أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البورقادي - شقاوة الحب..














المزيد.....

شقاوة الحب..


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 5107 - 2016 / 3 / 18 - 00:48
المحور: الادب والفن
    


الحب وما أدراك ما الحب ..شعور جميل يعتري الإنسان ..يأتيه من حيث لا يدري ..فيلدغه في العمق ..في عقل قلبه !
الحب شعور نبيل لا ينكر أحد أنه أحس به يوما ما ..في لحضة مباغتة تتبلد فيها الحواس ..وتنجذب إلى اتجاه واحد ..
إن من غالبه الهوى لهوان حضه أدرك مرارته وغصته ..وذاق سمه ..فهو حلو المذاق عند الشرب الأول مريره عند آخره.. منعش للروح وثَّاب للقلب منشط للنفس حين المبتدأ ..ممرض مبئس مقنط حين المنتهى ..فعلى قدر الرشف الأول يكون صدى السقوط ..فكلما كان الرشف وافرا كان السقوط قويا ..وكلما علقت آمال ونسجت أحلام بصدد المعشوق كلما زاد الوجع واشتد النزع وصعب الفراق ..وكلما كثر اللقاء وزاد القرب ازداد القلب تعلقا ..وكلما استأنست نفسٌ بنفسٍ كلما صعب استوحاشها ...
وهذا حال الحب.. لذيذ مرير مالح حار ..شاف ممرض ..فالنفس تألف كل قريب وتستوحش كل بعيد ..والقلب لب النفس وعقلها ..هو الآمر والناهي إن صلح صلحت قيادتها وإن فسد أفسدها ..
وعلى قدر حب المحبوب يُسلب القلب نوره ..وعلى قدر الهوى تكون المشقة ..فتشقى النفس ببحثها عن السعادة على غير هدى ..
والعاشق لبني جنسه يكابد الهوى في كل وقت وحين..ويصارع اضطرابات الإشتياق والولع ..ويصرخ وفمه مغلق ..ويبكي وعينيه جافتان ..ويضحك وهو يكتوي ..فكيف ينعم بالسكينة من تأججت نيران الوجد في عمقه ..وكيف يتبصر الطريق والقبطان"أي القلب" مغشيٌّ عليه قد أسكره الهوى فغدى لا يعرف سبيلا إلا سبيل الشقاء والمرض ..
إن العشق يثلج الصدر ويفرح القلب ويعطي طاقة تضفي الحياة على كل موجود ..وتلك هي فتنته التي إن غاب عن إدراكها العقلاء ألجمهم الهوى وكبل عقيدتهم ..فذوو الألباب على قدر حرصهم على إعمال العقل عند الشرب يكون نجاتهم ..وعلى قدر عماهم وغفلتهم يكون هلاكهم ..
فالعقل قائد في الأول ومُقاد في الآخر ..سيد في الأول عبد في الآخر ..فمن أرشد عقله عند اللقاء الأول ..عند التقاء النظر ..واستطابة النفس للنفس ..وحنين القريب للقريب لوجود مشترك فطرت النفوس على حبه وجبلت على التعلق به ..ومن هذا المشترك حسن المظهر وطيب الكلام ورجاحة العقل وما إلى ذلك مما تصبو إليه النفس وتسعد بلقائه ..فكلما وجدت ذلك حرصت على أن لا تخسره وتمسكت به ..وكلما زادت قسوة التمسك زادت معها صعوبة الفراق ..إذ يصعب فراق ملتحمين وإن كانوا منفصلين.. واللحام هنا هو لحام النفس !! وما أشد لحامها ولحمتها..
فإن عمي العقل صعوبة الطريق لم يتكلف الإجهاد بغير عدة والعدة هنا هي اتقاء الخطر وأخذ الحذر حتى لا يحدث الإغماء وتفقد البوصلة وينطفئ النور ..فما كل ما يلمع ذهبا وما كل ما يَشُدّ يرتجى وما كل ما يشتهى يبتغى ولو كان ذلك كذلك ما جُعل العقل في الإنسان إذ هو عقال يعقل الإنسان من أن تسرح به بواعثه وخواطره في ما لا يقْفُ به علم ..وإن لم تُعمل عقلك عند بدء الإدراك وتجاهلت عواقب التفريط والإفراط انتقل الداء إلى العمق وتجاوز حدود الأمن إلى بواطن الحيرة والقلق ..إلى القلب ..والقلب لا يعقل كالعقل ولا دفاع له سوى الرضوخ والإستسلام ..فإن حصل ومضى إليه سم الحب خارت قواه واضطربت أمزجته وتبعترت أبجدياته فأثر بذلك في كل شيء ..كل شيء ..فطغى كربه على النفس والعقل والبدن والجوارح كلها فلا يعود من فرَّط بعقله حينها يعرف السكون والراحة ..ولا الهدوء ولا الإستقرار ..فقط اضطرب موجه فأغرق أحصنة الدفاع كلها !!
ولذلك كان لزاما على العقل أن يُجوِّد الحراسة وأن يُأَمِّن الحصن لكي لا يدخل إلى الملك فاتن يفتنه ولا ضراء تضره ..فتفسده وتهلك رعيته ..
إن القلب حين أمرضه الهوى غُشِّي عليه بغشاوة قد أنسته ما قد مضى ..فأصبح يهذي كالمجنون ويعربد كالسكران ..ومن ذاق الوجع أدرك حجم الخسارة ومن قارن ما كان عليه قبل السقوط في الوُجْدِ وما صار بعده حين السقوط تيقن عظيم الذنب وسوء المنقلب ..وهذا جزاء من عقّل قلبه وهواه على غير هدى من عقله وصار في ظلمات كان يحسبها .."تغافلا منه".. نورا تاما..
ومن صار لمثل ذلك حُرم من رجاحة عقله ومن سلامة تفكيره ومن راحة نفسه ..وأَسْلَبَ بصيرته نورها وقلبه رشده.. فأمسى كضيما مهزوما ذليلا منكسرا مسجونا مكبلا ..طريح الأغلال مقيَّد البدن ..مكتئبا حزينا لا ينعم بما كان ينعم به قبل السقوط ..ولا يسعد لشيء إلا سعادة زائفة سطحية لا تغنيه عن شقاوة العمق وألم الباطن ..وغدا محبوبه سبب شقائه ..هو كل حياته ..
.يراه في كل شيء ..يسمع همس كلامه عند كل من ناداه ..يترقب اتصالا منه .. يقلب ناظريه في كل من يشبهه ..لقد أصبح يتمثل له في كل موجود ..
إن محبوبه شاغلٌ لباله ..مشتاقا حانّاً إليه في كل زمان ومكان ..حتى صلاته التي كان يخشع ويسعد فيها بأنس ربه ..غدا لا يجد لها طعما ولا يشعر معها براحة ..فصار يرى صورة محبوبه في سجوده وقيامه وركوعه ..
مرض قلبه أعدى كل شيء ..حتى علاقاته بزملائه لم تصبح كما كانت بل عَكَّرها التعصب لأتفه الأسباب ..وأمسى لا يأبه لحال أمه طريحة الفراش ولا يسأل عنها..
تغيرت حياته وانقلبت فلسفة دينه .. وهو إذ فقد تركيزه وتشتت ذهنه قد أضاع وقتا ثمينا في التفكير بمحبوبه كان يمكن أن يُشغَل بما يجلب النفع ويدفع الضر ..مسكين قد علق قلبه بما لا ينبغي له وتنازل عن كبرياء عزه وأنفة ضميره ورفعة مقامه ..وهو من سعى لذلك وأوجد له أسبابه ..فلو تبصر حق التبصر ما وقع ..ولو تأمل حال السلف لحاد عن مواطن الزلل ..فنسأل الله العافية لمن آثر حب غيرك على حبك ..ونسألك السلامة من حُبٍّ نوائبه تُشيب ..



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش : شروط الإنتاج..
- التموقع الإقتصادي العربي في عالم العولمة..
- الفساد في مواجهة التنمية..
- تأملات في البادية..
- ماذا استفاد المجتمع من سياسة الخوصصة ؟!
- الإنسان في الفكر المادي..
- محاكمة العقل للفكر التطوري الدارويني..
- حال الناس بين الغفلة واليقظة..
- جَحِيمُ الخادماتِ في السعودية..
- رهانات التنمية وإكراهات البيئة ..
- رهانات التنمية وإكراهات البيئة .
- لقد مات من فَرْطِ الإستهلاك ..
- الرأسمالية والإغتراب ..
- نظرة في خلفيات صناعة الإرهاب..
- وسائل الإتصال وسلطة التأويل ..
- الإرادة العليا وجدل العقل و المنطق ..
- أطفال القمر
- الدعارة ..اختيار أم اضطرار
- متناقضات العالم المعاصر ..
- داعش وجاهلية القرن الواحد والعشرين ..


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البورقادي - شقاوة الحب..