أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - مجنون














المزيد.....

مجنون


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1386 - 2005 / 11 / 22 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


الناس ينظرون إليه باستهجان، كل من حوله، كان الشارع بأكمله يتابعه، رجلٌ في العقد الرابع من عمره، يمشي في منتصف الشارع، ويتحدث مع نفسه، يحرك يديه بعصبية، يرتطم بالمارة، وينظر شذراً فيما حوله.
الناس يحاولون أن يبتعدوا عن هذا المجنون، الهمس يتصاعد فيما حوله، لكنه لا يهتم، يبدو منشغلاً عن كل ما حوله، امرأة تقول: "يا واهب العقل والدين، ارحمه". رجل ينظر إليه، ثم يضرب كفيه ببعض ويزفر "الله ينجينا". والرجل يعبرهم غير آبه بكل ردات أفعالهم.
كل ما يهمه، هو الكلام والزبد الذي يتطاير من شدقيه، وهو يحدث نفسه، ويصرخ بها، إنما بلا صوتٍ مرتفع، الناس يتابعون الأمر، كما لو أنه حدثٌ تلفزيوني، أو مهرجان، أو حتى استعراض، كلٌ يمد رأسه، كل يحاول أخذ قطعةً من هذا المشهد.
فجأة، يتوقف الرجل فجأة، فيرتطم به أحد المارة، يتبادلان كلماتٍ بسيطة، وفجأةً يضرب الرجل المجنون المار بيده، ثم ينقض عليه، ينهال عليه بالضرب، ولا يتوقف. يهرع المارة-المشاهدون، -الذين انتقلوا الآن من مرحلة المتابعة إلى مرحلة المشاركة في الحدث- يبعدون الرجل-المجنون عن المار المسكين، لكن الآوان قد فات، فالرجل المار كان قد أضحى مدماً من كثرة الضرب والركل اللذان تعرض لهما من رجلٍ لا يعرف عنه شيئاً، ولم يره مسبقاً.
الشرطة تهرع إلى المكان، تنقض على المكان، كما لو أنه صيدٌ جديد، وكالعادة تصل متأخرة، ويكون الحدث قد مضى عليه وقتٌ طويلٌ، تأخذ الرجلين معها في الجيب، ليقع عليهما الحد...
****************
الضابط، يتنحنح في مكانه، ينظر حوله، الصباح وقتٌ مزعجٌ للاستيقاظ، والأسوأ أن يكون عملك مع الحثالة، فكر بالأمر قليلاً، لكنه عاد وحاول أن ينفض الموضوع عنه، كي لا يشعر بمرارة ما يفعله. هب إلى صيدلية صغيرةٍ في الحائط إلى جواره، أخذ منها دوءاً، أخذه على عجل، فجأة دق الباب، كان الحارس على الباب، قد أتى ليخبره بأن هناك امرأة تريد مقابلته بشأن حادثة الصباح. نظر إلى الحارس ثم طلب منه أن يدخلها.
دخلت تلك المرأة، نظرت إليه بهلع ثم سألته عن الرجل الملقى في الزنزانة، بسبب ذلك الشجار، والهجوم على رجلٍ في الشارع، فهز برأسه، مخبراً إياها بأن هذا الرجل هاجم شخصاً ماراً في الشارع بلا سبب، وبأنه أدخله إلى المستشفى، ولربما هو في حال خطرة من جراء هذا الهجوم.
المرأة فتحت حقيبة يدها، أخرجت مجموعة أوراق طبية، ومدتها أمام الضابط، وهي تخبره بأن شقيقها المحجوز، مريض عقلياً، وبأنه يتابع علاجه لدى أطباء متعددين، ومنذُ فترة طويلة، وبأنه لا يمكن أبداً أن يحاكم كأي مجرمٍ عادي، لأنه ببساطة فاقدٌ للأهلية العقلية، وبأن مشاكله النفسية تسيطر عليه، لكنه قلما يكون عنيفاً.
نظر الضابط طويلاً إلى الأوراق، لقد كانت شهادات طبية، وافادات تثبت بأن هذا الشخص فعلاً هو مريض عقلي، والمرأة لا تزال تتكلم أمامه. ينظر إليها طويلاً، ثم يخبرها بأنه سينظر في الأمر، ويرى ما بإمكانه أن يفعل وإذا كان بإمكانه أن يخرجه من الحجز لكي يخرج معها. المرأة طلبت منه أن يسمح لها برؤيته كي تحادثه، وبأنه ربما حالته ستسوء إذا ما بقي هنا أكثر.
رفع الضابط رأسه، ثم نده للحارس على الباب، وطلب منه أن يحضر الرجل الموجود في الحجز في قضية شجار الصباح، وطمأن المرأة بأنها ستراه، وبأنه سيحاول أن يفعل كل ما يستطيعه لكي لا يبقى شقيقها في الحجز.
بعد ثوانٍ، يطرق الباب، الحارس يدخل ممسكاً برجلٍ من يده، الضابط يقف من وراء مكتبه، ويقول للمرأة أتركك إذن مع شقيقك، المرأة تدير رأسها تنظر تجاه الرجل، ثم تتفاجأ، "لكن هذا ليس شقيقي"، تخبر الضابط، الضابط ينده للحارس ويتهمه بالخطأ، الحارس يؤكد أن هذا هو الرجل المطلوب، المرأة تؤكد أن هذا الرجل ليس بشقيقها.
********************
بعد ذلك تم إيضاح الأمر، فالمذنب لم يكن شقيقها، بل رجلٍ عادي، مرَ به يوم أكثر من عادي، فأثقله، فأثقل... حتى على المجانين...



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخال الخطى
- مقطع مترجم من قصيدة -أوروبا الثقة- لسوزان هوي
- طائرة من ورق- قصيدة مترجمة لروبرت سوارد
- على مقعدٍ بجوار بحيرة-قصيدة مترجمة لدانيلا جوزيفي
- وحدة المرأة الحامل-قصيدة مترجمة لدانيلا جيوزفي
- شوية حب
- Over ذوق... أف
- عن مايكل مور ورجاله البيض الأغبياء...
- استقلال
- بغداد - نص مشهدي مسرحي
- عن سحر طه، وبغداد
- انتماء
- أغاني المطر
- تأملات
- لليلٍ بلا انتهاء، تغني سحر
- قدميها
- لا يعني شيئاً
- عن البمقراطية
- عن البيمقراطية
- وقلت أعود بانتظاري القمر


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - مجنون