من وجهة نظري، ولا يختلف معي معظم الإسلاميين (السياسيين) [الذين كنت ما زلت مخدوعا بالكثير منهم]، لا الداخلين مؤخرا على خط العمل السياسي، دون دعوى الصواب المطلق لرؤيتي، أستجير بالله.
أنت تعلم، وأنا أعلم، أن التشدد عموما لا يخدم مشروعنا الإسلامي، وبشكل خاص في هذه المرحلة بالذات، والفرق كبير بين المبدئية والتشدد، هذا الفرق الذي يفهمه بعض إخواننا بمعيار آخر، وهم على أي حال مأجورون إن شاء الله على حرصهم على الإسلام، هذا الحرص، الذي إلم يكن أشد عند المعتدلين من الإسلاميين – المبدئيين طبعا لا المتميعين [قلتها ربما درءً للشبهة ودفعا للاتهام] باسم الاعتدال -، فهو ليس بأقل مما هو عند إخواننا الأعزاء من المتشددين، أو من نعتبرهم، أو لعلي أعتبرهم أنا، كذلك.
وهناك عموما حالة عدم توازن في اللجنة [أعني لجنة المبادئ الأساسية]، لوجود أربعة ذوي طرح إسلامي متشدد، - وبصراحة - مع وعي سياسي محدود [لم أدرك أنهم كانوا مدفوعين أصلا من المجلس الأعلى الذي هو أي همام حمودي من قيادييه، وبتنسيق معه]، في مقابل ثلاثة آخرين هم الشيخ جلال [كان يمثل دورا خلاف حقيقته، ولي كلام عنه سأذكره] وسامي العسكري [لم يخرج هو الآخر عن إرادة تيار التشدد والتطرف، لا قناعة منه، بل مداراة لخبزته السياسية، وتمسكا بشيعيته] والداعي، الذين ننسجم [ظاهرا] بتسعين بالمئة من رؤانا. ابتداءً وجدت نفسي حقيقة منسجما كليا مع سماحة السيد الصافي كرئيس للجنة [لم يدم طويلا هذا الانسجام، بعدما تبين لي أنه لم يكن إلا تمثيلا]، ولكني وجدت أن الأخ العزيز السيد عبد الهادي الحكيم شديد التشدد [والتزمت والتعصب إلى درجة مقرفة] وشديد الملازمة لسماحة السيد [ليس صدفة بل بتوجيه من المجلس الأعلى، كما تبين لي لاحقا]، ولا أستبعد أنه ذو تأثير عليه بقدر أو بآخر، وهذا تجلى من خلال تغيير موقف السيد الصافي في قضية لإصرار السيد عبد الهادي على رأي فيها.
وفي كل مرة يحاول السيد أقصد الصافي تمرير شيء، ورغم عدم تحقيقه لذلك يريد إدراج ذلك المطلب في المحضر. ففي كل مرة نفرغ من موضوعات، ثم يأتي سماحته فجأة برؤى جديدة ويعيد مناقشة كل الموضوعات التي يفترض أننا كنا قد انتهينا منها من البداية. ويتكرر ذلك لأربع مرات بالتمام والكمال، وفي كل مرة يحاول على سبيل المثال تمرير اسم "الجمهورية العراقية الإسلامية الاتحادية"، وفي كل مرة ننتهي، إسلاميين وعلمانيين على حد سواء، إلى عدم تبني هذه الإضافة، ثم يعيد الكرة من جديد، وغالبا بإلحاح من السيد عبد الهادي. وتارة يبدو أنه يريدها فعلا هو والسيد عبد الهادي لذاتها، وتارة يقول إن طرحها لغرض التنازل عنها لاحقا في مقابل رفع "الاتحادية" [التي كان يطالب بها الكرد]، مع إن الكثيرين من الإسلاميين من يستأنس بإضافة"الاتحادية"، أو على الأقل يقبل بها، ولا يرى فيها أي ضير. فحتى أياد السامرائي [الحزب الإسلامي العراقي] لم يعترض على "الاتحادية"، ولم ينسجم مع مقترح إضافة "الإسلامية"، بل كان معارضا لهذه الإضافة. هذا كله أدى إلى عدم تمكن اللجنة من إكمال عملها [لأن إكمال العمل لم يكن مهما، حسبما فهمت لاحقا، فهو سيكمل فيما سُمي بالمطبخ السياسي]، أو إلى التأخر والتلكؤ الشديدين، بسبب إعادة مناقشة نفس المطالب لخمس مرات. ثم يقول لي أن الأكراد وافقوا على إضافة "الإسلامية"، مع الإبقاء على "الاتحادية"، فأسأل محمود عثمان، فينفي بشكل قاطع. [فمجانبة الصدق نصرةً للدين والمذهب حلال، بل واجب عندهم.]
ومن الغريب أيضا قول السيد أحمد الصافي أن تبني اسم "الجمهورية العراقية الإسلامية الاتحادية"، وتأكيد "المصدر الأساسي" بلام التعريف، ورفض إضافة "المجمع عليها"، كل ذلك يمثل موقف الائتلاف الذي يجب الالتزام به، وعندما أسأل الأخ أبو إسراء [نوري المالكي] عما إذا جرى تبني الائتلاف لإضافة "الإسلامية" على الاسم، ينفي ذلك. [ما أسهل الكذب (في سبيل الله) عند الإسلاميين.]
ثم تعجّل السيد في نقل ما يعتقد أنه قد حُسم إلى النجف [أي مرجعية السيستاني]، ثم تنعقد اللجنة بحضور جُلّ أعضائها وبغيابه، وبرئاسة نائب الرئيس حميد مجيد [موسى]، وبحضور أربعة من الإسلاميين، الداعي، والشيخ [جلال الصغير] وسامي العسكري وسيد محسن [القزويني]، وتعيد النظر في قضايا كان قد جرى حسمها بغياب الأطراف الأخرى من كرد وعلمانيين وبعض من ذكر من الإسلاميين، تجده [أي أحمد الصافي] يعترض على تغيير أمور، كان قد أخبر النجف [أي المرجعية] بحسمها على غير ما اتُّفِق عليه في الاجتماع المذكور، ويجعل إخباره للنجف مبرِّرا بوجوب الرجوع إلى ما يراه هو والسيد عبد الهادي [الحكيم] [استبدادا وعنادا وتعسفا].
ثم جرى تعطيل اجتماعات اللجنة في الأيام الأخيرة، رغم استمرار لجان أخرى في عملها حتى يومنا هذا الأربعاء 20/7، ورغم عدم إنهاء أعمالنا، واكتفى سماحته بحسم الصياغات وحده معك حسب ما علمت، والسيد علي [الصافي] في الأول من أمس مثلا يقول قررنا كذا وكذا، وعندما أسأل فيما إذا اجتمعت اللجنة، يجيب: لا، بل هو اجتماع خاص. وعلمت اليوم أن هناك اجتماعات يحضرها الصافيان [أحمد وعلي] و[عبد الهادي] الحكيم و[جلال] الصغير وجنابكم [أي زمرة المجلسيين] لترتيب الصيغ النهائية. مع العلم أن الورقة التي اطلعت عليها تشتمل على مفارقات مع واقع ما جرى في اللجنة، وهذا أكيدا ما سيلتفت إليه الآخرون كمحمود عثمان وحميد ومجيد [موسى] وغيرهم، وإذا أثيرت المسألة فسأُبيِّن عدم مسؤوليتي، أو قل عدم اطلاعي كمقرر، عن هذه الورقة، لأنها لا تتطابق مع المحاضر المدونة عندي.
ناهيك عن ملاحظات في منهجية عمل اللجنة، فلم نسر بطريقة نأخذ المواضيع بالتدريج وبمنهجية، حسبما ينبغي لها أن تدرج في الدستور، بل هناك نصوص مجتَزأة يفاجئنا بها كل من السيدين [أحمد وعلي] الصافي و[عبد الهادي] الحكيم، ويعرضونها للمناقشة. إضافة إلى إغفال تام لمناقشة الأسس الدستورية، وإصرار على هذا الإغفال، رغم تكرر التذكير بها من قبلي، ومن قبل غيري، والتي يفترض أنها من عمل لجنتنا.
ثم إني إذا ما واصلت اللجنة عملها، قد لا أستطيع أن أواصل مهمة المقرر لها، لأنني في أكثر من مرة أسجل النقاط، والآراء، والتحفظات، والموافقات، والمخالفات، بشكل دقيق، وأتوخّى غاية الدقة والأمانة في عكس ذلك في المحضر، فلا يوافق السيد [أحمد الصافي] على تكثيره وتوزيعه، ويأتيني بأشياء لم نناقشها، يريدني أن أثبتها في التقرير [أي المحضر]، بينما تكون نقاط قد حُسِمَت إما بالاتفاق أو بالتوافق والتراضي، يريدني أن أرفعها. وأنا كمقرر مؤتمن على نقل صورة الاجتماعات كما هي، دون أن يكون هناك أي دخل لوجهة نظري الخاصة، أو وجهة نظر أي شخص، بينما يريد السيد [أحمد الصافي] أن يُصاغ التقرير وفقا لذوقه، ولذوق السيد عبد الهادي [الحكيم] وطبقا لقناعتهما [أي طبقا لقناعة المجلس الأعلى وعبد العزيز الحكيم ولعله محمد رضا السيستاني، وربما بدون علم المرجع علي السيستاني]، وهذا خلاف الأمانة، دون أن أخوِّنهما، بل أقصد خلاف الأمانة وخلاف الصدق من حيث النتيجة، لا من حيث القصد [لأنهم متدينون، فيا للسذاجة مني آنذاك]. ومن هنا أراني غير قادر على مواصلة مهمة المقرر في هذه اللجنة، وأرجو ألا يكون هناك مانع من مواصلة حضوري ومشاركتي في أعمالها، ولو أني لست عضوا في اللجنة الدستورية [بسبب نزولي عند رغبتهم وإلحاحهم عليّ للتنازل عن عضويتي لبهاء الأعرجي، ولكن أعيدت عضويتي من بعد ذلك]، رغم توقيع ما يقارب 40 عضوا من الـ 55 على ضرورة إضافة عضويتي، فلا أدري لماذا لم يُحسَم أمرنا (شيخ خالد العطية وعبد فيصل وإحدى الأخوات لا أتذكر اسمها [حسم في وقت لاحق ربما لخاطر خالد العطية، أكثر مما هو لخاطري أنا الإسلامي العلماني، لكوني كنت خارجا عن بيت الطاعة]) بينما أضيف محمود عثمان كسادس عشر بشكل رسمي كما علمت منه مباشرة، وكنت قد أخبرتَني أنه سيضاف خمسة؛ أربعة منا واثنان من التحالف وعبد فيصل [السهلاني]. على أي حال ليس هذا موضوعنا الآن.
ثم من جهة أخرى أحب طرح ثلاث مسائل فيما يتعلق الأمر بالإسلام [في الدستور]:

أولا - الإسلام كمصدر للتشريع:
هناك ست مستويات لدرجة تأكيد المصدرية التشريعية للإسلام، وهي:
1. الإسلام المصدر الوحيد للتشريع: هذا ما لم يطرحه أحد، وهو غير مطلوب إسلاميا.
2. الإسلام المصدر الأساسي للتشريع: هذا ما طالب به لاحقا كل من السادة الأربعة [صقور الشيعسلاموية في لجنة المبادئ الأساسية] أحمد الصافي، وعلي الصافي، وعبد الهادي الحكيم، ومحسن القزويني، [بينما كان المتشدد جلال الصغير يمثل دور الاعتدال في اللجنة، حسب توزيع الأدوار كما يبدو، وسامي العسكري يغير الاتجاه بـ180 درجة إذا طلب منه] بينما كان الجميع من قبل، إسلاميين وعلمانيين، قد اتفقوا على الخيار الثالث، أي نفس التعبير بدون لام التعريف.
3. الإسلام مصدر أساسي للتشريع: هذه هي الصيغة الجيدة والمقبولة والمجزية بالنسبة لنا الإسلاميين. [أو هي أهون الصيغ السيئة المطروحة]
4. الإسلام مصدر أساسي من مصادر التشريع: وهذا يمثل مطلب الكرد وعموم العلمانيين، مع موافقتهم لنا بإدراج "أساسي"، مما يمثل تنازلا ومرونة من قبلهم، ينبغي أن تُقابَل بمثلها من المرونة من قبلنا، لا سيما أن العبارة لا يُتوقَّع أن يُثار ضدها شيء في أوساط جمهورنا، لا سيما أنها تمثل خطوة متقدمة جدا على ما مذكور في قانون إدارة الدولة. [واضح أني كنت أميل إى هذه الصيغة]
5. الإسلام مصدر للتشريع: وهذا وإن كان من الناحية العملية لا مشكلة فيه، إلا أنه غير مقبول من الناحية المعنوية، ويمكن أن تكون له انعكاسات سلبية على جمهورنا.
6. الإسلام مصدر من مصادر التشريع: رفض هذه الصيغة يمثل ما يشبه الإجماع لدينا الإسلاميين [شخصيا لم تكن لدي مشكلة مع هذه الصيغة، بل كنت أميل إليها، إنما قلت ذلك مجاراة بالحد الأدنى للإسلاميين]، لأنها توحي بإعطاء الإسلام مجرد دور هامشي، ولو من الناحية المعنوية لا العملية، والعلمانيون كانوا من الواقعية بحيث لم يطرح أحد منهم هذه الصيغة، ولا حتى على نحو المساومة كما يفعل جماعتنا [وبطريقة رخيصة ومجّة ومضحكة] للأسف.

إذن الصياغتان (3) و(4) هما المقبولتان، والواقعيتان، وموضع قبول أكثر الأطراف السياسية [بل إن أي صيغة لإقحام الدين في الدستور هو نقض لمفهوم الدولة المدنية]. المرونة ليست ضعفا، بل هي غاية القوة يا شيخنا الجليل، ولا أظنك في حاجة إلى إضافة توضيح إلى الوضوح المتوفر لديك بهذا الشأن. ثم بقطع النظر عن رأيي في الموضوع، الصيغة بلام التعريف لم يكن قد جرى اتفاق عليها في اللجنة، ومن غير الصحيح الفرض لاحقا لما لم يُناقَش.
إني للأسف أجد العلمانيين أكثر صدقا، وشفافية، وأكثر تواضعا، وأكثر وضوحا، وأكثر مرونة، واستعدادا للتنازل، من كثير من جماعتنا [أي الإسلاميين].
ثانيا - إضافة «المجمع عليها»:
لا أدري ما الذي يجعل الإخوة الأعزة يرفضون تذييل "ثوابت وأحكام الإسلام" بعبارة "المجمع عليها" والتي دافع الشيخ جلال [الصغير] عنها بقوة وبشدة متناهية وأكثر مما دافعت أنا عنها بكثير [إمعانا في تمثيل دوره]، ولكن ضُغِط عليه [هكذا تصورت بسذاجتي آنذاك] ليتخلى عن قناعته. ماذا لو جاءنا فقيه يحرم الديمقراطية، أو يحرم العمل الحزبي، أو يفتي بلاشرعية الدستور الذي سيصوت عليه الشعب، أو يقول بالجهاد الابتدائي، أو الولاية المطلقة، أو عدم جواز تصدي المرأة للمواقع القيادية، كرئاسة الجمهورية، أو رئاسة الوزراء، من خلال اعتباره أن الموقعين مما تصدق عليه الولاية العامة المحرمة على المرأة حسب رأي فقهي مشهور، أو من يريد أن يهمش دور الجمعية الوطنية، أو غيرها من الأمور؟ [كأني نسيت أن همام حمودي نفسه هو القائل لو طلبت منا المرجعية حلّ الجمعية الوطنية لفعلنا] فهل نضمن أن يكون كل المراجع الآن وفي المستقبل بنفس الدرجة من الاعتدال والعقلانية والوعي كسماحة السيستاني، أم نريد أن نفصّل دستورا على مقاسات هذا السيد الجليل حفظه الله، ولا أظنه يريد ذلك؟ [بل إنه ليتحمل مسؤولية كل الذي جرى] ولاحظت أن هناك خطأ منطقيا في فهم العبارة، فكأنهم يتصورون أن العبارة تريد أن تضيّق الرجوع إلى الإسلام، إلى ما يكون إجماع عليه، ولا تسمح بالرجوع إليه، فيما دون ذلك، بينما العبارة تتكلم عن مساحة الدائرة الحمراء، فيما لا يجوز سن قانون يتعارض معه، بينما الرجوع إلى أي شيء مما نراه أنه من الإسلام، أو نرى أن فيه مصلحة إسلامية أو وطنية، حتى فيما لا إجماع عليه، ممكن مع توفر الأكثرية البرلمانية التي تصوّت للقانون، وكذلك الاعتراض على أي قانون يرى بعضنا أنه معارض للإسلام، ولو على ضوء رؤية فقهية ما، ممكن إذا ما حصل الرفض على أكثرية برلمانية. [وقد بذلت الكثير من الجهود والمناقشات من أجل إقناع الإسلاميين بالإبقاء على عبارة "المجمع عليها"، وكذلك بعدم إضافة كلمة "أحكام" قبل كلمة "الإسلام" بل الإبقاء على "ثوابت الإسلام" التي كانت في قانون إدارة الدولة.]
ثالثا - إضافة «ولا مع مبادئ الديمقراطية ...»:
هناك إصرار من محمود عثمان ومعه حميد مجيد وطاهر البكاء وآخرين [أي العلمانيين] على إضافة "ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من هذا الدستور"، بعد "مع ثوابت وأحكام الإسلام". وحيث أن إدراج العبارة في هذا المكان مقترنا بالإسلام يختزن شبهة تهمة [لا تبتعد أبدا عن الواقع، لتعدّد القراءات للإسلام حمّال الأوجه حسب تعبير علي] ضد الإسلام مما لا نقبله حتما. وبما أنهم يُصرّون على ذكر العبارة بهذا السياق مع ذكر الإسلام كمصدر تشريع لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه. وللخروج من هذه الإشكالية أرى الفصل بين أمرين؛ بين موقع الإسلام من الدستور كدين رسمي وهوية لغالبية الشعب العراقي، وبين موضوع شروط التشريع القانوني، فيكون إيراد كل منهما كالتالي:
الدين:
الإسلام دين الدولة الرسمي، والهوية العامة لغالبية الشعب العراقي [لم أكن متحسسا من هذه العبارة آنذاك، كما هو تحسسي منها بعد حسم تحولي للعلمانية، أو ربما لم أكن أعي خطورتها، أو كونها دعوى من غير دليل، لعدم حصول استفتاء سري، تطالب بموجبه غالبية الشعب]، التي يكفل هذا الدستور صيانتها، كما ويصون حقوق كافة الديانات الأخرى.
التشريعات القانونية:
1. الإسلام مصدر أساسي من مصادر التشريع (أو "الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع." إذا أُصِرّ على هذه العبارة). [لكني كنت معارضا بشدة لصيغة التعريف، لقربها من معنى الحصر.]
2. لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت وأحكام الإسلام (أو بإضافة «المجمع عليها»). [واو العطف رفعت بجعل العبارة "مع ثوابت أحكام الإسلام" بدلا مما كان في قانون إدارة الدولة "مع ثوابت الإسلام المجمع عليها".]
3. لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، ولا مع الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور. (أو «لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، لاسيما مع مبادئ الديمقراطية، ومع الأسس الدستورية الواردة في هذا الباب، ومع الحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني منه.»).
بهذا نكون قد لبينا طلب من يريد من العلمانيين ذكر المبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات مقترنة بذكر ثوابت وأحكام الإسلام، ولكن أوردنا ذلك في سياق التشريع القانوني، وعلى شكل فقرات منفصلة، وليس في سياق الإسلام، وبقيت المادة التي تتناول موقع الإسلام 1) كدين رسمي للدولة، و2) كهوية لغالبية الشعب، مادة منفصلة، وخالية من هذه المفردات؛ وكان من أجل تحقيق ذلك الخلو لا بد من تجريدها أيضا من شرط "عدم التعارض مع ثوابت وأحكام الإسلام"، ليُرحَّل هذا الشرط إلى موضوع التشريع، أو شروط التشريع القانوني، لتكون العلاقة الموضوعية أوثق صلة وأكثر وضوحا. [وتبقى كل هذه الحلول ترقيعية، ولا يكون الحل الجذري إلا بعلمانية الدستور وعلمانية الدولة، كما أوردته في ما أسميته بدستور 2025.]
ثم هناك تأكيد ثالث لموقع الإسلام أضيف، عندما ذكرنا أن "العراق بلد مسلم، متعدد القوميات والأديان والمذاهب."، هذه الإضافة التي جاءت كصيغة بديلة - كنت أول من طرحها - لمطلب الإخوة في تعريف الدولة بأنها "دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري ديمقراطي اتحادي (أو فيدرالي)." [ليس لقناعتي الذاتية بهذه الإضافة، بل لأني وجدت أن عبارة "بلد مسلم" أخف من عبارة "دولة إسلامية"، فهي محاولة مني آنئذ بدرء أكبر المفسدتين بأصغرهما كما يعبر الإسلاميون المتشرعة، خاصة عند معالجتهم للإشكال الشرعي في قبولهم بالديمقراطية، كمفسدة شرعية صغرى يدرأون بها الديكتاتورية اللاإسلامية كمفسدة شرعية كبرى]. وهنا لا بد من إضافة "بغالبيته" بعد "مسلم"، وإلا فالعبارة لا تستقيم لغويا، وتشتمل على - لا أقول تناقض بل - شبهة تناقض، بين القول بأنه "مسلم"، والقول بأنه "متعدد الأديان".
ولا ننس أن مبدأ التوافق، وليس مبدأ الغلبة، أو (المْغالَب باللام العراقية المفخمة) هو المطلوب اعتماده في كتابة الدستور. وأرجو ألّا أكون قد (دوخت) وصدعت لك رأسك، أو زدتُّ من صداعه، وعهدي بك سعة الصدر، راجيا ألا يتسرَّب شيء من مضامين رسالتي للسيد [يا لحسن الظن ويا للسذاجة] مع تحياتي ومودتي وتقديري ودعائي.
أخوك: ضياء الشكرچي
20/07/2005
[ملاحظة أخيرة لا بد من ذكرها: أيام كتابة الدستور كان هناك تنسيق وتطابق بين المجلس الأعلى وممثل المرجعية أحمد الصافي، ولعله بين المرجعية نفسها، أو على الأقل بين مدير مكتب المرجعية ابن المرجع محمد رضا السيستاني. فالمجلس الأعلى هو أكثر من ركب موجة المتاجرة والمزايدة بالولاء المطلق للمرجعية، واضطر الآخرون باللهث وراءه، ولكني أحتمل إن المرجعية قد غيرت من موقفها، لاسيما من المجلس الأعلى وحزب الدعوة، بعدما سودا وعموم الشيعسلامويين وجهها، عبر التجربة البائسة، وتورطهم بالفساد المالي وسرقة وهدر المال العام، وإهمالهم لتوفير الخدمات الحياتية الضرورية للشعب العراقي، ومن هنا كان موقف إعلاق باب المرجعية أمام السياسيين للسنوات الأخيرة من الولاية الثانية للمالكي، ثم موقفها الداعم للحيلولة دون الولاية الثالثة له، ثم الوقوف مع الحراك الشعبي الذي انطلق في 31 تموز من العام الماضي، وإلى غير ذلك مما هو معروف للجميع، بقطع النظر عن التحليل والتخمين لحقائق الأمور.]



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 60
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 59
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 58
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 57
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 56
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 55
- التناقضات في حكم سن التكليف
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 54
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 53
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 52
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 51
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 50
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 49
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 48
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 47
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 46
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 45
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 44
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 43
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 42


المزيد.....




- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 61