أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الواقع والرمز والفانتازيا في رواية -الأبلة ومنسية وياسمين- الميلودي شغموم















المزيد.....

الواقع والرمز والفانتازيا في رواية -الأبلة ومنسية وياسمين- الميلودي شغموم


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 24 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


الواقع والرمز والفانتازيا في رواية
"الأبلة ومنسية وياسمين"
الميلودي شغموم
رواية نشرت في عام 1982 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وهي تتحدث عن واقع تشكيل الانظمة الرسمية العربية، حيث كان هناك شخصية رجل أبلة يتهكم عليه أهل القرية، وبعد أن يأتي الرجل الأبيض باسلحته إلى القرية يهرب الرجال، "أخفت النساء الرجال الهاربين" ص10، لكن الأبلة لا أحد يعلم أين ذهب، لكنه يعود بصحبة رجل أبيض وامرأة شقراء، وتبدأ القرية تأخذ في التشكيل الجديد، بحيث يكون هناك بيت للأبلة متميز عن بيوت القرية، ويبدأ بتقسيم العمل فيها، ويأخذ الاستغلال مكانة في القرية، ويتشكل نظام الشرطة الذي يعاقب كل متخلف عن القيام بواجبه، أو من يحاول المس بهيكلة النظام المشكل من الأبلة والرجل الأبيض والمرأة الشقراء.
ضمن هذا الواقع تدور احداث قرية "المنسية"، التي تحمل الرمزية للنظام الرسمي العربي، فهي بلا شكل تتماثل طبيعة تشكيلها مع العديد من الانظمة الرسمية العربية، التي يستعين فيها الحاكم "الأبلة" بالخبرات الغربية في قمع وتطويع المجتمع لصالح المصلحة الغربية، هناك ثلاثة رواة للأحداث، الجدة والجد والراوي، وكلهم يرون قصة القرية، يختلفون في بعض التفاصيل، ويجتمعون على عمالة الأبلة للرجل الأبيض، وعلى قذارة النظام المتشكل، هناك أحداث تبدو طبيعية، وأخرى تحمل الرمزية، وبعضها جاء بشكل الفانتازيا، بهذه الاشكال قدم "الميلودي شغموم" واقعنا، فهو واقع بائس، يتحالف فيه الجهل والنظام والغرب لطمس وقتل أي تطور فيه.
الواقع
هناك مجموعة احداث قدمت لنا بشكل واقعي تماما، حيث نجدها تتماثل مع نمط الحياة في مجتمعاتنا، فنحن مجتمع طارد/قاهر/مشرد/قامع للإبداع، مهما كان شكل هذا الإبداع، "ذهب الزمان الذي كان العالم فيه يقبل أن يصلب أو يشنق أو يتجرع السم من أجل الحقيقة، فيموت ويستمر مشعا في الحقيقة الموقف" ص 8، بهذا الواقع المحبط يبدأ الراوي في سرد حكايته عن "المنسية"، فهي بلا شك بهذا الوصف ترسم في ذهننا مشهد الموت والقتل لأي شخص/جهة تحاول أن تتجاوز المألوف وتطور الحال، فلا مجال لظهور أي تجديد او تغير للواقع، فهي تتوارث القتل جيلا عن جيل، وما يزيد من بؤس الحال، بأنه لم يعد هناك من يمتلك النبل والشهامة والجرأة لبوح الحقيقة والمجاهرة بها، فقد أمسى الكل خانع مطيع للسيد الحاكم ولا يوجد من يتطاول على رب "المنسية".
أذا كان هذا حال "المنسية" بعد تأثير النظام على المجتمع، فما هي حالة المجتمع؟، يخبرنا الراوي عن كيف تفكير مجتمعنا فيقول: "فالذبابة تولد في هذه القرية اتصير في مدة قصيرة فيلا أو زرافة أو نسرا، وهكذا يتفنن خيال القرية العجيب في خلق صورة مناقضة تماما لتلك الصورة التي كانت للأبلة منذ عودته إلى القرية" ص17، كافة المجتمعات المتخلفة "تجعل من الحبة قبة" وتكذب الكذبة ثم تصدقها، وتبني بيوتا من الوهم والخيال وتسكنها وتنام فيها بطمأنينة، وكأنها الواقع تماما، من يتطلع على طريقة التعامل مع الحاكم العربي يتأكد له تطابق ما جاء به الراوي مع الواقع، فكان هناك القائد والمعظم والفاتح والمعلم والمؤمن والباني...، وكل هذه الصفات كانت على حساب قمع وتجهيل المجتمع، بحيث وجدنا (حكامنا) يتماثلون مع المقدس ويجب علينا أن نتبرك بهم ونجلهم على ما يمتلكونه من قدرات على تحقيق الأمن وبناء الدولة والحفاظ على الدين والمجتمع، فهم ورثة الأنبياء.
من هنا كل ما يقومون به مقبون ولا يخضع للنقاش أو التفكير، فكل ما يقوم به النبي/الرب يجب الخضوع له وتأيده، "لنقبل التعاون مع النصارى تجنبا لشرهم فننجو وننعم" ص72، بهذا القرار يتم تبرير العلاقة غير السوية بين حكامنا والغرب الامبريالي، فنحن مستخدمين عندهم ونخضع لهم مقابل أن يمدوا حكامنا بالوسائل والمعدات التي تبقيهم على سدة الحكم.
عندما تشكل النظام الرسمي العربي اعتمد كثيرا على رجال الأمن والمخبرين، فهم أهم أساس النظام الحاكم، وبدونهم يفقد النظام سيطرته ثم وجوده، من هنا تشكلت لهؤلاء الرجال مكانة خاصة، ويمتلكون امتيازات استثنائية تتمثل فيما يلي: "...أن صارت مصدر قلق وانزعاج كثير من الأهالي، فهي لم تخض أية معركة دفاعا عن القرية لأن القرية لم تعرف أي خطر خارجي منذ حادثة الفورصة، وهي تمنح كل ما تطلب إلى حد الدلال، غير أنها مع الأسف تتعسف ضد السكان بمناسبة وبغير مناسبة، فتستولي بالقوة على بعض رؤوس الغنم، أو تحرق قمح من تدعي أن بصره أطول من أنفه" ص83 و84، فهم من خلال الوصف السابق يأخذوا كل ما يريدون دون أن يسهموا في الانتاج، فهم عالة على الآخرين، وفي ذات الوقت يمارسوا سطوة عليهم، فهم أقرب إلى الزعران منهم لرجال دولة.
ضمن هذا الواقع، الذي يسود فيه الجهل، ويستفحل فيه القمع، تتعظم مكانة "الأبلة" بحيث يصلح إلى حد التأليه، "لا إله إلا الأبلة، نحمده على فضائلة ونشكره على نعمة، قبل خلقة لنا لم نكن سوى حيوانات ضالة في المنسية، عندما خلقنا خلق نفسه، وعندما خلق ذاته خلقنا في نفس الآن، نحن هو وهو نحن، لكنه مع ذلك سيدنا ومولانا، فتبارك الأبلة، آمين" ص 85، لن نقول بأن هذه الصورة تحمل المغالاة، فهو تمثل واقع العلاقة بين المجتمع العربي والنظام، فحتى الآن نسمع كلمة "خادم الحرمين، والمعظم، والجلالة، والباني، ولم يبقى لنا إلا أن نصلي لهؤلاء، هذا واقعنا الآن في عصر النت وعير الفضاء المفتوح، فما بالينا عندما كانت الحدود مغلقة، والصحف والمجلات لا تدخل إلا بعد موافقة رجال المخابرات!.
ممارسات النظام الرسمي العربي اتجاه المواطن تمثلت في القمع والمنع كوسائل لتثبيت أركان النظام، فكان المواطن ممنوع من الكثير الحقوق، وفي المقابل عليه واجبات لا تعد ولا تحصى، فالنظام قائم على مص دم الشعب واضطهاده بكل الوسائل، "...منع الهجرة ويعتبر كل من يحاول الهجرة خائنا للمصلحة الوطنية ويأمر في ذلك القرار رئيس الشؤون الدنيوية بتجريده فورا من املاكه وعزله عن زوجته وأولاده واعدامه بلا محاكمة. ... وفي المقابل أعلنت الزيادة في الضرائب، ورفع من أسعار استعمال المرافق العمومية والمواد الغذائية" ص89، الضغط على المواطن يأخذ اتجاهين، الأول في الحريات، والثاني في اسباب الحياة الكريمة، فيكون بين فكي كماشة، بطش النظام وصعوبة توفير متطلبات العيش، وإذا ما أضافنا إليهما الجهل الذي يواكب كل هذا، نتأكد بؤس الحال والحياة في هكذا واقع، وهذا ما جعل النظام الرسمي العربي يستمر في البقاء،.
يصف لنا الراوي طبيعة (مؤسسات الدولة) والكيفية/الشكل الذي تبدو فيه، فيقول عن المستشفيات: " ـ هل تطن أن في المدينة مستشفيات تستحق حقا هذا الاسم؟ في البلدان المتخلفة، كل شيء متخلف، ولا تختلف المدن عن القرى إلا بالعيادات الخصوصية، أي الخاصة بالأغنياء" ص100، " ـ لا توجد أي صيدلية بالمنسية، أقرب صيدلية توجد بمدينة الراية على بعد سبعين كلو متر" ص 103، هذا هو واقع مؤسسات الدولة، فهي مجرد أسماء، لا تغني ولا تسمن من جوع، ومن يتمتع بالعناية والحقوق والرفاهية هم اصحاب النفوذ والأغنياء فقط، فالمجتمع مقسوم طبقيا إلى طبقتين، الأولى الاغنياء والمتنفذين، والثانية العامة من الشعب.
الفاتنازيا
الطرق والاساليب التي استخدمها النظام الرسمي العربي اتجاه المواطنين تأخذ شكل الفانتازيا، فحجم وشكل العلاقة كان يتجاوز المنطق، ويخرج عن العقل، الممنوعات والمحرمات ومستوى وحجم الفقر المتفشي بين الناس، الجهل والمحرمات التي تتزايد يوما بعد يوم، كلها جعلت من الحياة تأخذ شكل الفانتازيا، فالمواطن يعيش في القرن العشرين وقوانين السارية هي قوانين روما ضد سبارتيكوس.
فبعد عودة "الأبلة" مع الأبيض والشقراء إلى "المنسية" بهيئته الجديدة، وتقديمه الحشيش لسكانها وجدنا أهل "المنسية" بهذا الشكل: "فلما اطفئت الانوار لم يعد يميز الرجال بين زوجته وزوجة جاره ولا بين امه أو أخته وابنته" ص12، بهذا الطعم (الحشيش والجنس) تم تخدير أهل "المنسية" ليتم بعدها السيطرة عليهم، وجعلهم خاضعين لرغبات "الأبلة" وسلطته، فهاتين الوسيلتين "الجنس والتحشيش" تجعل الشعب يتقهقر إلى ما دون مستوى الحيوان، فيندفع نحو غريزة شهوة الجنس، وأيضا تفكيره معطل/متوقف عن العمل من خلال المحرمات والممنوعات التي اوجدها النظام بوسائل متعددة.
ومن أشكال الفانتازيا التي تناولها الراوي في "المنسية" هذا الشكل: "...وحددت فيها مضاجعة النساء بمرة واحدة في الشهر، ومنع استخدام الفحم والخشب في غير المرافق العمومية، ومنع الكلام منعا باتا واستبدل بالإشارات بالإضافة إلى اعتبار الحمل مؤامرة يعاقب عليها القانون بالإعدام، ومنع استخدام المياه في البيوت منعا باتا مطلقا والسماح بتقديمه للشرب في الملهي والماخور وحدهما" ص89، قد يبدو هذا الشكل من التعامل مع المواطن العربي مبالغ فيه، لكنه قريب من الحقيقة، لكن من عاش في القرن الماضي يعلم بأن التجمعات كانت ممنوعة في الامكان العامة، وإذا عقدت في الامكان الخاصة فهي بحاجة إلى موافقة أمنية
، والكلام كن من المحظورات التي تمس أمن الدولة، من هنا كان الكلام ممنوع، وأزمة المياه مستفحلة في المدن والقرى العربية.
رغم الشكل المضخم لهذه الأحداث والاجراءات إلا نها تبقى قريبة من الواقع وتلامس الحقيقة المرة التي عاشها وما زال يعيشها المواطن العربي.
الرمز
في ظل الاجراءات انفة الذكر كان لا بد للكاتب التنويري أن يتخطى الممنوعات والمحرمات، فاستخدم الرمز كتغطية له من الملاحقة الامنية والقانونية، "الميلودي شغموم" عاش فترة القمع وهي في ذروتها، فكان لا بد يتهرب من الطرح المباشر ويستخدم الرمز، الذي يوصل الحقيقة والمعلومة بشكل أدبي وأعمق في العقل والنفس، فكان اسم الرواية يحمل الرمز بشكل واضح، ف"المنسية" هي الدولة العربية الرسمية، "والأبلة" النظام ارسمي العربي، "وياسمين" هو الحلم، الأمل، الفكرة المتحررة، فالاسم يعطي رمزية واضحة عن العمل.
أما فيما يتعلق بمحتوى النص، فهناك العديد من العديد من الاحداث قدمت لنا بشكل رمزي، فيقول الراوي عن "المنسية": " لعلك أدركت الآن أن القرية صارت مملكة قائمة بذاتها" ص 14، فهذا الكلام يعطي دلالة إلى رمزية المكان، المملكة المغربية.
لتجنب المطاردة القانونية المتعلقة بالمس/قدح المقامات العليا/العائلة المالكة نجد هذا الاستحضار الرمزي: " وما أطول حفلات القرية حين تضع الشقراء أو يحل عيد ميلاد أحد ابنائها" ص15، دائما كان النظام الرسمي العربي يجبر المواطن على إظهار الفرح والبهجة في مسائل متعلقة بشخص أو اسرة الحاكم، وهذه الأفراح كان مفروضة وإجبارية، وكل من يتخلف عنها أو لا يبدي مشاعر الفرح فيها يعاقب ويتهم بالخيانة الوطنية.
وعندما يستفحل أمر الأبلة وحاشيته، يقول أحد أبناء القرية عنه: " أن الأبلة يريد خرابكم، والأبيض يريد خرابكم، إنهما منافقان، إن الأبلة يوهمكم بأنكم ستصيرون أقوياء، لكن ضعفكم هو ما بريد" ص78 و79، فهذا الكلام رمزي مقصود به الحاكم العربي والغرب حليف النظام الرسمي.
وبعد أن تنتهي الجدة من سرد حكاية "المنسية" تموت، والجد أيضا يموت بعد أن يروي حكايته عنها، وهذا الأمر يحمل الرمز، بمعنى أن كل من يتحدث عن الحقيقة يتعرض للموت، فالنظام الرسمي العربي لا يريد لأحد أن يتحدث عن طريقة تكوينه، بل يرد أن يتحدث الجمهور عن الحكاية التي كتبها هو، الحكاية المشوهة، الزائفة، يقول الراوي عن هذا الموت المصالح لرواة حكاية "المنسية": " لماذا يموت الناس بهذا الشكل بعد حكاية، مجرد حكاية صغيرة؟ لماذا يموت رواة الحكاية؟ ...حكت جدتي حكاية المنسية والأبلة وماتت، وحكى جدي حكاية الأبلة والمنسية فمات، هل يموت كل من يحكي هذه الحكاية، هل أموت بعد أن أحكي هذه الحكاية" ص 94، أعتقد بأن "الميلودي شغموم" تأثر برواية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف التي تناول فيها تشكيل الممالك والامارات في الخليج العربي، وكيف كانت هذه الممالك مجرد وهم، ومن أنشأها وقواها هو الغرب، فهي لا تملك أيا من مقومات الدولة الحديثة، وهذا الأمر ينطبق على دول المغرب العربي أيضا، فالشعوب يعانوا من ظلم وتخلف النظام كما هو الحال في المشرق، من هنا كان الراوي يردنا أن نربط بين الحقيقة وتعرض من يتحدث بها بعقوبة الموت التي ستكون الرادع لكل من يمس هيبة ومكانة (القائد المؤسس)!
وبعد أن يفشل الراوي في معرفة مكان "يسمين" الفتاة الشابة الجميلة رمز الحلم بالحرية، في "المنسية" نجده ييأس ويكفر بالتغير، أو بإيجاد حل لهذا الواقع البائس فيقول: "أين توجدين أيتها القرية الزانية؟
هل صرت كابوسا أو خرافة أو أسطورة؟ ثم تنهد:
ـ وداعا يا ياسمين!" ص 121، بهذه النهاية يكون الراوي قدم لما فكرته عن التغير، عن الثورة، عن الحلم، الأمل، فكل فكرة في الخلاص من الأبلة والأبيض والشقراء مجرد وهم، سراد، من هنا كان اليأس هو سيد الموقف.
الحكم والأمثال
في عمل يطرح هموم المجتمع ويحكي عن واقع النظام الرسمي والشعبي لا بد من استخدام أمثال شعبية، وأيضا رويته الكاتب عن الحياة، فالرواية تمثل تاريخ دول وممالك، وكيف نشأت وطورت أساليب عملها، من هنا قدم لنا الراوي مجموعة من الحكم والأمثال منها: "من يملكك قوتي فهو سيدي ومولاي" ص 13، فكرة العامة عن التبعية لمن يفدم لهم متطلبات، فهم يقبلون بمفهوم العبودية مقابل الطعام!
"هل يصلح العطار ما افسد الدهر؟" ص61، كناية عن حجم المأساة التي يعيشها المجتمع والنظام معا.
أما الحكم، روية الكاتب عن الحياة والواقع، فكانت بهذا الشكل، "فالعلم بحر، لا يدخله إلا سباح ماهر أو بدوي أحمق لا يعرف عن خطوه شيئا" ص 8، هذا الكلام متعلق بسرد/كشف حقيقة تشكيل النظام الرسمي، فالراوي أرد توضيح حقيقة ما يصبوا إليه من وراء هذه الرواية.
"أن أولاد الحرام يقتتلون في هذه الدنيا من أجل المال أو الجاه أو الانتقام، لكن أولاد الحلال هم الضحايا الذين يؤدون الثمن" 41، الصراعات بين الكبار/المتنفذين، يدفع ثمنها الشعل البسيط.
"لا تدع نفسك تصير عدوك، ولا تدع أخاك يصير عدوك فيهلك وتهلك" ص 55، حكمة التعامل مع الذات ومع الأقارب، وضرورة معرفة العدو، الخصم الذي يجب أن يحارب.
"فالجحيم أن يظل الجسد معلقا إلى أشياء لا يمكن أن يستغني عنها ولكنها لا يمكن أن تتوافر لديه" ص62، ضرورة التعامل مع الواقع وليس من الوهم، أو متطلبات/حاجة الغريزة.
"رأي تقوله لنفسك ولا تشرك فيه أحدا، ورأي تشرك لا فيه حتى نفسك، ورأي تشرك فيه أصدقاءك المقربين جدا، ورأي تقوله لهؤلاء العامة، ورأي تقوله للأبلة وآذانه" ص86، حكمة التحدث والكلام، فليس كل ما في نفسنا يجب أن نقوله لأيا كان.
التراث والدين
لكي يقرب الراوي فكرته للمتلقي كان لا بد من استحضار شيئا من الموروث الثقافي للمجتمع الذي كتب عنه والذي كتب له، وبما أن الرواية مكتوبة عن مجتمع عربي، كان لا بد من استحضار شيئا من التراث الشعبي والديني، فهما جزأ اساسي من مكونات ثقافة هذا المجتمع، ولكي يستنهض الراوي ذهن القارئ نجده يستخدم نموذج سرد الاحاديث النبوية في روايته فيقول: "حدثتني والدتي عن جدة أمي عن جدة جدتي عن .." ص 9، وكأن الراوي من خلال هذا الأمر يريد أن يربط قصته بالمقدس، فهي امتداد للموروث الثقافي.
ويقول أيضا: " وأني أراكم اليوم كالذئب الذي رأى صورته في الماء فارتمى عليها" ص 55، فهنا طريقة الحديث تأخذ ما يتماثل مع الاسلوب المتبع في التراث العربي الاسلامي القديم، مما يجعل النص يأخذ البعد التراثي والتاريخي.
ويضيف الراوي مخصبا كلامه بما يتماثل مع ما جاء به العهد القديم فيقول: " أحب أن أراكم في حقولكم وأن العرق بغسل خطيئتكم" ص57، فهذا الكلام يقترب بمعناه مع ما جاء به العهد القديم بعد أن أقترف آدم وزوجه خطيئة الأكل من الشجرة المحرمة.
وكان للإنجيل مكان في النص فقال: "ـ لا تسخروا من ضعفائكم، يقول ابن السماء" ص 62، فهذا الخطاب قريب ومتوازي مع ما جاء به الإنجيل.
أما القرآن الكريم فقد أخذ الحيز الأكبر من خطاب الرواة، فهو الاوسع انتشارا والاكثر تأثيرا في المجتمع، وهذا النسبية في استخدام النص المقدس تعكس تركيبة المجتمع الدينية وحجم كل ملة فيه، وكأن الراوي أرد أن يقول لنا بأن مجتمعنا متعدد الثقافات، ويحمل مفهوم التنوع، الذي من المفترض أن يثري قافة المجتمع، لكن بؤس الحال يطال الجميع ودون استثناء، فالكل يخضع "للأبلة" ويتماشى مع النهج السائد.
"إني بإذن الله جاعل منكم خير قرية أخرجت للناس" ص54، هذا الكلام يحاكي الآية القرآنية "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ويقول أيضا: "وتذهب ريحكم" بذات الشكل الذي جاءت به الآية القرآنية، ويقول: "وهو لا يضيع أجر الطائعين" ص 69، تماثلا مع الآية القرآنية، "أن الله لا يضع أجر المحسنين"، ونجد الاستحضار للحديث النبوي بشكل واضح في النص الروئي، كتأكيد على الاستعانة به من قبل "الأبلة" الحاكم في تثبيت أركان الحكم واخضاع الناس، فيقول: "وأني لأوصيكن خيرا بأنفسكن، فلا تظلمن أحداكن نفسها فتستبيح دمها، ... ولا أحب أن يعصي لي أمرا، لا أحب الغدر، ولا أرحم من غدر، أني لأى من داخل قصري ما خفى منكن وما ظهر" ص 71، بهذا الاستخدام للموروث الديني يؤكد دور القافة الدينية في ترويض الشعب، وفي بقاءه على هامش الثقافات الأخرى، فالراوي أردنا أن نعيد النظر في هذا الموروث والتعاطي معه بشكل جديد، فهو يمثل أحد الوسائل لقمع الشعب، من هنا لابد من إعادة النظر فيه، وبطريقة استخدامه، في فهمنا له.
لا شك أن عدد الرواة الثلاث الأحداث "المنسية" جعلنا المتلقي يأخذ الفكرة من كافة الزوايا، فهناك إجماع من الرواة الثلاث بعقم الحال، عقم الأبلة والناس معا، وهذا الواقع يجعلنا نبحث عن الحل، هل هو بما قاله الراوي:
"أين توجدين أيتها القرية الزانية؟
هل صرت كابوسا أو خرافة أو أسطورة؟ ثم تنهد:
ـ وداعا يا ياسمين!" ص 121؟ أم أنه أرادنا أن نبحث عن طريقة أخرى؟



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة بين الشكل والمضمون في كتاب -كأنها نصف الحقيقة- فراس حج ...
- كتاب -في ذكرى محمود درويش- فراس حج محمد
- البطل والمرأة في رواية -الشراع والعاصفة- حنا مينة
- الانذهال بالغرب
- الكآبة في ديوان -فهرس الأخطاء- عبود الجابري
- العرض الجيد في سلسلة -أعلام الشعر العربي الحديث- ريتا عوض
- حصار الشاعر في ديوان -حالة حصار- محمود درويش
- الرواية البائسة -آه يا حضن أمي- سامي محريز
- الإيحاءات الجنسية في ديوان -منكِ أسقي منديل الغيم- ليلى مقدس ...
- شركات الفساد
- السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق
- اليأس والجنون في -غرفة بملايين الجدران- محمد الماغوط
- المرأة في مجموعة - دم بارد- جميلة عمايرة
- الحي الشعبي التركي في رواية -الهزيل بائع السجائر المهربة- رف ...
- الفلسطيني وأشكال النضال
- النص المقدس في رواية -أولاد حارتنا- نجيب محفوظ
- إلغاء الذات في مجموعة -كيف صار الأخضر حجرا- فوزية رشيد
- حالنا في رواية -مجانين بيت لحم- أسامة العيسة
- الشخصية الشعبية في مجموعة --إنثيالات الحنين والأسى- أسامة ال ...
- الدولة الكردية


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الواقع والرمز والفانتازيا في رواية -الأبلة ومنسية وياسمين- الميلودي شغموم