أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي ثويني - عودة الروح للأدب العراقي الساخر















المزيد.....

عودة الروح للأدب العراقي الساخر


علي ثويني

الحوار المتمدن-العدد: 1385 - 2005 / 11 / 21 - 07:13
المحور: كتابات ساخرة
    


نلمس في المشهد الثقافي ظواهر "عنقاوية" برزت من بين ركام ومخلفات الدمار البعثي في صلب الثقافة العراقية، يمثلها رهط ،يعيد للذكرى أسم المرحوم شمران الياسري الذي قضى بحادث مرور مريب، بعد أن نفي إلى جيكوسلوفاكيا من قبل سلطة البعث و رفاقه الشيوعيين.حيث كان يمثل مدرسة أدبية، تستلهم الهاجس الشعبي التراثي وتسقطها على واقع قلق ينذر بكوارث أتت تباعا.
كان(أبو كاطع) "هكذا كان يكنى"، يكتب في جريدة الشيوعيين (طريق الشعب)، وكنا شبابا نتلهف لقراءتها لوالدينا،بما كانت قنطرة معلوماتيه تجانس بين عقليتنا وإدراكنا وإنفتاحنا وعقليتهم المتواضعة. لقد أستغل معرفته ببواطن العقلية العراقية الفلاحية الجنوبية وأستعمل شخصية (خلف الدواح) وجملة مفردات من منسي حياتهم،أو متناساها حينما أستعيب عليهم أن يطرقوه في ثقافة المدينة المتبغددة، لإيصال رسائله المباشرة إلى مداركهم. ،والأنكى في تلك الظاهرة أنها أرقت و أقضت مضجع البعثيين، الذين ضاقوا به ذرعا.فشكوه لرفاقه(الحلفاء) وقيادته النائمة في عسل (الجبهة) وأضوائها ، فاضطروا الى إفتعال حصوله على بعثة دراسية في جيكوسلوفاكيا،فذهب ولم يعد.
لقد حذر الياسري من مغبة الثقة بذئاب البعثيين، وكرر مقولة (الذيب ذيب حتى لو غطيته بالحليب)، فقد كان حاضرا في ذهنه مذابح العراقيين من الشيوعيين وغيرهم بعيد إنقلاب 8 شباط 1963،وطرق بحكمة ولبابه ،بان لظاها لايمكن أن يكون عابرا بل متأصلا وقابل التكرار. وأمست نبوءته بمحلها، فقد اغتصب البعثيون البلاد والعباد ونهبوا مستقبله، وأستحوذوا على الرقاب و إغتصبوا حرائر العراق في قبوات الأمن العامة،ولاسيما الحرائر الشيوعيات ،ولم يصغى لصوت إستغاذاتهن،بعدما طغى عليه صوت أغنية (شيلي تمر بالليل نجمه بسمانه) شعر النعماني ولحن جعفر حسن، بعدما أعلن رفاقهن المتقدين حرقة لمناصرة السوفيت على الملئ، بأن شيلي ونيكاراغوا اهم من إغتصابهن أو نياح الثكالى أوبكاء الوطن ونحيبه،و حاكوا بفعلهم هذا دجل البعثيين، حينما أمست فلسطين والصومال وموريتانيا لديهم أهم من العراق والعراقيين.
لم يكن الأدب الهزلي الغامز جديدا في طرقه ،فقد سبقته محاولات منذ نشوء أول نشاط نشري عراقي منذ نهاية العشرينات وثلاثينات القرن العشرين كما هي جريدة حبزبوز وغيرها. وأطلعنا عليها في طفولتنا في الستينات من خلال مجلتي (الفكاهة) و(المتفرج)، حتى جاء البعث فمنع التوجهات والمبادرات الشعبية ، وأحل محلها برامج مقولبة وخطاب (شمولي) يراد منه أهداف محددة. وكان (ابو كاطع) إستثناءا أملته تنازلات البعثيين في حقبة بناء سلطتهم. ونجد اليوم بقايا من تلك المدرسة الساخرة ماكثة في كتابات خالد القشطيني، التي تهاجنت في غربتها الطويلة مع الأدب الأنكليزي الساخر، فاثرت ملكاتها ،وهذبت توجهاتها.
وهنا نرصد أن الكاتب الساخر يلجأ إلى الرمزية العالية الحذرة و المنمقة واللماحة، بحيث يمكن أن تفسر وتؤول بحسب السجايا والطبقات الذهنية، مثلما هي (فلسفة بيدبا) في كليلة ودمنة. والرمزية هنا أسلوب يلجأ إليه الفنان والأديب لإخفاء ما يخاف أن يعلن ويفصع عنه ، وهي (باطنية) إبداعيه ، لها الفضل في تحريك المدارك وتشغيل الذهن، وتتداعى إلى تهوية مكبوت النفس .
لم يكن شمران الياسري مطلعا على حركة الفكر العالمي والعلوم الحديثة، فكتب بأفق حزبي وكان هاجسه وخشيته أيديولوجيه،لجمت الكثير من حرية فكره. بيد أن الجيل الجديد من الساخرين فأنهم غير "مؤدلجين" ،ثم حدث أن أطلعوا وقرءوا وتوسعت مداركهم وجلهم له إختصاص علمي،أكسبه المنطق والعمق .فها هو وجيه يحلل بمعطيات الفلسفة في البنوية والتفكيك، و (شلش) ينقلنا إلى خيالات وفنطازيات تنم عن إطلاع ووسع أفق، يسقطها على واقع ضيق لمجتمع مدينة (الثورة) البغدادي، القابع على هامش التاريخ والجغرافية والمجتمع، والبعيد عن فذلكة الباحثين والمنظرين النفسيين والإجتماعيين .حتى لتوحي و تشجع بعضها بأن تستلهم أو توظف في أعمال درامية في المسرح والسينما أو توسع حيثياتها ومقياس رسمها لتكون مادة روائية دسمه .
وأجزم هنا أن لو أنبرى أحد (أصحاب البرج العاجي)، وجد وأجتهد محاكيا ما قام به (حنا بطاطو) لتحليل معطيات المجتمع العراقي، لقادته أقدامه وأستند في بحوثه إلى معطيات (شلش) الذي نقل لنا ما لايلمس ويرى في نفوس تلك الشريحة التي تشكل 1/9 ( تسع) نفوس الأمة العراقية. .إن إدراك اللمحات الاجتماعية موهبة تشبه إلتقاط الراديو للموجات غير المسموعه من البشر، كما هي لماحية المرحوم (علي الوردي) في لمحاته.
وهنا يجدر تلمس أن ذلك الرهط من الأدباء يمت الصلة بخلفيات فلاحية (شرقاويه)، أزدرتها سلطة البعث ومن سبقها من الأعراب والأتراك، وأشاعت حالة من الإستنكاف حيالها، أنعكس على حالة إشمئزاز منها. فحينما يقول (شرقاوي) كأنك تذكر (منبوذي الهند) ،وكأن هؤلاء قدموا من المريخ فأبتلى بهم العراق .ونعلم جميعا ما روج له العروبيون بأنهم قدموا مع جواميسهم من الهند ،قفزا على سومر وأكد وبابل.
وقد سعى مثقفوا (الشراقوه) بأن يثبتوا الجدارة ويدحضوا ذلك المسخ، ويشقوا طريقهم ليرتقوا بكفاءة المنزلة الاجتماعية التي تبقى ديدن البشر، عابرين على قنطرة مواهبهم وخيالهم ووسع مداركهم وهامش التحصيل العلمي الذي حصلوا عليه،والاهم في ذلك هو تقمصهم لروحين ،وحملهم لثقافتين ربما متناقضتين، فاثرت الواحدة الأخرى ، حتى أكسب تراكم وتداخل حيثياتها ثراء فوق ثراء تداعى إلى أن يشكلوا استثناءا إبداعيا ،يجتذب الباحثين عن العمق والبساطة في الطرح.وهكذا شكلوا اليوم العمود الفقري للثقافة والإبداع العراقي دون أدنى ريبه.
ويمكن أن يكون صعود نجم الأنترنت عاملا مساعدا لظاهرة النقد الساخر الجديدة ، متناغما مع هامش الحرية المتاحة،التي لايجدها الكاتب على الورق المطبوع في بغداد، ،حينما وضعت القيود وحدد هامش النقد من قبل القوى الظلامية (الطائفية والقومية) التي ورثت عقلية البعث. وهكذا فان متنفس هؤلاء أتى من رئة أنترنيتية ،كونهم راصدون ،وملاحظون ومحللون للوضع السياسي الشائك، يوجهون له النقد اللاذع ولاسيما ظاهرة طفوح (الفقاعات السياسية) أفكار وممارسات وشخوص، التي تحرسها وتروج لها مليشيات مسيرة ومرتزقة .
وفي الجانب المادي فأن هؤلاء المبدعون لايسترزقون من إبداعهم ومواهبهم،لذا فهم يعانون الفاقة،و أنعكس الأمر على حال جيوبهم، بما لم يمنع جذوة المكارم ونداءات الضمير في دواخلهم و إلتقاطهم لهواجس العامة، وامسى مسعاهم متنفس لبواطن الذات الحبلى بالهموم، ومقصدهم إسماع الصوت المدون. وهكذا تبوئوا المكانة التي يستحقوها في حركة الفكر الاجتماعي ،حينما تبع صدق في الوسائل وحسن في الغايات .
لقد مزج وجيه وشلش وقبلهم المرحوم شمس الموسوي ورهطهم الجد بالهزل، موشى بروح الدعابة الفلاحية وأخضر السجايا وعفوية وتلقائية ،يؤطرها عشق للناس البسطاء وإخلاص لإنسانية ،مع لماحية بقراءة الدواخل المسترسلة من الثراء الثقافي الشعبي المتراكم ،ومعلنين امتعاضا من التهميش الإجتماعي. كل ذلك واشجوه ووائموه مع هموم المدينة وحالة التوجس وروح الغرور والنفاق ونفخيات وتجمل وتبغدد يعلن عن فحوى سطوة الشكل على المضمون، التي تسّير عقلية أهلها .
كل تلك الحبكة أنتجت أدبا جميلا ،يعيدنا إلى حركة فكرية تصاعدية أتت من صلب الثقافة العراقية، كانت قد توقفت على يد عفلق وطلفاح وصدام وعصابتهم. ،وإذ ينتابني شعور حين أقرا لوجيه أو شلش بأنهم ينقلون لي الصورة الحقيقية الصادقة للروح العراقية المرحة المحبة للحياة والصابرة والباحثة عن الحقيقة، والقافزة فوق بيئة نفسية تتداول وتتعامل باللوعة والشكوى والألم والملامة. وأجد أن كتابات هذا الرهط تقتنص الفرح من الحزن وتستجلب الدعابة من الكئابة، وتبث الفرح والتفاؤل في النفوس التي أعياها الهم، وترسم الابتسامة في عالم عاهر يسكت على المهازل ،يقوم ولا يقعد الدنيا على تفجيرات عمّان، ويطبق أخرسا حينما يستباح الدم العراقي ، ويغمز مؤيدا للتفخيخ البعثي- الأصولي داعيا إياه (مقاومة)، متشفيا بقتل الأبرياء من أهلنا ومتلذذا بمشاهد أشلائهم.



#علي_ثويني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فدرالية الجنوب بين الزيتوني و العمائم
- ثقافة الإعتذار.. ممارسة حضارية لاتليق بالبعثيين
- الشيوعيون والرومانسية الكردية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي ثويني - عودة الروح للأدب العراقي الساخر