أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سميرة وسورية














المزيد.....

سميرة وسورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 23 - 19:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليس تماثلاً ذاتياً يًفرض من خارج بين سميرة وسورية، بل هناك أوجه قرابة واقعية كافية تسوغ أن تكون المرأة المخطوفة والمُغيبة منذ عامين ونيف رمزاً للبلد المحطم والثورة المغدورة.
أبدأ من الوقائع الأقرب، فسميرة اختطفت في المرحلة الثانية من الثورة، المرحلة التي بدأت في عام 2013 وشهدت تصاعد عمليات تحطيم الثورة من داخل، دون توقف عمليات تحطيمها من الخارج الأسدي. خطف سميرة، مع رزان ووائل وناظم، هو تتويج لمسلسل عمليات كان داعش بطلته، خطفاً وقتلاً وتنكيلاً، لكن الطائفة السلفية بأجنحتها المتنوعة كانت أختاً شقيقة لداعش في المنهج.
ومنذ اختطافها، سميرة مجهولة المصير مثلما هي سورية مجهولة المصير، وليس هناك أفق واضح لخلاص المرأة المخطوفة، مثلما ليس هناك أفق واضح لتحرر البلد المنكوب. ومثلما أن المسؤول عن تدمير البلد وتحطيم المجتمع يُشوّش بكل الطرق على مسؤوليته عن النكبة السورية، ويجد من يُروِّج لتشويشه، فإن المسؤولين عن خطف سميرة، ورزان ووائل وناظم، يشوشون على جريمتهم، ضد كل القرائن الوفيرة على مسؤوليتهم عنها، ويجدون أيضاً من يروج لتشويشهم، ومن يُسفّه المطالبين بالحقيقة وبالعدالة لسميرة، ولشركائها رزان ووائل وناظم.
وسميرة الخليل رمز لاستمرار الكفاح السوري خلال جيلين لكونها معتقلة سياسية سابقة لمدة أربع سنوات في زمن حافظ الأسد، وشريكة في معظم الأنشطة الاحتجاجية في سنوات وريثه، وصولاً إلى الثورة حيث شاركت سميرة في مظاهرات سلمية، وساعدت في أنشطة أخرى متنوعة.
والمنبت العلوي لسميرة يجعل منها رمزاً لكفاحنا العابر للطوائف ولصفته الوطنية الجامعة، وهو ما جسّدته سميرة عملياً بزواجها من خارج بيئتها الأهلية، وبما كانت تكتبه من دوما حتى وقت اختطافها. كتابتها لا تظهر حساً إنسانياً استثنائياً فقط، ولا تحرراً تاماً من الحس الطائفي فقط، وإنما ينبث فيها أيضاً شعورها الثابت بأن سكان دوما هم أهلها، وأن العدو هو النظام الأسدي الذي كان يقصف ويقتل ويُجوِّع.
وأكثر بداهة بعد في هذه الرمزية أن في اختطاف امرأتين، سميرة ورزان، من قبل تشكيل إسلامي عمل على فرض نموذجه الاجتماعي في دوما ومناطق سيطرته، ما يرمز لتعدد جبهات كفاحنا، أو لعدم اقتصاره على المعتدي الأسدي، وشموله الطائفة السلفية، التي قد تكون أصغر الطوائف السورية وأحدثها، لكنها مؤذية جداً، وحقود جداً وأنانية جداً. وفيه ما يرمز أيضاً إلى مشاركة نسوية كبيرة في الثورة يراد لها أن تطوى، وإلى كون القضية النسوية بعدٌ أساسي من قضية الحرية السورية.
ويضاف إلى هذه الحيثية أن سميرة ورزان جمعتا، أثناء إقامتهما في دوما، بين مراعاة عوائد السكان المحليين وبين حقهما في أن تشبها نفسيهما. اشترت المرأتان من دوما معطفين أسودين يمتدان إلى الركبة، كانتا ترتديانهما كلما خرجتا إلى الشارع، لكنهما لم تغطيا رأسيهما. المراعاة والاحترام، نعم، لكن ليس التخلي عن بعد من تكوينهما يتصل بقضية الثورة: الحرية. وهما في ذلك تجسدان التنوع السوري، وتعترضان على التنميط والمجانسة القسرية.
ولا أستطيع الامتناع عن التفكير في أننا، أهالي وأصدقاء سميرة، ومعها رزان ووائل وناظم، لم نتلق عوناً في قضية أحبابنا من قادرين كثيرين عليه، مثلما لم تتلق ثورة السوريين غير أشكال مسمومة من العون، أنبتت، فيما أنبتت، خاطفي سميرة ورزان ووائل وناظم.
وفيما يخصني فإن ما بين سميرة وسورية من تماثل يمر بواقعة أن امرأتي خُطِفت بعد أقل من شهرين من مغادرتي سورية، وبدء عيشي في تركيا لاجئاً، وبينما كنا نعمل على ترتيب خروجها هي أيضاً. الواقع أن الغوطة حوصرت حصارا مطبقاً وقت خروجي في 11 أكتوبر 2013، قبل ذلك كانت هناك حركة مُراقَبة بينها وبين دمشق، تمر عبر حواجز النظام الكثيرة، لكنها حركة ممكنة. هذا تواقت مصيري، ما كان في حسباننا. كانت سميرة مطلوبة من قبل النظام وقت جاءت إلى الغوطة في أيار 2013 (وهي بالطبع حال رزان التي عاشت متوارية في دمشق لأكثر من عامين قبل مجيئها إلى الغوطة في نيسان 2013)، وكان يلزم ترتيب خاص من أجل عودتها إلى دمشق بعد خروجي من الغوطة، وما كان الحصار الحربي المطبِق في البال.
وهكذا اقترن تغييب سميرة مع غيابي عن سورية، اقتران يعززه أننا، سميرة وأنا، لم نخرج من بلدنا إلا مرات قليلة إلى لبنان، وأننا نحن الاثنين كنا بلا جوازات سفر، وأن سميرة رفضت استخراج جواز سفر لنفسها ما دمت أنا بدون جواز، بعد أن رُفض طلبي الحصول عليه مرتين. عشنا، نحن الاثنين، فوق خمسين عاماً من عُمرينا (سميرة أصغر مني بشهور فقط)، في البلد الذي لم نفكر في مغادرته يوماً. هذا إلى أن رحلتُ أنا إلى خارج متاهي، وأُخذِت سميرة إلى داخل معتم.
ليست حرية سميرة، ومعها ورزان ووائل وناظم، أغلى من حرية أي سوريات وسوريين آخرين، وليس ألم سميرة ورزان ووائل وناظم أكبر من ألم أي أربعة من السوريين، وليس فقدي وفقد أحباب سميرة، ولا فقد أحباب رزان ووائل وناظم، أهم من فقد غيرنا، لكن لعل رمزية سميرة ورزان ووائل وناظم أكبر من رمزية غيرهم: امرأتان ورجلان، معارضون قدماء للنظام الأسدي، ثائرون مدنيون عزل، لاجئون في دوما، اختطفوا وغيبوا على يد من كان يفترض بهم حمايتهم. ولعلها في حالة سميرة تحديداً رمزية أكثر شفافية بفعل ما سِقتُ من اعتبارات فوق. لا أُفرد سميرة عن شريكتها وشريكيها، لكن لها بين الشركاء وضع منفرد (عمرها الأكبر، اعتقالها السابق، منبتها العلوي...)، يتممه أنها كانت عابرة سبيل في دوما، حاولت المساعدة فيما تستطيع إلى حين يتيسر انضمامها إلى زوجها، ولم تكن عضواً في مركز توثيق الانتهاكات.
هذا الظلم الأكبر من أي ظلم، هذا التغييب في الظلام طوال أكثر من عامين وثلاثة أشهر، يقرب كثيراّ بين سميرة وبين سورية وثورتها المصادرة.
من جهتي، لا أكتفي بهذه الشفافية الذاتية لرمزية المرأة والبلد المفقود، إنها شيء أتعهده بأن أروي قصة سميرة وشركائها، أعيدها وأكررها، وأكتشف جوانب منها ما كانت ظاهرة من قبل، وأعرضها لغيري. أن أحكي قصة سميرة وسورية وثورة السوريين، هذا هو عملي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مغزى انبعاث الاحتجاجات السورية
- ملاحظات على كتاب -الوهابية- لخالد الدخيل
- روسيا في سورية: قوة كولونيالية عنصرية
- الموسيقا والكتابة/ حوار
- امتلاك السياسة: من الثأر إلى بناء القضية السورية
- السلفية الجهادية والماركسية اللينينية وعالم اليوم
- الحرب ضد الإرهاب كنظام عالمي
- طبقات داعش التاريخية
- ليست سورية هي المسألة، المسألة هي العالم!
- انهيار -الإسلام السياسي- وصعود السلفيين الجهاديين
- الكتابة المسكونة: حول بعض خصائص الكتابة السورية الجديدة
- الثورة، السلفية، الإمبريالية: ثلاثة أطوار في خمس سنوات
- داعش والعالم: علاقة مرآوية
- الحاكميون الإلهيون والشعب: الديمقراطية شرك!
- -المعارضة الموضوعية-: التشكيلة السياسية والتغير السياسي
- الوضع الحالي لقضية مخطوفي دوما الأربعة
- سياسة المكان: الحدود، حركة السكان، والخيال السياسي
- المبعوثون والممثلون الدوليون وما شابه
- حول مفهوم -البيئة الحاضنة-
- تطور ظاهرة -المخبر الأهلي-


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سميرة وسورية