أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - ثورة أكتوبر 1917 : المكاسب و الأخطاء - الفصل الثالث من كتاب - الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا - لريموند لوتا















المزيد.....



ثورة أكتوبر 1917 : المكاسب و الأخطاء - الفصل الثالث من كتاب - الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا - لريموند لوتا


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5108 - 2016 / 3 / 19 - 23:30
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ثورة أكتوبر 1917 : المكاسب و الأخطاء
الفصل الثالث من كتاب " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون "... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا " لريموند لوتا

( ملاحظة : صار الكتاب بأكمله ، نسخة بى دى أف ، متوفّرا للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )

1917 – الثورة تندلع عبر روسيا

سؤال : لذا لنمرّ إلى الثورة البلشفيّة و ظروف المجتمع الروسي . فى غالبية المعاهد لا يدرّسون حتى الوقائع الأساسية لهذه الثورة .
لوتا : يُطلق عليها إسم الثورة البلشفية لأنّ الحزب الشيوعي كان فى الأصل يسمى الحزب البلشفي ( و نعتى الكلمة " الأغلبيّة " يحيل على غالبيةّ القوى التى تجمّعت حول لينين و التى أصرّت على إنشاء حزب للثورة ).
جدّت الثورة الروسية فى خضمّ إضطراب الحرب العالمية الأولى . بدأت الحرب فى 1914 وتواصلت إلى 1918. و كانت حربا بين القوى الإمبريالية العظمى – إنجلترا و فرنسا و ألملانيا و الولايات المتحدة و طبعا روسيا ! كانت تقاتل من أجل التفوّق العالمي بخاصّة من أجل التحكّم فى مناطق المستعمرات المضطهَدة فى أفريقيا و آسيا و الشرق الأوسط .
كانت حربا وحشيّة مصنّعة و عصريّة خلالها قتل المقاتلون بالغاز و بالقنابل و المتفجّرات . وجراء أسلحة غير مرئية و بنادق آلية ، قُتل على نطاق غير مسبوق فى تاريخ الإنسانية ...20 مليون شخص و جرح 21 مليون آخرون. (11)
و لمّا دخلت روسيا الحرب ، كانت كلّ الأحزاب الكبرى فى روسيا و غالبية الأحزاب فى أوروبا تساند الحرب بإسم الوطنية ... جميعها بإستثناء الحزب البلشفي الذى كان يقوده لينين و الذى إتخذ موقفا أمميّا و درّب الناس على رؤية كيف أنّ هذه الحرب لم تكن فى صالح الإنسانية المضطهَدة .
غالبية المجتمع الروسي حينها كانت متشكّلة من فلاحين و كانوا يملكون قطع أرض صغيرة عليها عمل العديد منهم ( تقريبا مثل المزارعين على القسم فى جنوب الولايات المتحدة الأمريكية ) . و كانت الظروف متخلّفة جدّا و التقاليد تأسر الناس أسرا. وكان الفلاحون يزرعون البذور وفق الرزنامة الدينية . و كانت النساء تعاني من ظروف إضطهاديّة رهيبة .
و كانت المدن أماكنا تعجّ بالسكّان و الأمراض.
كانت روسيا إمبراطورية . و قد إستعمرت القومية الروسية المهيمنة مساحات و مناطق من آسيا الوسطى ( مثل أوزباكستان ) ، و كذلك ألحقت بها مناطقا أكثر تطوّرا مثل أوكرانيا . كانت روسيا تسمّى " سجن الأمم ". و كانت القوميّأت غير الروسية تشكّل 45 بالمائة من السكّان لكن ثقافية الأقلّيات كانت تقمع بالقوّة و لم يكن مسموحا للأقلّيات القومية بتدريس لغاتها أو الحديث بها فى المعاهد .
و النظام الروسي كان نظاما أوتوقراطيّا قمعيّا . و كان القيصر يعوّل على الشرطة السرّية و السجون و المراقبة .
فاقمت الحرب العالمية الأولى كلّ العذابات فى المجتمع . فمات زهاء مليون و نصف المليون من الروس فى الحرب و جرح ثلاثة ملايين . و كان الناس يعيشون مجاعة ما جعل الحرب تخلق " أزمة شرعية " فى المجتمع الروسي ...و تخلق جوّا ثورياّ . أضرب العمّال و ناضلوا من أجل ظروف أفضل . و إحتلّت النساء الشوارع و رفض عديد الجنود أن يقمعوا الإحتجاجات و إستشرى التمرّد و تمّت الإطاحة بالقيصر . (12)
لكن الحكومة الجديدة لم تقم بأي شيء لتغيير الظروف الجوهرية التى كانت تواجهها جماهير الشعب ... و عقدت إتفاقيّات سرّية مع الإمبرياليين البريطانيين و الفرنسيين لإبقاء روسيا فى الحرب.

لينين و الدور الحيوي للقيادة الشيوعية :

سؤال : لكنّه عادة ما يقال إنّ البلاشفة كانوا يُدبّرون الدسائس وراء الركح و إنّهم نظّموا فى الأساس إنقلابا فى أكتوبر 1917.
لوتا : هذا هراء . كان الحزب البلشفي بقيادة لينين مستعدّا للتحرّك و لقيادة التحرّكات مثلما لم تكن أيّة قوّة أخرى فى المجتمع الروسي . كانت لديه جذور قوّ’ و تنظيم ممتدّين فى لجان المصانع و فى القوات المسلّحة و فى السوفياتات . كانت هذه مجالس عمّالية ممثّلة غير قانونيّة و مناهضة للحكومة تصارع من أجل السلطة فى المدن الكبرى ...
كان برنامج البلاشفة و كانت رؤيتهم واسعة الإنتشار و عميقته فى المجتمع المتأزّم و المنتفض و الباحث عن قيادة . فقاد الحزب البلشفي جماهير الشعب للرؤية عبر المناورات المتنوّعة لهذا النظام الجديد . لقد صاغ مطالب " الأرض و السلام و الخبز " التى عبّرت عن الحاجيات البالغة الأهمّية فى وضع عذاب و حرمان فظيعين – وهو ما لم يقدر أي حزب آخر على التعبير عنه . وفى أكتوبر قاد لينين و البلاشفة الجماهير فى إنتفاضة . هذه هي ثورة أكتوبر. (13)
سؤال : لكن من جديد ، ماذا عن الطريقة التى يروى أن البلاشفة كانوا يشدّون بها السلطة لأنفسهم ؟
لوتا : أنظر ، وقع تشييد دولة جديدة . و مباشرة أصدرت الحكومة الجديدة قرارين مذهلين . القرار الأوّل أخرج روسيا من الحرب و نادى بنهاية القتل و دعا إلى سلم دون غزو أو إلحاق. و القرار الثاني مكّت الفلاحين من إفتكاك الممتلكات الشاسعة للتاج القيصري و طبقات الملاكين الأرستقراطيين و الكنيسة ( التى كانت هي نفسها تملك قطعا شاسعة من الأرض).
لكن وُجدت دلالة أكبر لما حدث . فذلك " الليل الحالك الظلام و المديد " ، ذلك الظلام الإستغلالي و الإضطهادي أخذ يُكسر . لأوّل مرّة منذ ظهور المجتمع الطبقي ، لم يعد المجتمع منظّما حول الإستغلال . وقد زلزل هذا العالم .
فى أوروبا ، الجنود و البحّارة و العمّال الذين أرهقهم إستمرار الحرب كانوا يتابعون أخبار ما كان يحدث فى المجتمع الجديد . و فى ألمانيا ، فى كيال و همبورغ ، تمرّد بحّارة ثائرون من البحريّة الأمانيّة ضد أوامر مواصلة الحرب . و فى 1948 ن إندلعت إنتفاضات فى أجزاء من أوروبا الوسطى و وقع قمعها قمعا خبيثا .
و ظهرت أوضاع ثوريّة فى عديد البلدان الأوروبيّة و فى بعضها إندلعن ثورات بيد أنّه و لا فى مكان آخر ، عدا روسيا ، حقّقت الثورة إختراقا و إستمرّت فى السلطة . و يعزى هذا فى جزء كبير منه إلى عدم وجود حزب طليعي حقيقي فى هذه المجتمعات .
و بفضل إنعكاسات ثورة أكتوبر ، إنتشرت المنظّمات الشيوعية الجديدة فى شتّى أنحاء العالم . و إتّخذ البلاشفة موقف نشر الثورة و روجوا الماركسيّة و التنظيم الحزبي الطليعي . و على هذا الأساس ، تشكّلت منظّمة أمميّة جديدة نسّقت نشاط الأحزاب و المنظّمات الشيوعية عبر العالم – وهو تقدّم عظيم للثورة .
مذّاك فصاعدا لم يعد العالم الرأسمالي أبدا هو نفسه . لقد تغيّر التاريخ العالمي تغيّرا عميقا .
سؤال : لقد رسمت صورة من ساند الثورة الشيوعية فى روسيا و لماذا . لكن ألم يعارض بعض الناس هذه الثورة معارضة شديدة ؟
لوتا : نعم ، دارت حرب أهلية بين 1918 و 1921 . و وجدت البلاد نفسها فى حال يقارب الفوضى و الإنهيار .
بالضبط إثر أشهر قليلة من إنتفاضة 1917 ، شنّت القوى الرجعية داخل روسيا ممثّلة النظام القديم الذى تمّت الإطاحة به ، شنّت هجوما معاديا للثورة ضد النظام الجديد . و تدخّلت 14 قوّة أجنبيّة بما فيها الولايات المتحدة بفيالق و دعم عسكري لمساندة الثورة المضادة . و فى أكتوبر 1918 ، عند الإحتفال بأوّل ذكرى للثورة ، كانت ثلاثة أرباع البلاد بأيدي القوى المعادية للثورة . فكّروا فى ذلك .
كانت الدولة البروليتارية الجديدة منعزلة عالميّا و وجد نقص فى الغذاء و الأسلحة . (14)
هنا يمكنكم رؤية الدور الحيوي للقيادة الطليعية . و تحمّل الحزب مسؤوليّة تنسيق النشاط العسكري . و طوّر سياسات إقتصادية لتلبية الحاجيات الإجتماعية و الإبقاء على المجتمع متماسكا . و قاد عمليّة إنشاء مؤسسات إجتماعية جديدة . ونشرت الصحافة الثورية و وسائل إتصال أخرى الماركسية و النظرة الإشتراكية للإقتصاد الجديد و المؤسسات السياسية الجديدة و القيم الجديدة . و قد أشعل هذا " خطابا " تحريريّا جديدا فى صفوف المجتمع – و كان هذا عاملا لإشاعة حالة نفسية قويّة و إيجابيّة جدّا .
و كان المجتمع الجديد يواجه هجوما عالميّا . أجل ، كان الإقتصادعلى حافة الإنهيار أحيانا وكان الناس يتعذّبون إلاّ أنّ القيادة الشيوعية تماسكت بصلابة و شرعت فى توسيع و تصليب و تعبئة القاعدة فى صفوف الذين كانوا يرغبون فى التمسّك بالتحرير بكلّ ما أوتوا من جهد . و نمكّن الناس من النهوض والوقوف نظرا الآن لوجود أجهزة سلطة دولة بروليتارية جديدة عبّرت عن إرادتهم و تصميمهم .

نوع جديد من السلطة :

سؤال : ماذا تقصد ب " أجهزة سلطة دولة بروليتارية " ؟
لوتا : هذا سؤال جيّد ومركزي . فى المجتمعات الرأسماليّة ، الجيوش و المحاكم و الشرطة و السجون –و فى أعلى الهرم – الجناح التنفيذي كلّها تخدم الرأسماليين . وهذه الأجهزة تقمع الناس حينما ينهضون .
لنأخذ مثال ما حصل لحركة إحتلال الشوارع – أو حتى قبل أن ينهضوا ببساطة " ليعرفوا مكانتهم " فى المجتمع الرأسمالي – مثل إيقاف – و تفتيش فى نيويورك ومدن أخرى . و المؤسسات التشريعية مجرّد مغازات كلام ، اماكن تسمح لمختلف الرأسماليين المتنافسين بإستعراض خلافاتهم و / أو لتخدم كمتنفّس أمان غير ضار عن غضب الجماهير . لذا يمكن أن تقول إنّ هذه أجهزة سلطة دولة رجعية ، أو أجهزة سلطة دولة برجوازية - أي رأسمالية . وكما قلت آنفا ، إنّها دكتاتورية البرجوازية أو الطبقة الرأسمالية .
كان على الثورة الإشتراكية أن تُنشأ أجهزة سلطة ثورية جديدة ممثّلة للبروليتاريا . و أجهزة السلطة الجديدة هذه يجب مع مرور الزمن أن تُشرك أعدادا متزايدة من الناس من كلّ أركان المجتمع و فئات طبقية وسطى أخرى أيضا ، يجب أن تتمكّن من قمع الثورة المضادة . مثلا ، تحتاج إلى قوّات أمن عام- لكن على أساس مختلف كلّيا ، فى خدمة أهداف مختلفة كلّيا ، و تتصرّف بطرق مختلفة كلّيا عن التى لدينا اليوم . لكن يجب لأجهزة السلطة الجديدة كذلك أن تساند الشعب فى إجراء تغييرات فى المجالات جميعها ، و قيادتها و تمكينها منتنظيم قواها فى خلق مجتمع جديد تماما على أساس جديد تماما. هذا هوالمقصود بدكتاتورية البروليتاريا .
و شقت الجماهير طريق ممارسات جديدة فى أوضاع سيّئة حقّا أثناء الحرب الأهلية الشاملة . مثلا ، سجّلت ممارسة العمل التطوّعي المشترك حيث إلتقى الناس للحفاظ على نظافة المدن و للحماية الصحّية فيها فى ظلّ أوضاع قاسية بفظاعة . كانالناس يغيّرون الطبيعة الإنسانية و ينتصبون معا لينسجوا علاقات جديدة قوامها التعاون . وكانت الدولة الجديدة تدعم هذه الجهود.
سؤال : لانسمع أبدا عنهذه الحرب الأهلية حينما يشار إلى هذه الثورة . ما الذى جرى فعلا ؟
لوتا : ألحقت الهزيمة بالثورة المضادة بتكايف باهضة جدّا إذ مات مليون شخص فى القتال و مات ثلاثة ملايين آخرين جرّاء المرض خلال الحرب الأهلية . و تسعة أعشار المهندسين و الأطبّاء و الأساسستذة غادروا البلاد . و قُتل بعض العمّال الأكثر إخلاصا للشيوعية فى خطوط الجبهة . و قد تقلّصت الطبقة العاملة نفسها إلى حدّ كبير – جرّاء القتال و التفكّك و التدمير ، إضافة إلى هروب الناس إلى المناطق الريفية .
و تحرّك المعلّقون البرجوازيّون يعلّقون كما لو أنّ البلاشفة كانوا يمسكون ببلد كان فى الأساس سليما و أنّ الإمبرياليين نظروا إليه نظرة لطيفة . لا ، كان الحال أقرب منه إلى الإنهيار و كان الإمبرياليون و الرجعيّون يشنّون الهجمات . وأوّل حظر نفطي فى العالم طبّق ضدالدولة السوفياتية الجديدة . لكن جرى الحفاظ على السلطة ... على هشاشتها . و ظلّ الإتحاد السوفياتي عللى برّ العدوّ فى القتال من أجل عالم جديد . و لهذا دون شكّ علاقة بقيادة لينين و وجود الحزب الطليعي .

تغييرات راديكالية فى وضع النساء :
=======================================================
إضافة تعليق على صورة مصاحبة لهذا الجزء من الحوار الصحفي
فى اليوم العالمي للمرأة سنة 1927 فى الإتحاد السوفياتي ، شنّ الحزب الشيوعي حركة للإطاحة بالتقاليد الإضطهادية العميقة الجذور و العنيفة المفروضة على النساء فى الجمهوريّات السوفياتية لآسيا الوسطى ، بما فى ذلك تزويج فتيات صبيّات لشيوخ وتعدّد الزوجات : فى أوزباكستان و طاجاكستان و أذرابدجان ، دعّمت الدولة الثوريّة المسلمات فى التخلّص من اللباس الثقيل المغطّى لهنّ من الرأس حتى القدمين و المصنوع حينها من شعر الحصان و القطن و الذى كان يفرض على النساء و البنات اللاتى يفوق عمرهنّ التسع أو العشرة سنوات لباسه فى حضور رجال ليسوا من الأقرباء .
كان تحرير النساء مسألأة إهتمام كبير ضمن التغيير الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي . قانونيّا ، نزعت من الرجال سلطتهم على الزوجات و الأطفال البنات و تلقّت النساء أجرا مساويا و توفّرت العناية بالولادات مجانا . و كان الإتحاد السوفياتي أوّل بلد فى أوروبا المعاصرة يجعل الإجهاض قانونيّا . كافة هذه التغييرات كانت عظيمة فى حدّ ذاتها لكنّها كانت جزء من رؤية و مهمّة أكبر هي بناء " عالم جديد " خالي من كلّ إستغلال أو إضطهاد .
=======================================================
سؤال : لكن هناك خطّ هجومي يدافع عن أنّ الأمور الإستعجالية والتهديدات غدت مجرّد تعلّة لدى البلاشفة لخيانة تطلّعات الشعب .
لوتا : كانت الثورة تقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة ، و كانت سلطة دولة تقاتل من أجل إنجاز ثورة إجتماعية . و لنأخذ مثال إضطهاد النساء .
لقد تحرّكت الثورة بسرعة لإتخاذ إجراءات هامة . فقد ألغت كافة نظام الزواج المرتبط بالكنيسة و الذى يقنّن السلطة الذكورية على النساء و الأطفال . و أضحى الطلاق أمرا هيّنا . و كانهذا غاية فى الأهمّية فى توفير حرّيات إجتماعية أكبر للنساء . و جرى تقنين المساواة فى الأجر . و كانت مستشفيات رعاية الأم تقدّم الخدمات مجانا ؛ و فى 1920 صار الإتحاد السوفياتي أوّل بلد فى أوروبا المعاصرة يجعل الإجهاض قانونيّا .(15) و مثّل هذا تقدّما كبيرا مقارنة بالبلدان الرأسمالية زمنها ، أتى عندما كان الحقّ فى الطلاق عادة عرضة لكافة أنواع العراقيل الدينية إن كان مسموحا به أصلا ، و حيث لم يكن بوسع النساء حتى التصويت فى عديد البلدان الرأسمالية أو قد كسبوا ذلك الحقّ الأساسي جدّا منذ فترة قصيرة – و أتى هذا بعد فقط سنوات قليلة من تعذيب السلطات فى الولايات المتحدة للسجينات اللاتي دخلنا فى إضراب جوع للمطالبة بحق التصويت ، بإطعامهنّ عنوة (16) و جدّ ماصل بهذا فى روحه أنّ الإتحاد السوفياتي قد جعل من علاقات المثليّة الجنسية قانونية .
و فى أواسط عشرينات القرن العشرين و أواخرها ، إنضاف إلى ذلك أمر آخر . جدّت نضالات ضد عادات النظام الأبوي فى بعض جمهوريّات آسيا الوسطى . و الكثير من هذا كان مرتبطا بقانون الشريعة الإسلامية الإضطهادية .كانت النساء تتحدّى هذا و كانت الدولة الإشتراكية تدعم النساء ( و الرجال المستنيرين ) المشاركات فى هذا الصراعات ... و كانت عمليّا تشجّع هذه النضالات .
و قد وفّرت الحكومة تمويلات للتنظيمات النسائية المحلّية . و كانت النضالات تتركّز بشكل كبير على ممارسات الزواج المدبّر الذى ظلّ موجودا و كذلك على ثمن العرس ... الدفوعات التى تحصل بين عائلتي الزوجين . و قد عرف ذلك حدّة أحيانا مع هجوم القوى المتخلّفة على المنظمين . و تقدّمت النساء الناشطات محلّيا . و فى 1927 ، تمّ شنّ هجوم كبير ضد ممارسة الحجاب الإجباري المفروضة على النساء لقرون – والحجاب رمز إضطهاد ، حينها و اليوم فى العالم ، رمز للتحكّم البطرياركي فى الوجوه و الأجساد و إنسانية النساء . (17)
و فى الجرائد و المعاهد السوفياتية ، دار نقاش حيويّ حول الأدوار الجنسيّة و الزواج و العائلة . و كانت أعمال الخيال العلمي ترتئي علاقات إجتماعية جديدة . و صراحة لمّا نقارن ما كان يجري فى الإتحاد السوفياتي بوضع النظام الأبوي و النظام الأبوي المفروض فى بقية العالم حينها و الآن ... يبدو هذا مشابها للخيال العلمي !
لم يسبق قط أن شرع مجتمع ما فى تجاوز إضطهاد النساء ... لم يسبق قط أن أصبحت المساواة الجندرية مركز إهتمام إجتماعي كهذا . يحتاج الناس إلى معرفة هذا . يحتاج الناس إلى التعلّم من هذا . نحتاج إلى التعلّم من نقاط قوّة هذا و قد كانت إلى درجة بعيدة جدّا الرئيسية ، لا سيما فى تلك الفترة ، و أيضا نحتاج إلى التعلّم من بعض نقاط الضعف فى فهمهم وهو ما سأتناوله بالحديث لاحقا .

التغييرات الراديكالية : الأقلّيات القومية :

سؤال : لقد أشرت إلى الأقلّيات القومية . كيف تمّ التعامل مع التمييز القومي ؟ بداهة ، هنا نحن فى الولايات المتحدة و العنصرية حيّة و متفشّية . و هناك مسألة فى صفوف الناشطين التقدّميين و الراديكاليين حول هل أنّ الإشتراكية ، الشيوعية بوسعها حقّا أن تعالج الإضطهاد العنصري و الإضطهاد القومي .
لوتا : أنشأت الثورة البلشفية أوّل دولة متعدّدة القوميّات فى العالم على أساس المساواة بين القوميّات .
لقد إترفت الدولة الإشتراكية الجديدة بحقّ تقرير المصير – أي بحقّ أمّة مضطهَدة فى الإنفصال عن الإمبراطورية أو عن أمّة مهيمنة و فى الحصول على الإستقلال . فنلندا مثلا ، كانت فى موقع تبعيّة فى الإمبراطورية الروسية تمتّعت بإستقلالها . و فى نهاية المطاف وقع تركيز إتحاد جمهوريّات و مناطق حكم ذاتي . لهذا نشأ الإتحاد السوفياتي ... إتحاد الجمهوريّات الإشتراكية السوفياتية . و أقرّت الحكومة المركزيّة الجديدة بحقّ الإستقلال الذاتي – و هذا يعنى حكم ذاتي فى الجمهوريّات و المناطق .
و بموجب قرار1917 ، مُنحت كافة الأقلّيات القومية حقّ التعليم باللغة الأمّ فى كافة المعاهد والجامعات. (18) و وجدت أشياء مذهلة لا تصدّق كانت تحدث فى عشرينات القرن العشرين و بدايات ثلاثيناته . و العديد من القوميّات التى لم تكن تملك لغات مكتوبة وُفرت لها أبجديّات. و خصّصت الدولة السوفياتية مواردا معتبرة لإصدار الكتب و الصحف والمجلاّت على نطاق واسع فى مناطق الأقلّيات القومية و لتوزيع الأفلام و تشجيع فرق الفولكلور الشعبي .
كانت الكتب تصدر بأكثر من 40 لغة غير الروسية . و لنتوقّف بالضبط هنا . ما الذى يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية الآن ؟ " الأنجليزية فقط " ! قارنوا هذا بالإتحاد السوفياتي فى عشرينات القرن العشرين . كان يقع تشجيع الروس على تعلّم اللغات الأخرى . و كان يقع توبيخ شوفينية الروس الكبيرة المشابهة لإمتيازات الأمريكي – الأبيض و هيمنته توبيخا قويّا على أنّها تأثير سام فى المجتمع .
وتميّزت السياسات القومية ب " القيادة المحلّية " فى المناطق القومية الجديدة . و كانت الفكرة تهدف لإيجاد قادة من سكّان هذه المناطق .و بذلت كلّ أنواع الجهود لتدريب قادة للحزب و الحكومة و المعاهد و إدارة المؤسسات من ضمن القوميّات المضطهَدة سابقا . (19)
و وُضع حدّا لإضطهاد اليهود الذين كانوا بالمناسبة فى غالبيّتهم مركونين فى منطقة خاصّة تسمى " العامود " فى ظلّ حكم القيصر و كانوا بين الفترة و الأخرى عرضة للقتل بوقا على غرار " المذابح المدبّرة " . و عقب إنتصار الثورة ، جعلت الدولة الجديدة معاداة الساميّة خروجا عن القانون رسميّا . و إلتحق اليهود بوظائف كانوا ممنوعين منها و إحتلّوا مراكز سلطة هامّة فى إدارة الدولة . و تشكّلت فرق مسرحية تقدّم عروض بلغة يهود أوروبا الشرقية ( الياديش ) . و خلال الحرب الأهلية ، قاتلت القيادة البلشفية ضد تأثير الأفكار المناهضة لليهود ضمن قطاعات من الفلاحين و غيرهم . (20)
و تغلغلت روح قتال الإضطهاد القومي هذه فى الإتحاد السوفياتي فى بداياته . و كانت من الميزات المحدّدة للمجتمع و الدولة الجديدين .
فى أي مكان آخر من العالم كانت تحدث مثل هذه الأشياء ؟ إجابة بكلمة واحدة : لم تكن تحدث فى أي مكان آخر . لكنّنا نعلم ، أو على الأقلّ يجب أن يعلم الناس ، كيف كان الوضع حينها فى الولايات المتحدة الأمريكية . كان التمييز هو القانون السائد . كان جيم كرو فى أوج تأثيره و كانت مجموعات الكلو كلوكس كلان تجوب شوارع واشنطن بشكل رسمي تماما حينها و كان حكم القتل بوقا يرهب الأمريكيين من أصل أفريقي فى جنوب الولايات المتحدة . و فى " الشمال المستنير " ، كانت فرق من البيض تنشر العار عبر مدن الشمال قاتلة 23 من السود فى شيكاغو وحدها فى هيجان جامح واحد لسبعة أيّام فى 1919 ، وهذا فظيعة من الفظائع ال25 المشابهة فى ذلك الصيف وحده- نفس السنة التى كان فيها " الحمر " (الشيوعيون) يخوضون حربا أهلية من أجل إيجاد عالم جديد فى ما سيصبح الإتحاد السوفياتي . (21)
عندما زار بول روبسون الممثّل و المغنّي الراديكالي الكبير الأمريكي من أصل أفريقي لأوّل مرّة الإتحاد السوفياتي فى بذايات ثلاثينات القرن العشرين ، ذهلته بعمق جهود الثورة لتجاوز الأفكار المسبّقة العنصريّة و القومية و قد طبعت شعوره الخاص بعمق طريقة معاملته من طرف كلّ من الرسميين و العموم الناس فى المجتمع الإشتراكي الجديد. لم يقع قتل عناصر من الأقلّيات القومية بوقا فى الإتحاد السوفياتي مثلما كان يحصل للسود بالضبط حينها فى جنوب الولايات المتحدة الأمريكية . (22) لم يكن الإتحاد السوفياتي مكانا حيث الأفكار العنصرية مثل " ولادة أمّة " الذى كان يمدح الكلو كلوكس كلان و " ذهب أدراج الرياح " الذى كان يعلى إلى السماء ثقافة مزرعة البيض ، كانت تصنع و يتمّ الدفاع عنها و لا يزال على أنّها أيقونات سينمائية . الثقافة الجديدة فى الإتحاد السوفياتي كانت تروّج للمساواة بين القوميّات و تحتفى ببطولة الشعب المقاتل للإضطهاد .
الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي كانا عالمين مختلفين .

الفنون :

سؤال : لقد ركّزت بالأساس على التغييرات الإقتصادية و السياسية و ماذا عن مجال الفنون ؟
لوتا : أوّلا ، ما تحدّثت عنه كان قطعا سياسيّا إلاّ أنّه عني كذلك الطرق التى كان الناس يرتبطون بها مع بعضهم البعض فى الحياة الإجتماعية و حتى كيف يفكّرون فى العالم و فى أنفسهم . و قد إنعكس هذا كذلك فى الفنون . منذ زمن بلوغ الثورة السلطة فى 1917 مرورا بعشرينات القرن العشرين و ثلاثيناته، وُجدت حركية فنّية هائلة فى الإتحاد السوفياتي . وُجد الكثير من النقاش حول دور الفنّ الثوري و هدفه وطابعه فى المساهمة فى بناء مجتمع و عالم جديدين .
و شهدت الفنون عدّة تجديدات . أعنى أنّ فنّانين قياديين طليعيين مثل رودشنكو و مالفيتش و مخرجو أفلام مثل أزنشتاين و دوفزهنكو (23) ...كانوا يبدعون أعمالا مثيرة للغاية تحثّهم على ذلك إعادة تصوّر راديكالية للعالم ، و رغبة فى إعادة صنع راديكالية للعالم ... و قاموا بذلك عبر كافة أنواع التقنيات الجديدة و غير المسبوقة ، مثل التركيب فى الأفلام .
كانت الإنتفاضة الثورية فى روسيا تستند أوّلاعلى العمّال فى المدن الكبرى من البلاد ، ثمّ سحبت إلى الريف متوحّدة بوجه خاص مع الفلاحين الأفقر و الأكثر إضطهادا . هنا ، كان الفلاحون فى نزرعة جماعية فى الإتحاد السوفياتي فى ثلاثينات القرن العشرين يقرأون فى خضمّ حملة للقضاء على الأمّية فى صفوف الفلاحين . لقد بعثت الحكومة السوفياتية ملايين الكتب و الجرائد و المجلاّت إلى القرى عبر البلاد .
سمعت مسؤولة عن معرض حديث فى متحف الفنون المعاصرة يتفاعل مع الحركة الفنّية التجريدية لبدايات القرن العشرين . و قد أجرت حوارا تلفزيّا و سُئلت عن أين وقتها كان هذا الفنّ يأثّر عمليّا فى المجتمع . و أجابت فى شكل مزحة أنّ المكان الوحيد فى العالم حيث الطليعة مسكت أبدا بسلطة الدولة ... فى الإتحاد السوفياتي . كانت متقلّبة النزعات غير أنّها أشارت إلى مسألة حقيقيّة .
كان الفنّانون فى الإتحاد السوفياتي ينجزون عملا لا يصدّق و رائد كجزء من تغيير جريئ للمجتمع و وعي الناس . و قد رسم مهندس شهير هياكلا للدعوة إلى الأممية ؛ و كان مهندسون آخرون و مخطّطو مدن يعيدون التفكير فى شبكة المدن والإسكان للتشجيع على التجمّع و التعاون ...بما فى ذلك أشياء من مثل إعادة تصميم أثاث المنازل .
و جميع ألوان وجهات النظر و النقاشات كانت تبلغ الجماهيركقضايا أهمّية الفنّ و دوره أو العلاقة بين التجريب الفنّي و العلاقات الإجتماعية الجديدة . و نظّمت كافة أصناف التجمّعات و الجمعيّات للفنّانين و العاملين بالثقافة و كافة أصناف المجلاّت و البيانات و الإعلانات .
و غدى التجديد الفنّي العالمي – الطبقي و البحث النظري مرتبطا بحاجيات الجماهير و إن أردتم إستعمال مصطلح " النشاطات اليومية " و بصفة خاصّة فى الفنون المرئية حيث جرت إختراقات فى فنّ الملصقات و الطباعة الحجرية أو المعدنية ، ساعدت فى المعركة ضد أمّية الفلاحين .
و نظّمت حملات جماهيرية لتجاوز الأمّية و بسرعة بلغت سكّان الإتحاد السوفياتي نسبا عالية من التمدرس .
و نظّمت حملات لوقاية الصحّة العامّة – أقصد الأشياء الأساسية على غرار تشجيع الناس فى الريف على العناية بالنظافة الأساسية – حيث دُعي الفنّانون للمساعدة فى إيجاد طرق إيصال الرسائل المرجوّة . و زيّنت القطارات بصور جريئة .
و بُنيت العديد من المسارح غير المغطّات ، المسارح الجماهيرية . و شارك الفنّانون فى مهرجانات و عروض الشوارع ... و كانت هذه أشكال شعبية جدّا من التعبير الثقافي الجماهيري . و كان للشعراء و النقّاد أعداد كبيرة من المعجبين .(24)
فكرتي هي أنّ الإتحاد السوفياتي كان مثيرا ، كان مكانا عظيما فى عشرينات القرن العشرين و بدايت ثلاثيناته . كان مكانا مختلفا عن بقيّة الأماكن الأخرى على كوكب الأرض.

جوزاف ستالين :

سؤال : لا نسمع حقّا أبدا عن هذه الأشياء . ما كان دور ستالين فى كلّ هذا ؟ وربّما بوسعك أن تحدّثنا عن دوره بصفة عامّة أيضا . فالأفكار السائدة هي أنّه كان نوعا ما مجنونا و طاغية .
لوتا : هذه مسألة تثير الكثير من الجدل . هنا أستخدم جملة للمؤرّخ أرنو ماير الخصّة ب " الشيطنة المنهجيّة لستالين " . و دعونى أقول مباشرة ... إنّ الذين يقبلون ببساطة بهذه " الشيطنة المنهجيّة " (25 ) و يكرّرونها ...ضحايا ل " غسل الأدمغة " .
علينا أن نعيد الأمور إلى نصابها و علينا أن ننظر إلى الأفراد و الأحداث بطريقة علمية ، بالغين الإطار الحقيقي : ما الذى كان يجري فى المجتمع و العالم ؛ كيف فهموا ما كانوا يواجهونه و على أي أساس ؛ ما كانت أهدافهم وغاياتهم . بإختصار ، علينا أن نكشف الحقيقة و نزيل الغموض .
كان ستالين ثوريّا حقّا . و أصناف التغييرات الإجتماعية الراديكالية التى كانت تحدث فى المجتمع السوفياتي و التى وصفتها آنفا ... جميعها كانت مرتبطة إلى درجة كبيرة بقيادة ستالين .
توفّي لينين فى 1924 . و تولّى ستالين قيادة الحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي . و طُرحت المسألة فى أواسط العشرينات . هل يمكنكم بناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي ؟ هل يمكنكم القيام بذلك فى مجتمع كان إقتصاديّا و ثقافيّا متخلّفا ؟
لقد توقّع ماركس أن تندلع الثورات الإشتراكية أوّلا فى البلدان الرأسمالية الأكثر تقدّما – لأنّه هناك طبقة عاملة صناعية عريضة و إقتصاد صناعي معاصر يمكن أن يمثّل قاعدة لتصوّر إقتصاد و مجتمع إشتراكيين . بيد أنّ التاريخ لم يتطوّر كما توقّع .
قال لينين ، حسنا ، لدينا ما كان متوقّعا نظريّا أن يكون قاعدة متطوّرة للإشتراكية ... هذه أوراق فقدناها نو يترتّب علينا أن نشيّد الإشتراكية و نخلق قاعدة أفضل ... و علينا أن نشجّع الثورة فى العالم . و لعب الإتحاد السوفياتي دورا رائدا فى تشكيل أحزاب شيوعية ... كانت هذه هي الأممية الشيوعية الثالثة .
لكن التحدّيات تكاثرت فعلا و إشتدّت . و بعد عقد من الثورة ، فى 1927 ، ظلّ الإتحاد السوفياتي وحيدا ، أي ودولة البروليتاريا الوحيدة ...و لم يكن هناك يقين بحدوث ثورات فى بلدان أخرى . عندئذ ، مجدّدا ، هل يمكن التماسك و بناء إقتصاد إشتراكي و تغيير إجتماعي ؟
تقدّم ستالين و قاتل من أجل نظرة أنّ الإتحاد السوفياتي يستطيع و يجب أن يسلك الطريق الإشتراكي فى هذه الظروف . إن لم تقوموا بذلك ، لم يكن الإتحاد السوفياتي كأوّل دولة إشتراكية لتقدر على الصمود ، لن يستطيع أن يساعد الثورة فى الأماكن الأخرى . و أي شيء أقلّ من ذلك كان سيدير ظهره لتضحيات الملايين فى الإتحاد السوفياتي و يخون آمال الإنسانية المضطهَدة عالميّا . كان هذا هو التوجّه الذى كان ستالين يقاتل من أجله ... وقاد صراعات معقّدة و حادّة لمشركة اللكية فى الصناعة و فى بناء تعاونيّاتفى الفلاحة .
بناء إقتصاد إشتراكي :

سؤال : هل تشير إلى النقاش حول بناء " الإشتراكية فى بلد واحد " ؟
لوتا : أجل ، فى ذلك الوقت ، فى أواخر عشرينات القرن العشرين ، إرتأى ستالين بناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي كجزء من المساهمة فى تقدّم الثورة العالمية . وهو و آخرون فى أعلى القيادة كانوا يتوقّعون موجة جديدة من الثورة ، خاصة فى ألمانيا . فكّروا فى أنّ الإتحاد السوفياتي بإمكانه أن يساعد على إشعال هذه الموجة الجديدة ... رغم أنّه ظلّت هناك حاجة لل" مضيّ منفردا " لفترة .
سؤال : هل بوسعك أن تصف لنا بإقتضاب الوضع الإقتصادي فى الإتحاد السوفياتي أواسط عشرينات القرن العشرين ؟
لوتا : الفلاحة لا زالت بعدُ متخلّفة و لم يكن من الممكن التعويل عليها لتغذية السكّان . كانت الصناعة محدودة و لم تكن تمدّ المصانع بالآلات و كانت ثمّة حاجة إلى تعصير الإقتصاد و كانت روسيا مجتمعا حيث كان المثقّفون قطاعا ضئيلا من السكّان ، حيث قلّة قليلة فقط من السكّان كان يتمتّع بتعليم تقني حرفي حرّ عالمي . و دائما كانت هناك تهديد هجوم إمبريالي يلوح فى الأفق .
وُجدت تناقضات إقتصادية و إجتماعية واجهها بشر حقيقيون كانوا يسعون إلى إعادة تشكيل المجتمع و العالم .
تحرّكت الدولة السوفياتية فى ظلّ قيادة ستالين لتبني نوعا جديدا من الإقتصاد و لأوّل مرّة فى التاريخ المعاصر ، كان الإنتاج الإجتماعي يفجّر بوعي وفق مخطّط يهدف إلى تلبية حاجيات الناس و يتحدّد بالأهداف و الغايات الإجتماعية العامة للقضاء على الإضطهاد و العوز و لتغيير العالم ... مخطّط كان مترابطا ككلّ . و كان ذلك إختراقا مذهلا . لم يعد الإنتاج رهينة لما يمكن أن ينتج الربح الرأسمالي .
لقد تحدّثت عن " الليل الكالح الظلام و المديد " الذى وقع كسره ... هنا فى هذه المساحة من الأرض المحرّرة فى العالم ، محاصرة بقوى إمبريالية و رجعية عدوانية ، كان شيئا راديكاليّا تماما ينجز . و عوض أن تستغلّ أقلّية من الملاكين و تهيمن ... على الإنتاج الإجتماعي لعمل الشعب و طاقاته خدمة للحفاظ على تقسيم المجتمع إلى طبقات ...يوجد الآن إقتصاد فى خدمة حاجيات المجتمع و التغيير الثوري .
سؤال : لكن طريقة تصوير هذا هي أن المخطّط الرئيسي الفوقي المسقط من الأعلى إلى الأسفل يفرض على المجتمع فرضا .
لوتا : إنطلق المخطّط الخماسي الأوّل فى الإتحاد السوفياتي فى 1928 . و كان شعاره " نشيذد عالما جديدا " و كان ملايين العمّال و الفلاحين مندفعين بهذه الروح . فى المصانع و القرى ، كان الناس يناقشون المخطّط : الإختلاف الذى سيحدثه فى حياتهم – و فى حياة شعوب العالم ،كان الناس يتحدّثون عن كيفيّة إعادة تنظيم سيرورة الإنتاج . و تطوّع الناس للمساعدة على بناء سكك الحديد فى المناطق النائئة . و عملوا عن طواعية نوبات عمل طويلة . و فى مصانع الفولاذ /كانوا ينشدون أغاني ثورية فى طريقهم إلى العمل . (26)
لم يسبق أبدا فى التاريخ أن تمّت مثل هذه التعبئة للجماهير لينهضوا عن وعي بتحقيق أهداف المخطّط الإقتصادي و الإجتماعي .
و لنتساءل من جديد : ما الذى كان يجرى فى بقيّة العالم ؟ كان الإقتصاد الرأسمالي العالمي يرزح تحت وطأة الركود فى بدايات ثلاثينات القرن العشرين – بمستويات بطالة تبلغ 20 إلى 50 بالمائة . و كان الناس جياعا فى المدن الكبرى مثل نيويورك و برلين ، و إن شاهدتم شريط " عناقيد الغضب " تحصل لديكم صورة عن ما كان يواجهه المزارعون الصغار فى الولايات المتحدة الأمريكية ... أغنى بلد فى العالم .
و بالعودة إلى الإتحاد السوفياتي ، هناك أيضا تغيير فى الفلاحة ، مشركة الفلاحة ...

الصراع فى الريف :

سؤال : هذا شيء أثاره البعض فى حديث لى معهم على أنّه شيء سلبي .
لوتا : حسنا ، إنّهم مخطئون على طول الخطّ . كانت المشركة تستجيب إلى حاجيات و تناقضات حقيقية فى المجتمع ... و الوضع العالمي الذى كان السوفيات يواجهونه .
كان هناك نقص فى المواد الغذائية فى المدن ، خاصة مع نموّ سكّان لمدن . و وقعت إعادة توزيع الأرض على الفلاّحين إثر إفتكاك السلطة . لكن عبر عشرينات القرن العشرين ، كانت فئة من الفلاحين الأغنياء تكسب قوّة فى الإقتصاد الريفي الذى ما زال إقتصادا معتمدا على الملكية الخاصة لمالكين صغار. كان للفلاحين الأغنياء أو الكولاك مثلما كانوا يسمّون ، يملكون قطع أرض كبيرة وكانوا يعزّزون ملكيّة أكبر . و كان الإستقطاب الإجتماعي بين الكولاك و الفلاحين الفقراء فى إشتداد. (27)
شعُر ستالين و آخرون فى القيادة أنّه عليهم التحرّك بسرعة لإنشاء وحدات كبيرة فلاحية فى الريف . و كان هذا سيرفع فى الإنتاجية و يحاصر الكولاك . و كذلك سيسرّع " بلترة " الفلاحين ، دافعين بأناس أكثر نحو المدن و الصناعة و تخفّف التوتّرات بين المجتمع الجديد و الفلاحين الذين كانوا بعدُ متعلّقين فى الملكية الخاصة.
لقد كانت المشركة حركة إجتماعية هائلة شملت و إستنهضت و عوّلت على الفلاحين الأفقر فى قاعدتها ، و عملت على تشريك أكبر عدد ممكن من الناس . و العمّال المتطوّعون المخلصون من الشيء إلتحقوا بالمناطق الريفية لتشكيل التعاونيات . و الفنّانون و الكتاب و مخرجو الأفلام توجّهوا إلى الجبهات الأمامية لنقل صورة عن ما كان يجرى . و أرسلت مكتبات متجوّلة إلى الفرق العاملة فى الحقول الفلاحية . و فى بعض المناطق ، كانت لبعض المزارع مسارحها الخاصّة . و قد تمّ تحدّى الدين و التطهير و التقاليد المخدّرة للعقل .
رفع الناس رؤوسهم و أصبحوا فى مستوى ما كان يجدّ فى المجتمع بأسره . لقد ناقشوا المخطّطات الوطنية و تطوّر الأحداث . و صارت النساء اللاتى كانت حياتهن أسيرة التقاليد الإضطهادية و الأوامر البطرياركية ، صارت سائقات للجرّارات و قادة فى التعاونيّات .(28)
سؤال : لكن المشركة واجهت الكثير من المقاومة .
لوتا : أجل ، من جهة لهذا صلة بالصراع الطبقي فى الريف – أين كان الكولاك و قوى تقليديّا ذات إمتيازات يتحصّنون و يستنهضون مقاومة التغييرات و القوى الإجتماعية التى تحدّثت عنها .كان ذلك الشيء الأساسي .
و من جهة أخرى ، كان بعض هذه المقاومة متّصل بأخطاء تمّ إقترافها . ففى الخمسينات حين كتب ماو عن ذلك ، و بينما أقرّ بالطابع العظيم غير المسبوق للمشركة السوفياتية ، تقدّم بنقد جدّي لكيفيّة تعاطى ستالين مع ذلك . حدث الأمر قبل أن يكسب الفلاحون تجربة التعاون مع بعضهم البعض من خلال العمل فى الحقول مستعملين الأدوات بشكل تعاوني . و لم ينجز عمل سياسي و إيديولوجي كافي لخلق فهم و جوّ يخوّلان للفلاحين بأن يتصرّفوا بوعي أكبر لبلوغ الملكيّة الإشتراكية التعاونية . و الدولة أخذت من الحبوب أكثر من اللازم من الريف فوضع هذا ضغطا غير ضروري على الفلاحين وأدّى إلى نقمة.(29)

تغيير الظروف و تغيير التفكير :

سؤال : لحظة – ما الذى تعنيه ب " العمل الإيديولوجي " ؟
لوتا : أعنى تغيير ليس فقط ما يقوم به الناس بل كسبهم للتفكير بطرق جديدة و لإطلاق العنان لمبادرتهم على قاعدة تغيير العالم . حياة مزارعين صغار – كلّ شخص منهم يملك قطعة أرضه الخاصّة ، البقاء أم لا على قيد الحياة بفضل جهودهم الخاصّة ، فى تعارض مع الخرين الذين يتنافسون معهم – ضرب واحد بالآخر ، هذا ما يشكّل فكرهم . كان ستالين ينزع إلى التفكير فى أنّه إن وقعت مكننة الفلاحة و مشركتها ، فإنّ تفكير الناس سيتغيّر طبيعيّا غير أنّ كامل السيرورة أعقد من ذلك ، و عليكم عمليّا العمل على تغيير ليس تفكير الناس و حسب بل أيضا كيفيّة تفكيرهم ، قبل الثورة بكثير و عبر كافة المراحل . و مثلما قلت ، كانت هذه مسألة أثارها ماو وهي شيء بنى عليه بوب أفاكيان و كذلك رفعه إلى مستوى أرقى فى الخلاصة الجديدة للشيوعية .
لذا للعودة إلى ستالين أقول كان يسعى إلى معالجة المشاكل الحقيقية فى المجتمع – كيفيّة التقدّم من الملكية الخاصّة للفلاحة فى زمن كان فيه الإتحاد السوفياتي يواجه حصارا عالميّا . لكن المقاربة التى تبنّاها كانت ميكانيكية قليلا – رؤية إيجاد مستويات أرقى من الملكية و المزارع الأكبر بفضل تقنية أكثر تقدّما كمحور القضيّة ... و الحطّ من البعد الإيديولوجي بأكمله و عدم إدراك أنّه ينبغى تغيير قيم الناس و تفكيرهم و علاقاتهم ببعضهم البعض فى الإنتاج و المجتمع . ينبغى أن تتغيّر و على القيادة أن تعمل على هذا (30).
و وُجد المشكل نفسه فى مقاربة تخطيط الصناعة - نظرة ميكانيكية بأنّه مع بناء صناعة ثقيلة إشتراكية ، سيتمّ ضمان الأسس المادية للإشتراكية . لكن كما أعرب عن ذلك ماو قبل سنوات ، " ما الجيّد فى ملكيّة الدولة للمصانع و المستودعات ، إن لم تقع صياغة القيم التعاونية ؟ " و كان تطوّر الإقتصاد الإشتراكييتجه نحو خلق بون شاسع بين الصناعة و الفلاحة و بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين العمّال و الفلاّحين . و أولى ستالين عناية خاصّة لهذا لتخطّى هذه التناقضات بيد أنّ ذلك كان يعتبر مهمّة ثانويّة فى علاقة بخلق أساس صناعي – فلاحي أكثر معاصرة . (31)

منعرج : سحق الثورة فى ألمانيا و وصول النازيين إلى السلطة :

سؤال : على حدّ فهمي لذلك ، حدث تحوّل واضح بإتجاه ، إن أردتم إستعمال الكلمة ، سياسات محافظة فى كافة المجتمع السوفياتي إمطلاقا من أواسط ثلاثينات القرن العشرين فصاعدا. هل هذا صحيح ؟و إن كان كذلك فلماذا ؟
لوتا : لم يكن لدي القيادة السوفياتية و الجماهير خيار بشأن الظروف التى فيها يقومون بالثورة و يدافعون عنها ويتقدّمون بها . وفى أواسط ثلاثينات القرن العشرين ، كانت الثورة تتعرّض إلى هجوم كبير و وضع عالمي جدّ غير مواتي و خطير. ففى 1931 ، غزت اليابان منشوريا على الحدود الشرقيّة للإتحاد السوفياتي . و فى 1933 ، عزّز الحزب النازي بقيادة هتلر سلطته فى ألمانيا .
و مثلما قلت ، كانت القيادة السوفياتية تتوقّع حدوث ثورة فى ألمانيا . إلاّ أنّ النظام النازي قد سحق فعليّا الحزب الشيوعي الألماني و إنطلق فى برنامج عسكرة . و فى نفس الوقت ، كسبت قوى موالية للفاشية قوّة فى المجرّ و بلغاريا و رومانيا و بلدان البلطيق و منها بولونيا . و فى إسبانيا ، وقفت القوى الغربية متكاسلة حين كان الجنرال فرانكو يقود تمرّدا ضد الجمهورية الإسبانية ، و كان عمليّا يتلقّى دعما من هتلر و موسيليني . و وقّعت ألمانيا و اليابان حلفا معاديا للسوفيات .
كان الخطر الداهم لحرب بين القوى الإمبريالية و إحتمال هجوم إمبريالي شامل على الإتحاد السوفياتي يشكّل بعمق السياسة الإقتصادية و الإجتماعية فى الإتحاد السوفياتي .
سؤال : و ما كانت تبعات ذلك ؟
لوتا : كانت طبول الحرب تقرع ، كانت الحرب تطلّ برأسها و تلوح فى الأفق و إلى جانب جميع التحدّيات التى كانت تواجه الثورة السوفياتية ، لم توجد تجربة سياسية تاريخية للتعامل مع حجموضع مشابه ... إحتمال هجوم شامل محدق للإمبريالية الألمانية ضد الإتحاد السوفياتي . فتعاطى ستالين و وتعاطت القيادة السوفياتية مع ذلك بطريقة معيّنة . تقييمهم كان أنّ ملكية الدولة الإشتراكية و تطوّر قوى الإنتاج قد شهدا قفزة نزعية ، و أنّ الوقت قد حان لحطّ الرحل و الإعداد لإحتمال الحرب .
و حدث دفع نحو مزيد الإنضباط و الترفيع فى إنتاج المصانع لتوفير مستلزمات خوض الحرب . و وقع التشديد بدرجة كبيرة على الإجراءات الإدارية و الحوافز الماديّة ( أجر أكبر مقابل المزيد من العمل ) و على الإدارة التقنية و التكنولوجيا .
لقد جرى تكبيل التجريب الإجتماعي و الثقافي الراديكالي لعشرينات القرن العشرين و بداية ثلاثيناته . و تمّ النظر إليه على أنّه بعيد عن المهام الملحّة الإنتاجية و السياسية و غريبا جدّا عن أوسع صفوف العمّال و فئات التقنيين المتمرّسين الأجدّ التى كانت تتوحّد حول النظام .
و وقعت المغالاة فى التشديد على الوحدة فى وجه تنامى خطر الحرب ... و كانت الوحدة تشكّل حول نوع من الوطنية القومية .
عالميّا ، كان الإتحاد السوفياتي ينادي و يحاول بناء جبهة متحدة عالميّة ضد القوى الإمبريالية الفاشيةّ . و ربط و حتى ضحّى بالنضالات الثوريّة فى مختلف أنحاء العالم من أجل هدف الدفاع عن الإتحاد السوفياتي . و رأت قيادة الإتحاد السوفياتي أنّ الدفاع عن الإتحاد السوفياتي هو عينه مصلحة الثورة العالمية .
كلّ هذا كان إشكاليّا للغاية . فقد مضى و وقف فى تناقض مع ما كانت الثورة تعنيه و لطابعها الأساسي الشامل . كانت الثورة تواجه الحاجة إلى الإعداد للهجوم و الحرب التى يمكن أن تحطّم الثورة برمّتها . كان ذلك حقيقيّا و رهيبا . بيد أ،ّ مقاربة ستالين كانت متصدّعة تصدّعا جدّيا .

الأخطاء و النكسات :

سؤال : هل يمكن أن تشرح ذلك بعض الشرح – مثل كيف برّروا هذا المنعرج ؟
لوتا : حسنا ، تطرّقت لنزعات ستالين نحو رؤية الأشياء رؤية ميكانيكية و ستاتيكية / سكونية أي عدم رؤية كيف توجد تناقضات فى المجتمع و السيرورات والأشخاص – فى الواقع فى كلّ شيء – يمكن أن لا تكون على السطح لكنّها عمليّا تحرّك الأمور صوب التغيير صلب هذا الشيء . لمّا تنظرون إلى البيضة و فقط تنظرون إلى سطحها ، لن تعرفوا أنّ فرخ دجاج كان داخلها ينمو و ينمو و فى آخر المطاف سيكسر تلك البيضة و يغدو شيئا مختلفا تماما .
و هذا النوع من التفكير الميكانيكي أو الستاتيكي / السكوني تتسرّب و تشرع فى التلوين المتنامي لنظلرية الإشتراكية – أنّ هناك دولة إشتراكية يجب الدفاع عنها بكلّ التكاليف ضد الهجوم الذى كان يُرى أنّه داهم ، و العديد من الأشياء وقع تبريرها بإسم القيام بذلك الدفاع و التى كانت عمليّا تقوّض الطابع الإشتراكي للدولة .
و على سبيل المثال ، شرع ستالين فى تقديم تنازلات لأجزاء من السكّان كانوا بعدُ متديّنين و تقليديين جدّا فى تفكيرهم ، أو كانوا متأثّرين بقوّة بالقومية الروسية أو بكلاهما . الآن ، نعم ، كان عمر المجتمع الجديد 15 سنة و لكن ما تعلّمناه هو أنّ هناك فئات كثيرة من الناس لا يتخلّون فى ليلة و ضحاها عن التفكير القديم . و هكذا حصلت تنازلات لذلك النوع من التفكير و ذلك النوع من القوى مثل الكنيسة الأرثودكسية الروسية من أجل ، كما رأي ذلك ستالين ، توطيد الوحدة فى جهود الحرب. و أخذت الحكومة تتراجع عن بعض الخطوات المتقدّمة بشأن النساء و المثليّة الجنسية ، مثلا . و بعض الخطوات المتقدّمة العظيمة و وقتها الفريدة من نوعها فى العالم و التى سبق لنا الحديث عنها – بما فيها حقّ الإجهاض – تمّ الإنقلاب عليها و تمّ الإنقلاب أيضا على حقوق المثليين . و بوجه أعمّ ، صارت العائلة التقليدية تُمدح و العلاقات التقليدية تتعزّز. كان هذا فى آن معا خطأ جدّيا و كذلك تعبيرا عن نفص فى عمق أهمّية العلاقات الجندرية فى التغيير الشامل للمجتمع . و هذا الصنف من الأشياء كان يعتمد مجدّدا على إفتراض أنّ الطابع الإشتراكي للمجتمع مضمون تقريبا و أنّ الشيء الأساسي الذى ينبغى القيام به لدفاع عنه .
و لا أريد بأي حال من الأحوال أن أقلّل من حجم التهديد الذى كان الإتحاد السوفياتي يواجهه . كان ستالين و الذين من حوله أوّل ناس يقودون دولة إشتراكية ،و كانت لديهم المسؤوليّة الهائلة للدفاع عنها و هناك أعتى قوّة عسكرية فى العالم تقبع على الباب و قائد تلك القوّة العسكرية العاتية كان واضحا جدّا فى ما يتصل بسعيه إلى تحطيم ذلك البلد الإشتراكي . و لنتذكّر أنّ النازيين قد نفّذوا حقّا ذلك التهديد و قتلوا حوالي 26 مليون - أجل 26 مليون !- من سكّان الإتحاد السوفياتي فى مسار محاولة القيام بذلك . و لا أقول ذلك لتبرير هذه الأخطاء و لا بأقلّ شيء – أقول ذلك كي ندرك حقّا ما واجهوه و كيف يجب فى وجه ذلك النوع من الضغط الرهيب ، و يمكن أن ننجز ما أفضل مستقبلا . و دون التوغّل فى كلّ ذلك الآن ، يبرز هذا أهمّية العمل الذى أنجزه بوب أفاكيان فى الخوض فى كلّ هذه التجربة و الطريقة التى قاربها بها و من خلال هذه السيرورة تطويره للخلاصة الجديدة للشيوعية .
سؤال : ماذا عن الكولاك والإعدامات ؟ عندما تقول ستالين على ألرجح هذا أوّل ما يذكره الناس . (32)
لوتا : الوضع العالمي الذى مرّ بنا – و فيه الإتحاد السوفياتي ذاته كان يشهدتداخلا – فرض إطار التطهيرات و القمع فى أواخر ثلاثينات القرن العشرين .
و أنظروا ، لمّا نتكلّم عن الأخطاء الخطيرة حرفيّا ، نقصد ما حدث أثناء فترة 1936- 1938 و جزء من ما نعنيه هو أنّ العديد من الأبرياء عانوا من القمع : موظّفو الإقتصاد و ضبّاط عسكريين و أعضاء من الحزب كانوا معارضين فى السنوات الأولى و آخرون تمّ النظر إليهم كمصادر ممكنة للمعارضة بما فى ذلك أناس من الأنتلجنسيا . و تمّ الإعتداء على الحقوق القانونية الأساسية للشعب و إعدام أناس على قاعدة هذه التجاوزات . لذا كان هذا كما قلت خطيرا (33) .
و ثمّة طريقتان لفهم ما كتن يحدث – و فقط طريقة واحدة منهما توصلك إلى الحقيقة . و يمكن أن تصرّح بأنّ ستالين كان وحشا ، طاغية موسوس ، كان لا يريد إلاّ أن تصبح " السلطة مطلقة " ... و إنتهى الحديث . هذا هو خطّ هجوم المؤرّخين المناهضين للشيوعية و أبواق دعاية الحرب الباردة .
أو يمكن أن تتبع مقاربة علمية لهذه الفترة من تاريخ الثورة الشيوعية ، لفهم ما حدث و لماذا حدث . و حالئذ يجب أن تنظروا فى ما كان يواجهه ستالين والقيادة عمليّا فى تلك اللحظة بمعنى التيقّن من الهجوم الرهيب المحتمل و أن تنظروا فى أنّ هناك بالفعل بعض المجموعات و بعض العناصر المعادية للثورة صلب الحزب والجيش كانوا على ما يبدو يتآمرون مع هذه القوّة الإمبريالية أو تلك فى وجه ذلك ، و أن تحلّلوا الإطار الذى كانوا يستخدمونه لفهم كلّ ذاك ، ثمّ يجب أن تقيموا ما حدث سياسيّا فى مواجهة ذلك . و إن وُجدت أخطاء ...و كما قلت وُجدت و منها أخطاء جدّية للغاية ... عندئذ تجتهدون لفهم ما هو المكوّن فى فهمهم و مقاربتهم لذهذه المشاكل الذى نجمت عنه هذه الأخطاء .

مسألة توجّه :

لذا أودّ أن نتوسّع فى ما أدّى إلى هذه الأخطاء . لكن قبل ذلك ، ثمّة أمر آخر نضيفه إلى هذا النقاش ... كمسألة توجّه أساسي . إن أخذنا أسوأ الإفتراضات الممكنة ، و لست أحاجج من أجلها ، لكن حتى إن أخذتم الأرقام و الأمثلة الأكثر مبالغة و حتى المخترعة ... فإنّ ما جدّ فى الإتحاد السوفياتي لا يقارن بما جدّ نتيجة حدث واحد منتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ألا وهو قرار توماس جيفرسون إشتراء لويزيانا ما نهض بدورمفتاح فى توسيع رقعة العبودية فى الولايات المتحدة الأمريكية وتمديدها .
مائة ألف من العبيد ، ثلثهم من الأطفال ، سيقع بيعهم فى أسواق نيو أورليانز قبل الحرب الأهلية (34). وكان العبيد يقطفون القطن من الفجر إلى ما بعد غروب الشمس و كانوا يصفّون مستنقعات تتكاثر فيها الأمراض . و كانوا يعملون كحيوانات جرّ . و كان نظراء جيفرسون من أسياد العبيد يغتصبون النساء على نحو متفشّى و على نطاق واسع و يستعملون عقوبات وحشيّة و حتى يبيعون الأطفال ويفصلونهم عن أوليائهم . و قد إستفاد سادة العبيد فى السواحل الشرقية بمن فيهم جيفرسون نفسه ، إستفادوا كثيرا من توسّع مناطق العبودية . و فى المناطق المشتراة حديثا ، إتخذت الإبادة الجماعية للهنود الحمر أبعادا رهيبة و عرفت دفعا جديدا .
و عمل توماس جيفرسون بوعي و منهجيّا على توسيع نظام عبودية المتاع المنقول حرفيّا و تعزيزه . فقد خلق جهنّما فعليّة ستدوم تقريبا لستّة عقود ، و كلّ ذلك بحثا عن الربح و خلق إمبراطورية . (35)
أو أنظروا إلى الحجم الكبير من القتل الذى إقترفته الولايات المتحدة فى العقود الماضية زمن لم يكن أحد يحاجج بأنّهم كانوا يواجهون أي نوع من التهديد الجدّي لوجودهم نفسه – و نتحدّث عنعدّة ملايين قُتلوا فى كوريا ، و عدّة ملايين آخرين قتلوا فى الهند الصينية ، و مئات الآلاف قُتلوا و الملايين هُجّروا فى العراق ، و كلّ هذا نتيجة لتدخّل عسكري أمريكي مباشر – و هذا دون ذكر عديد الحروب المجرمة الحروب بالوكالة التى موّلوها فى أمريكا اللاتينية و أفريقيا – و مرّة أخرى ، من أجل ماذا ؟ من أجل الحفاظ على النظام العالمي للإستغلال و البؤس .
و ستالين ،منجهة أخرى ، إقترف أخطاء وحتى أخطاء جدّية ، فى وضع كان فيه الإتحادالسوفياتي فى ظروف يأس و يواجه تهديدات مريعة . إلاّ أنّه إقترف هذه الأخطاء فى سياق الدفاع عن ثورة هزّت العالم تهدف إلى تخليص العالم من العبودية فى شكلها المعاصر . (36)
ينبغى أن يحكم الناس على أي أرقام تاريخية أو على أي حدث تاريخي فى الإطار العام لما كان يجرى ، و ما هي المصالح الحيويّة موضع الرهان و ما كانت أهداف و غايات الشخص أو المجموعة المعنيين – لأجل تحديد جوهر المسألة . و فى نفس الوقت ، كما قلت ، نحتاج إلى تقييم فهم ستالين و الكثير من القادة السوفيات للتوتّرات و التناقضات فى المجتمع ، ومقاربتهم للتعاطى معها . و وُجدت مشاكل جدّية .

نوعان من التناقضات :

سؤال : ما الذى تعنيه بهذا ؟ هل تعنى مشاكل فى كيفية فهمه للأشياء ؟ و هل لهذا صلة بما قلته سابقا حول النظرة الستاتيكية / السكونيّة للإشتراكية ؟
لوتا : أجل . قبل هذا قد أشرت إلى أنّه مع أواسط ثلاثينات القرن العشرين و الملكية التعاونية تمّ التوصّل إليها فى القطاعات الأساسية من الإقتصاد. و تمّت الإطاحة بالطبقات المالكة القديمة و تمّ إلى حدّ كبير تغيير الرأسمالية الخاصة .
و حلّل ستالين أنّه لم يعد هناك بعدُ أساس إقتصادي للإستغلال ... و بالتالي لم تعد هناك بعدُ تناقضات طبقية عدائية فى المجتمع الإشتراكي . فهمه كان أنّه المجتمع السوفياتي متكوّن من طبقتين غير عدائيتين : العمّال و الفلاحون فى التعاونيّات ، إضافة إلى فئة من الأنتلجنسيا الجديدة و القديمة و من الأخصّائيين ذوى الياقة البيضاء . الطبقة القديمة أطاحت بها الثورة و الحرب الأهلية و حسب ستالين ، توجد بقايا للنظام القديم لكن كما قلت ، لا وجود لطبقات عدائيّة ... و لا لقوى برجوازية داخل المجتمع . و بقايا النظام القديم هذه ... مرّة أخرى أنا أصف الفهم ... لا يمكن أن تجد الدعم إلاّ من الخارج .
لذا تهديد المجتمع السوفياتي كان يعتبر منبعه عملاء الطبقات المطاح بها الذين يثقّفهم رأس المال الأجنبي و يدعمهم . و نشأ كلّ هذا الخطاب عن العملاء السرّيين الأجانب و المخرّبين و حابكي الدسائس و المؤامرات من الخارج . و محاولة قلب النظام حصلت حقّا لكن ستالين كان ينزع إلى رؤية كلّ معارضة فى المجتمع ، بطريقة ما ، مصدرها أجنبي . و النضال ضد الثورة المضادة كان يُنظر إليه كنوع من عمليّة مكافحة التجسّس. هذه الذهنية هي التى قادت إلى أخطاء جدّية أنف وصفها .
و كان تحليل ستالين يجافى الحقيقة . و بالفعل ،كان المجتمع زاخرا بالإختلافات و التناقضات الطبقية . لم يكن مصدر كلّ ذلك خارجيّا ... رغم أنّه كما أشرت إلى ذلك ، كان هناك تهديد بالتدخّل و الحرب و أنّ ما كان يجرى فى العالم كان يشكّل بعمق النضالات فى المجتمع الإشتراكي . و كلّ هذا إكتشفه ماو و على ذلك الأساس إستطاع أن يشقّ طريقا مغايرا بعمق فى الثورة الصينية لمعالجة هذه التناقضات و شتّى أنواع الصراع الذى أفرزته . (37) و سأعود لهذا لاحقا .
كان ستالين يخلط بين هذين النوعين من التناقضات . فى ثلاثينات القرن العشرين ، فى المجتمع السوفياتي ، كان هناك من كانوا يبدون إعتراضات على مختلف سياسات الدولة الإشتراكية ...كانوا فعلا يشكّلون معارضة . بيد أنّ ستالين كان يتعاطى مع كافة هذه الإختلافات على أنّها عدائية و ربط كلّ هذا بالتهديدات الخارجية ... محاولة قلب الحكم الخارجية . كان ينبغى توجيه القمع إلى الأعداء و حسب غير أنّه طال الذين كانوا يعبّرون عن آراء مختلفة و طال الذين كانوا يقترفون أخطاء فى مواقع مسؤوليّة معيّنة .وكما قلت ، أدرك ماو تسى تونغ المشكل هنا و تعمّق فى حقيقة ديناميكية المجتمع الإشتراكي . و بنى بوب أفاكيان على تلك الرؤية الثاقبة و الرائدة لماو و على تجربة المجتمع الإشتراكي بشكل أشمل و طوّر فهما علميّا أعمق للمجتمع الإشتراكي و رؤية أوسع نطاقا لأهمّية المعارضة و الصراع بين الأفكار المتنازعة فى هذا المجتمع .
لكن ستالين لم يكن يملك هذا الفهم . و كان يعوّل على التطهيرات و العمليّات البوليسيّة لحلّ المشاكل ... عوض ، و هذا ما حصل أثناء الثورة الثقافية فى الصين ، ...عوض إستنهاض الجماهير لتستوعب المسائل السياسية و الإيديولوجية الحارقة و المتصلة بالتوجّه العام للمجتمع و فتح الأمور . بدلا من ذلك نجد مجمل هذه المقاربة للدفاع عن الدولة الإشتراكية .
و ثمّ’ إنحراف جدّي عن الأممية البروليتارية ... تراجع الإتحاد السوفياتي عن تحمّل مسؤوليّة الدولة الإشتراكية فى تشجيع الثورة العالمية . سادت نظرة أنّ لا شيء أهمّ منحماية الدولة الإشتراكية و أنّ القيام بذلك يبرّر بأي شيء – بما فى ذلك الدخول فى نوع من السياسة الواقعيةّ ( الريال بوليتيك ) ، أو المكائد السياسية – مع الإمبرياليين . ولنكن الآن واضحين ، لا ننكر دور العلاقات الدبلوماسية التى تعقدها الدول الإشتراكية مع الإمبرياليين – من غير الممكم الوجود البقاء فى وضع حرب مستمرّة ، و لشيء ما ستحتاج إلى التجارة و ما إلى ذلك – غير أنّ هذه الدبلوماسية يجب أن تنهض على مبدأ ... على فكرة أنّ هذه العلاقات مرتبطة بتقدّم الثورة . و غالبا حينما نجرى مسحا لهذه الفترة ،نلاحظ أنّ ذلك قد ضاع . (38 )

علاقة حيويّة : التقدّم بالثورة العالمية و الدفاع عن الدولة الإشتراكية :

سؤال : لكنّك كنت تشدّد على الحاجة الواقعيّة إلى الدفاع عن الإتحاد السوفياتي و عن كيف أنّ هذا كان يؤثّر فى القرارات التى كان ستالين يتّخذها .
لوتا : نعم ، لكن لم يوجد فهم عالمي صحيح لهذا . كما ترون ، قد حدّد بوب أفاكيان – و لا أحد من القادة و المنظّرين الشيوعيين قبله قد إستوعب حتى هذه الأمور بهذا المعنى – أنّ هناك تناقض حقيقي بين الدفاع عن الدولة الإشتراكية و التقدّم بالثورة العالمية و أحيانا قد يفرض الأمر نفسه بحدّة . و هذا عنصر مفتاح فى الخلاصة الجديدة للشيوعية ، فى مزيد تطوير علم الشيوعية .
لا ينبغى أنندع الإمبرياليين ببساطة يحطّمون الدولة الإشتراكية الجديدة . ينبغى الدفاع عنها . إلاّ أنّه قد يتناقض هذا مع دعم الثورة فى أجزاء أخرى من العالم ... بمعنى أين تنصبّ الموارد ، و كيف تجرى الديبلوماسية ، و كيف تنظّم المجتمع الإشتراكي ، و تعدّ الناس إيديولوجيّأ بمعنى التضحية من أجل الثورة العالمية ككلّ . لذا عليك أن تعترف بهذا التناقض و تتعلّم كيف تعالجه .
ستالين و حتى ماو فى ما بعد عندما قاد الثورة فى الصين ، ينزع نحو التسوية بين الدفاع عن الدولة الإشتراكية و العمل من أجل مصلحة التقدّم بالثورة العالمية . و من جديد ، فى تقييم هذا ، علينا أن نتذكّر أن هذا كان أوّل مرّة واجه فيها أحد هذا الوضع و لم توجد تجربة سابقة للبناء عليها ، و علينا أن نتذكّر التهديد الحقيقي و الوجودي الذى واجهوه ، و علينا أن نتذكّر أنّ كلّ من هذين القائدين لم يستسلما قط للإمبريالية و أنّ ماو بوجه خاص قاتل فى سبيل الثورة و حقّق تقدّما فى الثورة إلى لحظة وفاته . لكن ذلك كان يعنى موضوعيّا وضع الدفاع عن الدولة الإشتراكية فوق التقدّم بالثورة العالمية .
ليست المسألة مسألة أنّ ستالين و ماو شرعا بوعي فى ربط الثورة العالمية بالدفاع عن البلد الإشتراكي . بالأحرى ، لأنّهما فهما هذا التناقض الحاد و المعقّد منتهى التعقيد بطريقة خطّية نوعا ما – الثورة ستنتصر فى هذه البلاد ثمّ فى ذلك البلاد ... و الثورة العالمية ستمرّ بسيرورة من الدفاع و مراكمة البلدان الإشتراكيّة الجديدة ... قاما بأخطاء فى السياسة بفعل ذلك الفهم .
و على أساس الحفر عميقا فى هذا ، تقدّم بوب أفاكيان بفهم جديد و علمي : الدور الرئيسي للدولة الإشتراكية هو أن تكون قاعدة إرتكاز لتقدّم الثورة العالمية . يتعيّن أن تدافع عن نفسها على هذه القاعدة و أن تكون على إستعداد لوضع بقائها على قيد الحياة على حدّ فاصل فى فترات يمكن أنّ تنجز فيها الثورة العالمية تقدّما كبيرا . و يتعيّن أن تعالج التناقضات الحقيقيّة و الصعبة للغابة معالجة صحيحة فى كلّ هذا . (39)
لذا هناك بعض الدروس الهامة من ما كان يحدث فى الإتحاد السوفياتي فى ثلاثينات القرن العشرين .
سؤال : و بطبيعة الحال ، فيما بعد غزت الإمبريالية الألمانية الإتحاد السوفياتي فى 1941 .
لوتا : تاريخ الإتحاد السوفياتي لمّا كان إشتراكيّا ، كان تاريخ مجتمع يخوضالحرب ، يعدّ للحرب أو يلملم جراح الحرب. فى جوان 1941 غزى النازيّون الإتحاد السوفياتي . و إستعملوا أكثر الأسلحة عصريّة فى العالم و غالبية قوّتهم العسكرية ضد السوفيات .و أوضح هتلر لفيالقه أنّه كان ينتظر منها أنتستبعد أي مبدأ إنساني فى ما سيكون حرب إبادة شاملة . (40)
و قاتل السوفيات ببطولة لا تصدّق . و فقد 26 مليون سوفياتي حياتهم فى الحرب العالمية الثانية ، أكثر من ثُمُن السكّان .
لكن لدينا هذا التناقض ، خرج الإتحاد السوفياتي من الحرب العالمية الثانية منتصرا عسكريّا . بيد أنّ الثورة قد ضعفت سياسيّا و إيديولوجيّا .و أقصد أن الأخطاء التى وصفت أعلاه قد قوّضت عمليّا و قوّضت فهم الناس لأهداف الثورة الشيوعية و عزّزت عمليّا نقاط الضعف فى كيفيّة محاولة الناس فهم العالم و كيفيّة تغييره . ظلّ الناس يقاتلون من أجل بناء الإشتراكية و يرفضون الإنحناء أمام الإمبريالية ، و كان ستالين قطعا يقود هذا .
و كذلك أصبح فهمهم للفرق بين القوميّة و الأممية مشوّش ... والفرق بين الثورة و الإصلاح مشوّشا و مشوّشا أيضا بشأن ما تمثّله حقّا مقاربة علمية للطبيعة و المجتمع .
و إثر وفاة ستالين فى 1953 ، ناورت قوى برجوازية صلب الحزب الشيوعي لإفتكاك السلطة ، و فى 1956 ، أمسك خروتشوف بمقاليد الحكم و عزّ. حكم طبقة رأسمالية جديدة و قاد بصفة منظّمة إلى إعادة هيكلة الإتحاد السوفياتي إلى مجتمع رأسمالية الدولة . فكانت نهاية الدولة البروليتارية الأولى . (41)
سؤال : إذن كيف تضع هذا فى نصابه الصحيح ؟
لوتا : كانت الثورة السوفياتية تمثّل نهوضا للعبيد بقيادة طليعية شيوعية – و صناعة طريقة جديدة تماما فى تنظيم المجتمع و تسييره ، طريقة جديدة تماما فى الترابط مع العالم ... ليس لنهبه و غزوه و إنّما تساهم فى تحرير الإنسانية . و تعدّ هزيمتها تراجعا مريرا وما جعله أمرّ هو أنّ الناس لم يكونوا يملكون الأدوات العلمية زمنها لفهم طبيعة الهزيمة و مصدرها . و رغم الأخطاء التى وصفت ، مثّلت ثورة 1917- 1956 الخطوات الأولى بإستثناء كمونة باريس التى لم تعمّر طويلا ، على طريق التحرّر ، بإتجاه عالم خالي من الإضطهاد و الإستغلال . و قد ألهمت الناس عبر العالم . لكن هذا الطريق ينبغى أن يخطّ ... يجب تعميق و توسيع فهم ما كان يحدث . و لن يحدث ذلك بشكل آلي أو عقويّ فهناك " منحنى معرفة " إن أردتم.
بيد أنّ التعليم والتعلّم بعمق يقتضيان فهما علميّا للمجتمع و كيفيّة تغييره . يقتضى مزيد تطوير هذا العلم ... علم الشيوعية . إنّها مسألة تحديد و تحليل المشاكل و التحدّيات فى سيرورة بلوغ عالم خالى من الطبقات ... وصياغة حلول و تطوير نظرات ثاقبة جديدة لكيفية فهم ما نواجه .
هذا ما قام به ماو تسى تونغ قائد الثورة الصينية ... فقد إرتقى بمشروع التحرير أي الثورة الشيوعية إلى درجة جديدة تماما فى الفهم و الممارسة . وهذا إختراق جديد بالنسبة للإنسانية أكثر راديكاليّة و تحريرا وهو ما سنتعمّق فيه تاليا.
===================================================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بناء النضال من أجل تحريرالنساء - بيان لمجموعة الشيوعيين الثو ...
- 8 مارس اليوم العالمي للمرأة : تنظيم النساء ضد الإضطهاد و الإ ...
- 8 مارس 2016 : - هل يمكن لهذا النظام أن يتخلّص من أو يسير دون ...
- لا غرابة فى كونهم يشوّهون الشيوعية + تلخيص مكاسب كمونة باريس ...
- مقدّمة الكتاب 23 : لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم - تعرفون - ... ...
- الثورة فى البلدان الإمبريالية تتطلّب فكر ماو تسى تونغ [ الما ...
- تطوير ماوتسى تونغ للإشتراكية : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوري ...
- تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(1)الفصل الرابع من كتاب ...
- تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)الفصل الرابع من كتاب ...
- تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و ا ...
- مقدّمة - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - - كتاب لبوب أفاكي ...
- هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر
- إلى الشيوعيّين الثوريّين فى العالم و أفغانستان : قطيعتنا مع ...
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولاي ...
- قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعدا ...
- مقدّمة كتاب - مقدّمات عشرين كتابا عن - الماويّة : نظريّة و م ...
- إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية
- أزمة المهاجرين العالمية : ليس مرتكبو جرائم الحرق العمد للأمل ...
- المجرمون و النظام الإجرامي وراء موت اللاجئين فى النمسا
- حقيقة تحالف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مع الهند ضد الصين / ...


المزيد.....




- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - ثورة أكتوبر 1917 : المكاسب و الأخطاء - الفصل الثالث من كتاب - الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا - لريموند لوتا