أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالص عزمي - يحكى أن ...ثانية















المزيد.....

يحكى أن ...ثانية


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 1385 - 2005 / 11 / 21 - 10:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان استاذنا الدكتور مصطفى كا مل ياسين قد اقترح ان نأخذ صورة جماعية تضم الاساتذة والطلاب المتخرجين لتوهم في كلية الحقوق العراقية ؛ فقوبلت الفكرة بالارتياح التام وخصص سطح الكلية لاخذ الصورة التذكارية ؛ وما كدنا نفعل حتى اقترح استاذنا الدكتورعبد الله اسماعيل البستاني ان نكون من بيننا هيئة تذهب لتوديع ؛ا لفقيه المعروف العميد الاستاذ منير القاضي فقوبل الاقتراح بالارتياح وتكونت هيئة مصغرة تكونت من خمسة طلاب ؛ فلما اخذنا اماكنا في غرفته الواسعة ؛ تحدث الينا ناصحا ومرشدا ؛ وقد ركز على نقطة عملية في غاية الاهمية ؛ وهي ان علينا ان نلتقي كبار المحامين والقضاة لنستمع الى توجيهاتهم وننهل من منبع خبرتهم بعد ان استمعنا الى اساتذتنا في كلية الحقوق كل هذه السنوات وتلقينا عنهم تلك العلوم القانونيةالتي شملت القانون الدولي والعقوبات والتجاري والمدني والاحوال الشخصية والمرافعات والاصو ل والطب العدلي وغيرها كثيرفي الاصول والفروع .

لم يمض غير اسبوع واحد على تسجيلنا في نقابة المحامين ؛ الا وبادر قسم منا لتنفيذ نصيحة استاذنا العميد القاضي ؛ حيث نظمنا جدولا بالشخصيات المهمة التي كنا نرغب بلقائها ..و لم تكن لقاءاتنا تمم في المكاتب ؛ بل كانت في غرفة المحامين الواقعة ضمن مجمع المحاكم المطل على نهر دجلة ؛ حيث كنا نغتنم فرصة وجود بعض كبار المحامين بعد انتهاء مرافعاتهم لنجلس اليهم او الى احدهم ؛ ونمضي بالاستماع او التحاور حسبما يسمح به الوقت ؛وخلال تلك السوانح المليئة بالتعاطف والود ؛ التقينا مجموعة جليلة من كبار المحامين والقضاة ؛ كحسين جميل وقاسم العلوي وعباس العزاوي وفائق السامرائي واحمد حامد الصراف ومظهر العزاوي وعبد الوهاب محمود ونجيب الصائغ ؛ وعلي محمود الشيخ علي وتوفيق الفكيكي ومحمد شفيق العاني وعبد الرزاق الظاهر و عبد الوهاب الصافي.......... الخ
فأفدنا من علمهم القانوني والادبي الغزير ؛ حيث كان الادب والقانون وجوانب المعرفة الاخرى روافد متلازمة عند اكثرهم ؛ و كانوا آبآء رحومين كرماء في منح الشباب العلم والنصيحة والتجربة . ولم تكن احاديثهم تلك تنحصر في الدعاوى والمرافعات واللوائح وحسب بل كان يمتد اكثرها الى عوالم فسيحة من الثقافة العامة والاوضاع السياسية السائدة آنذاك ؛ . ومن بين تلك الاحاديث الكثر ؛ اتذكر حديثا تتقارب روايته ومجريات احداث هذه الايام لأنها ذات ارتباط وثيق بالوحدة الوطنية؛كان ذلك الكلام العميق بهدفه ومدلولاته هوالذي ساقه الينا الكاتب الالمعي والمحامي البارع الاستاذ فائق السامرائي احد اعمدة حزب الاستقلال على تلك الايام المليئة بالحيوية والمواقف الوطنية الشجاعة. لقد اقترح علينا احد اصدقائي وزملائي الخلص الشاعر المحامي الاستاذ عدنان فرهاد ان نلتقيه في صالة مكتبة النقابة المجاورة لغرفة المحامين ؛ حيث يكون المكان مناسبا من حيث الموقع والهدوء ؛ فأستجبنا لذلك وهيأنا انفسنا لحدبث ممتع ومفيد . تحلقنا حول الطاولة الكبيرة وما كدنا نتناول شاي ( النومي بصرة ) الذي اشتهرت به النقابة حتى اطل علينا الاستاذ فائق السامرائي ومعه الصحفي الاستاذ احمد فوزي عبد الجبار . كان الاستاذ السامرائي متوسط الطول ضخم البنيان ؛ ابيض السحنة حليق الشارب ناصع الجبهة تداعب شفتيه سيجارة لا تفارق فمه الا لتحل اخرى مكانها . رحب بنا وكنا مجموعة من الديمقراطيين والشيوعيين والقوميين لانتجاوز الثمانية ؛ جلس الاستاذ السامرائي وسطنا ثم ادار الحديث بشتى الوانه فتنقل من غصن ادبي الى غصن اجتماعي ومن افتتاحية صحفية الى تعليقات عامة ؛ ومن مرافعة حقوقية الى مرافعة جزائية ؛ كان خلابا في حديثه متوازنا في مواضيعه ؛ الا ان تركيزه على صميم التقارب والتلاحم من اجل الاماني الوطنية كان هو الاهم في نظري ؛ مما دفعني الى تسجيل خلاصته في مفكرتي( كما هي عادتي الى اليوم في تسجيل مثل هذه الاحاديث القيمة ) قال الاستاذ السامرائي ( ان اهم ما يتوجب على الشباب الواعي القيام به هو التمعن بما يجري بشكل مدروس بعيد عن العواطف الآنية اليومية وبغض النظر عن الانتماء السياسي او العقائدي . ان اهم شييء هو الاستقلال الوطني ؛ هناك التقاءات كثيرة تصب في مصلحة البلاد وتؤدي الى حصار المستعمر واعوانه في زاوية ضيقة لا يستطيع الافلات منها ... لاشك ان بين المتخرجين الآن عددا متنوعا من ذوي الاتجاهات السياسية والانتماءات الحزبية ؛ ولو دققنا في المباديء المعتنقة سوف نرى ان كل طرف متشبث بها ولا يتزحزح عنها ؛ فماذا على جميع الوطنيين ان يفعلوا ازاء خطط استعمارية تهدد الوطن ككل ؛ ان عليهم واجبا اساسيا هو تحديد الهدف والتجمع حوله لتوحيدالجهودالوطنيةا لاساسية والانية التي تحقق اماني الشعب وتطلعاته ... بمعنى اهم هو ان لا تخسر زميلا وطنيا يشاركك هموم الوطن ؛ بسبب اختلافات تتعلق بالقشرة لا اللب ؛ والمظهر لا الجوهر ... اذا أضعتم فرصة التآزر في هذه اللحظة بالذات فربما سيخسر الوطن كثيرا . لقد اختلفنا في حزب الاستقلال مع الحزب الوطني الديمقراطي او حزب الاحرار او الجبهة الشعبية في كثير من الامور العقائدية التفصيلية ولكننا ازاء الهدف الوطني المركزي ؛ وجدنا من الضروري ان نتجمع ونتعاون بل ونتلاحم ضد جبهة الاستعمار واعوانه ؛ فبدون مثل هذا التآزر لايمكننا دحر قلعتهم وفتح الثغرات فيها ثم تفتيت قوتها لمصلحة سامية لا يعلى عليها الا وهي مصلحة الوطن؛ و اذن فالمهم الاساسي هوالتجمع حول الهدف المركزي حيث نكثف كل جهودنا ونشد الاواصر لكي نحقق مطمحنا في دحر المستعمر واعوانه . وان هذا الهدف لايمكن ان يكون حقيقة ملموسة اذا لم نتماسك عربيا فنقوي بعضنا البعض في وحدة الموقف و تحقيق الهدف أ .هـ ) . واليوم اذ اعود الى مفكرتي لعام 1954 ؛ اجد ان ذلك الحديث كان صائبا ومخلصا ودقيقا ؛ لانه ينطبق تماما على مجريات ما يحدث اليوم في وطننا العراق . وعليه فان الهدف المركزي الذي يتوجب ان تلتقي عنده القوى اليسارية والقومية الوطنية اليوم هو انهاء وجود المحتل من على ارض االعراق واقامة نظام ديمقراطي تعددي حقيقي ينبذ و الى الابد اسلوب الاعتماد على المحاصصات والاعراق والطائفيات والاثنيات وما تفرع عن ذلك من فساداداري واستعمال للقوة المفرطة ....الخ ؛ ويؤكد ركائزه على قاعدة من التآلف ووحدة المواطنة والارض تحت ظل مبدأ ( الكل متساوون في الحقوق والواجبات امام القانون) لان الوطن للجميع وان المنعة والقوة تكمنان في مصدر الثروة الحصينة الابدية الكامنة في اسس الوحدة الوطنية ومصدرها الثر ( الشعب العراقي ).
ومجدا للعبقري الجواهري الذي قال: انا العراق ؛ لساني قلبه... ودمي فراته ... وكياني منه اشطار


بعد ان هدأة عاصفة ثورة العشرين المجيدة ضد الاحتلال البريطاني ؛ وجد المندوب السامي هنري دوبس ومستشار الملك كنهان كورنواليس ان من الحكمة الاسراع بتكوين شرطة محلية في كل لواء تضطلع بمسؤولية الحفاظ على الامن ومطاردة الخارجين على السلطة الذين كانوا يرون في المحتل المنتدب بؤرة قمع وافساد وتفرقة ؛ فكانوا يقاومون كل تلك التصرفات بكل ما كانو يملكون من قوة ( بالفالة او المجوار او المسحاة ... الخ ) او باروع الاهازيج ... ولما كانت فصاءل الشرطة القليلة في كل لواء لا تجدي نفعا في صد الهجمات المتتالية ؛ فقد لجأ المستشارون وضباط الشرطة الانكليز الى تجميع الكتائب من الالوية المحيطة بالمنطقة الملتهبة للوقوف بحزم ضد اؤلئك ( العصاة !!! ) . وفي احدى المرات وبينما كان متصرف لواء الناصريةجالسا في مكتبه الرسمي في الطابق الاول سمع ضجة ؛ فطلب من معاون مدير التحرير النزول الى الطابق الارضي واستجلاء الموقف ؛ نفذ الموظف الأمر ولما عاد اخبر المتصرف بان كتيبتين من الشرطة تجمعت على خلاف المعتاد في فناء المتصرفية المكشوف ؛ وان المفتش الانكليزي اخذ يستعرض افرادها من دون المرور على الادارة ؛ وان للمتصرف ان يطل من الشرفة على الباحة ليتأكد من الموقف كله ؛ الا ان المتصرف الذي عرف بالحكمة وبعد النظر وجد ان ليس من احترام الذات او المنصب ان يقوم بذلك ما دام المفتش لم يمر به ولم يستأذنه ؛ فكظم غيظه ؛ مرت الدقائق متلاحقة ؛ ثم سمع المتصرف صوت المفتش وهو يخطب في الشرطة برطانة غير مستغربة من اجنبي وهو يقول لهم :( هاانذا ساعلق على صدوركم انواط الشجاعة لانكم ابليتم بلاءا حسنا في قتالكم ضد الخارجين على سلطتنا .. فمبروك لكم تفوقكم وانني سعيد بشجاعتكم ..) ويقول الراوي: انه ما كاد ينتهي المفتش الاتكليزي من كلمته وتعليق الانواط على صدور الافراد ؛ حتى خرج المتصرف الحكيم من غرفته واطل على المجتمعين وامامهم المفتش دون ان يعير له اي اهتمام وخاطبهم قائلا : ( اولادي قبل ان تنصرفوا ؛ هل عرفتم لماذا وزعت عليكم الاوسمة ؛ لقد وزعت عليكم لاتكم قتلتم اخوانكم وابناء عمومتكم وجيرانكم الذين يدافعون عن شرفكم وعرضكم ووطنكم ) ثم انصرف الى غرفته والمفتش الانكليزي لايصدق ما سمعه وقد بهت لهذه المفاجئة التي لم تكن لتخطر له على بال ؛ فماذا فعل افراد الشرطة بعد ان استمعوا الى متصرفهم الوطني ؛ لقد نزعوا عن صدورهم تلك الاوسمة ورموها على الارض ثم اخذوا يسحقونها بأحذيتهم ثم خرجوا الى شوارع الناصرية المتربة وهم يهزجون باشعارهم الوطنية المرتجلة ضد المحتل ؛ بينما احتشد الجمهور على جانبي الشارع الرئيس ليكرروا بعدهم تلك الاهازيج في حين كانت ( الهلاهل) تتعالى والتصقيق يشق عنان السما ء ...

حينما عاد صديقي من لندن بعد غياب طويل جلسنا في مقهى سرك امام دار اوبرا فينا ؛و دار حديث طويل بيننا ومنه ما يختص باحوال العراقيين هناك ؛ فعرج على بعض العائدين من بغداد وبخاصة اؤلئك الذين احتلوا مناصب مرموقة اثناء فترة مجلس الحكم ؛ فقال لقد كان مطمح بعض السلطويين الجدد الراجعين من الاقامة الجبرية في منتجع الخضراء ؛ هو التكالب على شراء العقارات وتبييض الاموال ؛ قلت له وما الغريب في ذلك اليست اموال الدولة اموالهم ؟ّ ! قال كلا ليس هذابالامر المستغرب بل ان المستغرب هو ان صديقا لي كان معدما تماما لانه عاش حياته كلها عفيفا مستقيما ؛ كنت ازوره حيث يسكن في غرفة متواضعة للغاية في زقاق ضيق اسمه ( تشين ميوز ) قرب(البرت بردج )؛ وحينما عادالى العراق مع من عادوا على ظهور دبابات الاحتلال واستلم مركزامرموقا اخذت اموره تتصاعد ماليا حتى بلغت ذروتها ؛ بخاصة وانه كان يعمل في مؤسسة تنحصر واجباتها في العقود والمقاولات الضخمة ؛ وقبل شهر من عودتي التقيته في لندن ولما سألته عن عنوانه لكي اقوم بواجب الضيافة له ؛ قال ( انا انزل الان في فندق ( ) الذي يطل على حديقة كنزكتن ؛ فضحكت وقلت له مداعبا كعادتنا ؛ فندق وبخمس نجوم ؟ من اين نزلت عليك هذه الثروة فجأة فقال وهو يبتسم ؛ لم تنزل علي بل انا الذي صعدت اليها ؛ لقد ترددت كثيرا اول الامر وغضبت من صديق مهم لي حاول اغرائي بشتى الاساليب ؛ ورويدا رويدا اقتنعت بوجهة نظره ؛ ثم تعلمت منه الاسلوب( اي الكار ) قالها وهو يضحك ملء شدقيه ؛ وهكذا تعودت فكان لي ان حصلت على كل ما كنت احلم به ايام المثاليات بل ايام القناعة كنز لا يفنى ( ها ها ها ) ؛ قلت له وهل ستعود مجددا ام اكتفيت ؛ فابتسم قائلا ( ابو العادة ميجوز من عادته ... طبعا سأعود ) وهكذا افترقنا وانا في اشد حالات الالم على شخص كان يضرب به المثل في الفضيلة ؛ عند هذا الحد خرجنا من المقهى لنتجول في جنة الله على الارض ( شتات بارك ) حيث موسيقى يوهان شتراوس تصدح في كل مكان ؛ ؛ ولكن صديقي ما زال محصورا في زاوية ضيقة من ذلك الحديث المقرف وظل مصرا على مواصلة الدوران في ذات الشرنقة !؛ قلت له اليس هذا البارك والموسيقىالطف من التأزم ؟ اجاب : نعم ولكني ما زلت مصابا بالذهول مما حدث لصاحبي المتعفف من تدهور سلوكي فضيع في مبآدئه واخلاقياته ؛ قلت له اذن اليك هذه الحكاية الطريفة التي ربما ستخفف عنك المصاب في تصرف صديقك
؛ قي المرحلة الاخيرة من العهد العثماني كانت البطالة تضرب الناس بقسوة؛ فلا تجد الا القلة من الذين يعملون وكان من بين هؤلاء العاطلين شخص اسمه ناطور كان قد قدم من احدى القرى البعيدة بحثا عن عمل ما في بغداد ؛ فلما سأل احد اصحاب الدكاكين ان كان لديه عمل ما ؛ قال له الاجدر بك ان تذهب الى ساحة الجسر الخشبي قرب بيت النواب وتجلس هناك مع الاخرين حتى يطلبوك للعمل !! فذهب الى هناك وجلس ينتظر ؛ ومرت ايام وناطورعلى جلسته لم يلتق بمن يطلبه للعمل ؛ حتى جاء يوم حلت فيه البركة حينما تقدم منه رجل في غاية الاناقة ليقول له ان اسمي مدحت هل تريد ان تعمل ؟ قال له ناطور وهو في منتهى السعادة ( اي واله بيك) قال له ( هل تشتغل سمسار عند الباجي ) فلما فهم ناطور المعنى انتفض غيظا ورفع خنجره بوجه مدحت يريد ذبحه على هذه الاهانة فما كان من هذا الا الهروب ؛ والذهاب فورا الى احد كبار زملاء المهنة حيث قص عليه ما جرى ؛ فقال له زميله لقد اخطأت المعالجة ؛ ما هكذا تطلب من الناس العمل معك بهذه الصيغة المباشرة ؛ قال له اذن كيف ؟ قال له اذهب اليه بعد فترة حيث يكون قد نساك وقل له ؛ اخي لدينا مضيف يأتي اليه الناس ( رجالا ونساءا ) من كل مكان ؛ وتديره سيدة محتشمة ؛ وما عليك الا خدمة الضيوف ؛ والقيام بواجباتهم ؛ هكذا يكون السؤال والتمهيد ....
بعد اسبوع من الزمن ذهب مدحت بزي آخر الى مكان تجمع العمال فلم يجد سوى ذلك الغريب الذي هده الجوع ونال منه الارهاق ؛ فتقدم منه واستدرجه بالسؤال ( طبقا لنصيحة زميله) ؛ فملاء السرور وجه ناطور وهب اقفا وهو يقول . ( اي عمي اشتغل ؛ كل عمري وآني رايح جاي على المضايف ) ؛ سار مدحت وتبعه ناطور حتى بيت ( الباجي ) الضخم المحاط بالحدائق الغناء ؛ وقبل ان يطرق مدحت الباب نصح تابعه قائلا( اياك ان تتدخل في امور البيت واياك ان تسأل الضيوف سؤالا ليس من اختصاصك ؛ وانما ينحصر واجبك بما تأمرك به ( الباجي ) اي ( أم المضيف ــ المعزبة ) قال ناطور ( او هاي اسهل منها ما كو ) . في اليوم التالي بدأ العمل بعد فطور دسم ؛ حيث فتحت الباجي محفظة النقود وناولت ناطرها مبلغا كبيرا من المال وطلبت اليه ان يذهب الى السوق المجاور ويتبضع ( اللحوم والدجاج والخضروات والاسماك والسكائر .... الخ ) حسب القائمة ؛ وما عليه سوى اعطائها للقصاب الذي سيقوم بواجبه ثم يحولها الى زميله وهكذا.. ولما يكمل التبضع عليه ايداع كل ذلك الى الحمالين الذين يعرفون البيت جيدا ويسير خلفهم
وبهذا يكون قد اكمل واجبه على احسن وجه.. وفعلا قام ناطور بكل ما امرته به ( الباجي) . وعاد الى البيت مع كامل المشتريات ؛ ولما سلمها ماتبقى من المبلغ ؛ نظرت اليه وقالت له ( لا يا ناطورما ترجع شي ... احنا بيت كرم وجود
كل الباقي الك !) . استمر ناطور على عمله يشتري البضائع فيسلمها الى ( الباجي ) ويستلم منها ( الباقي الك) . بعدها تطورت الواجبات واخذت منحى آخر اكثر حميمية وخصوصية ؛ فاضيف الى كرم الباجي كرم الضيوف ( رجالا ونساءا ) وما هي الا ثلاث سنوات حتى اثرى ناطور؛ فرمى عنه زيه القديم وارتدى حلة الافندية الفشيبة واشتر ى
عربة تجرها الخيول لتنقلاته ؛ واصبح الرجل الاول في البيت والصديق الحميم للباجي ؛ وفي يوم ما مر به مدحت ؛
وناطور جالس في الحديقة يشرب شاي العصر ويتناول ( كعك ابو السمسم ) تحف به فتاة من ( الضيوف )وما كاد يجلس
حتى سأله بشكل مباشر وصريح فيما اذا كان يريد ان يعمل سمسارا كبيرا في بيت اضخم ؛ فغضب ناطور ورفع خنجره ليطعن مدحت ؛ لكن هذا بادره بالقول لحظة ..هل تعرف ماهي السمسرة بلغتنا قال طبعا اعرفها هي ( الفعل الدوني ) قال له مدحت : كلا ياصاحبي ...انها العمل الذي تقوم به في هذا القصر المنيف والذي اثريت من ورائه واصبحت احد الوجوه المعروفة .عندها ابتسم ناطور ثم اطلق ضحكة عالية توقف بعدها ليقول ( لعد هذي هي السمسرة ؟!! لازم جان توضح لي حتى لا ازعل عليك خوي ... يابه جيب راسك ابوسه وسمسرتك على رآسي ) فياصديقي الغالي : ان الخيانة والتجسس والسرقة والرشوة والتعذيب .... وكل الموبقات الاخرى ؛ تمراولا كمشهاد ومسموعات على الانسان في مسيرة حياته فاما ان يتقزز منها ويرفضها رفضا قاطعا كفعل مشين غير جدير حتى بالسماع او المشاهدة ؛ واما ان يتقبلها كلا او بعضا على طبق من المبررات اولا ثم يمارسها على استحياء خجول ؛ فيتعود عليها مظهرا ومخبرا ؛ ثم لاتصبح عيبا يستحي منه ؛ بل ربما يتباهى به ويدعو الى تضخيمه . والعبارة الاخيرة تذكرني بواقعة حدثت ايام الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917 ؛ فقد كان في الرصافة عريف انكليزي اوصاه مديره خيرا بشخص ثري متنفذ ؛ لقد سمع العريف لغطا كثيرا ينال من سمعة ذلك الرجل حيث اتهمه البعض بالرشوة والابتزاز والوساطة غير المشروعة ؛ فذهب اليه وروى له ما سمع ؛ ثم استأذنه بان يلقي القبض على اؤلئك الحانقين الملفقين لكي تصمت الافواه المتجنية عليه ؛ صمت الرجل المتنفذ برهة ثم رد على العريبف بقوله : هل تعتقد ان هذا الحل يفيدني ؟؟ انا لاتهمني تلك الاقوال فقد تعودت عليها ؛ بل ونصيحتي لك ان تشجعها ؛ فكلما توسعت هذه الدائرة كلما تكاثر الرزق والاموال وعدد طالبي الواسطة عليّ وهو ما اهدف اليه ؛ لانك لو ذكرتني باوصاف
العفة والنزاهة فسيبتعد الناس عني وتضيع هيبة الوساطة ؛ اذن دعهم يلغطون ويلغطون فما كلامهم الا دعاية مجانية .
وهنا نعود الى جوهر موضوعنا لنؤكد على المعنى العميق لمفهوم العادة على ممارسة الفعل السيء ؛ فنصل الى
ان التعود على السمسرة الجسدية اواحترافها مثلا انما ينعكس ااثره على الفرد السمسار نفسه ؛ اما التعود على ممارسة الخيانة و سرقة المال العام والتعذيب والرشوة ... الخ فأن اثره يتعدى الشخص ليتحول الى نكبة تصيب المجتمع وتقوض اركان الوطن وتهدد مصير الشعب بكل ملله ونحله دونما تفريق او تمييز بل و تتعداه الى الاجيال القادمة .
ويا لعظمة المتنبي حينما قال : وللمرء من دهره ما تعودا



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثال عبد المحسن السعدون
- التماثيل
- كتب جديدة
- الحدقه
- الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
- المنظومة
- امريكا خسرت القلوب ولم تربح الحروب
- مشروع الدستور العراقي 3
- مشروع الدستور العراقي 2
- مشروع الدستور العراقي 13
- التشادق والغريب في عيون الاخبار
- مبدأ المقابلة بالمثل
- شخصية الدستور
- الاعداد للانتخابات القادمة
- هوية العراق العربية .... رسالة عاجلة الى لجنة كتابة الدستور ...
- المرتكبون
- والنجم
- يحكى أن
- العراق والامة العربية تطبيق ومقارنة ونماذج
- اعدام المكتبة الوطنية


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالص عزمي - يحكى أن ...ثانية