أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسان خالد شاتيلا - الماركسية اللينينية (أدلَّة من أجل النقد)‏















المزيد.....



الماركسية اللينينية (أدلَّة من أجل النقد)‏


حسان خالد شاتيلا

الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 23 - 15:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أعمال جورج لابيكا
‏ الماركسية اللينينية (أدلَّة من أجل النقد)‏
‏ الملحق السادس ‏- القسم الأول
‏ في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم ‏
‏ حسان خالد شاتيلا



جورج لابيكا، الماركسية-اللينينية ( أدلَّة من أجل النقد)، باريس، منشورات ‏هويسمان، 1984، 143 ‏صفحة‎.‎
Georges Labica, Le Marxisme–léninisme (éléments pour une ‎critique), Paris, ‎Editions Huisman, 1984.‎

يَستَقي هذا العمل الصادر في العام 1984 ، وذلك في ما كانت الماركسية بوجه عام، وفي فرنسا ‏بوجه ‏خاص، تعيش في خضم حركة تجديد من خارج الحزب الشيوعي بصياغات متباينة في ما بينها، ‏يستقي أهميته ‏من عرضه بصورة واضحة للتكوين التاريخي للفلسفة الرسمية للحركة الشيوعية بقيادة ‏الأممية الثالثة، ‏وتحت تأثيرها، وما تلاها. حيث يكشف بفضل التحليل النظري النقدي كيف تطورت عبر ‏التاريخ ما يسمِّيه ‏‏"الوظيفة الفلسفية للدولة"، والتي اعتَمَدت على "الماركسية اللينينية"، من حيث هي ‏الترجمة الفلسفية ‏المبالغ فيها إلى حد الإفراط لتبرير الدولة‎.‎

أولا: المـاركـســـية الـلــنينية مـــدونـة لـمــجــــمـوعــة قــــوانــين‎:‎
ويدور المحور الأول للتحليل النقدي حول تاريخ التكوين النظري للمؤسَّسة الإيديولوجية، من ‏دولة ‏وفلسفة وقانون وثقافة، وغيرها من المكوِّنات الإيديولوجية للدولة، وعلى رأسها الفلسفة، والتي ‏تؤدي مجتمعة وظيفتها، ألا وهي تبرير السلطة. حيث يبيِّن جورج لابيكا أن المادية التاريخية السوفييتية ‏هي حجر الأساس ‏في بناء الدولة ومؤسَّساتها النظرية. ففي القسم الأول من دراسته يعرض لابيكا تحت ‏عنوان: تاريخ يمتد ‏لمدة عشر سنوات (ص ص 11-49) للمادية التاريخية السوفييتية من حيث هي ‏النواة الفلسفية ‏للمؤسسة، والتي تحوَّلت بتوجيه مباشر من ستالين إلى قاعدة لبناء لينينية منثنيه إلى ‏الوراء أو نحو‏الماضي. الأدهى من ذلك أنها القاعدة لبناء الستالينية حسب ما يَكتب لابيكا في القسم الثاني ‏تحت عنوان: ‏السلطة المسيطِرَة للمادية التاريخية (ص ص 51-87)‏‎. ‎
لقد نجح ستالين خلال عشر سنوات فقط، ما بين 1921 و1931 في قلب الثورة النظرية ‏لماركس، ‏والثورة السياسية للينين، وتحويلها بصورة مشوَّهة، إلى بناء لاهوتي سياسي، أو ما يُعْرَف ‏ب/"الماركسية اللينينية". وفي استعراضه لهذا ‏الانقلاب، يعود لابيكا إلى أعمال تاريخية وفلسفية من ‏داخل روسيا ومن خارجها سبقت التحريف الستاليني، ‏ومَدَّته بمادتها الفلسفية، وتابعته. وَيرجِع في ‏تقصيه لمصادر الستالينية، والظروف السياسية والتاريخية ‏لنشأتها، إلى أعمال كل من غوستاف أ. ويتير‎ ‎‎ Gustav A Wetter ‎و بريدراغ فرانيسكي‎ Predrag ‎Vranicki ‎و جيوليو إينودي‎ Giulio ‎Einaudi ‎ورينيه زاباتا‎ René Zapata ‎و ف. شامبارنوF. ‎Champarnaud ‎و و ب. جو‎ B. ‎Jeu ‎و س. تاغلياغامبي‎ S. Tagliagambe ‎و نظريات لهنري ‏لوفيفر‎ Henri Lefebvre ‎حول ‏نمط الإنتاج التابع للدولة. ومن أهم هذه الأعمال أحدثها، وهو بقلم ‏رينيه زاباتا، وهو تحت عنوان ‏صراعات فلسفية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية ما بين 1922 ‏و1931، ويحتوي هذا المؤلَّف على ‏نصوص هامة يعود تاريخها إلى هذه السنوات العشر‎ (René ‎Zapata, Luttes philosophiques ‎en URSS, préface de D. Lecourt, Collection ‎Pratiques théoriques, PUF, Paris ‎‎? 1983). ‎

ثانيا: تــاريــخ تـكـــويــن مـدوَّنـــة القـــوانــين والفـلـســـفة مـا ‏قــبل ‏الســــتالـينية‎:‎
سار طريق ستالين نحو السيطرة الفلسفية السياسية على مسارين اثنين منتهيا إلى إغلاق أي بحث ‏فلسفي ‏حر في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية لمدة سنوات طويلة. وعلى هذا الطريق تصطدم ‏مختلف ‏التيارات الفلسفية للبلشفية: الهيمنة العارضة ل"الدياليكتيكيين" من حول أبرام مويسيفيتش ‏ديبورين‎ ‎Abram Moiseevich Deborine ‎‏(المولود في العام 1881، عامل صلب، من أنصار ‏لينين في ‏مؤتمر 1903، كلَّفه لينين بتدريس المادية التاريخية في الجامعة ومدرسة الأساتذة الحمر) الذي ‏أرسى ‏الأطروحة الأساس للدياليكتيك الموضوعي للمسارات الطبيعية والتاريخية والمجتمعية، وقوانينه؛ ‏أسس ‏الدياليكيتيك الموضوعي في الطبيعة والتاريخ والمجتمع، والذي سيتحول على وجه السرعة إلى ‏هيكل ‏عظمي أو ما سيُعرَف ب/"المادية الدياليكتيكية‎".‎
ومقابل الدياليكتيكيين يظهر الميكانيكيون اعتبارا من العام 1925، ويجدون في أطروحة كل من ‏غوركي ‏فالانتينوفيتش بليخانوف‎(Gueorgui Valentinovitch) Plékhanov ‎‏(156-1918، هو ‏أوَّل من ‏أدخل الماركسية إلى روسيا، وأسَّس من منفاه في جنيف بسويسرا مجموعة "تحرير العمل" ‏التي نشرت ‏أفكار ماركس وإنجلز في روسيا القيصرية، وبيَّن أن من الضروري تطبيقها على خصوصية ‏الأوضاع ‏الروسية. انتقد في العام 1905 "الثورة الفلاحية" لأنها رفعت السلاح، ودعا إلى التحالف مع ‏الجناح ‏الليبرالي من البورجوازية. وتقوده أعماله النظرية ما بين 1905 و 1908 إلى تفنيد التجريبية ‏النقدية في ‏وقت واحد مع لينين، حسب ما يتبيَّن من أعماله الماركسية المناضلة، والمسائل الأساسية ‏للماركسية. ‏ويعود إلى موسكو من منفاه في 31 آذار/مارس 1917، أي ثلاثة أيام ما قبل لينين. كان ‏يَعتقد أن ثورة ‏فبراير كانت تفتح الأبواب أمام مرحلة طويلة الأمد من الديمقراطية البورجوازية، وهي ‏ضرورية لإنجاز ‏التطور الرأسمالي وتعزيز قوة البروليتاريا، لذا فإنه يدين ثورة أكتوبر الاشتراكية ويَعتَبِر ‏أنها انقلاب ‏عسكري. اتسمت مواقفه حيال المسألة القومبة بالشوفينية، عارض البلاشفة والتحق ‏بالمناشفة. وتوفي ‏بمرض السل في فنلندا). وألكسندر بوغدانوف‎ Bogdanov (Alexei Alexivitch) ‎‎(1873-1928‎، ‏طبيب واقتصادي وكاتب وسياسي ماركسي روسي: في ما كانت الانقسامات العميقة ‏حول المسائل ‏التكتيكية، وما يرافقها من خلافات حول القضايا النظرية، تجتاز البلاشفة في أعقاب فشل ‏ثورة 1905، ‏يظهر بوغدانوف كقائد للتيار اليساري المعارض الذي ينتزع القيادة من لينين خلال فترة ‏وجيزة. ويَتَّهِم ما ‏بعد ذلك لينين بوغدانوف بأنه يريد أن يَستبدل ماركس وإنجلز بماش‎ Mach، و ‏آفيناريوس‎ ‎Avenarius. ‎‏. ويُعْتَبَر كتاب لينين المادية والتجريبية النقدية، ليس فقط من حيث هو دراسة ‏فلسفية ‏ونظرية، وإنما يشكِّل أيضا أداة عمل في النضال السياسي والإيديولوجي ضد تحريفية بوغدانوف، ‏بل ‏ويدون حتى في أعمال إنجلز، كما في العلوم البيولوجية، سندا لهم في تفنيد الهذيان ‏الدياليكتيكي ‏لدوبرينين وتياره ، ويعارضون، في الوقت نفسه، التحالف الذي كان لينين يدعو إليه. ومن ‏هؤلاء إيفان ‏بيتروفيتش ستييانوف‎ Stépanov (Ivan Petrovich) ( 1889-1959‎، المولود باسم ‏ستوجان ‏مينيف‎ Stojan Minev، بلغاري الأصل يلتقي البلاشفة بسويسرا في العام 1915 بقيادة لينين ‏في إطار ‏النضال من أجل تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية، وكان مفوضا للجنة التنفيذية للأممية ‏الشيوعية ‏في فرنسا، ثم مديرا لأمانتها العامة اللاتينية حتى غاية العام 1933. وكان عضوا في رئاسة ‏الأممية ‏الشيوعية، كما عمل في مكتب ستالين وديمتروف‎، (وهو متأثر بالداروينينة، ويَعْتَبِر أن ‏الأنثروبولوجيا ‏هي صلة الوصل ما بين العلوم البيولوجية والاجتماعية. ويرجِّح هذا التيار آلية الطبيعة ‏على جدل ‏الطبيعة، ويَعْتَبر أن الدياليكتيك ما هو سوى منهج لمعرفة الطبيعة والمجتمع، وهو غير مفيد ‏من أجل ‏معرفة القوانين ما لم يرتفع إلى مستوى عالٍ من التجريد. ويُفنِّد الميكانيكيُّون تحوُّل الدياليكيتيك ‏إلى ‏‏"نظام فلسفي"، و"علم العلوم". ومن هؤلاء أيضا كليمنت آركادييفيتش تيميريازيف‏‎ ‎Timiriazev ‎‎(Kliment Arkadievitch) ‎‏(1843-1920، بيولوجي وفيزيائي روسي، دَرَّس علم ‏النباتات في ‏الأكاديميات الروسية ما قبل الثورة، ونشر الداروينية منذ العقد السادس من القرن التاسع ‏عشر، وكان ‏يرى في نظرية داروين أدلة للبرهنة على النظرية الثورية. من أعماله التي نشرت ما بعد ‏وفاته "المنهج ‏التاريخي في البيولوجيا. ، والشمس والحياة والكلوروفيل. )، و ‏أكسيلفورد‎ L. I. ‎Akselrod (‎أو‎ A Axelrod) ‎التي كانت تعارض نظرية الانعكاس لدى لينين، ‏وتُعْتَبرها نظرية ‏أفلاطونية مقلوبة. وأشهر هؤلاء هو نيكولا إيفانوفيتش بوخارين‎ ‎Boukharine (Nicolas ‎Ivanovitch)‎‏(1888-1938). يكتب لينين في وصيته ما يلي: "إن ‏بوخارين ليس منظّرا فقط ذات قيمة ‏عالية والأكثر تأثيرا، وإنما يحظى علاوة على ذلك بمحبة الحزب كله ‏له. وفي هذه الأثناء، فإن نظرياته ‏ليست ماركسية على خير وجه، إلا بكثير من التحفظ، ذلك أن المدرسية ‏ترافق أعماله: إنه لم يَدرُس أبدا في ‏حياته، وإني أخمِّن بأنه لم يفهم الدياليكتيك بصورة كاملة"، وذلك في ‏إشارة إلى كتاب بوخارين "المادية ‏التاريخية"، حيث يكشف عن تمسكه بحتمية ميكانيكية، ومقولات ‏قاطعة وحاسمة، وتصنيفات مطلقة، وقد ‏أعدمه ستالين بتهمة الخيانة العظمى والتآمر ضد الثورة، إلخ) ‏المتأثِّر ببوغدانوف والتجريبية النقدية. ‏وإذا كان يلتقي مع لينين في ما يتعلق بمفهوم المادية الدياليكتيكية، ‏فإنه كان يخالفه في ما يتعلق ‏بالديالكيتيك الذي لا يشكِّل برأيه وحدة الأضداد، وإنما نتيجة للتناقض ضمن ‏التضاد. وتبنِّى بوخارين ‏‏"نظرية التوازن". وكان ذلك بمثابة ذريعة لإدانته‏‎. ‎
لكن التيار الدياليكتيكي في هذا الصراع هو الذي ينتصر في نهاية المطاف لدى التئام المؤتمر ‏الثاني ‏ل/الجامعة الموحَّدة للمؤسسات الماركسية اللينينية للبحث العلمي في شهر نيسان/أبريل من العام ‏‏1929. ‏حيث يَعرض ديبورين ل/المشكلات الراهنة للفلسفة الماركسية في ضوء الخلافات النظرية التي ‏استمرت ‏خمس سنوات بين التيارين المتصارعين. ويتّهم ديبورين التيار الميكانيكي بأنه تأثر بالفلسفة ‏السائدة ‏حينذاك في أوروبا الغربية، والمثالية، والتجريبية، واللاأدريَّة. ويردُّ ديبورين عن نفسه ‏الانتقادات ‏الموجَّهة إليه، والتي تبيِّن أنه يبني نظاما جاهزا ومصنوعا بصورة قبلية. ويؤكِّد بأن "الحلقة ‏المركزية في ‏العلم المعاصر للطبيعة هي مشكلة وحدة الأضداد"، من حيث هي "القانون الأساس في ‏الدياليكتيك". لذا ، ‏فإن المهمة الرئيسة للفلسفة هي "أن يَجمَع الديالكيتيك ما بين العلوم على اختلافها"، ‏وذلك على غرار ما ‏يقوله لينين وإنجلز في "دياليكيتيك الطبيعة" (المنشور في العام 1925). وهما طبقا ‏الدياليتيك في أبحاثهما ‏على غرار ماركس. وسواء أكان الأمر يتعلق بإعادة بناء الزراعة في اتحاد ‏الجمهوريات السوفييتية ‏الاشتراكية، أم مستقبل الفيزياء، فإن الوقائع كلها تدلِّل منذ صدور "المادية ‏والتجريبية النقدية" أن ‏‏"الدياليكتيك المادي هو المنهج العلمي للبحث القادر على إثراء العلم"، بل وحتى ‏إعادة بناء العلم كله. ‏وكان صدور "الدفاتر الفلسفية" للينين في العام 1929 سندا لديبورين، وقد رَجع ‏إليه ليدفع تهمة الهيجيلية ‏عن نفسه، وذلك بفضل المماثلة ما بين الدياليكتيك الهيجلي والدياليكتيك ‏الماركسي. والنتيجة هي أن ‏الميكانيكيين "تحريفيون"، وأن الوحدة الضرورية للثورة لن تُنجز إلا على ‏‏"الأسس التي كانت ‏الماركسية اللينينية أرست لها‎". ‎
ويضيف لابيكا: وفي ضوء هذه المداخلة لديبورين، فإن المؤتمر يتبنَّى قرارات، وعلى رأسها ‏هذا ‏التعريف: "إن الماركسية اللينينية والمادية الدياليكتيكية هي النظرية العلمية الوحيدة التي ‏تزوِّد ‏البروليتاريا بمفهوم كامل عن العالم، وسلاح من أجل إنجاز ديكتاتورية البروليتاريا، وإعادة بناء ‏المجتمع ‏على أسس اشتراكية. إنها محصِّلةٌ لما وصلت إليه الإنسانية من معارف. وإن تجربة الصراع ‏الطبقي، وكل ‏تقدم للبحث العملي، يؤكدان كل يوم صحة ذلك". وتُصنِّف هذه القرارات ما بين أعداء ‏الماركسية اللينينة ‏بموجب هذا التعريف كلا من الأممية الثانية وكاوتسكي والميكانيكيين باستثناء ‏بوخارين. ويشير ما تبقى ‏من قرارات إلى النضال من أجل نشر الدياليكتيك في علوم الطبيعة، وتعليم ‏الماركسية اللينبية بصورة ‏إلزامية، وتوفير الظروف والشروط المؤاتية لنشرها وتوزيعها. ويلاحظ لابيكا ‏أن هذا المؤتمر يكرِّس ‏لديبورين وأنصاره الديالكيتيكيين من حيث أنهم هم وحدهم أرثوذكسيين، وهو ‏حدهم الذي يتابعون لينين ‏بأمانة. إلا أن هذا الانتصار لم يُكتَب له الاستمرار لمدة تزيد عن السنتين ‏الاثنتين، إذ سرعان ما انهزم التيار ‏الدياليكتيكي
‏ثالثا الصراعـات والـرهـــانـات الـســــياســـية أمام الهجوم المعاكس، وذلك بالرغم من أن أطروحته هي ‏التي أرست للستالينية‎:
يعود السبب وراء هذه الهزيمة إلى الظروف التي كانت تمر بها الثورة، وما كان يرافقها من ‏صدامات ‏سياسية حول الخيارات العظمى، والتي أثَّرت بدورها في رسم المسار النظري، أو ما سيُعرَف في ‏ما بعد ‏ب"بلشفة الفلسفة". فقد مرَّ الاتحاد السوفييتي خلال ثماني سنوات فقط بمرحلتين اثنتين. أولاهما ‏ما بين ‏‏1921-1925: مرحلة العودة مجدَّدا إلى الاقتصاد الوطني. وثانيهما ما بين 1926-1929: ‏مرحلة ‏التصنيع الاشتراكي‎.‎
‎ ‎تميّزَت المرحلة الأولى بأنها انتقال من الشيوعية المقاتلة إلى "السياسة الاقتصادية الجديدة‎". NEP ‎
وكان المرض لحق بلينين في فصل الخريف من العام 1922 مما اضطره إلى الانسحاب من ‏الحياة ‏السياسية، وذلك في ما انعقد المؤتمر الثاني عشر للحزب في غيابه عنه. وخاض هذا المؤتمر ‏معركة ضد ‏كل من تروتسكي وبوخارين، واتهمهما بدعم القوميين في جورجيا. وفي ما كانت الطبقة ‏العاملة تستعيد ‏أنفاسها، فإن تروتسكي كان يحاول أن يستفيد من فشل الثورة في كل من ألمانيا وبلغاريا، ‏بالإضافة إلى ‏الصعوبات الاقتصادية ومرض لينين. وبالمقابل، فإن ستالين يعقد العزم على تصفية ‏التروتسكية من حيث ‏هي تيار إيديولوجي. ويَنشُر في العام 1924 "مبادئ اللينينية"، وذلك عشية انعقاد ‏المؤتمر الخامس ‏والعشرين للحزب (1925)، والذي يُسجِّل اتساعاً ملموسا لنفوذ ستالين. ‏
وكان الجمع ما بين المسارين ‏الرأسمالي والاشتراكي، وما كان يرافقه من انطلاقة اقتصادية بفضل المسار ‏الاشتراكي، قد كرَّس، بخلاف ‏ما كان يقوله تروتسكي، لمبدأ نجاح الاشتراكية في بلد واحد. إلا أن هذا ‏الأخير يقوم هذا النجاح باسم ‏أطروحة "الثورة الدائمة". وانتهى الحزب في مؤتمره الخامس والعشرين ‏إلى سحق الانحراف اليميني ‏واليساري على حد سواء، ممثلا بتروتسكي وبوخارين وغريغوري زينوفييف‎ ‎Zinoviev Grigori ‎‏(1883-1936: كان يشكِّل مع كل من تروتسكي وكامينيف "ترويكا الأشدَّاء"، ‏وهي معارضة يسارية ‏للسياسة الاقتصادية الجديدة، وتدعو إلى بناء الاشتراكية في أكثر من بلد واحد، ‏ويُعدم في العام 1936 ‏إلى جانب كامينيف وآخرين بتهمة تأسيس منظَّمة إرهابية مسؤولة عن اغتيال ‏أمين الحزب في لينينغراد ‏سيرجي كوستريكوف الملقَّب ب/كيروف، ومحاولة اغتيال ستالين، وليف ‏بوريسوفيتش روزينفيلد ‏الملقَّب ب/ كامينيف‎ Kamenev (1883-1936‎‏)، ويغيِّر الحزب في الوقت ‏نفسه من اسمه ليصبح "الحزب ‏الشيوعي البلشفي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية"، "حزب ‏لينين وستالين"، على حد ما جاء ‏في المطولين اثنين عن تاريخ الحزب الصادرين في العام 1938، ثم في ‏العام 1970. وكان المؤتمر ‏الخامس والعشرين اطَّلع على انتقادات لينين الموجَّهة في "وصِيَّته" إلى ‏ستالين، والتي تشير إلى ‏‏"عيوبه". إلا أن المؤتمر لم يزح ستالين جانبا من الأمانة العامة للحزب كي لا ‏يفسح المجال أمام ‏التروتسكيين، لاسيما وأن ستالين تعهَّد بأن يُصلح في أمره. بيد أنه لم يفِ بوعوده. ‏‏"ومن جراء ذلك، ‏فإن الحزب وبلاد السوفييت اضطروا بعدما كان من أمر إلى تحمُّل الصعوبات كلها، ‏والناجمة عن عبادة ‏الشخصية، عبادة شخصية ستالين"، حسب ما جاء في المرجع المذكور سالفا ‏‏(1970‏‎‏).‏
ويشير لابيكا إلى أن مرحلة السياسة الاقتصادية الجديدة التي استمرت حتى غاية العام 1928 ‏شهدت ‏تفوُّق الجهاز على الحزب الذي وقع تحت سيطرة ستالين منذ العام 1925. وإن أخطر ما عرفته ‏المرحلة ‏هو الاتهام الموجَّه للتروتسكيين، والذي يزعم بأنهم يعتدون على جهاز الحزب. ولم يكن الدفاع ‏عن ‏اللينينية سوى الغطاء: ألم يَنتَظر تروتسكي وفاة لينين، وقد قاطع مراسم دفنه، كي يُعلن عن ‏أفكاره ‏النتنة"، حسب ما جاء في المطول عن تاريخ الحزب الصادر في العام 1970‏‎. ‎
هذا في ما يتعلق بالمرحلة الأولى، مرحلة "السياسة الاقتصادية الجديدة". أما في ما يتعلق ‏ب/"مرحلة ‏التصنيع الاشتراكي"، فإن الأحداث ستتلاحق بوتيرة سريعة ومضطربة. وتشهد هذه ‏المرحلة، في ما ‏كانت المزارع الجماعية والخطة الخمسية الأولى تنطلق، طرد عدد كبير من قادة البلاشفة ‏من الحزب ‏اعتبارا من العام 1927، قبل أن يستعيدوا عضويتهم فيه مجددا ولفترة وجيزة، وعلى رأسهم ‏كل من ‏تروتسكي، وكامينيف، وراديك‎ Radek، وزينوفيِّيف، وكامينيف، وبوخارين، وغيرهم. حتى إذا ‏ما كانت ‏نهاية "عام المنعطف العظيم" (1929)، وكانت حركة الكولخوزات تسجِّل انتصارها بفضل ما ‏أنجزته ‏سياسة التصنيع والمزارع الجماعية من نجاحات، حتى يُبعَد بوخارين من الحزب، وتوجَّه إلى كل ‏من ‏تروتسكي وزينوفييف اللذين كانا يعارضان بناء الاشتراكية في بلد واحد، تهمة تأييد العدوان ‏الخارجي، ‏وتخريب الأممية الشيوعية. وما أن يحل العام 1929، وهو عام المنعطف العظيم، حتى تتوفَّر ‏أمام ‏الفلسفة ما قبل الستالينية ما كانت تفتقر إليه حتى تاريخه من ظروف سياسية وإيديولوجية ‏وتنظيمية، كي ‏ما تَدخل بدورها في سياق المنعطف العظيم لترسي وترسِّخ "الستالينية" و"الماركسية ‏اللينينية" كفلسفة دولة ‏بعدما توفَّرت أمامها الظروف المناسبة. وهذا المنعطف الفلسفي واضح وصريح ‏في الخطاب الذي يلقيه ‏ستالين أمام مؤتمر الأخصائيين الماركسيين في المسألة الزراعية، بتاريخ 27 ‏ديسمبر من العام 1929، ‏تحت عنوان مسألة السياسة الزراعية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية ‏الاشتراكية. ففي هذا الخطاب ‏يُسَجِّل ستالين أفكاره في سياق النمو الهائل لحركة المزارع الجماعية، ‏وعداء الفلاحين، عداءٌ كجرفٍ من ‏سيل هائل، للمزارعين الأغنياء (الغولاك). ويلاحظ أن "الفكر النظري لا ‏يسير بسرعة موازية لما تُنجزه ‏الممارسات"، وأن من الضروري ملء الفراغ الناجم عن تأخَّر النظرية. ‏ويكون ذلك بتفنيد ودحض ‏الأحكام المسبقة البورجوازية التي كانت ما تزال سائدة، وتعزيز "المواقع ‏الماركسية اللينينية". ويُعدِّد ‏للابيكا ست نقاط وَردت في هذا الخطاب الذي يوضِّح أطروحة ستالين، ‏وهي‎: ‎
‎‏1/- ‏‎نظرية التوازن: يقترح طريقا ثالثة من أجل رفع الإنتاج الزراعي تَجمع ما بين الطريق ‏الرأسمالي ‏والطريق الاشتراكي، أي الجمع ما بين أراضي صغار الفلاحين أصحاب الملكيات الصغيرة، في ‏مزارع ‏تعاونية (كولخوزات)، ومزارع جماعية (سوفخوز). وهذه الأطروحة تتضمن نقدا ضمنيا ‏لبوخارين. ‏
‏2/- ‏نظرية التلقائية: بالرجوع إل لينين في انتقاداته لبوخارين، فإن القطاع الفلاحي ميال إلى سوق ‏الإنتاج ‏التجاري الرأسمالي، والبروليتاريا ميالة إلى الإنتاج الاشتراكي. لذا، فإنه يجب إلحاق القرى ‏بمسار ‏التحويل.‏
‏3/- نظرية الاستقرار: بخلاف الاشتراكيين الديمقراطيين الذين يولون صغار الفلاحين ثقتهم، فإن ‏ستالين ‏يستند إلى نظرية فائض القيمة، والمسألة الفلاحية لإنجلز، ليبيِّن أن من الضروري تأميم الأراضي، ‏وأن ‏الاستثمارات الزراعية الكبرى متفوِّقَة على الاستثمارات الزراعية الصغرى. ‏
‏4/- المدينة والريف: يردُّ ‏ستالين على كل من تروتسكي وزينوفييف اللذين يعتقدان أن الثورة لم تقدم شيئا ‏للفلاحين، موضِّحا أن ‏الثورة رَفَعَت من قيمة الفلاحين عندما وزَّعت عليهم الأراضي، وَوَضَعَت تحت ‏تصرِّفهم ما يحتاجون إليه ‏من وسائل. وهو الأمر الذي يقود إلى ظهور نمط جديد من الفلاحين خلافا ‏لسابقه. ‏
‏5/- في طبيعة المزارع ‏التعاونية: في ردِّه على اليسار "الخطباء الاشتراكيين" (التروتسكيون) الذين ‏يرفضون اعتبار المزارع ‏التعاونية شكلا من أشكال الإنتاج الاشتراكي، يؤكِّد على الصراع الطبقي في ‏المزارع التعاونية والذي يقود ‏إلى الإسراع في التغيير وتعميقه في ما يتعلق بالإنتاج والعقليات على حد ‏سواء. ‏
‏6/- في استعراضه ‏للمحصِّلة السياسية للسنوات الأخيرة الماضية، يدافع عن صحة الخط السياسي الذي ‏ينتقل من الحدِّ من ‏ميل كبار الملاكين (الغولاك) إلى الاستغلال، إلى "تصفيَّتِهم كطبقة"، وذلك على نقيض ‏ما تدافع عنه ‏‏"المعارضة التروتسكية-الزينوفييفية". وتنتهي الخاتمة إلى استنتاج النتائج. إنها تُلزِم ‏باجتثاث هذه ‏الحالات من الشطط، والمذكورة سالفا، وتَرسم البرنامج، وذلك من أجل أن تتماشى النظرية ‏مع الممارسة ‏في زمان واحد. وهذا يُسَجِّل لإغلاق باب النقاش، أو الحد منه وحصره، وهو الأصح. ‏ويُعَرَّف بأصحاب ‏البدع والهرطقة، ويُجَرَّد هؤلاء إيديوليوجيا وسياسيا. وإلى ذلك، فإن ستالين يصبح، بلا ‏منازع، سيد ‏النظرية المُوَلَّى عليها‎. ‎
رابعاً: الفـلســفـة الـســتالـينية أو بـلـشــــفـة الفـلـســــفـة‎:‎
وتبدأ اعتبارا من ذلك بلشفة الفلسفة على يد بلاشفة من أمثال م/ ب. ميتين‎ M. B. Mitine ‎، وف. ‏ن. ‏رالسيفيتشV. N. Ralsevitch ‎، وب. ف. لودين‎ Ludine P. F.‎، الناطقين الرسميين ‏للشؤون ‏النظرية والسياسة باسم قائد الحزب والدولة، ستالين. وكانت هذه المرحلة من تاريخ اتحاد ‏الجمهوريات ‏السوفييتية الاشتراكية تميَّزت بنهاية "السياسة الاقتصادية الجديدة‎" NEP‎، وتعميم ‏المزارع الجماعية ‏بالقوة، والتصفية بالطرق العنيفة للمناهضين لنظرية بناء الاشتراكية في بلد واحد، ‏وإبعاد الزمر الشيوعية ‏غير الستالينية، وذلك في ما كان الدياليكتيكيون يتَّهمون الميكانيكيين بأنهم ‏يجهلون واقع التناقضات التي ‏تلازم المسار الثوري. وكانت هذه التهمة النظرية تُخفي وراءها تهمة ‏سياسية موجَّهة للميكانيكيين الذين ‏كانوا يرفضون السياسة التي فُرِضَت ما بعد نهاية "السياسة ‏الاقتصادية الجديدة". وفي الوقت نفسه، ‏فإن شمولية قوانين الدياليكتيك ارتدت ضد الدياليكتيكيين من قِبَل ‏البلاشفة باسم الوحدة الوثيقة ما بين ‏النظرية والممارسة، ومبدأ انعدام الحياد في المجال الفلسفي. وهو ‏الأمر الذي انتهى رويدا رويدا إلى ‏تقليص الحوارات الفلسفية التي تحوَّلَت إلى مواجهات ما بين أراء ‏سياسية. حتى إذا ما جاء يوم 28 ‏كانون الثاني/يناير من العام 1931، حتى أَعلنت اللجنة المركزية ‏للحزب الشيوعي السوفييتي مرسوما ‏ينص بأن المادية الدياليكتيكية هي الحقيقة. ما جَعَل بدوره من كل ‏عمل فلسفي أمرا مستحيل الإنجاز. ‏وكان فريق من الإيديولوجيين ظَهَرَ إلى العلن في الأشهر الأولى من ‏العام 1930 باسم "مبلشفو الفلسفة ‏الماركسية". وقاد هجوما مضادا للدياليكتيكيين من أنصار ديبورين، ‏وضَمِن انتقال السلطات الفلسفية إلى ‏أمين عام الحزب، ووضعتها بين يديه. وسار الهجوم على الخطوط ‏العريضة التالية: وُضِعَت المادية ‏الدياليكتيكية في مركز القيادة، ويرافقها تطبيقاتها المزدوجة، وذلك في ‏علوم الطبيعة وفي خدمة المسألة ‏الزراعية، من جهة، وفي المادية التاريخية من أجل بناء الاشتراكية، ‏من جهة ثانية‎. ‎
لم تكن، من وجهة نظر الستالينيين البلاشفة، الانتقادات التي كان الدياليكتيكيون يوجِّهونها ‏للميكانيكيين، ‏وجورج لوكاش، كافية. ودار هجومهم على محور "النضال على جبهتين"، الميكانيكيين ‏والمثاليين، ‏وتطوير المادية التاريخية ومسائلها. وأخذوا مسار المنعطف العظيم على كافة الأصعدة، من ‏العلوم، إلى ‏التاريخ، والاقتصاد السياسي، والأدب، والبسيكولوجيا، والنضال ضد الأحكام المسبقة الدينية. ‏وكان ‏شعارهم الرئيس: "انتقاد الإيديولوجية التروتسكية المضادة للثورة، والتشويهات التروتسكية ‏للينينية، ‏ودحض الانتقادات غير الكافية حتى الآن في المجال الفلسفي". علما أن "النقد الذاتي البلشفي" ‏هو ‏الشرط الضروري كي ما تتوفر أسباب النجاح أمام هذه المهام. وكتب "مبلشفو الفلسفة الماركسية" ‏في ‏البرافدا (7 حزيران/يونيو 1931) عشية انعقاد المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي، تحت ‏عنوان ‏"المهام الجديدة الفلسفية تلماركسية اللينينية"، أن إعادة بناء الاشتراكية في المجال الزراعي قد ‏بيَّنَت مدى ‏التأخير الذي لحق بالنظرية. و"إن الرفيق ستالين قد طرح هذه المسالة بصورة حاسمة ودقيقة ‏أمام ‏مؤتمر الأخصائيين الماركسيين في المجال الزراعي‎". ‎
وعدَّد هؤلاء في مقالهم هذه المهام على النحو التالي: ‏
‏1/ -إن الفلسفة الماركسية اللينينية هي إحدى أهم ‏مكوِّنات النضال النظري للبروليتاريا، والمادية التاريخية ‏هي الروح الثورية للماركسية للينينية"‏
‏2/-إن ‏أهمية النضال ضد "الميول الميكانيكية التحريفية" لم تنل حقها من التقدير، لا سيما وأنها ‏‏"القاعدة ‏النظرية للكتلة اليمينية" (أي بوخارين، ريكوف، وتومسكي، حسب ما يوضِّحه لابيكا).‏
‏3/- إن إعادة البناء الماركسي ‏للعلم هو اليوم وأكثر من أي وقت مضى مدرجة على جدول الأعمال، "إنه ‏مسار التغيير الذي يلحق في ‏مسار العلم كله من وجهة نظر الدياليكتيك المادي".‏
‏4/- وفي ما يتعلق بأنصار ديبورين، فإن هذا الفريق لم ‏يعد ليكتف بالقول إن الانتقادات الموجَّهة إلى ‏هؤلاء غير كافية، وإنما اعتَبَر أن أحد أهم أخطاؤهم هو ‏إهمالهم في انتقاداتهم للتروتسكية أسسها ‏النظرية. وإن "الدياليكيتيكيين الفلاسفة لم يحذو حذو ستالين ‏‏"الذي "يمثِّل مثالا للفهم العميق لدياليكتيك ‏المادي"، ويمارسوا النضال على غراره على جبهتين اثنتين. ‏إن أعمالهم تتضمن "طلاقا ما بين النظر ‏والعمل"، و"هي غير كافية في ما يتعلق بمسائل المادية ‏التاريخية". و"بالرغم من أن نضال الماركسيين ‏الدياليكتيكيين ضد المفهوم الميكانيكي للعالم عظيم ‏الأهمية، إلا أنه لا بد من الاعتراف بأنهم وإن كان ‏يعيروا أهمية للنضال ضد أخطاء ظهرت ما بيننا، وهي، ‏وإن كانت من نمط شكلي، إلا أنها مثالية بصورة ‏صريحة". ‏
‏5/-وتأتي بعد ذلك المهام، وهي: "فتح ‏النيران على التأثيرات المثالية"، وضع عقل الحزب والنقد الذاتي ‏في مقدمة الساحة وعلى راس ‏الأولويات، تحضر أو إعداد التراث الفلسفي للينين، وانتقاد عدد من ‏أطروحات بليخانوف‎. ‎
ويأتي القرار الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي بتاريخ 25 ‏كانون ‏الثاني/يناير 1931 في ما يتعلق بالصحيفة اليومية" تحت راية الماركسية" ليحسم النقاش ‏بصورة ‏نهائية. ومما جاء فيه:‏
‏1/- بالرغم من أن تحت راية الماركسية أحرزت نجاحات في النضال ضد المذهب ‏الميكانيكي من حيث هو ‏محاولة لتحريف الماركسية، إلا أنها لم تلتزم بالإرشادات التي كان لينين وجَّهَها في ‏مقاله "النتاج بعيد ‏المدى للمادية المناضلة". إنها انفصلت عن مهام بناء الاشتراكية في اتحاد ‏الجمهوريات السوفييتية ‏الاشتراكية، ومهام الحركة الثورية الأممية، على حد سواء. ‏
‏2/- لم تَفهم المجلة ‏اليومية معنى المرحلة اللينينية في المجال الفلسفي، من حيث هي مرحلة جديدة من ‏تطور الفلسفة ‏الماركسية، وإن الرفاق ديبورين، وكاريف، وستين، وآخرين، مسؤولون عن تحويلها إلى ‏يومية تنطق ‏باسم مجموعتهم.‏
‏3/- لقد فَصَلَت هذه المجموعة ما بين السياسة والفلسفة، ولم تدلِّل في عملها على الانحياز في ‏المجال ‏الفلسفي و في العلوم، فإن هذا الفريق قد أعاد إحياء المعتقدات المضرَّة للأممية الثانية، أي الطلاق ‏ما بين ‏النظرية والممارسة.‏
‏ 4/- وبناءً عليه فإن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تقرِّر ما يلي: ‏
آ) يجب على ‏المجلة أن تصبح المجلة الناطقة باسم نضال الماركسية اللينينية، ‏
‏(ب) وأن تلتزم بالخط العام للحزب، ضد كل ‏التحريفات والانحرافات عن خط الحزب، ‏
‏(ج) وأن تطبِّق المبدأ اللينيني، مبدأ الانحياز في مجال الفلسفة. ‏
‏(د) ويجب ‏على المجلة في المجال الفلسفي أن تخوض النضال على جبهتين اثنتين، وهما: ضد التحريف ‏الميكانيكي ‏للفلسفة، وهو الخطر الرئيس في المرحلة الراهنة، وضد التحريف المثالي للماركسية على يد ‏الرفاق ‏ديبورين وكاريف وستين وآخرين. ‏
‏(ه) وفي ما يتعلق بمسائل المادية التاريخية، فإن المجلة، إذ هي تَعتَمِد ‏على النظرية المادية الدياليكتيكية، ‏فإنها ملزَمَة بالتحضر والإعداد لمسائل المادية التاريخية في علاقاتها ‏الوثيقة بالممارسة وبناء الاشتراكية ‏والثورة الأممية. ‏
‏(و) وبناء على ذلك فإن المجلة مُلزَمَة بتوسيع هيئتها ‏الإدارية بحيث تشمل المزيد من القيادات الفلسفية ‏البلشفية‎. ‎
إن الانتقادات الموجَّهة للدياليكتيكيين، ومن ثم إدانتهم، كانت تستند إلى دوافع خارجية أو ذات ‏صلة ‏بالظروف أكثر منها داخلية أو نظرية. ولقد مدَّ المنعطف العظيم في العام 1929 هذه الانتقادات ‏بالحجج ‏اللازمة، وهي:‏
آ/- مداخلاتهم الضعيفة في مجال المادية التاريخية، ‏
ب/- وبعدهم عن الحياة السياسية،
ج/- والطلاق في ‏أعمالهم ما بين النظرية والممارسة، ‏
د/- وبعدها عن عقل الحزب.‏
‏ ولم تعدم هذه الانتقادات من أهداف، وهي ‏
آ/- ربط الفلسفة بصورة غير شرطية بالمجموعة القائدة. ‏
ب/- واستخدام الوحدة بين النظرية والممارسة لتمجيد ‏وتبرير أي عمل سياسي وكل قرار حزبي، بصورة ‏نظرية. ‏
ج/- وانتهى الأمر بالحكم على أنصار ديبورين ‏بأنهم لا حزبيين، ولا ماركسيين، ولا لينينيين، وذهبوا ‏ضحية لموازين القوى التي كانت سائدة حينذاك. ‏
‏د/- وكان ستالين هو المحرك لهذه العملية والمخطِّط لها، وكان ستالين نجح حتى غاية العام 1931 ‏في ‏الظهور بمظهر من هو على هامش هذه الأحداث، ولم يظهر حتى تاريخه بمظهر المنظِّر ‏والفيلسوف، ‏وذلك بانتظار العام 1938 حيث تشهد تلك السنة تدخل ستالين بصورة شخصية في مجال ‏الماركسية ‏اللينينية. وكان الهدف من وراء هذه العملية قد تحقَّق، ألا وهو الربط برباط وثيق ما بين العمل ‏الفلسفي ‏والحزب. وهو الأمر الذي جعل بالتالي من ستالين الناطق الوحيد باسم الفلسفة والحزب على حد ‏سواء. ‏وهذا ما يقوله ميتين على خير وجه في كتابه المادية الدياليكتيكية الصادر بموسكو في العام ‏‏1933:"إن ‏أعظم ما أنجزته النظرية الماركسية اللينينية من تقدُّم في المجالات كلها، بما في ذلك في مجال ‏الفلسفة ‏الماركسية، يرتبط باسم الرفيق ستالين. ففي كل ما أنجزه الرفيق ستالين من إنجازات بالممارسة، ‏وعبر ‏كتاباته كلها، تجد التجربة الكاملة لنضال البروليتاريا الأممي، والثروة الكاملة لمستودع النظرية ‏الماركسية ‏اللينينية‎". ‎
‏خامساً: الـمــلـك الـفـيلـســــوف، أو الفــيلـســوف المــلـك‎:‎
يكتب لابيكا في القسم السادس من الفصل الأول تحت عنوان: المَلِك الفيلسوف، والفلسفة مَلِكٌ : وما ‏سيأتي ‏بعد ذلك يحمل معه زمنين اثنين، أحدهما فلسفي والثاني سياسي، وسيكرِّسان للمنعطف العظيم ما ‏بين ‏‏1929 و1931، وذلك عبر إنجاز الحلم الأفلاطوني القديم برؤية الفيلسوف وقد أصبح ملكا (أو ‏الفيلسوف ‏المَلِك)، أو انصهار الفلسفة بالدولة. فإذا كان القرار الصادر عن اللجنة المركزية للحزب في ‏العام 1931، ‏حتى وإن كان، بوجه الافتراض، لا يَحكم على بعض حالات من النقاش الفلسفي بالعقم، فإنه ‏يَفتح الباب ‏واسعا أمام المطولات في الماركسية اللينينية. وكان أولهم صدر بقلم ميتين تحت عنوان ‏الدياليكيتيك ‏المادي، في ما صدر الثاني بقلم آدوراتسكي الذي كان خلف ريازانوف على راس المعهد ‏الماركسي ‏اللينيني. والأول كالثاني يحملان العنوان نفسه، وهو: المادية الدياليكتيكية‎ (‎الترجمة الأنجليزية ‏لمؤلَّف ‏ريازانوف‎: Dialectical materialism, Proletarian Publishers, San ‎Fransisco, ‎‎1934). ‎ويأتي هذان المطولان في سياق بلشفة الفلسفة‎. ‎
آ/- وأُسُس البلشفة هي، من جهة، التحضير والإعداد لنظرية الماركسية اللينينية، من حيث هي ‏‏"القيادة ‏الرائدة العلمية". ‏
ب/- وهي، من جهة ثانية، تعريف للمادية الدياليكتيكية من حيث هي "فلسفة ومنهج ‏الماركسية اللينينية ‏الثورية، وأداة لدراسة وتحويل كل ما هو موجود. فالمادية الدياليكتيكية لا تقتصر ‏حصرا على الدراسة ‏النظرية، وإنما تتضمن لزوما العمل الثوري كممارسة"، حسب ما جاء في مطول ‏آدوراتسكي الذي يُحيِّي ‏أكثر ما مرة هيجل الذي كان أول من بنى فلسفةً تهتم بالقوانين العامة للدياليكيتيك ‏وتؤكِّد على شمولية ‏القوانين. وهذا التفكير يوضِّح منذ وقت مبكر، وبصورة منسجمة مع الدياليكيتيكيين ‏والميكانيكيين على ‏حد سواء، انفصال المادية الدياليكتيكية عن المادية التاريخية، واعتبار أن الثانية ‏تطبيقٌ للأولى، وأن كانت ‏تربط ما بينهما عبر هذا التطبيق. ونواة هذه القوانين لدى هيجل، حسب ما ‏يذهب إليه آدوراتسكي، وحدة ‏الأضداد أو الصراع ما بين الضدين، وذلك على غرار ما كان زينون يقول ‏به في ما يتعلق بالصراع ما بين ‏الأضداد. ‏
ج/- وتأتي قوانين الدياليكيتيك لنجدة النزاع مابين البورجوازية ‏والبروليتاريا، كما يعرض لها مؤلَّف ‏ماركس رأس المال. والأسس، وتأخذ، من جهة ثالثة، بالصلة الوثيقة ما ‏بين الفلسفة والسياسة. وتستند ‏إلى هذا الصلة لكشف وفضح:‏
‏1-‏ التحريف الميكانيكي اليميني الذي يبرِّر ‏لمصالح الطبقات الرأسمالية، حسب ما يتبيِّن من نظرية ‏التوازن لبوخارين. ب- و"المثالية المنشفية" التي ‏تنقل بصورة خطيرة أفكار البورجوازية إلى ‏البروليتاريا. ج- وأنصار ديبورين كما مرَّ معنا سابقا. وبناءً ‏على هذه الصلة، فإن الضرورة "تُلْزِم ‏بعرض أخطاء هاتين المدرستين، وتصحيحها"، إذ إن "الفلسفة ‏مُلْزَمَة بأن تكون فلسفة الحزب ‏بصورة كاملة‎". ‎
‏2-‏ وتأخذ بلشفة الفلسفة مسارا منطقيا حسب ما يتبيَّن من ترجيح آدوراتسكي في انتقاده لديبورين ‏لدياليكتيك ‏التطور الاجتماعي. إلا أنه تطور منطقي بالرغم من أنه يأخذ تسمية الاجتماعي. ‏فآدوراتسكي يُذَكِّر بأن ‏قانون وحدة الأضداد، وحركة التناقضات، تظهر أيضا في التاريخ كممارسة ‏أو فعل. "إن ماركس، إذ هو ‏يطبِّق المادية التاريخية على دراسة المجتمع، فإنه يكتشف أن قاعدة ‏التطور المجتمعي هي تطور ‏الإنتاج‎". ‎
ويحث المطول على تعليم اللينينية للنضال ضد التحريفيين، تروتسكي واليسار المتطرف. لينتهي ‏في ‏خاتمته إلى وصف "الرفيق ستالين بأنه الأقدر على متابعة قضية لينين"، وهو"أفضل منظِّر ‏لينيني"، ‏حسب ما يتبيَّن من المعركة ضد تروتكسي وزينوفييف. ويوصي آدوراتسكي بتعليم ونشر ‏وتوزيع لمؤلَّف ‏ستالين "المبادئ اللينينية" التي تتضمن عرضا للماركسية اللينينية وتعريفا بها‎. ‎
وإلى ذلك، فإن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية يَنتقل إلى مرحة جديدة، بعدما ينتهي ‏الإرساء ‏بصورة نهائية لإطار عقائدي، والتكريس لستالين الذي لم يكن حتى تاريخه كتب بعد مؤلَّفات ‏فلسفية‎. ‎
وكانت المرحلة الثانية من بناء المزارع التعاونية بدأت، ومعها بدأت تصفية أصحاب الملكيات ‏الزراعية ‏الكبيرة كطبقة. ويُمَجِّد المؤتمر السادس عشر المنعقد في حزيران/يونيو 1930 "الهجوم الذي ‏تشنُّه ‏الاشتراكية على كافة الجبهات"، وما تُنجزه الاشتراكية من انتصارات. في ما يُعلِن ستالين عن ‏تحوُّل ‏اتحاد الجهوريات السوفييتية الاشتراكية إلى بلد صناعي. ويأخذ هذا المسار عبر السنوات اللاحقة ‏وتيرة ‏سريعة، حتى أن المؤتمر السابع عشر المنعقد في كانون الثاني/يناير 1934 يأخذ اسم ‏‏"مؤتمر ‏المنتصرين". وفي هذه الأثناء، فإن الحزب يُنبِّه إلى أن الوعي ما يزال متأخرا، حيث يزن ما نجا ‏من ‏الرأسمالية بثقله على الوعي، أكثر مما هو يزن في الممارسات الاقتصادية. لذا كان من الضروري ‏التيقظ ‏والحذر في ما يتعلق ب"القيادة السياسية والإيديولوجية". وهاهو ستالين يُعلن: "إن الخطر ‏الرئيس يأتي ‏من الانحراف الذي لا ننتهي من محاربته، والذي أفسحنا أمامه المجال كي يتطور حتى أخذ ‏أبعادا تهدِّد ‏الدولة". ولم ينفع أنصار بوخارين وتروتسكي وزينوفييف وكامينيف النقد الذاتي وتمجيد ‏الحزب في إنقاذ ‏أنفسهم من الإعدام رميا بالرصاص. فقد اتّهمهم الحزب بالتدبير لاغتيال كيروف في الأول ‏من كانون ‏الأول/ديسمبر 1934، كما مر معنا سابقا. واتُّهم هؤلاء، من بوخارين إلى تروتسكي ‏وكامينيف ‏وزينوفييف بأنهم مرتزقة يعملون لحساب الفاشية. وبدأت المحاكمات و"تنقية" الحزب. و ما ‏أن جاء العام ‏‏1937، حتى ظهرت علامات الانطلاقة الصناعية والزراعية والثقافية صريحةً، وظهر ‏‏"المثقَّف من نمط ‏جديد"، في ما أُنجِزَت الخطة الخمسية الثانية خلال أربع سنوات وثلاثة أشهر، وسّجَّل ‏الإنتاج في ‏الصناعة والزراعة أرقاما قياسية، وأُعلِن عن دستور 1936‏‎. ‎

سـادسـاً: الفلسفة والسياسة: عــــقـل الـدولـــة:‏
واعتبارا من هذا التاريخ تتكوَّن الماركسية اللينينية الستالينية من حيث هي عقيدة أرثوذكسية، ‏وتنشأ ‏مؤسَّسة ذات وظيفة مزدوجة: إن هذه العقيدة من حيث هي مؤسسة تخفي، من جهة، الظرف ‏التاريخي ‏الملموس الذي كوَّنها، أي الديكتاتورية التي يمارسها الحزب من حيث هو جهاز دولة على ‏البروليتاريا، ‏وديكتاتورية الأمين العام للحزب ستالين على الحزب نفسه، بعدما كان نشأ ضمن الحزب قبل ‏أن يستولي ‏عليه. وإن هذه العقيدة من حيث هي مؤسسة تبرِّر، من جهة ثانية، وتَمنَح المشروعية لسلطة ‏الأمين ‏العام‎ (‎‏"غينسيك" الإيجاز الاصطلاحي باللغة الروسية لأمين عام الحزب الشيوعي السوفييتي ‏‎ ‎‎ ‎Gensek‎، وذلك بفضل شمولية الحقيقة المطلقة، وهي المادية الدياليكتيكية الحائزة على دور ‏فاعل ‏متمثِّل بالسلطة الحائزة بدورها على معرفة تَستند إلى أسس من الموضوعية المزدوجة للمسارين ‏الكوني ‏والتاريخي، حيث تظهر مبالغات الفعل والممارسة من حيث هي نتيجة ضرورية لقانون منطقي ‏والواقع‎. ‎
ويخُلُص لابيكا إلى النتائج، فيستخلص بأن الأمر انتهى على هذا النحو "بأن يضع ستالين خلال ‏عشر ‏سنوات من التحضير والإعداد يده على الحزب والسلطات كلها والدولة والإيديولوجية. وكانت ‏المعركة من ‏أجل السيطرة على الإيديولوجية هي التي استأثرت أكثر من غيرها بأكبر قسط من الجهود، ‏وأطول مدة ‏زمنية، فهي ليست مجرد ترف روحي، وإنما الشرط الضروري والمُسبق للسيطرة على ‏الحزب والسلطات ‏كلها والدولة. إذ أن الفلسفة هي وحدها المؤهَّلة لمنح الدولة والحزب الشهادة المطلقة ‏التي يحتاج إليها ‏الحزب والدولة بصورة مستديمة كي ما يكونوا هم أنفسهم حقيقة مطلقة. ففي نهاية ‏الثلاثينات رُسِّخَت ‏فلسفة الدولة، أو فلسفة من أجل الدولة، أو تحويل الفلسفة إلى دولة. وما الماركسية ‏اللينينية سوى عقل ‏الدولة. وكانت الانتقادات التي وُجِّهت إلى الميكانيكيين والدياليكتيكيين وغيرهم تُخفي، ‏وإن كانت لا تخلو ‏من أسس سليمة، أسبابا غير معلَنة‎.‎
‎‎إن إدانة اللجنة المركزية للحزب للدياليكتيكيين، وعلى رأسهم ديبورين، تنطوي على درس ‏شديد ‏الوضوح، ألا وهو أن السلطة هي التي تملي الحقيقة. هي وحدها، إن لم تكن هي نفسها التي ‏تُنتِجها، ‏فإنها هي التي تحوز عليها أو تصادرها. وهذا يعنى أن الاستقلال الذاتي للفكر محظور. إن ‏المادية ‏الدياليكيتية في أعمال ديبورين، أوال/ديامات‎ Diamat ‎كما يقول الروس في اختصارهم ‏للمصطلح (المادية الدياليكتيكية)، هو ‏نفسه ديامات الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، بيد أن ‏ديبورين لا علم له بالأمر. ولقد سدَّد ثمن ‏هذا الانتقال غاليا. والخطأ الذي وقع فيه ديبورين لا علاقة له ‏بحيازته للحقيقة في وقت مبكر للغاية، وإنما ‏لأنه اغتصب العقيدة عندما كان سباقا في الإعلان عن ‏العقيدة؛ العقيدة هذه الحقيقة المقدَّسة. وما ‏الجدانوفية‎ (‎نسبة إلى جدانوف‎ Jdanov) ‎سوى مثال واحد ‏بين أمثلة كثر غيرها. وكان مؤلَّف تاريخ ‏الفلسفة الغربية الأوروبية، استاذ تاريخ الفلسفة في أكاديمية ‏العلوم الاجتماعية، رئيس دائرة التحريض ‏والإعلام في الحزب، والحائز على أعلى أوسمة وجوائز الدولة ‏تقديرا لأعماله، ج. ف. ألكسندروف‎ G. ‎F. Alexandrov ‎تلقى – على سبيل المثال - هجوما عنيفا من ‏جدانوف، وإدانة من قِبَل الأمين العام، ‏بعد مرور ستة أشهر فقط على المديح والإطراء الذي لقيه من ‏أعلى السلطات، لا لشيء إلا لأنه "لم يعط ‏عقل الحزب حقه من الأهمية". وتسير الجدانوفية التي شملت، ‏بالإضافة إلى الفلسفة، كلا من الأدب ‏والفنون والموسيقى، تسير بصورة موازية مع ال/ليجوفتشينا (نسبة ‏إلى ليجوف‎ Lejov ‎والتي سادت ما ‏بين 1936-1938. وكان هذا الأخير رئيسا للشرطة السياسية منذ ‏شهر أيلول/سبتمبر 1936. وفي ‏عهده أُعدم ما بين 1937 و1938، أُعدم 98 عضوا من مجموع 139 ‏عضوا شاركوا في المؤتمر السابع ‏عشر للحزب المنعقد في العام 1934، كما أُعدم 1108 مفوضاً من ‏مجموع 1966 مفوض إلى المؤتمر، ‏بالإضافة إلى 90 بالمائة من الجنرالات و80 بالمائة من العقداء. ثم ‏اختفى جيروف نفسه في العام 1938‏‎.‎
تَمْثُل إذن هذه المؤسسة من حيث هي وحدة متجانسة ما بين ثلاثة عناصر:‏
آ/- الفلسفة الماركسية أو ‏المادية الدياليكتيكية، وهي القوانين العامة للفكر والوجود، هذا الفكر ‏الدياليكتيكي الذي يستحوذ على ‏الوجود
ب/- المفهوم المادي للتاريخ أو المادية التاريخية ما هي سوى تطبيق لهذه القوانين الدياليكتيكية، ‏العامة ‏والشاملة، على التاريخ، ويوجه خاص في مجال الاقتصاد السياسي. ‏
ج/- الشيوعية هي تطيبق ‏المادية الديالكيتيكية على التاريخ المادي (أو المادية التاريخية) من أجل تشييد ‏دولة اشتراكية جديدة ‏بقيادة الحزب الشيوعي وحده. والماركسية اللينينية إيديولوجيةٌ جماهيرية وعلمية ‏على حد سواء. ‏وقوامها، من الناحية السياسية، ديكتاتورية البروليتاريا والحزب من نمط جديد. ويُقدِّم ‏ستالين منذ العام ‏‏1938 صيغة كنسية لهذا البناء في فصل المادية الدياليكتيكية والتاريخية من كتاب ‏‏"تاريخ الحزب ‏الشيوعي البلشفي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية". وتأخذ هذه المؤسسة ‏تسمية اللينينية، أي ‏‏"الماركسية في مرحلة الإمبريالية وبناء الاشتراكية في بلد واحد". فاللينينية هي من ‏نتاج ستالين، ‏ومحصِّلة لاكتشافه القانون الأساس للتطور المنسجم للمجتمع في ظل التخطيط المركزي، ‏وتعزيز دور ‏الدولة باسم ديكتاتورية البروليتاريا. وهي، من وجهة نظر ستالين، مرحلة أصيلة في تطور ‏الماركسية، ‏وقد أصبحت الإيديولوجية العلمية للطبقة العاملة، وهي ذات نمط عالمي شمولي‎. ‎
ويَستنتج لابيكا من خلال استعراضه لعشر سنوات من تاريخ تكوين المؤسَّسة عددا من الملاحظات، وهي:‏
‏‏1/- ظهور قطيعة مابين نشوء الماركسية اللينينية، من حيث هي "مفهوم متكامل للعالم" ، وما كان ‏سبق ‏ذلك من ممارسات. ولم تكن ظهرت أثناء حياة لينين، وما بعد غيابه أية فلسفة رسمية. ولم يكن أحد ‏ملزما ‏بأن يعلن تبنيه لأطروحات لينين الواردة في مؤلَّفه المادية والتجريبية النقدية، ناهيكم والماركسية ‏اللينينة، ‏لاسيما وأن المصطلح نفسه لم يَظهر إلا في نهاية العشرينات مع تأسيس "المعاهد الماركسية ‏اللينينية ‏للعلوم". ‏
‏2/- تتميَّز هذه القطيعة بأنها تُلحِق بصورة نهائية الفلسفة بالسياسة.‏
‏3/- الانحراف بوظيفة ‏الفلسفة. فلقد انتهت من حيث هي بحث معمَّق، وموضع للخلافات، في مختلف ‏مجالات النظرية، من العلوم ‏إلى السياسة إلى الدعاية إلى الأدب، لتصبح الوكيل المفوض لدى الحزب ‏ولتخضع بصورة مستمرة ‏للمصادفات الظرفية، وذلك من أجل تبرير شرعية متعالية ما فوق الجميع.‏
‏4/- من وجهة النظر هذه، فإن ‏الماركسية اللينينية ما هي سوى الاستيلاء على السلطة. ليس الاستيلاء ‏على سلطة ثانية، ولتكن على ‏سبيل المثال فلسفية ما بعد نيل السلطة، وإنما السلطة هي التي تصنع ‏الفلسفة لتوفر لنفسها الضمانات اللازمة ‏مرة واحدة وإلى الأبد. واعتبارا من ذلك، فإن القرارات تكف عن ‏أن تكون صادرة عن عدد من المراكز، ‏وتصبح صادرة عن مركز واحد أحد. وهو الذي يرسم القاعدة ‏وتحولاتها. هذا المركز ليس هو نفسه ‏الحزب، من حيث هو هنا تسمية عامة، وإنما نتاج لحيازة الحزب ‏وامتلاكه من قِبَل الجهاز الذي كان نشأ ‏ضمن الحزب نفسه قبل أن يسيطر عليه. هذه هي النتيجة المحصَّلة ‏من تاريخ يمتد لمدة عشر سنوات، ‏وهي المدة اللازمة كي ما تَلحَق ("الممارسة") ب/("النظرية")‏
‏5/- ولقد مرّت هذه السنوات العشر ‏بثلاثة أزمنة متباينة في ما بينها، وهي: الانحراف، فالتصحيح، ثم ‏العقوبة. وتَستَند إلى ثلاثة مبادئ خلو ‏من المضمون، وهي: العلاقة ما بين النظرية والممارسة، وعقل ‏الحزب، والنقد الذاتي‎. ‎
وكانت على هذا النحو المادية الدياليكتيكية الأداة الرئيسة التي بنت المؤسسة الإيديولوجية التي ‏مدَّت ‏السلطة السياسية الجديدة بالشرعية. هذه الشرعية التي حازت عليها السلطة بعدما استولت ‏واستثمرت ‏الوظيفة الفلسفية للدولة، وهي وظيفة تبريرية تمد الدولة بالشرعية. ولقد مارست الفلسفة ‏على هذا النحو ‏وظيفة تأسيسية في نظام جديد يَجمع ما بين الشمولية النظرية، والشمولية السياسية‎. ‎
‏سابعاً: الـفـلـســــفة والـدولــــة: الفـلـســـفة خــادمــة الســياسـة بعدما ‏كانت ‏خادمة الـلاهــوت:‏‎ ‎
تحولّت الشمولية في مجالي النظرية والسياسية، على غرار ما كان علية الأمر لدى كاوتسكي ‏وبليخانوف ‏في الأممية الثانية، إلى نظام مذهبي. ولم يعد أنتي دوهرينغ لإنجلز موضع قراءة نقدية، بل ‏أصبح بمثابة ‏موسوعة اشتراكية في كتاب الجيب في متناول الجميع. وانفصل مؤلّف لينين المادية والتجريبية النقدية ‏عن ‏تاريخه، ليندمج في نظام مذهبي كلي وثيق الصلة بالعلاقة ما بين الدولة والحزب؛ هذه العلاقة ‏التي ‏صيغت في نظرية. وغدت الفلسفة خادمة تعمل لدى السياسة. خادمة لديها وليس في خدمتها. ‏وظهر ‏حينئذ لاهوت سياسي جديد ليتسامى بفضل صياغات تجريدية بقرارات اللجنة المركزية للحزب، ‏وحري بنا ‏أن نقول قرارات أمينه العام. ويضع لابيكا في هذا المعرض يده على الصيغة التي تميِّز هذا ‏النمط من العلم ‏خارق للعادة: "المادية الدياليكيتية: لا علم إلا علم الأمين العام" (ص 78)‏‎.‎
وعلى هذا النحو، فإن طوباوية أفلاطون تنتقل إلى حيز الواقع بموجب المقولة: لا سلطة سياسية ‏مطلقة ‏بدون سلطة نظرية مطلقة. ولا سلطة نظرية مطلقة بدون مرجعية ذاتية إلى صاحبها. ويعكس هذا ‏التحوُّل ‏النظري والسياسي في منحى الشمولية مسيرة تخفيها السلطتين الشموليتين بفضل المادية ‏الدياليكتيكية ‏من حيث هي بدورها انعكاس تأسيسي، لاسيما وأن المادية الدياليكتيكية تبدو في الظاهر ‏متينة من حيث ‏أسسها المنطقية. لكن هذا التحول يدلِّل، بالمقابل، على صحة الانتقادات التي كان ماركس ‏يوجِّهها للدولة ‏البورجوازية والفلسفة النظرية: لا وجود لدولة (مطلقة) بدون فلسفة (شمولية)، ولا ‏وجود للفلسفة بدون ‏فلسفة مستبدَّة هي نفسها ترجمة للقوانين الشمولية التي تبرِّر السيطرة‎.‎
نشأت إذن الماركسية اللينينية عن هذا التلاقي على يد ستالين ما بين الفلسفة والدولة. إن ‏مقولة ‏الشمولية جزءُ من المطلق والكل، وهي من نوعها، أو هي من نوع واحد. وتشكِّل الشمولية نقطة ‏التلاقي ما ‏بين مسارين اثنين: المسار السياسي والمسار الفلسفي. وانتهى ستالين عبر السنوات العشر إلى ‏الخلط ما ‏بين الحزب والجهاز التابع له. وبتعبير آخر: إن ستالين انتهى إلى نقل للسلطة التي كانت وَضَعَت ‏بصورة ‏تدريجية الطبقة محل الجماهير، والحزب محل الطبقة، والمجموعة القائدة محل الحزب، وشخص ‏الأمين ‏العام محل المجموعة القائدة. والأدهى من ذلك أن هذا الانتقال يرافقه انتقال من نوع آخر ليتمخَّض ‏عن ‏خلط جديد، وبدرجة أعلى من الخلط السابق، ألا وهو الخلط ما بين الحزب والدولة. ولقد نشأ هذا ‏الخلط ما ‏بين الدولة والحزب من جراء المفهوم الستاليني لديكتاتورية البروليتاريا. ففي المحاضرات التي ‏كان ألقاها ‏في العام 1924 بجامعة سفيردلوف‎ Sverdlov، يُعرِّف منذ وقت مبكر ديكتاتورية البروليتاريا ‏بأنها ‏‏"دولة جديدة، دولة البروليتاريا"، وهي في مسار السوفييتات "نمط جديد من الدولة". ويزعم ‏أن ‏هذه الدولة مُلْزَمة بالتحضير لذوبانها. والحزب، من حيث هو "القائد السياسي للطبقة العاملة"، ‏و"قيادة ‏أركانه"، هو الأداة لممارسة ديكتاتورية البروليتاريا. إن الحزب هو الذي يتيح حيازتها والحفاظ ‏عليها ‏وتعزيزها وتوسيعها. ومن أجل إنجاز هذه المهام، فإن الحزب ينظِّم النقابات والتعاونيات ‏ومجالس ‏المصانع وحركات الشباب والنساء المعدومين من أي استقلال. ويَكتسب المفهوم الستاليني ‏لديكتاتورية ‏البروليتاريا مزيدا من الوضوح في شهر كانون الثاني/يناير من العام 1926. فستالين يناهض ‏اعتباراَ من ‏هذا التاريخ "أولئك الذين يخلطون ما بين ديكتاتورية البروليتاريا وسلطة الشعب كله". ذلك أن ‏الحزب ‏الشيوعي هو وحده قائد الدولة، وهو "لا يتقاسم القيادة مع أي حزب آخر". وعلى هذا المسار ‏درج ‏ستالين في امتلاك السلطة المطلقة طالما أصبح قائد الحزب هو نفسه بفعل الواقع قائد الدولة. وفي ‏شهر ‏كانون الثاني/يناير من العام 1934 يُطْلِق ستالين أمام المؤتمر السابع عشر للحزب شعار "القيادات ‏تقرِّر ‏كل الأمور". ثم يأتي التقرير المقدِّم أمام المؤتمر الثامن عشر للحزب، والمنعقد في 10 ‏آذار/مارس ‏‏1939 ليؤكِّد على ضرورة التكريس ل/"علم الماركسية اللينينية"، "علم المجتمع وقوانين ‏تطور ‏الثورة البروليتارية، وقوانين التطور التي ترافق تشييد الاشتراكية، وانتصار الشيوعية". ويًقِرُّ ‏هذا ‏المؤتمر تأسيس مدرسة عليا لتخريج "أساتذة في الماركسية اللينينية"، والتخلي أيضا بصورة نهائية ‏عن ‏أطروحة ذوبان الدولة. ويَخْلُص لابيكا من هذا العرض إلى نتيجة مؤداها أن الفلسفة أو خطاب ‏الشمولية، ‏وبتعبير أخر "مفهوم العالم من حيث هو كل"، ينتهي إلى تتويج هذا البناء السياسي ‏والإيديولوجي، إن لم تكن ‏هي في الحقيقة أسمنته المسلَّح‎. ‎
تمارٍس على هذا النحو الماركسية اللينينية ما يسمِّيه لابيكا الوظيفة الفلسفية للدولة. وتُخفي هذه ‏الوظيفة، ‏ما وراء التلاقي ما بين مساري الدولة والفلسفة، المرجعية إلى مثالية هيجل لدى كل من ‏ديبورين، ‏والمثاليين المناشفة، وجورج لوكاش، ومبلشفي الفلسفة، وستالين، والذين لم يوفروا جهدا من ‏أجل ‏استنتاج الهيكل العظمي أو المنطقي للمادية الدياليكتيكية. وهذا هو ستالين يحيِّي إليكم هذه ‏المرجعية ‏لهيجل، عندما يُذَكِّر في مقدمة كتابه "المادية الدياليكيتيكة والمادية التاريخية"، أن ماركس ‏يعترف بأنه ‏مدين لهيجل. ويلاحظ لابيكا أن لهيجل حضورا قويا في أفكار ستالين ذات الصلة بالدياليكتيك ‏والدولة ‏والفلسفة‎، وذلك في إشارة منه إلى انحراف الماركسية واللينينية بيد ستالين عن المادية التاريخية ‏والتوجُّه نحو "المثالية المطلقة" كما كان يفهمها هيجل معلِّم ستالين.‏‎ ‎هنا، يشير لابيكا إلى ثلاثة مقومات ‏هي من صميم الستالينية، وترسم مسار منحاها المثالي الذي يجعل من الواقع المادي صورة للمقولة ‏المنطقية الجدلية، بل وإن لابيكا هنا يُحدِّد المقومات الثلاثة للمثالية المطلقة لدى ستالين: ‏
‏1/- ‏‎في الدياليكتيك: نما الدياليتيك من داخل الماركسية ومن خارجها، شأنه شأن المادية. وهو بمثابة ‏اللغم ‏المزروع في المادية حسب ما يَكتب لابيكا، لأن الدياليكتيك يهدِّد المادية بالعودة إلى نقيضها، ألا ‏وهو ‏مثالية هيجل. فالدياليكيتيك بقدر ما هو عام بقدر ما هو ذو حدود غامضة لا يُعرَف لها حدود يقينية. ‏ولا ‏يخلو "الانقلاب" المادي الماركسي للدياليكتيك المثالي لدى هيجل، و"النواة العقلانية" في ‏دياليكيتك ‏هيجل بعد أن ينقلب ليسير على قدميه، وعلم المنطق لدى إنجلز في "أنتي دوهرينغ"، علم ‏المنطق حيث ‏يوجد كل شيء، والصدام ما بين الميكانيكيين والدياليكتيكيين من أنصار ديبورين على ساحة ‏دياليكتيك ‏الطيبعة لإنجلز، لا يخلو هذا الإرث كله من صمت وثغرات والتباسات. فضلا عن أن مؤلَّف لينين ‏‏"المادية ‏والتجريبية النقدية" يؤكِّد على التوازن بين الدياليكيتيك والمادية لدى ماركس، كما يؤكِّد لينين ‏في الدفاتر ‏الفلسفية أن "من لم يَفهم هيجل لم يَفهم أيضا ماركس". وستالين هو المثال الأوضح على ‏العودة إلى ‏دياليكتيك هيجل في أعماله، كما في مطولات جدانوف وأعمال ديبورين وكاوتسكي وغيرهم.‏
‎ ‎‎‏2/- ‏‎ ‎في الدولة: إلى ذلك ، فإن الماركسيين أصبحوا مع ستالين "موظفي الشمولية"، وفي خدمة ‏هذه ‏‏"العقلانية في ذاتها" المتجسِّدة بدولة هيجل التي جاء الحديث عنها في مؤلَّف هيجل "مبادئ ‏فلسفة ‏القانون". ويبدو أن بناة دولة السوفييت كانوا يجهلون مؤلَّف ماركس "نقد القانون السياسي ‏الهيجلي" ‏‏(1843) المنشور متن الجزء الأول من الأعمال الكاملة لماركس‏‎ MEGA ‎والصادر في ‏العام ‏‏1927. ويبدو أيضا أنهم لم يقرؤوا "الدولة والثورة"للينين، حيث يعيد لينين قراءة الحرب الأهلية ‏في ‏فرنسا لماركس، وأصل العائلة والملكية الخاصة والدولة لإنجلز. وفيه يثني على مزايا "نصف ‏الدولة"، ‏و"دولة ليست هي نفسها الدولة"، وذوبان الدولة خلال مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا. ويرى ‏لابيكا أن ‏ديكتاتورية البروليتاريا لدى لينين تهدف إلى ذوبان الدولة، وليس تكريسها. إما ستالين، فإنه، ‏وإن كان ‏كثير الاستشهاد بكتابات لينين، فإنه يكتفي في تقريره إلى المؤتمر الثامن عشر للحزب بالإعلان ‏عن الحفاظ ‏على الدولة في ظل الشيوعية، ويكتفي أيضا بأن يؤكد في صياغة محايدة للغاية على ضرورة ‏التمسك ‏بديكتاتورية البروليتاريا‎. ‎
‏3/- ‏‎في الفلسفة: يُبيِّن ماركس في انتقاده لهيجل في "نقد القانون السياسي الهيجلي "(1843 ‏أن ‏تعريفات الدولة هي تعريفات منطقية ميتافيزيقية. ف/"المنطق هو الذي يحظى في ما يتعلق ‏بتعريف ‏الدولة بالمقام الأول من الأهمية. ذلك أن عمل الفلسفة لا يراد منه أن يأخذ الفكر هيئة واقعية ‏عبر ‏تعريفات سياسية، وإنما عمل الفلسفة هو، على النقيض من ذلك، يراد منه أن تُختَلَس التعريفات ‏السياسية ‏بحيث تصبح أفكارا مجرَّدَة. فالزمان الفلسفي ليس منطق الأشياء، وإنما هو أشياء المنطق. ‏فالمنطق لا ‏يقوم مقام حجة الدفاع عن الدولة وتبريرها، أو المنطق ليس حجة الدولة، وإنما الدولة، على ‏النقيض من ‏ذلك، هي التي تقوم مقام حجة التدليل على المنطق، أو الدولة هي حجة المنطق" (المصدر ‏المشار إليه ‏أعلاه، الترجمة الفرنسية، ‏ . ‏Critique du droit politique hégélien, Paris, ‎ES,1975, p. 48 ‎et 51). ‎‏. بتعبير آخر: إن المنطق والفلسفة في الإيديولوجية البورجوازية أعلى ‏قيمة من الدولة التي ‏تُحكم بدورها سيطرتها على المجتمع باسم المنطق والمعرفة الفلسفية والأخلاق. ‏وهاهنا تسقط الستالينية ‏التي تتحول إلى أيديولوجية بورجوازية مادامت تستمد الدولة الستالينية مبرراتها ‏من المادية ‏الدياليكتيكية‎.‎، أو مما هو منطقي.‏‎ ‎
وكي نلمس الوظيفة الفلسفية للدولة متلبسة في ما هي تعمل عملها، نذَكِّر بأن الشمولية لدى هيجل ‏هي ‏ماهية الفلسفة. إن الماركسية اللينينية، والمادية الدياليكتيكية تَنجح في أداء الوظيفة الفلسفية ‏للدولة، ‏وتُنجز عملها على خير وجه، بعدما تَحَوَّل أصحاب العضوية في الحزب هم أنفسهم إلى رجال ‏دولة، ‏وأصبحوا المتحدِّثين باسم النظرية، أي الفلاسفة والمدراء الشرعيين للفكر والإبداع الثقافي ‏والفني. ‏والمادية الدياليكتيكية تُنجز على هذا النحو الوظيفة الفلسفية للدولة بالمعنى الهيجلي الشمولي ‏للفلسفة، ‏وهذه الوظيفة ليست "هيجلية الفقراء كما يذهب إلى ذلك ألتوسر، وإنما من حيث هي هيجلية ‏صرفة بلا ‏زيادة وبلا نقصان. وهو الأمر الذي يحدو بهنري لوفيفر إلى الإقرار بأن "الستالينية أنجزت ‏الفلسفة ‏الهيجلية التي تعلن عن إنجاز الفلسفة، كل فلسفة، والعقلانية كلها، والتي كان الفلاسفة حضَّروا ‏وأعدّوا ‏لها في الدولة وبفضلها. والستالينية من حيث هي نظام من الممارسة تمثِّل النظام التأملي النظري ‏كما هو ‏في الحقيقة‎"(‎مقدمة الطبعة الثانية من المنطق الصوري والمنطق الدياليكتيكي، 1969، ‏المنشورات ‏الاجتماعية، باريس،1982‏La Logique formelle et logique dialectique, ‎E.S.,Paris, ‎‎1982). ‎وما البيروقراطية وكل ما له علاقة بالمجال النظري وقد أصبح من اختصاص ‏القرار الإداري، ‏سوى النتيجة المباشرة في أوضح تجلياتها لمثل هكذا إنجاز للوظيفة الفلسفية للدولة. ‏وهذا كله يسير في ‏اتجاه مخالف لما كان ماركس يحضِّر له بصورة مستديمة، وهو نقد الفلسفة ونقد ‏الدولة‎. ‎
‏ثامناً: بـــناء الـلـــيـنـيـنـيـة: دور ســــتـالـيـن‎ ‎
يقول أرسطو: إن العلم ممتنع مالم يحز على العام. وتقول المادية الدياليكتيكية: إن العلم ممتنع – حسب ما ‏يُخَيَّل لستالين - ما ‏لم يأت عن الأمين العام. يُفَسِّر لابيكا ما مارسه ستالين من دور شخصي في بناء ‏الماركسية اللينينية من ‏خلال نفيه لأطروحة تلقى بصورة عامة قبولا، والتي تقول إنه جمع ما كان حضَّر ‏له غيره، أي ‏الدياليكتيكيين وعلى رأسهم ديبورين، ومبلشفي الفلسفة، وصاغ ما جمعه صياغة ‏دياليكتيكية. ويفنِّد لابيكا ‏هذه الأطروحة بالعودة إلى المسار السياسي والنظري لستالين منذ مطلع ‏العشرينات من القرن العشرين، ‏والتي تعود بالذاكرة إلى السنوات العشر الأولى 1921-1931‏‎: ‎
‎‏1/- ‏‎كان ستالين، كما مرَّ معنا سابقا، نحا منحا نظريا في الخطاب الذي ألقاه في شهر كانون ‏الأول/ديسمبر ‏من العام 1929 أمام مؤتمر الأخصائيين الماركسيين في المسألة الزراعية. وفي هذا ‏الخطاب يَجمَع ‏ستالين ما بين دور المصحِّح، ويوحِّد في كل واحد ما كان يظهر من انحرافات سياسية، ‏وأخطاء فلسفية، ‏ومهام مباشرة. وكان القائد الأعلى، حارس العقيدة، مسؤولا عن الكشف بفضل العودة ‏إلى أطروحة ‏التأخير الذي كان لحق بالنظرية وراء الممارسة، عن القاسم المشترك الأعظم ما بين عمليات ‏التخريب ‏كلها، والتي كانت في الظاهر منفصلة في ما بينها. وكان قدامى الإيديولوجيون والمحدثين منهم، ‏مناشفة ‏مثاليون، ساروا رواءه بصورة مدهشة. وجَعَل هؤلاء من "تصحيح" علوم الطبيعة، ومن ‏انخراطهم ‏بصورة مباشرة في مسار التحويل الاشتراكي للزراعة، أفضل ما هو موجود في المادية ‏الدياليكتيكية ‏ووظائفها المناهضة لليمين واليسار المتطرف على حد سواء‎.‎
‎ 2)- ‎هذا المنعطف بقيادة ستالين في العام 1929 ما هو سوى نتيجة تمخضت عن إجراءات سابقة ‏كانت ‏بدأت في شهر كانون الثاني/يناير من العام 1922 عندما طلبت اللجنة المركزية من مكتب الثقافة ‏والدعاية ‏أن يوجِّه بصورة منظَّمَة ومنهجية العمل في المجال النظري"، وأن يُنتَخِب "القيادات الحائزة ‏على ملكات ‏علمية". وعلى إثر ذلك اتَّسَع عدد العاملين في مكتب الثقافة والدعاية الذي شمل اثنتي ‏عشرة دائرة ‏كانت تابعة له: قسم لكتب الحزب والأدب السياسي، وآخر لمدارس الحزب، والدعة ‏الجماهيرية، المدارس، ‏مؤسَّسات البحث العلمي، الدعاية في المجال التقني، الصحف، الثقافة ما بين العمال ‏وفي الكولخوزات، ‏أرشيف الحزب، الأدب العلمي، الأدب الخيالي، والفنون الجميلة بما في ذلك السينما. ‏وحلَّت الواقعية ‏الاشتراكية"، وهو مصطلح من ابتداع الأمين العام على الأرجح، محل "استقلالية ‏الإبداع"، والتي كانت ‏الجمعية الروسية للكتاب البروليتاريين تطالب بها‎.‎
‎3)- ‎أدِّى التخلي عن ذوبان الدولة إلى حظر كل أطروحة تدافع عن ذوبان القانون خلال مرحلة ‏الانتقال ‏الاشتراكي. وعلى سبيل المثال، فإن أوفجيني ب. باسوكانيس‎ Evgeny B. Pasukanis ‎، ‏صاحب ‏الكتاب الذي أُعيدت طباعته مرارا، والذي نُشر لأول مرة في العام 1924، تحت عنوان النظرية ‏العامة ‏للقانون والماركسية، والذي كان يدافع عن أطروحة ذوبان الدولة كما وردت في نقد برنامج ‏غوتا ‏لماركس، وفي الدولة والثورة للينين، والذي كان يدحض نظرية القانون البروليتاري، قد صُفِّي ‏جسديا في ‏العام 1938، بعدما كان كتابه لقي شهرة واسعة، وشغل صاحبه منصب مدير معهد الدستور ‏السوفييتي، ‏ومفوضاً مساعداً للعدل. 4- كانت المناقشات تتمتع حتى مطلع الثلاثينات بحرية نسبية لا ‏يستهان ‏بأهميتها، وذلك بالغرم من أن القيادة كانت تثابر على التذكير بضرورة احترام النظام. تَشهد على ‏هذه ‏الحرية النسبية ما كان يدور من مناقشات حول أطروحة ب. ي. ستوكا‏‎ P. I. Stucka ‎الذي كان ‏يدافع ‏بدوره عن ذوبان الدولة خلال مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا، وإن كان يحاول التوفيق ما بين ‏هذه ‏الأطروحة والحالة الواقعية للدولة السوفييتية. واستفاد بدروه اُ/ فارغا‎ E. Varga ‎بحرية نسبية ‏أمام ‏المؤتمر الخامس للأممية الشيوعية في شهر حزيران/يونيو من العام 1924 عندما دافع عن ‏الأزمة ‏العامة للرأسمالية في إطار من إشكالية عبادة الأشياء أو التيمية والمساواة. إلا أن كتابات سكرتير ‏اللجنة ‏المركزية في العام 1920 أُ. بريوبراجينسكي‎ E. Préobrajenski ‎التي كانت تدافع عن ‏أطروحة تقول ‏بأن حالة من الصراع تنشأ ما بين قانوني القيمة والتراكم البدائي الاشتراكي انتهت به إلى ‏إعدامه في العام ‏‏1937 ضمن حملة التصفيات إيَاها‎. ‎
ويَدحض أيضا لابيكا الأطروحة التي تفسر الظاهرة الستالينية، ونشوء الماركسية اللينينية على بد ‏ستالين، ‏بالعودة بها إلى السياق التاريخي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، سياق الدولة ‏والمرحلة ‏الانتقالية والجهاز وحملة التصفية والإيديولوجية والمسألة الزراعية والتصنيع، ويَعتبر أنها ‏غير كافية ‏بحد ذاتها لتفسير الستالينية، وأن المسألة النظرية (الفلسفية) تستحق من أجل تفسير الستالينية ‏ونشوء ‏الماركسية اللينينية اهتماما أعظم. ويسوق في هذا المعرض الأدلة التالية‎: ‎
‎1‎‏/- ‏‎كانت اللينينية ما قبل وفاة لينين بنحو ثمانية أشهر على الإعلان عن وفاته بصورة رسمية في ‏يوم ‏‏21 كانون الثاني/يناير 1924 موضعا لرهانات وصراعات سياسية- نظرية. فقد بدأت منذ هذا ‏التاريخ ‏معركة ما بين البلاشفة، ليس من أجل ملء الفراغ السياسي والنظري الذي خلَّفه وراءه قائد ‏أكتوبر ‏ورئيس أول دولة بروليتارية بلا منازع، فهذا مطمح لم يزعم أحد أنه تواق لنيله، وإنما من أجل ‏معرفة ‏من هو الذي سيَفرُضُ باسمه الشرعية الجديدة. ودخلت على التو تفسيرات متباينة ومتنافسه في ‏ما بينها ‏لأعمال لينين. هذا ريازانوف الذي يَعْتبر أن لينين هو استمرار لماركس، يؤكِّد أن العلاقة ما بين ‏لينين ‏وماركس هي نفسها العلاقة ما بين الممارسة والنظرية. ويشير بوخارين إلى أن لينين قد عاد إلى ‏محصِّلة ‏أعمال ماركس وإنجلز. ويرى بريوبراجينسكي‎ Préobrajenski ‎أن المادية الدياليكتيكية هي ‏الخلفية ‏المشتركة ما بين لينين وماركس. ويذهب ديبورين إلى أن "الماركسية حوَّلت السياسة إلى علم، ‏وأن لينين ‏هو السياسة العبقرية في هذه المدرسة‎".‎
‎ ‎‏2/- ‏‎بالرغم من أن هذه التفسيرات النظرية المتنافسة تدخل في السياق، إلى أن المعركة ستُحسم ما ‏بين ‏تعريفات ستالين وزينوفييف للينينية على صعيد أكثر خصوصية، ألا هو المسالة الزراعية. وكان ‏ستالين، ‏بعد مرور سنتين اثنتين على انتخابه أمينا عاما للحزب، دخل إلى ساحة المعركة النظرية ‏السياسية. ففي ‏المحاضرة التي ألقاها في جامعة سفيردلوف‎ Sverdlov ‎في مطلع شهر نسيان/أبريل من ‏العام 1924، ‏تحت عنوان "مبادئ اللينينية"، يستهل ستالين محاضرته بتعريف "اللينينية من حيث هي ‏ماركسية العصر ‏الإمبريالي، والثورة البروليتارية"، وتوخيا لمزيد من الدقة: "إن اللينينية هي بصورة ‏عامة نظرية وتكتيكيك ‏الثورة البروليتارية، وهي بوجه خاص نظرية وتكتيك ديكتاتورية البروليتاريا... ‏اللينينية هي التطور ‏اللاحق للماركسية"، وقد سُكبت وصُهِرِت – على حد قوله- في صراعها ضد ‏الانتهازية التي كانت سائدة ‏في الأممية الثانية. وفي العام اللاحق (1925 ) يُصدر زينوفييف، وكان منذ ‏المؤتمر العاشر للحزب ‏‏(آذار/مارس 1921) عضوا في المكتب السياسي، ورئيسا للأممية الشيوعية، ‏يُصدر كراسا تحت عنوان ‏"اللينينية"، وفيه يعرِّف ا"اللينينية" من حيث هي الماركسية في عصر ‏الحروب الإمبرايالية، والثورة العالمية ‏التي بدأت بصورة مباشرة في بلد يسود فيه الفلاحون". ويرد ‏ستالين على زينوفييف في شهر كانون ‏الثاني / يناير من العام التالي 1926، فيتساءل "ما معنى هذه ‏العبارات التي سطرها زينوفييف بالتشديد ‏عليها؟ ما هو المقصود من وراء تعريف اللينينية بإدارج تأخر ‏روسيا وسماتها الفلاحية في هذا ‏التعريف؟". ويجيب بقوله: "إن في ذلك تحويلٌ للينينية من عقيدة ‏بروليتارية أممية إلى نتاج للخصوصية ‏الروسية. إنها اللعبة بيد بووير‎ Bauer ‎وكاوتسكي اللذان ينكران ‏ما تكتسيه اللينينية من قيمة لبلدان ‏أخرى، والأكثر تطورا من وجهة نظر الرأسمالية". ويَفْرُض ستالين ‏على هذا النحو شرعية اللينينية ‏على صعيدي اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والأممية على حد ‏سواء. ويًصبح اعتبارا من ذلك ‏مبتكر اللينينية وقد شُهرت باسمه، وهو الناطق الوحيد باسمها، وكل ما ‏عدا ذلك يُعتَبَر انحرافا (مسائل ‏اللينينية للينين‎‏).‏
‏3/- إن ديكتاتورية البروليتاريا هي المسألة الأساس في تعريف اللينينية، وليس المسألة الفلاحية، ‏حسب ‏تعريف ستالين لها، وما المسألة الزراعية إلا مسألة ملحقة بديكتاتورية البروليتاريا. فإما أن يكون ‏جوهر ‏اللينينية كامن في المسألة الزراعية، وحينئذ فإن اللينينية تفقد كل قيمة لها في البلدان الرأسمالية، ‏ويكون ‏لينين في مثل هذه الحالة "فيلسوفا فلاحاً"، وإما أن تكون "ديكتاتورية البروليتاريا هي جوهر ‏اللينينية"، ‏وحينئذ فإن اللينينية تنسحب بالضرورة على البلدان كلها. وكان كل من زينوفييف وكامنيف ‏خسرا المعركة ‏أمام ستالين في ما يتعلق بمعارضتهما للسياسة الاقتصادية الجديدة في المؤتمر الرابع ‏عشر للحزب ‏‏(1925‏‎.‎
‎‏4/-‏‎ ‎قوام إستراتيجية ستالين محوران إثنان. الأول يتعلق بالمسالة الزراعية التي قادت إلى ‏‏"تصحيح" ‏لعلوم الطبيعة ،وسيادة المادية الدياليكتيكية. والثاني مرتبط بديكتاتورية البروليتاريا التي ‏تختلط لدى ستالين ‏بالدولة. وعن هذين المحورين تنشأ الستالينية في النصف الثاني من العشرينات. ‏ونشوء اللينينية من ‏حيث تعريفها هي نفسها إستراتيجية ستالين‎. ‎
‎‏5/- ‏‎ ‎الستالينية هي نتاج لمسار انتهى إلى مصادرة الجهاز للحزب، والمماثلة ما بين الحزب والدولة. ‏وفي ‏ما يتعلق بالدور الشخصي لستالين، فإن الفرد الذي يستفيد من الجهاز والحزب لابد وأن يلعب دورا ‏حاسما ‏وضخما طالما يمارس هذه السلطات كلها. وإن كل تحليل نفساني يعود إلى "دور الفرد في ‏التاريخ" ‏لتفسير الستالينية يبقى ضعيفا أمام هكذا سلطات تتمتع بمثل هذا الثقل الموضوعي. ذلك أن ‏الظاهرة ‏الستالينية متعلقة ببنية، وهي نتاج لآلة تاريخية، ما أن تتوقف دواليبها حتى تعود هذه الآلة إلى ‏تشغيلها. ‏هذه هي القصة التي كانت بلغت عشر سنوات والتي تبلغ الآن خمس عشرة سنة‎.‎
‎‏6/- ‏‎ ‎من غير المفيد أن نعود بصورة مستديمة إلى السياق التاريخي الذي يتحول بدوره إلى عذر، هذا ما ‏لم ‏يعاد بناء المسار الذي كان التشريع لها وتبريرها قطعه. فإذا كانت الماركسية اللينينية من حيث ‏أساسها ‏الفلسفي ضرورة لا بد منها، فإن ظاهرة العدوى التي كانت تنقل الستالينية عبر العالم إلى ‏الأحزاب ‏الشيوعية نجحت في نقل الستالينية، فإنها كانت تفعل ذلك أيا كان السياق التاريخي لهذا الحزب أو ‏ذاك. ‏وإن تقليد النموذج الستاليني نجح إلى حد أن أي حزب شيوعي لم يفلت من هذا التقليد أيا كان ‏سياقه ‏التاريخي. ولقد أصبح على هذا النحو التكوين التاريخي للأمين العام مدرسة أيا كان السياق ‏التاريخي ‏للأمين العام، هذا الأمين العام أو ذاك. هذا هو ثمن الشمولية وما تَجرفه معها‎. ‎
‎‏7/- ‏‎بقي الحزب حتى غاية العام 1930 بلا تاريخ رسمي. وكانت أعمال المؤرخين والأخصائيين ‏كثيرة ‏نسبيا، وكانت في أغلب الأحيان ذات قيمة. إلا أن هذه الحالة تغيَّرت اعتبارا من العام 1931، وذلك ‏عندما ‏وجَّه ستالين رسالة إلى محرَّري الصحف والمجالات الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب، والتي ‏كانت ‏تُعنى بتاريخ الحزب. ثم جاء المرسوم الصادر بتاريخ 16 مايو 1934 بتوقيع كل من ستالين ‏ومولوتوف ‏ليحدِّد المعنى المقصود من هذه الرسالة. فالمرسوم يدين كل ما كُتب سابقا من تأريخ للاتحاد ‏السوفييتي، ‏ومعها ممثلها م. ن. بوكروفسكي‎ M. N. Pokrovski‏(المتوفى في العام 120932) الذي ‏كان مفوضا ‏مساعدا للشعب، ومعلما عاما، وصاحب كتاب تاريخ روسيا. وكان مساعدا للينين، وقد ساعده ‏في كتابة ‏كتابه عن الإمبريالية، وكان يتمتع بثقته (مراسلات لينين، في الأعمال الكاملة بالفرنسية، ج 43، ‏و ج ‏‏44). ويُسجِّل هذا المرسوم نهاية لكل عمل تاريخي يَستحق هذا الاسم‏‎. ‎
‎‏8/- ما أن يَنتهي الأمين العام من انتخاب الرجال والأحداث، ويَدخل الانحراف الستاليني في طريق لا ‏عودة ‏عنه، حتى يصدر في العام 1938 لأول مرة "تاريخ الحزب الشيوعي البلشفي في اتحاد ‏الجمهوريات ‏السوفييتية الاشتراكية". ويُذكَر في هذا المعرض مما جاء في مقدمته: ‏
آ/- في ما يتعلق بالاستمرارية، فإن ‏الحزب لم يكف عن استلهام الماركسية اللينينية، بل وإنه ارتفع بعقيدة ‏ماركس وإنجلز إلى درجة اعلى. ‏
ب/- في ما يتعلق بالصفاء والنقاوة، فإن الحزب قوة الحزب تعزَّزت عبر النضال ضد ‏البورجوازية ‏الصغيرة، والاشتراكيين، والشعبويين، والمناشفة، والفوضويين، والقوميين، ‏والبورجوازيين.، ‏والانتهازيين، وأعداء لينين. ‏
ج/- في ما يتعلق بتشييد البناء، فإن تاريخ الحزب يستفيد من التجربة ‏المتراكمة كلها، ويُعَلِّم الماركسية ‏اللينينية من حيث هي سلاح "لمعرفة قوانين التطور الاجتماعي"‏
د/- ‏في ما يتعلق بالسلطة، فإن دراسة تاريخ الحزب يزرع في نفوسنا الثقة بأن الانتصار النهائي لقضية ‏حزب ‏لينين وستالين يقين لا يتسلل إليه شك‎. ‎
‎‏9/- ‏‎وإلى ذلك، فإن الحزب أو أمينه العام لا يخطئ أبدا، وكل ما يقوله حق. أما اللينينية، فإنها ‏محكمة ‏البناء، حتى أنها كافية جامعة ولا تعوزها زيادة. وكان صدر مرسوم عن اللجنة المركزية بتاريخ ‏‏5 ‏آب/أغسطس 1938، ولم يُنشَر إلا بعد مرور عشرين سنة على صدوره، يَحظر نشر أي عمل للينين ‏أو ‏عن لينين. وبالمحصِّلة، فإن الستالينية تاريخ مناهض للذاكرة، وقد نَجَحَت في إنجاز "انقلاب " ‏جديد ‏عندما جعلت، مرة أخرى، الفيلسوف يسير على رأسه، وهو ما كان ماركس جاهد كي يجعله يقف ‏على قدميه. وتحوَّلَت على هذا النحو ‏المادية التاريخية، علم "التاريخ الواقعي"، إلى فصام‎. ‎
تاسعاً: مـمـارســـات الـنظــريـة: تـصــفـية الـســـتالـينية
يُشكِّل الفصل الثالث والأخير، وهو بعنوان: "ممارسات النظرية" (ص ص 89-137) مساهمةً ‏نظرية في ‏مسألة الفلسفة، وحيِّز ما تشغله ضمن الماركسية. هذه المساهمة هنا تُتابع ما كان لابيكا بدأه في "الحيِّز ‏الماركسي للفلسفة " (باريس-بروكسيل، منشورات كومبليكس، 1976)‏‎ Le Statut marxiste ‎de la ‎philosophie, Paris-Bruxelles, Complexes 1976‎‏. وتعود أيضا هذه المساهمة إلى هنري ‏لوفيفر في ‏عمله "في الدولة"‏‎ De l’Eta، وإلى كارل كورش، "الماركسية والفلسفة"، ‏Karl ‎Korsch, Marxisme ‎et Philosophie, 1923‎، حيث يدرس مصير كل فلسفة ماركسية تَعْتَبِر ‏نفسها كاملة مكتملة شأنها ‏شأن المادية الدياليكتيكية، وقد وَحَدَّت ما بين الدولة البيروقراطية والشمولية ‏المجرَّدة، وفَصَلَت ما بين كل ‏من السلطة والجماهير، والنظرية وفعلها التحرُّري، وذلك بعدما قَلبَت ‏الماركسية اللينينية، من حيث هي تكوين ‏نظري سياسي ماركسي، إلى نقيضه. الماركسية اللينينية التي ‏تَرفض نقد الدولة منفصلة عن الفلسفة ‏النظرية وتتغذى من هذا الارتباط بالفلسفة النظرية. وليس الهدف ‏من وراء نقد الماركسية اللينينية أن ‏نعود إلى ماركس، بعدما نعيد بناء ماركس ونتخلَّص من الستالينية، ‏وإنما أن يعود ماركس. وليست ‏الماركسية اللينينية انحرافا عن الماركسية، وإنما هي قلب لها يضع الرأس ‏محل القدمين، والقدمين محل ‏الرأس. والدولة هي النقطة الحاسمة في هذا الانحراف الجذري. فقد خلِّد ‏ستالين الدولة، وعزَّزها كي ‏تذوب في ما بعد بصورة أفضل، في ما أصبحت في الوقت نفسه الفلسفة تأملا ‏نظريا يبرِّر في شمولية ‏المنطق شمولية الدولة ويشرِّع لها. وذلك على النقيض من ماركس الذي كان ‏يوحِّد في مبحث واحد ما ‏بين المنطق الخصوصي لموضوع خصوصي من خلال نقد المسار المجتمعي ‏للسلطة الذي يتحول بمسار ‏مستقل ذاتيا إلى دولة، من جهة، ونقد المسار المثالي الذي يحوِّل سلطة ‏المنطق إلى واقع مؤسِّس، من ‏جهة ثانية. ومع عودة ماركس الذي يحمل معه نقد الوظيفة الفلسفية- ‏للدولة، يَنتَقد لابيكا هذه الوظيفة ‏كأداة للسيطرة والتبرير والشرعية ويبحث عن أصولها في العلاقات ‏المجتمعية المحدَّدَة. وانطلاقا من هذا ‏المعيار النقدي يتساءل لابيكا عن حقيقة المحصِّلة التي تمخَّضَت عن ‏تصفية الستالينية ما بين 1956 ‏و1960‏‎. ‎
لكن الماركسية اللينينية استمرت على قيد الحياة، بالرغم من أن تصفية الستالينية ألغتها من حيث ‏هي ‏خطاب نقدي في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وفي العديد من الأحزاب الشيوعية في ‏العالم، ‏وبقيت ماثلة في الهياكل التنظيمية، وإنتاج الإرادة السياسية، و"المعرفة" السياسية، ومن حيث ‏هي ‏إيديولوجية سياسية، ولُحْمة للنخبة السياسية التي لم تتلاشى بالرغم من أنها مارست النقد ‏الذاتي. ‏فالستالينية استمرت إلى ما بعد العام 1956 والمؤتمر العشرين، أو ما عُرف بتصفية الستالينية ‏التي لم ‏تَنَل أبداً من الفلسفة الستالينية، والدور الفلسفي للدولة، والماركسية اللينينية، وإن كانت نالت من ‏ستالين ‏من حيث صفته الرسمية وما يرافقها من مراسم حزبية وشعائر الدولة. ومن هذا المنطلق، فإن ‏لابيكا ‏يستعرض قصة هذه التصفية للستالينية منذ بداياتها. إن تقرير خروتشيف الذي أُلقي في جلسة ‏سرية أثناء ‏الجلسة الختامية لمؤتمر الحزب المنعقد بتاريخ 25 شباط/فبراير 1956 تسلَّل إلى الرأي العام ‏بعدما نشرته ‏وزارة الخارجية الأمريكية وتناقلت الصحف في العالم مضمونه. ويلاحظ لابيكا أن هذا التقرير ‏لا يشير لا ‏من قريت ولا من بعيد إلى الفلسفة والماركسية اللينينية. ولم تُشر بدورها أيضا القرارات ‏الصادرة عن ‏الاجتماع العلني للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي المنعقد بتاريخ 30 يونيو ‏‏1956 لا من قريب ‏ولا من بعيد إلى "عبادة الشخصية". بل وإن اللجنة المركزية هنا تكتفي باختراع ‏تفسير متلاحم، منسجم ‏وموضوعي، للستالينية. فتعيد إلى الأذهان الصعوبات التاريخية التي كانت وما ‏تزال ترافق ثورة أكتوبر، ‏وتعود بهذه الصعوبات الداخلية والخارجية إلى "النضال بلا هوادة ضد أعداء ‏اللينينية". فالأجنحة ‏المنشقَّة، ومنها بوجه خاص التروتسكية، أبعدت وأُقصيت من جراء سياسة التصنيع ‏والمزارع التعاونية ‏والثورة الثقافية التي وفَّرَت أسباب النجاح أمام الاشتراكية. وأملت هذه السياسة ‏بالضرورة وفرضت ‏‏"الانضباط الحديدي ويقظة ما انفكت تنمو وتشتد، ومركزية قاسية للقيادة، وهو ‏الأمر – حسب ما ‏توضِّحه القرارات – الذي تمخَّض بالضرورة عن نتائج سلبية في ما يتعلق بتطور بعض ‏أشكال ‏الديمقراطية". لكن الشعب السوفييتي – تؤكِّد القرارات – رضي بهذا "التضييق المؤقت"، ‏وتجاوز ‏الصعوبات كلها تحت قيادة الحزب الشيوعي ولجنته المركزية اللذين كانا ينفِّذان بإخلاص ‏وبصورة ‏مستديمة الخط العام الذي كان رسمه لينين. ويشير لابيكا في هذا المعرض إلى أن عبادة ‏الشخصية ليست ‏أكثر من ظاهرة. فالفرد ستالين نفسه، بالرغم من أن سلوكه يتميز ببعض السمات ‏السلبية، وكان لينين ‏كشف عنها في وصيته إلى مؤتمر الحزب قبل وفاته، قد كرَّس حياته في خدمة ‏الماركسية اللينينية. ‏وتعزو هذه القرارات أخطاءه إلى الظروف. فقد أفرط في ما كان يمارسه من سياسة ‏في مجال "تقليص ‏الديمقراطية الداخلية في الحزب"، وهو أمر لا مفر منه، وأَقْدَم على "انتهاكات خطيرة ‏للشرعية ‏الاشتراكية‎". ‎
وكان المؤتمر العشرون – يلاحظ لابيكا – حيَّا "بما كانت القيادة الجماعية تتحلَّى به من حكمة"، ‏ومجَّد ‏أيضا "بما تتمتع به عقيدة الماركسية اللينينية من قوة لا تقهر". وهذا كله يشير إلى المسار ‏الجديد- ‏القديم الذي لا يتوانى عن إدانته للتروتسكية وأنصار بوخارين والقوميين البورجوازيين وغيرهم ‏من ‏أعداء الشعب الذين تحطموا كلهم أمام وحدة الحزب. لكن التقرير السري يؤكد أن مفهوم عدو الشعب ‏قد ‏اخترعه ستالين كي يعفي نفسه من أية أدلة في الاتهامات التي يوجِّهها إلى تروتسكي ‏وبوخارين ‏والقوميين البورجوازيين، وهؤلاء ليسوا أعداء للشعب أيا كانت أخطاؤهم. وكان الخطباء في ‏المؤتمر ‏العشرين يتتابعون للإِشادة ب/"بالمعايير اللينينية"، وذلك في ما كانت حالة من التوافق الضمني ‏تملي ‏على الجميع التكتم بصورة كاملة في ما يتعلق بستالين. وإذا كان سوسلوف‎ M. ‎Suslov ‎مسؤول ‏المسائل الإيديولوجية يوبّخ "عبادة الشخصية من حيث هي نظرية وممارسة غريبة ‏عن فكر الماركسية ‏اللينينية"، فإنه يفعل ذلك من أجل امتداح القيادة الجماعية التي كانت عادت ما بعد ‏المؤتمر التاسع عشر ‏للحزب على أسس من الماركسية اللينينية. وأقصى ما يذهب إليه النقد هو أن ‏المؤتمر يعزو الجمود ‏العقائدي للفلاسفة، والقطيعة مع الممارسة، والتمسك بالماضي، والإيمان باحتكار ‏الإيديولوجية، إلى عبادة ‏الشخصية. هذا في ما تعود بنا الذاكرة إلى أن ستالين كان توفي في العام 1952، ‏وأن الاتحاد السوفييتي ‏بقي يعيش تحت نظرية عبادة الشخصية وممارستها طوال ممارساتها، وأن ‏المؤتمر العشرين لم يعقد إلا ‏بعد مرور ثلاث سنوات على القيادة الجماعية. وعلى هذا النحو، فإن توبيخ ‏عبادة الشخصية اكتفى بالحد ‏الأدنى من الانتقادات، في ما بقيت فلسفة الدولة على حالها. فالتوصية ‏الأخيرة في قرارات المؤتمر ‏العشرين توصي اللجنة المركزية "بالسهر في المستقبل أيضا على صفاء ‏نظرية الماركسية اللينينية، كما ‏يسهر المرء على بؤبؤ عينيه". ويأتي تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي ‏الذي أعيد التأريخ له في كتاب ‏جديد بناء على توصيات المؤتمر العشرين، ليحيِّي عبر ثلاث صفحات ‏بأكملها (699-701،النسخة ‏الفرنسية) التخلي عن عبادة الشخصية، وليؤَيِّد القرار الصادر في 30 ‏حزيران/يونيو، وليوضِّح أن ‏النجاحات التي كُتبت للحزب الشيوعي والشعب السوفييتي وما رافق ذلك من ‏ثناء كان يوجَّه لستالين، قد ‏‏"فَتَنَت عقل ستالين"، وأن عبادة الشخصية قد أَضَّرَت بصورة خطيرة بقيادة ‏الحزب ‏والدولة"،"ولاسيما في السنوات الأخيرة من حياته‎". ‎
ينتهي جورج لابيكا من استعراض هذه الوقائع إلى النتيجة التالية: "إن تصفية الستالينية لم تعزف ‏فقط ‏عن طرح المسألة الفلسفية على بساط البحث، بل وإن انتقاد عبادة الشخصية قد فُصل بكل بساطة ‏عن ‏التمسُّك بالتوكيد على الماركسية اللينينية". هذا على الصعيد الرسمي للحزب والدولة ما بعد ‏المؤتمر ‏العشرين. إلاَّ أن المسألة الفلسفية تأخذ مسارا مختلفا إلى حد ما- حسب ما يلاحظه – على صعيد ‏غير ‏رسمي. فقد عاد الفلاسفة إلى العمل ما بعد المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي ‏‏(أكتوبر ‏‏1961) حسب ما يتبيَّن من مجلة الأبحاث الدولية (العدد 33-34 ،أيلول/سبتمبر- سبتمبر/ديسمبر ‏‏1962)‏‎ ‎RECHERCHES INTERNATIONALES ‎أو لانوفيل كريتيك 1963‏‎ ‎LA ‎NOUVELLE CRITIQUE، حيث يبدأ هذا العدد بدراستين اثنتين، حسب ما تشير إليه ‏مقدمة ‏العدد، يحمل الأول منهما توقيع رئيس هيئة تحرير المجلة الشهرية الصادرة عن المعهد ‏الفلسفي ‏لأكاديمية العلوم فوبروسي فيلوسوفي‎ VOPROSSY FIILOSOFII، ويحمل ثانيهما ‏توقيع نائب ‏رئيس أكاديمية العلوم. الأول منهما ما هو أحد آخر غير مارك ميتين الذي عرفناه كمؤسس ‏للفلسفة ‏الستالينية، والذي يعود مجدَّدا لتناط به مهمة تحديد وتعريف "المهام الفلسفية الماركسية ‏اللينينية" ‏للمرحلة الجديدة. وهاهو ميتين يؤكد في بداية دراسته هذه أن "عبادة الشخصية كانت جسما ‏غريبا في ‏المنظمة الحيَّة لحزبنا ودولتنا، وأنها بالرغم من أنها حملت نتائج سلبية، إلا أنها لم توقف ‏مسيرة مجتمعنا ‏الاشتراكي نحو الأمام...". ويسجِّل ميتين الأخطاء الفلسفية ويعدِّدها بإيجاز ...

• انتهى القسم الأول، ويليه تصفية الستالينية ما قبل وما بعد خروتشيف



#حسان_خالد_شاتيلا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الماركسية- متن معجم الماركسية النقدي - من أعمال جورج لابيكا ...
- الماركسية متن الأنسكيلوبيديا الفلسفية الشاملة - من أعمال جور ...
- من أعمال جورج لابيكا - مدخل الماركسية في الإنسيكلوبيديا أُون ...
- في اللاعنف، الإرهاب، المقاومة والعنف الثوري - حوار مع جورج ل ...
- الأزمة في الماركسية وظيفة وأداة - حوار مع جورج لابيكا
- في تاريخ الماركسية - حوار مع جورج لابيكا
- الماركسية الثورية ليست هي نفسها الماركسية الأكاديمية - الفصل ...
- الماركسية هي الرد الوحيد لتغيير عالمنا اليوم - حوار مع جورج ...
- جورج لابيكا: نقد البراكسيس
- جورج لابيكأ، شخصيته السياسية والنظرية - مقدمة ثانية
- الفصل الأول - مقدمة رابعة جورج لابيكا: تغيير العالم بلا معلّ ...
- مقدِّمة :في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم - حوار مع جور ...
- لا واشنطن ولا موسكو، لا الرياض ولا طهران، حرب التحرير الشعبي ...
- يونان – حزب سيريزا: لمن تقرع الأجراس؟
- الأزمةُ الثورية منعطفٌ أعرج، مُعوجٌّ ومتعرِّج نحو اليسار، وث ...
- -برنامج الصراع الطبقي-، لسلامة كيلة
- الطبيعة المادية في أعمال يوسف عبدلكي
- ثورة الخامس عشر من آذار: مستقبل حزب الله: ضحية الاستبداد الش ...
- ثورة الخامس عشر من آذار:هزيمة الثورة المضادة رهنٌ بوحدة اليس ...
- ثورة الخامس عشر من آذار: التآمرُ سياسةُ الثورة المضادة، حاكم ...


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسان خالد شاتيلا - الماركسية اللينينية (أدلَّة من أجل النقد)‏