أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - اسماعيل جاسم - الأسرى العراقيون بين التفكيك النفسي وغرف الموت















المزيد.....

الأسرى العراقيون بين التفكيك النفسي وغرف الموت


اسماعيل جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5115 - 2016 / 3 / 27 - 19:34
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


الأسرى العراقيون بين التفكيك النفسي وغرف الموت / اسماعيل جاسم

اهداء ..
للتأريخ .. .
الى كل أسير مات مظلوما تحت تعذيب " الأسرى العراقيين " الذين كانوا اداة تعذيب بأيدي الاستخباارات الأيرانية , أخصهم بالذكر, الأسير " بيان " الذي كان يحمل بقلبه قنبلة موقوتة من شدة تعذيبه وضربه المبرح حتى سنحت له فرصة الانسلال من تحت الاسلاك ليفجر هذه القنبلة بعد أن خسف الأرض بنعليه , فراح مسرعاً لينتزع من الحراس الايرانيين بنادقهم بعد قتلهم مستغلاً تبادل الواجبات في السرية المسؤولة على حراسة المعسكر , فتوجه الى قاعته التي يقيم فيها معذبيه , اراد تصفيتهم جميعاً , قبيل اقترابه بخطوات قلائل اطلق عليه احد ابراج المراقبة اطلاقات من بندقية متوسطة اردته جريحا , رغم جراحه , ظل مستمرا بالرمي نحوهم الا انه اخيرا سقط ولم يتمكن من تحقيق ما كان يرومه , وعلى اثرها نقل الى المستشفى حتى فارق الحياة هناك , والى الاسير " صباح " الذي دُفن في الثلج الى حد رقبته في ديسمبر 1989 وهناك العديد ممن راح ضحية ثقافة الموت وسياسة العداء والاتهام . لهم لوحات حبنا وشموع حزننا على قبورهم والى غيرهم ممن ذاق العذاب بأنواعه / اراك – طريق السابع / رقم 971
في الساعات الأولى من اسرنا في 22/5 /1982 مع آلالآف اللائذة خلف هياكل البيوت المدمرة وتحت سقوفها الهاطلة ومنها جامع المحمرة الذي كان مكانا عفناً من كثرة الانقاض والرطوبة, تزاحمت الجموع المنكسرة الهاربة من الموت ,انحشرت في هذه الأمكنة , لم يزل القصف متواصلاً والمدفعية تدك تجمعات الجموع الغفيرة , مع كل انفلاق جوي أو قذيفة مدفع يتزاحم المحاصرون خلف جُدران هذا الجامع المتهالك ظانة انها سيحميها ويقيها شر الموت ,في هذه الأثناء نشاهد بعض الجرحى هنا وهناك في الساحات والشوارع وهم يحدقون بعيوننا يسألون معونة الآخرين ولكن لم نكن جديرين برد اسئلة تلك العيون , اية مساعدة ولكن كل واحد له شأنه لا ينشغل بغيره ابدا لأن الموت يداهم الجميع , وفاقد الشيء لا يعطيه , اقتربت أصوات البنادق الأيرانية , أمست تُسمع للقريبين منها , تمَّ رؤية اصحاب اللحى الكثة " الحرس الثوري الايراني " أومأوا لنا بألقاء السلاح أرضا , كانت السيارات مهيأة وعلى مقربة منا , بعضنا رفض الأستسلام بهذه الطريقة التي يعتبرها مشينة له ولكن مالعمل ؟ لا يوجد طريق آخر سوى القاء السلاح والقبول بالامر الواقع أو الموت بطلقة واحدة . من احدى الزوايا نطَّ من توه رجل عجوز طاعن في السن من الجيش الشعبي بصوت خفيض متعب , اتعبته عيون الرفاق الذين كانوا يبحثون عن كل واحد ليدفعوه لقمة سائغة , الرجل العجوز كان احدى ضحايا البعث وتجنيدهم القسري " كان جالسا على تلة صغيرة من التراب , بيده سيكارة يلتف دخانها مشكلاً غيمة عابرة تغطي جسده الخاوي , اسنانه الامامية قد اسقطها الزمن , مناداته للحاضرين لا يبدل من الامر شيئاً ,هذا الرجل يبدو عليه مصاب بالخرف, انهضوا وقاوموهم " الكل يعرف ان كل شيء انتهى لا ضابط يوجهك ولا قائد , جميع الاسلحة الثقيلة سُحبت وبقينا كأناس ضائعين , الخضوع يجعل الانسان مشتعلاً داخله , كل ضباط السرايا والافواج رفعوا عن اكتافهم الرتب العسكرية وانتزعوا نياشينهم واوسمتهم واندسوا بين الجنود خائفين , كان بجانبي آمر سريتي النقيب مهدي صالح مهدي وهوضابط استخبارات الفوج اضافة الى آمر السرية الثانية للواء التاسع حدود وكان الى جانبي ايضا مساعده الملازم الاول سنان ، يتهامسان فيما بينهما وقد سمعت ما يتحدثان به " لك مهدي راحت سياراتنا " ضحكت بصمت ساخر , نحن بأي حال وهؤلاء يتهامسان بكلام في وقت خسرنا حياتنا ونحن في مجهول تقرع طبوله ليس لدينا متسع من الوقت للتفكير في كيفية الخلاص انها الساعة وقيامها التفت نيرانها حول وجود ليس فيه فراغ أو منفذ للهروب تهامسا في يأس " عرب وين وطنبورة وين " , من هذين النموذجين وسواهما وجنودهما تعتقد انهم جاءوا رغما على انوفهم غير مؤمنين بالحرب ولا بعدالتها , كثيراً قد مات وهو يعلم انها حرب ظالمة خاصة تلك الطلائع التي دخلت مدينة المحمرة واهلها نائمون ففاجئتهم القوات العراقية بالمدفعية والطيران ومن ثم احتلالها , هل هي شجاعة أم خيانة لجار نام بأمان الله مع عائلته واطفاله .
تراكض الجنود مندفعين نحو السيارات لينهوا ازمة الجوع والعطش والخوف والقلق الذي خيَّمَ عليهم , اصفرّت الوجوه وذبلت وامتقعت بلون دمها الشاحب ,لا تسمع قهقهة ولا صوت شهيق او زفير فقط تسمع دبيب الاقدام التي ادماها الحجر والامها المسير واخفق قلوبها الهوس من مجهول وانقطاع عن ماض بكل علاقاته الانسانية والعائلية . في هذه الاثناء توافدت الافكار والذكريات وتجمعت في بوتقة الموت المؤجل وتشاؤميته , بدت الانطباعات تدون ذكرياتها من جديد في رحلة لا يعلم منتهاها أحد " واجه الجيش المنكسر احد المعممين " الشيوخ وهو يقول بتشف عميق وثأر لا يسد رمقه الا موت الاسرى جميعاً " اجيتو دخيسو , خستو دموتو " كأنه وحش كاسر يريد التهامنا مرة واحدة , عرفناه منذ اللحظات الأولى انه احد المهجرين الذين امتلأت قلوبهم غيضا وحنقاُ لا ينفدان وكأن الأسرى هم من اصدروا اوامرهم بالتهجير , في باديء الامر نُقلَ الأسرى في لوريات مكشوفة الى معسكر عُدَّ جديدا وهو عبارة عن موقع كبير محاط بساتر ترابي يشبه سدة ناظم باشا , واذا مرت به احدى السيارات تهب عاصفة ترابية تنعدم فيها الرؤيا , اصطففنا على شكل دائرة , جاء احد المعممين " آخون " يعني شيخ او مُبلِّغ بالفارسية ومعه ثلاثة اشخاص يرتدون البنطال والقميص في يدي الآخون كيس من " الجنفاص " الابيض جمع ما نمتلكه من نقود عراقية وذهبْ كالمحابس والقلائد والراديوات الترانسستور الصغيرة والساعات الثمينة وكل واحد يضع في هذا الكيس,بعضنا لم يسلم ما يملكه , هنا قال الشيخ كاذبا ان هذه الاموال والذهب سوف تسترد اليكم بعد تبادل الاسرى , التفت الواحد على الآخر وهو يحدق بعين صديقه مستغربا من كلام الشيخ الساذج , لأن العراقيين يعرفون الشيخ والسيد رمز للصدق والنزاهة خاصة عند اهل الجنوب قديماً ولكن تفاجأوا بهذا المعمم ، عرفوا ان السياسة لوثت عقولهم والطمع ملأ نفوسهم وسرقة ممتلكات الأسرى من المحرمات ، فعند الاسرى معلومة بسيطة " ان الاسير المسلم لا يجوز اخذ ممتلكاته كغنائم من دولة اسلامية , ظن الأسرى في حيرة من امرهم , هل سيتم اعدامهم في هذا المعسكر الترابي الكبير? بدليل المعسكر أُنشأ حديثاً واخذ ممتلكاتهم , وهي مقدمة لنهاية ,جميع الأسرى بقي الواحد منهم مسمر العينين مستغرباً لا يعرف ماذا يقول أو يفعل فقط بقي مرتجف القدمين وقد صعدت حمى الموت الى جميع مفاصل الأنسان , حولنا رجال غلاظ لا يعصون ما امرهم سيدهم متأهبون في كل لحظة مسلحون ببنادق G.E.C, الأمريكية حضرت الكوابيس تداعب جفوننا تغلبت علينا بعنفها وقساوتها لأشباع غريزتها البهيمية , لا يجرءوا على التحدث والاعتراض , ان ارواحهم طفت فوق تراب المعسكر تترقرق , تنزف جراحها وتندب حظها , ما أحوجنا الى الحب والعطف والحنان اننا في لحظات وداع أخير , اقتربت الساعة الى نزول الشفق والتراب يغمرنا الذي عفر أجسادنا العارية من الأعلى وبقينا ببناطيلنا فقط فلا نسمع ا بشرا ولا تُسمع استغاثاتنا ودعواتنا لا سماء ولا انسها , في هذه الأثناء التي كنا ننتظر حتفنا انتشر خبر مفاده أن السيد االاِمام " الخميني " جعل الأسرى ضيوف الرحمن , استبشرنا بالخبر خيراً , توافدت اللوريات ثانية نقلتنا مرة اخرى متجهة الى مدينة عبادان , في هذا الطريق الطويل شاهدنا عشرات الدبابات العراقية المحترقة وبعض الاليات الحربية , اعتصر قلوبنا الألم لهذا التهور الذي لم يحصد منه العراقيون وابناؤهم وجيشهم سوى الخيبة والخسارة والانكسار , مررنا بشوارع المدينة خرج اهالي هذه المدينة في الشوارع فكانت النسوة يخمشن خدودهن وهنَّ يلوحن بأيديهن بالحزن والبكاء ، عبادان مدينة عراقية قديمة وفيها من العشائر العراقية والعوائل المعروفة بتصاهرها مع المدن الجنوبية , وصل الأسرى الى جملون كبير كان مكتظاً لا تسمع شيئا سوى الضجيج , ً وزع القائمون فيه تمرا عفنا وقديما والماء , قضينا ليلتنا تحت سقفه , بين ضجيجه حتى الصباح الباكر , كان القطار بأنتظارنا معداً لنقل جميع ما في الجملون الى طهران , ان الانسان اثناء مواجهة الضياع والمجهول تتقاذفه الحسرات ونوبات ألم ووجع شكلا لوحة الوانها من الوان وجوهنا الرمادية والصفراء والمتربة كأننا أشجار في فصل الخريف منحنية متداخلة بعضها البعض بعيدة من منابع المياه والضوء , تشكلت لدى الأسرى صورة مخالفة تماما عما كانت في ماضيهم القريب , اكتووا بنيران الحزن الذي رسم ملامحه على عيون غائرة ووجوه ذابلة . مازال القطار يمضي نحو عالمه وما فيه يتأوه بطريقته المألوفة , فقلت وأنا أملأ غليون غرائبيتي من تبغ انفاسنا المحتشدة , لم نسمع منه الا اصوات فواصل السكة الحديدية , جق , جق تدعوك متيقضا طوال الليل , القطار مخصص لنقل البضائع بعرباته الحديدية تذكرنا بقطار الموت حينما سار من بغداد باتجاه السماوة في صيف لاهب وهو ينقل المعتقلين , لكن قطارنا سار بنا ليلاً متجهاً نحو طهران وحين وصولنا , نقلتنا سيارات مخصصة لنقل المسافرين , حين وصولنا الى المعسكر " لشكرك " في البدء , تم توزيع البطانيات السوداء مركونة جانباً يراد اتلافها حرقاً أو ارسالها الى موقع النفايات لم تعد صالحة للاستخدام الدم المتيبس عليها وهي كانت لجنود ايرانيين جرحى او قتلى ولكن ليس في الأمر بد . وزعت علينا , تقززت نفوسنا ونفرت منها ، اسرع كل واحد منا الى غسلها بالماء الحار الذي ساعدنا عليه احد الضباط الايرانيين الكبار الذي كان مسؤولاً على المعسكر , اختار من بيننا بعض الأسرى وذهب بنا الى داخل غابة المصيف , كانت بعض الاشجار اليابسة , جمعنا جزءا منها وجئنا بالحطب وبالصفيح الفارغ , المعسكر ليس فيه من اسرة , كان نومنا على ارض القاعات , عشنا في المعسكر " معسكر لشكرك " قرابة اربعة شهور , قبيل دخول فصل الشتاء نُقلنا الى مكان آخر ,
للموضوع تتمة



#اسماعيل_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آنا غريغور...
- سونرات الموت مازالت تحصدنا / اسماعيل جاسم
- الوعي المقلوب والتخطيط المقلوب في مشاريع احزاب السلطة
- خِلو الساحة السياسية العراقية من التيارات الثورية
- تضافرَ الفاسدون وتراخى الباقون
- تموز
- بغداد ... الجدار الاسمنتي والاقاليم
- بيع املاك الدولة اخر ورقة يستخدمها ساسة العراق
- هاجس الخوف من القادم يجعلك خارج نمطية المألوف
- شفق الغروب
- تفجيرات بغدادالجديدة
- احذروا العراقي اذا غضب يا قادة الكتل
- تمخض موفق الربيعي فولد جيشا ثوريا
- المدارس والجامعات الأهلية في العراق / ماضٍ جميل وحاضر منكفأ
- لا شلب لا طحن ولا دبش
- هل نحن بحاجة الى فتوى دينية اخرى ؟
- مهاجر ترك العراق يبكي
- الموت في العراق تكنولوجيا لأيديولوجيا التطرف
- منظمات المجتمع المدني بين الهيمنة وغياب الدعم / العراق انموذ ...
- لحظات هدير الأقدام


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - اسماعيل جاسم - الأسرى العراقيون بين التفكيك النفسي وغرف الموت