أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مهند صلاحات - حوار أدبي ...مع الأديب الفلسطيني -مهند صلاحات-















المزيد.....



حوار أدبي ...مع الأديب الفلسطيني -مهند صلاحات-


مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 09:54
المحور: مقابلات و حوارات
    


ما يشبه التقديم :
أقترن لفظ الأدب الفلسطيني بقضية نضال وطني ...أستمر من بداية العقد الخامس من القرن العشرين ولازال إلى الآن يمضي في طريق واحدة هي استعادة الأرض المغتصبة إلى أهلها ...
نلتقي اليوم في المجلس اليمني بأحد الأدباء الفلسطينيين ... لنتحاور معه حول كل ما يتعلق بالأدب العربي و القضية الفلسطينية...إنه الأديب الفلسطيني مهند صلاحات .. نرحب به جميعاً .
وهذه بعض من السيرة الذاتية ..
الاسم الرباعي : مهند عدنان عزيز صلاحات
الجنسية / فلسطينية - مقيم حالياً في الأردن
يحمل بكالوريوس حقوق من جامعة جرش الأهلية في الأردن
* عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين وعضو لجنة التجمع الإعلامية
• له مجموعة قصصية قيد الطبع بعنوان " في الزنزانة الأخرى"
وكان الحوار مع مهند صلاحات كالتالي :

1: بدايةً أيهما يخلق الأخر .. الأديب يخلق الأدب !!أم الأدب هو من يخلق الأديب ؟

بداية لا بد أن نبحث في ماهية الأدب وكيف ينتج لكي نحدد من ينتج الأخر، فالأدب هو التعبير النفسي عن الواقع وبهذا نجد أن للواقع دور كبير في صناعة الأدب، ولو لاحظنا على سبيل المثال أدب الثورة السوفيتية مثل رواية "كيف سقينا الفولاذ" وغيرها نجدها من أرقى أنواع الأدب السوفيتي بشكل عام لوجود مرحلة تغيير هامة في تاريخ الشعوب في المنطقة تغير شمل كل المناحي الاجتماعية والاقتصادية فانعكس تلقائيا على الأدب، فنجد أن الواقع هو الذي يحدد بوصلة الأدب، ومن هنا إذا قارنا ذلك بمراحل الدولة الإسلامية كيف أن تيار الأدب كان أيضاً متواتر بين قوة الدولة وضعفها حيث من الملاحظ أن أجمل مراحل الأدب كانت في عصر صدر الدولة العباسية حيث نبغ العديد من الأدباء في هذه المرحلة وأبرزهم الشعراء حيث كان الشعر أكبر مشاهد الأدب العربي.
من هنا نجد أن الأدب ينتج الأديب والأديب ينتج أدب بنفس الوقت، بحيث أن الإنسان العادي إن نشأ بجو أدبي مميز ينشأ نشأة أدبية سليمة فيكون الواقع الأدبي قد صنع أديباً ، والأديب تلقائيا سينتج أدب، وكذلك يبقى المؤثر الحقيقي في إنتاج الأدب هو الواقع ذاته، فأنا أرى إن حاولنا صنع دراسة سريعة لمعظم الأدباء العالميين والعرب نجد أن الغالبية العظمى منهم نشأت بدايات بائسة، فمثلا مكسيم جورجي الأديب السوفيتي صاحب رواية "الأم" قد بدأ حياته فراشاً، كذلك لو نظرنا لمعظم أدبائنا العرب فغالبيتهم إما نشأ في ظل ظروف الحرب مثل محمود درويش والشعراء الفلسطينيين الكبار الذين ظهروا في فترة النكبة والنكسة والثورات الفلسطينية وعاشوا فترات حصار المدن وغيرها.فنخرج بنتيجة كما قال الفنان الفلسطيني ناجي العلي " القهر هو الذي ينتج".

2: زخرت الساحة الفلسطينية بالكثير من الأدباء ...الذين أثبتوا تواجد في كثير من الأنشطة الثقافية والأدبية .. هل للواقع الإحتلالي للأرض أثر في ذلك ؟

بالتأكيد له دور كبير وقد يتخطى مجرد كونه دور فقد أصبح لدينا " أدب المقاومة" وهو أدب مستقل بحد ذاته تماماً كأدب الثورات بالعالم أو هو بالتالي امتداد لمحصلة أدب الثورات العالمية مثل أدب الثورة الروسية البلشفية ,أدب الثورة الفيتنامية، وأدب الثورة الكوبية، وأدب ثورات أمريكا اللاتينية، وغيرها من ثورات العالم التي تنتج دوماً أدبا مستقلاً عن الأدب العادي، يكون ذا خصوصية عالية جدا بالتعبير وحتى بالمفردات التي تنتج مع هذا الأدب والتي ترتبط بحد ذاتها مع الحالة الثورجية السائدة، وتعبر عن شعارات الثورة وتحاول مرة تصحيح مسارها إن انحرفت، وبالتالي وجود الاحتلال الإسرائيلي، ومن قبله الإنجليزي، ومن قبله العثماني، أنتج لدينا نخبة من الأدباء الذين وضعوا ولا زالوا يضعون حتى اللحظة منظومات من أدب المقاومة.
فمثلاً محمود درويش، توفيق الزياد، فدوى طوقان، غسان كنفاني، معين بسيسو، وغيرهم الكثير من أدباء فلسطين يعتبرون أدباء مقاومة، وكذلك ظهور العديد من المفردات مثل مفردة " انتفاضة" وهي التي دخلت القاموس العالمي الحديث أرتبط بخط سير الثورة الفلسطينية الدائمة، وكذلك بروز مفردات ذات خصوصية مثل مثلا أدب غسان كنفاني وظهور مفردة مميزة هي مفردة زمن الاشتباك والتي رفض غسان القول بأنها مفردة الحرب فأعتبر الصراع مستمراً في قصته الشهيرة" الطفل يعود إلى المخيم" حيث يقول كنفاني في مقدمة القصة : "كان ذلك زمن الحرب. الحرب؟ كلا، الاشتباك ذاته.. الالتحام المتواصل بالعدو لأنه أثناء الحرب قد تهب نسمة سلام يلتقط فيها المقاتل أنفاسه. راحة. هدنة.إجازة تقهقر. أما في الاشتباك فإنه دائماً على بعد طلقة. أنت دائماً تمرّ بأعجوبة بين طلقتين، وهذا ما كان، كما قلت لك، زمن الاشتباك المستمر."
وهو من ابرز أمثلة أدب المقاومة والتغير في مفردات الأديب والكاتب .

3: كونك أحد الذين خرجوا من فلسطين إلى الخارج ...ماذا يمكن أن تقول عن هذه الحالة التي اقترنت بالشعب الفلسطيني كحالة عامة ربما يكون ذلك نزوحاً من الأرض أو سفر لقضاء غرض شخصي ...و ماذا عن الأدباء في أرض المهجر ؟

السفر والغربة والتغرب هي أيضاً أدوات الكاتب ولها أثر كبير على أدبه وكتاباته الأخرى وعلى شخصيته كذلك، وفي حالتي الفردية هي حالة سفر ليس إلا، أما حول الحالة الفلسطينية بشكل عام ففي الأدب وأدباء المهجر الفلسطيني قد تكون ذات خصوصية نوعاً ما عن بقية أدباء المهجر في العصر الحالي، فمثلا حالة أدب المهجر بالدول الأخرى قد تكون اختيارية بسبب سفر الكاتب وبحثه عن المنفى الاختياري، أما في الحالة الفلسطينية فهنالك حالة نزوح وتهجير لشعب وبالتالي إنتاج حالة منفى قصري عليهم، لها دور في أن تعكس حالة أدبية مستقلة بحد ذاتها على الأدب العربي وجعل الأدب الفلسطيني صاحب خصوصية.
فقد كان لهذا المنفى الإجباري أو القصري دور في إبراز أدباء المقاومة التي أخذ جزء منها أدباء حق العودة والذين كان همهم الأول إبراز صورة الفلسطيني اللاجئ وإيصال صوته إلى العالم كله والتي يمكن أن نسميها صرخات المخيم الفلسطيني، بالتالي فهي حالة منفردة قد تشبه حالة الأكراد في العالم.

4: مهند صلاحات عمل في مجال الحقوق لدى منظمات إنسانية هل كان للقضية الفلسطينية أثر في ذلك ؟ أم كان ذلك نتاج لدراستك في مجال الحقوق ؟

بالواقع لقد كان لي تعاون مع منظمات إنسانية في مجال حقوق الإنسان وهي منظمات أهلية غير حكومية و أحدى هذه المنظمات كانت منظمة إيلاف الدولية ورفعت لها ملف بخصوص انتهاكات لحقوق الإنسان في فلسطين، إن قلت ليس هنالك تأثير أو دور لقضيتي الفلسطينية بهذا ربما أكون قد بالغت، لكن توالد الحالة الإنسانية بداخلي كان سببها المعاناة التي نعانيها كفلسطينيين، أما حول ذلك فهو الحس الإنساني في داخلي وداخلنا جميعاً بأن نساهم بما نستطيع في تحقيق الرسالة الإنسانية عبر المنظمات وغيرها، ولأن لدي إيمان بالمدينة الفاضلة ربما، أو بعبارة أدق بدولة المؤسسات الحقيقية الديمقراطية، لا دولة شركات رأسمالية، ولا دولة ديكتاتورية على شاكلة الدول العربية وغيرها، فأنا مؤمن بأن التغيير يأتي من خلال مؤسسات المجتمع المدني تلك القوى الضاغطة التي بإمكانها أن تحقق التغيير الاجتماعي والذي بالتالي سيرافقه تغيير اقتصادي على المجتمعات والشعوب.

5- ذكرت في موضوع لك بعنوان ( أزمة المثقف العربي :غربة الوطن في الوطن ) جملة من المشكلات التي يعاني منها المثقف العربي ...مع تقسيم لنوعية المثقف إلى قسمين قسم مثقف حقيقي وقسم مثقف مزيف أو اصطناعي (سلطوي) لكن ألا ترى أن هذه المشكلات فعلاً بحاجة إلى حلول مناسبة !! فما هي الحلول بنظرك لبعض هذه المشكلات ؟

الحل هو حل جماعي لا فردي، على أن على عاتق الفرد يقع مسؤولية من ضمن كونه فرد من المجموعة، الحل هو التغيير الذي يجب أن يبدأ من المثقف نفسه، فلدينا شرائح من المثقفين، منهم المثقف القومي، والمثقف الإسلامي، والمثقف الاشتراكي، والمثقف الرأسمالي، أو كلاهما "المثقف الليبرالي" الحر، ويمكن أن يكونوا كلهم في خندق واحد إذا كانوا جميعا رغم اختلاف رؤاهم الفكرية يتفقون على هدف واحد، وهو القضية المحورية الوطنية، أما مثقف السلطة فهو عبارة عن عملة مزورة هدفها التطبيل والتزمير والذي يشبه إلى حد ما أحد أفراد جوقة موسيقى قوات الشرطة الذي يعزف السلام الوطني للزعيم غير الوطني، فمثقف السلطة إن صح تسميته بالمثقف هو موظف أكثر مما هو مثقف، فالمثقف له بوصلة يحددها هو بناء على قناعاته وأفكاره، أما مثقف السلطة فهنالك من يحدد له بوصلته وربما يكتب له الخطوط العريضة في مقاله أو قصته، فالحل يكون هنا في الصف الشعبي، وللأسف في الوقت الحالي يجب أن نعترف بأننا أمة لا تقرأ، ففي مقارنة بسيطة قد تبدو ساخرة ومؤلمة لو قارنا بين كمية الورق المطبوع للجرائد التي يتم إخراجها يوميا من محطة القطارات في لندن، وبين كمية الورق للكتب المطبوعة بالوطن العربي سنجد الكمية شبه متقاربة، بالتالي نحن أمة بالحقيقة لا تقرأ أبداً، بالتالي ينعكس الأمر على المثقف الذي نراه يقف وحيداً في معركة التغيير ضد الديمقراطيات الزائفة التي تروج لها الولايات المتحدة الأمريكية والتي أنتجت هي الأخرى مجموعة من الأقلام المأجورة تحت مسمى الديمقراطية، وضد مثقفي العملة المزورة مطبلي الجوقة السلطوية.
الحل يكون بإعادة تأهيل شعوب وقراء للاصطفاف بصف المثقف ومن ناحية أخرى تفعيل مؤسسات المجتمع المدني الأهلية غير الحكومية الثقافية والفكرية منها لتقوم بدورها بشكل حقيقي، وهذه المؤسسات التي نفتقر لها بشكل حقيقي في دولنا العربية لتساعد في أن نحقق الثورة الثقافية، وإن سال سائل عن ماهية هذه الثورة الثقافية ببساطة هي على شقين، الشق الأول منها يتكون من ثورة أخلاقية قبل كل شيء تعيد صقل أخلاق الكاتب والقارئ بنفس الوقت وبعد ذلك يأتي الشق الثاني الذي يتكون من تفعيل دور الثقافة والفكر والأدب في التغيير.

6- هناك تضارب ملموس في أيدلوجية تكوين القومية العربية لخصته أنت في موضوع لك عن تكوين الخطاب القومي ...ألا تلاحظ أن أكثر ما أفسد هذا الخطاب هو التعريف الخاطئ لفكرة القومية العربية ..أي بلورة هذا المعنى في حركة تستند إلى أيدلوجيات غير موحدة الهدف ...من هنا هل يمكن أن يبنى فكراً مغايراً بعيد عن هذه الحركة دون الولوج من باب القومية العربية (كــ حالة توحد العرب جميعاً في الأرض والعقيدة) ؟وهل استغنت باقي الحركات الموجودة الآن عن فكرة القومية العربية كهدف يوحد الوطن العربي كاملاً ؟

القومية العربية التي تحدثت عنها في المقال السابق هي الوجه الخاطئ للقومية، أو الفهم الخاطئ لماهية هذه القومية التي تم الزج بها في كل الشعارات العربية والتي أصبحت شعارات أحزاب لا حس عاطفي حقيقي وهوية تميز، فأنا أرى القومية العربية هي هوية تميز أكثر من كونها شعار لحزب أو شعار يختبئ خلفه حزب ما، والتي تحدثت عنها في المقال كانت حقبة تاريخية أكثر منها قومية واقعية، فحين قلت أن الخطاب القومي فشل في تحقيق أهدافه التي نادى بها منذ نشأته الحديثة التي بدأت تقريبا منذ الخمسينات والطموحات العربية التي بنتها الشعوب العربية على ظهور القومية, وذلك بسبب المنهجية التي اتبعها القوميين العرب في تحقيق الطموح المنشود وبقاء الأهداف التي نادى فيها في حيز الشعارات فقط والعوائق التي واجهها بعض الشرفاء أو إن أمكن تسميتهم بالمنخدعين ممن تبنوا القومية في رحلة القومية الحديثة في الشعوب مرورا بالصراع العربي الإسرائيلي والهجمات الرأسمالية على العالم لتحقيق هذه التطلعات.
قصدت مرحلة الأحزاب القومية، لا المد القومي الشعبي وهنالك فرق شاسع بين الاثنين.
القومية مرة أخرى هي هوية تميز وتمايز، أما تحولها لضرب من ضورب التقوقع والانحسار عن العالم تتحول تماماً لنازية جديدة أو فاشية، وهذا للأسف ما فعلته العديد من الأحزاب التي اتخذت من القومية ستار اختفت خلفه لقمع الأقليات في بلادنا العربية كما حصل مع قضية الأكراد وغيرها من القضايا التي استغلتها أحزاب كحزب البعث في العراق أو سوريا، وتم قمع شعوب تحت مسمى القومية والحفاظ على الهوية القومية، بل وتعدى الأمر ذلك على الدخول في حروب وحشية كالحرب العراقية الإيرانية أيضا بمسمى القومية.
القومية العربية كفكرة ظهرت ما قبل الإسلام باعتباره مرحلة فاصلة وجذرية لا بد من الوقوف عندها في تاريخ العرب, وكان يعبر عنها بأنها عصبيات قبلية لكنها كانت على نطاق صغير أي نطاق القبيلة الواحدة إلا أن المجتمع القبلي كان اقدر على تحطيم هذه القوى القومية التي يمكن أن توحد العرب كوحدة واحدة بسبب تضارب المصالح وطبيعة القبائل العربية التي كانت تعيش حياتها على أساس الصراع القبلي فيما بينها إلا أنها في البعض الأحيان استطاعت أن تحقق بعض التحالفات كانت على أساس المصالح لا على أساس القومية والعرق.
بعد ظهور الإسلام حاول البعض الترويج لفكرة الربط بين القومية والإسلام وظهرت فكرة ملخصها كان انه لا بد من قيام دولة قومية عربية دينها المحرك والأساس هو الإسلام, إلا أن هذه الفكرة قوبلت بالفشل لسببين:
1) وجود قبائل عربية ومجتمعات في داخل الدولة الإسلامية لا تدين في الإسلام
2) قيام الدولة الإسلامية بضم شعوب غير عربية مثل البربر والقوقازيين وغيرهم
إلا أن الإسلام بظهوره كفكر وفكرة استطاعت أن توحد العرب جميعا وقد حدث بالفعل ولكن كيف كانت أشكال هذا التوحد العربي ؟
كان توحيدا قهريا فتكونت الإمبراطورية الإسلامية الكبرى بقوة السيف ، ونتج ذلك عن سوء فهم للإسلام من ناحية ومن ناحية أخرى بسبب الصراعات السياسية في داخل الدولة الإسلامية نفسها من صراعات الدولة العباسية والأموية والأيوبية والفاطمية وغيرها، فحين بدأت حملات الفتوحات الإسلامية وبدأت بفتوح عسكرية في القبائل العربية واحدة تلو الأخرى بدأ الإسلام ينتشر وبدأت رقعة الدولة تأخذ بالاتساع, وفي النهاية بدأ الوهن يدب في أنحاء الدولة الإسلامية وتعرضت لكثير من الغزوات الثقافية والفكرية من الخارج فسقط الدولة الإسلامية الواحدة وصارت دويلات كان أخر سقوط عربي فيها سيطرة الأتراك على الدولة وتحولها من الدولة الإسلامية إلى الدولة التركية ومن بعدها سقوط هذه الدولة في بدايات القرن المنصرم وانسلاخ تركيا عن جسم الدول العربية وقيام الدول الإمبريالية الرأسمالية باقتسام الوطن العربي في (سايس بيكو) وزالت أخر روابط تلك الدولة.
لم يكن هذا هو الفكر القومي, لكن اتساع الدولة الإسلامية لتشمل القوقاز ودول المغرب العربي وغيرها ادخل إلى داخل الدولة الإسلامية مسلمين ليسوا عرباً حاولوا الوصول للسلطة أدى لظهور تيارات أبرزها تيار ابن خلدون وغيره من الأدباء والكتاب والمفكرين لكن أبرزهم كمثال ابن خلدون في مقدمته وكتبه التي حاول أن يدافع عن القومية العربية لخدمة السلطان آو النظام القائم في زمنه بطرق مباشرة و غير مباشرة لتدعيم فكرة الإمامة العربية والخلافة العربية, فبدأ بتدعيم قوميتهم العربية من داخل الإسلام مثلا الاستدلال بأحاديث عن شروط قرشية الحاكم الإسلامي وغيرها ومن هنا بدأت فكرة الربط بين القومية العربية والإسلام.
بالتالي نجد أن القومية ليست فكراً قادراً على خلق دولة، فهو مجرد هوية تمايز وعاطفة للشعوب بالمصير المشترك لشعوب المنطقة والتي هي بالأصل شعب واحد.


7: أدبياً ما لذي ينقص الأدباء ليؤسسوا لمنهج متسامح كالذي يحلم به الكثير من الأدباء ؟

الثورة الأخلاقية، إن ملكنا كمثقفين ومقاومين وأفراد الحلم الأخلاقي ملكنا العالم.

8: قاوم الثائر ( ناجي العلي ) الأنظمة العربية بريشته كما قاومها أحمد مطر بقصائده في فترة معينة من الزمن ....هل تعتقد أن الواقع اليوم لازال يسمح بمثل هذه الرؤى التحررية أم أن الوضع قد تغير ولابد من إيجاد وسائل جديدة للمقاومة ؟

أدوات المقاومة متجددة، والكلمة هي إحدى هذه الأدوات منذ عصر بداية الإسلامي وجميعنا يعرف دعوة الرسول لحسان بن ثابت الذي سمي بشاعر الرسول بأن يرد على مزاعم قريش وهجائهم للنبي محمد عليه السلام، وقبل ذلك فقد كان الشعر أحد أدوات القبائل والشعراء في المعارك قبل حتى عصر صدر الإسلام فشعر الحماسة يمثل أحد هذه الأدوات ويجسدها وأحمد مطر ومظفر النواب هم أيضاً امتداد للشعراء السياسيين المعارضين والذين هم في الأصل امتداد لشعراء الصعاليك ومن ثم شعراء المعارضة السياسية في الدولة الإسلامية وغيرهم فالشعر والأدب احد أدوات التعبير عن الرأي السياسي والاجتماعي، أما حول هل يسمح الواقع بأن تستمر هذه الأدوات بالتأكيد الواقع الحالي في ظل هجمة أمريكية شرسة وفي ظل أنظمة تجلس على الصدور نحن بأمس الحاجة لمثل هذه الثورة الأدبية، أما عن حاجتنا لوسائل جديدة فنحن بالتأكيد بحاجة للتجديد، فمثلا تطوير أدوات هذه الأساليب هو المطلوب وليس المطلوب تنحيتها تماماً عن الساحة أو ساحة المعركة، فنحن في زمن الاشتباك كما قال غسان كنفاني وزمن الاشتباك يتطلب منا أن نبقى في حالة تجديد لأدوات المعركة وفي بعض الأحيان التغير في إستراتيجية المعركة.

9- كيف أثّرت الأفكار اليسارية في مضامينك الأدبية !.

لا اعرف تحديدا ما الذي أثرته في مضاميني الأدبية المتواضعة، لكن بالتأكيد الأفكار اليسارية كان لها دور في صقل وتحديث وتغيير ذات شخصيتي، فتكثيف المطالعة والبحث كان مرده لذات الفكر اليساري الذي يستدعي عمق أكثر في القراءة وكثرة المطالعة والمتابعة الدائمة لكل جديد، بالتالي هي زادت من مطالعاتي وقراءاتي ولا تنسى بأننا مجتمع ربما يكون متطرف من ناحية لأفكاره ولا يقبل الأفكار التي يسميها غريبة رغم انه يعيشها ويمارسها في حياته، فالفكر الليبرالي بحد ذاته وبشقيه اليساري والرأسمالي شكل المنظومة العلمانية، والمجتمع العربي مجتمع علماني بطبيعته يفصل الدين عن الحياة ويمارس طقوسه الدينية بشكل مستقل عن تفاصيل حياته العادية، وبالتالي هو يرفض العلمانية كمسمى، ومجرد أن يتبنى الإنسان فكرة علمانية يبحث كثيراً في الموضوع حتى يستطيع أن يفهم لماذا يرفضها واقعه أولا، وثانياً حتى يتعمق بالدفاع عنها ويفهم ماهيتها أكثر فهذا يتطلب قراءات كثيرة جداً، لذلك أقول أنها أثرت في مستواي الثقافي أولاً وثانيا على مستواي الفكري، أما عن المضامين فلا أتصور أني تحولت لمثقف حزبي لأني أرى أن المثقف أكبر من أي حزب كان، وهو الذي يوجه بوصلة نفسه ولا توجهه بوصلة حزب أو فكرة صغيرة.

10- وهل سخرت أدبك لدعم القضية الفلسطينية؟!.

من سخر نفسه لخدمة قضيته بالتأكيد سيكون سخر كل ما يملك من أدب وفكر ومادة لهذا الوطن، ولهذه القضية السامية والعادلة بكل مضامينها، ولو لم أكن فلسطينياً لانتميت للقضية الفلسطينية أو الكردية لأني أراهما من أكثر القضايا الإنسانية عدالة على وجه الأرض.

11- ماذا تعني لك الحداثة..

سيف بحدين فمن ناحية هي تطوير لوسائل الأدب والمجتمع وبالتالي سنكون فقدنا أشياء مهمة ففي مجال الشعر مثلا نجد قصيدة النثر بدأت تشغل حيزاً كبيراً لدى الشعراء بالتالي فقدان تدريجي لقصيدة الشعر الحر الموزونة كما بدأنا نشهد تلاشي القصيدة العمودية على حساب قصيدة الشعر الحر، ومن ناحية أخرى نجد هنالك تقدم في مجال الحرية
أما الشق الأخر من حد السيف ، أن الحداثة تطوير في وسائل وأدوات الفكر الرأسمالي و دخول الحداثة لكل مجالات حياتنا يعني أن الرأسمالية توغلت في أعماق أعماقنا، في طعامنا، شرابنا، ثقافتنا، فكرنا، وحتى قيم الدين ....ألخ

12- هل تؤمن بالغموض المبهم في السياق الشعري.. وكيف تفهم رسالة هذا النوع من الشعر..

الإبهام في الشعر ليس بظاهرة جديدة، لكن يمكن أن نقول أنه أبرز سمات الشعر الحديث، وهذا الأسلوب رائع وجميل لكن في العادة يساء فهمه واستعماله، فشعراء الإبهام معدودين ولهم مدارس محددة، لكن للأسف غدا الإبهام والظاهرة المسماة الطلسمية في الشعر تختبئ خلف ستار الإبهام في الشعر، وبدا شعراء الطلاسم بوسم جدراننا بطلاسمهم متحججين بالحداثة وعنصر الإبهام في شعر الحداثة.

13- ما الذي يتولد لديك عند ذكر هذه الأسماء:

1- سميح القاسم. : طلب انتماء للحزب الشيوعي
2- محمود درويش : سقوط القصائد عن الأحصنة، فنجان قهوة في الصباح لا يعكر صفوه حتى كلمة صباح الخير، حصار بيروت.
3- فدوى طوقان : رسالة حب على الطريقة الفلسطينية حملتها شاعرة فلسطينية اسمها فدوى
5- د. وليد سيف : الهم الفلسطيني ثقيل يحتاج لأكثر من رسالة
6- أحمد ياسين : الرسالة السياسية تصل دوماً متأخرة
7- أحمد جبريل : الببغاء متعدد الألوان جميل ، يعيد ما يسمعه لكنه لا يقول من داخله شيء جميل.
8- ياسر عرفات : فاقد الشيء لا يعطيه
9- تشي جيفارا : احتراما للتجربة أكثر من كونه احترام للشخوص، مدرسة ثورية عملت من أجل الإنسان فخلدها الإنسان، صورتنا حين نقف لحظة نقاء مع أنفسنا.
10- فيدل كاسترو. : سأظل مؤمناً بالثورة، حتى لو قيل لي : أنت الوحيد الذي يؤمن بها
11- محمود عباس (أبو مازن). : لا يصلح العطار ما أفسده الدهر.
12- عبد الباري عطوان.: إنسان يخاف أحياناً، وأحيانا يقف مع نفسه.


13- هل تحس بأن هذا العصر فعلاً عصر الشعر.. أم أنه قد تجافى عن القريض وقوافيه..

الشعر لغة الإنسان العربي، والمؤرخ الحقيقي لتاريخه المزور، ومن حق الأجيال القامة أن تقرأ تاريخها في الأدب أكثر مما يتم الزج به من الحقائق المزورة التي توضع في كتب التاريخ، وخصوصاً بعد أن صار بإمكان الولايات المتحدة اليوم أن تحدد لنا ما نستطيع قوله في مناهج المدارس لدينا وما لا نستطيع، لذلك ورغم تطور أدوات الشعر ودخول مضامين جديدة عليه غلا أنه يبقى شعراً ولا يموت. يتجدد ربما.

14- من هم أفضل الشعراء العرب برأيك؟

من يكتب شعراً. لسنا بحاجة لأن نقف نبحث عن السيئ والرديء فالشعر ليس بندورة نشتريها من سوق الخضار، ونعرف أن صاحب المحل الفلاني أفضل من غيره، الشعر الجيد هو الهوية وليس الشاعر هذا بنظري، وشعرائنا متواترين بين الجيد والمتوسط والرديء في ذات الشاعر لذلك فالحكم مثلا على البعض قد يظلم الأخر وربما قد يزيد من حجم الشاعر، فحتى الشاعر نفسه هويته شعره لا ذاته.
15- من هو أكثر شخص خدم القضية الفلسطينية برأيك؟

الشهداء.

16- هل أحببت امرأة ما في يوم ما؟، إذا كنت قد أحببت.. فهلا كتبت لنا شيئاً مما قلت في محبوبك؟

لا أتصور إنسانا يملك مشاعر، ومشاعره بالنسبة له زائدة عن الحاجة إلا الذي لم يشعر بالحب يوماً.
"مما قلت" تعني الماضي ، والحب لدي شيء متجدد، يكفي أن أقول لها الآن :
أحبك حتى التعب.
أحبك تماماً ...
كصوت إمام صوفي
في أناشيد العبادة ...

17- لو افترضنا تم تحرير فلسطين كيف في وجهة نظرك سيؤول ألأمور بين من ناضل جهادياً وناضل سلمياً ؟وهل توجد هناك أجندة للاتفاق حول هذا فيما بينهم ؟

ربما هذا السؤال وجهته لمن حضر اتفاق القاهرة سيكون هنالك إجابة، فرجال السياسة من يضعون هذه الأجندات أما أنا فلست رجل سياسة، لكني من وجهة نظري الخاصة أقول : دوماً يجني ثمار الثورة من جلس في الظل بعيدا عن رائحة الجو المشحون بالغبار والنار، يخشى على نعومة يديه من زيت السلاح وحجارة الشوارع، أما الشهداء والثوار فإما متقاعدين عن الخدمة، أو عند ربهم يرزقون.

18- ما هي ألخيارات الفلسطينية لتصدي التعنت ألإسرائيلي في وجهة نظرك ؟

( البندقية هي القابلة القانونية لولادة التاريخ) أو كما قال مظفر النواب :
بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة
حطموها على حمق أصحابها

19- هل بدأ الفكر اليساري ينحسر ، في العالم العربي ؟

يعاني اليسار العربي بشكل عام والتيار الماركسي تحديداً من عدد من الأزمات الفكرية منذ نشأته الأولى في المجتمعات العربية والتي لم تكن البيئة الخصبة لنشأته، أو البيئة كاملة الظروف التاريخية والاجتماعية لنشأته كالتي رافقت ظروف نشأته الأولى في أوروبا فصعد وفرض نفسه بسرعة فائقة، وبدأت هذه الأزمات تطور في داخل التيار اليساري بعد انهيار الإتحاد السوفيتي الذي عكس انهياره أزمة لليسار العالمي ككل، وأخذت هذه الأزمات تأخذ أشكالاً متنوعة انعكست سلباً على الماركسيين العرب في فهم ماهية الماركسية من ناحية، ومن ناحية أخرى على طريقة تطبيقها وكيفية دخولها وإدخالها للمجتمعات و على كيفية جعلها فاعلة في عملية التغيير الاجتماعي الذي يترافق كما قال ماركس مع عملية التغير الاقتصادي.
لذلك فاليسار العربي في المرحلة الحالية أراه في مرحلة انحسار شديدة جدا وبحاجة لإعادة نظر في كل أدواته الممكنة.

20- ماذا تأخذ من الفكر اليساري ؟ وماذا ترد ؟

كل أدوات الفكر، والأكثر إنسانية تخصني، ففكرة العدالة والمساواة والاشتراكية أفكار إنسانية بحتة بعيدا عن الاعتقاد الروحي أو المادي، أما ماذا أريد : لا أريد أكثر مما أستطيع إعطاؤه للآخرين.
أما ما أرد، فلا أرد شيء لسبب أن من يرد يعني أنه أخذ مسبقاً وأنا لا أخذ ما لا يعجبني ولا يوافق أفكاري حتى أرده.

21- هل تؤمن بعملية "سلام" مع الصهاينة ، وهل ممكن أن يحدث ذلك ؟؟

هنالك فقرة في الكتاب المقدس أحبها جداً في وصف اليهود والصهاينة جزء منهم ربما توجز ما أود قوله سأستعين بها لتجيب عن السؤال نيابة عني :

خيوطهم لا تصير ثوبا ولا يكتسون بأعمالهم...
أعمالهم أعمال أثم وفعل الظلم في أيديهم
أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم الزكي
أفكارهم أفكار إثم, وفي طرقهم اغتصاب وسحق
طريق السلام لم يعرفوه, وليس في مسالكهم عدل
جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة, كل من يسير فيها لا يعرف سلاما


أشعياء / الإصحاح 59

22- برأيك هل ممكن أن تتعايش "دولة فلسطينية" وأخرى يهودية ؟

فكرة التعايش في ظل دولتين سخافة، لا يمكن التعايش مع محتل، اليهود أصلاً موجودين في فلسطين منذ أكثر من 3 ألف عام سبقت، ويسمون السمراء أو الطائفة السامرية تعيش في مدينة نابلس بمبدأ التعايش لأنهم أحسنوا معايشة الناس ويعتبرون أنفسهم فلسطينيين قبل أن يكونوا يهوداً، لذلك من يرفض أصلاً فكرة التعايش ويجعلها مستحيلة هو الاحتلال وأن يأتِ الصهاينة بأشلائهم من كل أنحاء العالم وفرضهم علينا بالقوة وبالسلاح، الأرض ليست ملك لأحد كي يحدد من يعيش هنا أو هناك، لكن الاحتلال والقمع والتذليل لا يمكن أن يكون معه تعايش مطلقاً.

23- أخي مهند في أي عصر كانت روعة الشعر العربي على مر العصور ؟؟

بتصوري كانت في عصر الدولة العباسية، ولكن إن أردت من وجهة نظري حسب نوعية الشعر فأنا أفضل الشعر الصوفي في كل المراحل التاريخية.

24- ما رأيك فيما يسمى بالشعر النبطي أو الشعبي ؟؟؟

الشعر هو الشعور في الأصل، والتعبير عن الشعور يجب أن تكون حرة، فأنا أرى أن بحور الشعر لم تكن قيداً على الأوائل فقد قالوا الشعر على سليقتهم دون التقيد بالوزن، لكن الوزن جاء تلقائيا مع تعابيرهم النفسية بدليل أن البحور والأوزان كانت بمثابة اكتشاف للخليل بن احمد الفراهيدي بعد مضي مئات السنين على وفاء الشعراء الأوائل، لكنها في الوقت الحالي بمثابة قالب يسكب فيه الشعر، والشعر النبطي هو شعر باللغة المحكية، هو أيضاً شعور وتعبير عن الشعور ولكل إنسان الحق في أن يمتلك الطريقة التي يعتبر فيها عن مشاعره، وأتصور أن الرافضين لهذا النوع من الشعر أن يعودوا للمسماريات التاريخية ليحاسبوا الرجل الحجري الأول عن طريقته في التعبير عن مشاعره بحفرها على شكل رسوم على الجدران.

25- أخبرني عن دور الكتابة في زمن الدم الفلسطيني ؟

القلم الفلسطيني يكتب بالحبر الأحمر،
ببساطة يا مروان حين اغتالت دولة الكيان الصهيوني الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، كان أول شهيد فلسطيني تعلن هذه الدولة المسخ عن اغتياله علناً، واعتبر يومها وزير الدفاع الصهيوني أن اغتيال غسان أن اغتيال غسان أعتبر من أفضل انجازات دولة إسرائيل بعد إعلان الدولة، كان غسان مجرد أديب، لكنه كان أديب يكتب بالدم الفلسطيني المقاوم ومن الرواد الأوائل في إنتاج أدب المقاومة، فاكتشفت هذه الدويلة اللقيطة حجم الخطر الذي يشكله الأدب الفلسطيني الحقيقي فاعتبرت اغتياله انجاز عظيم يقارن بقيام دولة الكيان الغاصب، هذا ببساطة مثال صغير يوضح هذا الدور.

26- استأذنا الفاضل : مَن مِن اليمن تعرفت على أدبه وأعجبك، وماذا أعجبك فيه إن وجد اقصد أن كنت تعرفت على شخصية أدبيه يمنية بحد ذاتها ؟

ربما يكون جواباً غريبا نوعا ما إن قلت أني أحب شعر مـروان الغفوري، واعتبره من أدباء اليمن والعرب الكبار، وحين أقول أحب أديباً فهذا يعني أني أرى أنه يشبهني، لا اعني صورة لكن بالحس والكلمات، مروان يشبهني كثيراً ويشبه الكثيرون من شعوبنا، ومروان الفقير الذي يتسكع دوماً في حواري الفقراء ويعدهم بدولة للفقراء، لا يحمل على ظهره كيس بابا نويل، وبنفس الوقت لا يحمل خطاب من الوعود على شاكلة خطاب الانتخابات لكنه يندب بين الفقراء ويبشر بالثورة حتى في أكثر المقابر للفقراء ظلمة، ويبشر في البشارة الكبرى، قد لا أكون قد بالغت إن قلت أن مروان من أكثر الأدباء اليمنيين تحديداً أثار إعجابي.
بالتأكيد لعبدا لله البردوني أيضاً مكانة كبيرة في قلبي أحب أن أراه حيث اذهب ودوماً أجدني اكتب مقاطع من شعره أينما حل بي القلم.

27- قسم المهتمون بالأدب الشعراء المعاصرين إلى ثلاث مدارس وسؤالي ..هل هناك من الشعراء من يجمع بين المدارس كلها؟؟

أستاذي العزيز يبدو أن سؤالك غير مكتمل، لذلك أجده غير واضح لأنك في الأصل لم تذكر ما هي المدارس التي قسموها، فالتقسيم وجهات نظر للنقاد ليس إلا، فيمكننا أن نقسم الشعراء مثلا فنقول هنالك شعراء تقليدين وشعراء حداثيين، ويمكن أن نقول الشعراء ثلاثة أقسام، شعراء الشعر العمودي والشعر الحر وقصيدة النثر، فأي تقسيم تقصد بالضبط؟

28-لو اهدي إليك كتابين؛؛ الأول للأستاذ القدير المرحوم عبدا لله البردوني والثاني للأستاذ عبد العزيز المقالح؛ أيهما تقرأ ولماذا؟؟؟((بفرض انه أتيح لك قرائه كتاب واحد فقط))

أختار عبدالله البردوني دون تردد، لأنه البردوني يكتب وجعنا، وما نحب أن نقوله ولا نستطيع، أو ربما يخوننا التعبير عما في نفسنا في ظل حالتنا العربية المزرية
ويكفيني أن أقرأ له هذه المقاطع من إحدى قصائده لأجد أنه يشبهني تماماً في كل إجابة له على سؤال طرحه على نفسه:

كما شئت فتش... أين أخفي حقائبي..
أتسألني من أنت؟.. أعرف واجبي !
أجب، لا تحاول، عمرك، الاسم كاملاً... ؟
-ثلاثون تقريباً.. (مثنى الشواجبي)
نعم،أين كنت الأمس؟
كنت بمرقدي وجمجمتي في السجن ..في السوق شاربي !!
رحلت إذن، فيما الرحيلُ؟
-أظنه... جديداً، أنا فيه طريقي وصاحبي

جوازاً سياحياً حملت؟
.. جنازة... حملت بجلدي، فوق أيدي رواسبي !
من الضفة الأولى، رحلت مهدماً... إلى الضفة الأخرى، حملت خرائبي
هراءٌ غريبٌ لا أعيه... ولا أنا...
متى سوف تدري؟
حين أنسى غرائبي
- قرأت -كما يحكون عنك- قصائداً مهربةً... بل كنت أول هاربي
أما كنت يوماً طالباً؟
-كنت يا أخي... وقد كان أستاذ التلاميذ، طالبي
قرأت كتاباً مرّة، صرت بعده... حمارا، حماراً لا أرى حجم راكبي
أحببت؟
لا بل مت حباً...

29- " قد يبدو اسم مدرسة المشاغبين اسماً مألوفاً يعرفه غالبية القراء باعتباره إنتاجاً كوميدياً رائعاً أهدانا المسرح المصري وبقي لسنوات يتردد في أذهاننا باعتباره جمع نخبة من فناني مصر المبدعين، لكن قد يتساءل القارئ ما الذي دعاني اليوم لأن استذكر هذا العمل الكوميدي!!!
ببساطة قيل قديماً إن التاريخ يعيد نفسه ، لكن المؤسف جداً أن نجد أحداث الكوميديا المسرحية تصبح واقعاًً يعيد نفسه علينا".
هذا اقتباس من أحدى مقالاتك أستاذ .. فأخبرنا هنا كيف يعيد التاريخ نفسه

ربما عزيزي تعني تماماً ما عنيته إن قرأت المقال حيث أجبت ببساطة عن ما قلته حين قلت :
حين قام الفنان الكوميدي المصري عادل إمام بتنصيب علام الملواني زعيماً للهنود الحمر ورقص معه رقصة الهنود الحمر، دون أن يكون عادل إمام أحد أفراد الهنود الحمر ولا تربطه رابطة عقد اجتماعي معهم لينصب لهم خليفة أو زعيم ، رسم صورة الوضع الحالي للواقع العربي من حيث تعاطي السياسة الأمريكية معنا كعرب ، حيث جاءت أمريكا للمنطقة ونصبت أسامة بن لادن زعيماً للعرب المسلمين وبدأت ترقص معه رقصة الإرهاب.

رقصة الإرهاب التي تلت تنصيب أسامة بن لادن زعيماً للعرب والمسلمين لم يكلف فقط الشعوب العربية تبعات هذا التنصيب وإرهاصاته ، بل تعدته أيضاً ليطال أذاه الجاليات العربية في دول أمريكا وأوروبا ، فغدا عرفاً دولياً أن خلف أي انفجار أو عمل قد ينتج عن عصابات مافيا متناحرة تقف وراءه القاعدة الإسلامية الإرهابية التي تمثل العرب والمسلمين بتنصيب أمريكي بامتياز.

بمعنى أخي العزيز أني أرى في وجود أسامة بن لادن والإرهاب الذي نتج بسببه في العالم العربي هو كارثة زمانية ومكانية أوجدتها أمريكا لنا كي تعيد تغيير خارطة المنطقة السياسية على الطريقة الأمريكية بمبرر وجود هذا اللعبة الكرتونية وهذا أيضا ما أكده الصحفي والمحلل السياسي الفرنسي تيري ميسان الذي أتفق معه بوجهة النظر تماماً حين قال :
أسامة بن لادن يقول في الأشرطة التي توزعها وزارة الدفاع الأميركية ما ترجو الوزارة أن يقوله بالضبط، لقد ذهب بن لادن بكلامه إلى حد القول إنه أرسل طائرة بوينج 757 لضرب البنتاجون، في حين أننا نعرف أن ذلك خطأ، ولم يحدث مطلقاً بتلك الطريقة، بل هو مجرد دعاية أميركية صرف، أنا أرى أن بن لادن هو بوق لهذه الدعاية، أنه أخطر عدو للعالم العربي والإسلامي لأنه يساهم في تشويه وتوجيه أصابع الاتهام إليه على أنه مجرم وجاني، وأنا أتساءل عما يزعم من إرادة الولايات المتحدة في القبض على أسامة بن لادن، وقد علمنا من صحيفة "الفيجارو" الفرنسية أن أسامة بن لادن كان في المستشفى الأميركي في دبي للعلاج في شهر يوليو تموز الماضي، حيث قابل رئيس الـ C.I.A هناك، وفي تلك الفترة كان يوجد أمر دولي للقبض عليه، ومكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يوقفه، ونعرف عن طريق الـ CBS أنه في العاشر من سبتمبر دخل بن لادن مستشفى (راول آباندي) من أجل غسيل كلى تحت حماية الجيش الباكستاني الذي لم يفعل شيئاً للقبض عليه، ثم إن زميلنا (ميشيل برار) من محلة "بري ماتش" والذي وقع أسير حركة طالبان خلال حرب أفغانستان شهد أنه رأى أسامة بن لادن وجماعته يعيشون حياة عادية في جلال آباد من دون أن يُقبض عليهم، في حين أن المدينة كلها كانت تزوره، وفي النهاية غادر بن لادن جلال آباد على رأس قافلة من مائة وخمسين سيارة، والمدينة كلها تراه، والأقمار الاصطناعية الأميركية تستطيع مراقبته، في ذلك الوقت اتسعت المكافأة على قبضه من خمسة إلى خمسةٍ وعشرين مليون دولار، وفي أثناء ذلك كان باقي أفغانستان تتعرض للقصف، لم يأتِ أحد للقبض عليه، إذاً أسامة بن لادن ليس عدو الولايات المتحدة، إنه حليفها.
( هذا النص مقتبس من لقاء تيري ميسان مع فيصل القاسم على فضائية الجزيرة في العام 2002)

30- دافعوا عن عقولكم .... كما لو كنتم تدافعون عن حصون مدينتكم
ماذا تعني لك هذه العبارة

في ظل التلوث الفكري والفني يجب أن نقف للحظة مع العقل قبل أن نفقده في ظل إمبراطوريات نانسي عجرم وهيفاء وهبي وبابا اوبح
بحاجة للعقل كأساس الإنسان لا استثناء نحتاجه لحل مسالة رياضيات.

31 – هل ترى أن الأدب العربي الحديث خدم القضية الفلسطينية ؟

الأدب الفلسطيني هو جزء من الأدب العربي، وقد تحدثت للزملاء سابقاً عن دور أدب المقاومة وقوته ومدى تأثيره بالقضية وخط سيرها، والأدب العربي أيضاً ساهم بدور كبير في خدمة القضية الفلسطينية وساهم في حشد التعاطف الشعبي العربي والغربي حول القضية الفلسطينية، لكني في الأدب الحديث جداً وخصوصاً بعد مؤتمر أوسلو الأول انحرافاً كبيراً في توجه المثقفين العرب، فنجد عبارة لن أكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين تتردد دائماً حين نجد المثقف المطبع الذي كثر تواجده بين المثقفين العرب، وحين نسأله عن هذا الدور الانهزامي الذي يلعبه يقول : الفلسطينيون باعوا قضيتهم في مؤتمر أوسلو فلماذا تحاسبني أنا، وحين نقول له أن ما قام به البعض لا يعني الكل يقول هذه وجهة نظر العالم .

32– هل ترى أن الأدب العربي متشابه أم أن لكل قطر عربي مميزاته:

لن أقول لكل قطر مميزاته لكن ربما خصوصيته، فالأدب تعبير عن الواقع، والواقع العربي ليس بواحد، والمنطقة العربية منذ اندثار معالم الدولة التركية أو العثمانية وهو يعاني من أنواع متعددة من الاستعمار، يتراوح بين ايطالي وفرنسي وبريطاني وصهيوني وتأثر المثقفين العرب بظروف الاستعمار يعكس خصوصية على طبيعة الأدب ما بين وجود استعمار أو جلائه، وما بين وجود ثورة أو عدمها، بالإضافة إلى تراوح طبقات المجتمع العربي فالمجتمع العربي يختلف من إقليم لأخر، فبعض الأقاليم تجدها مثل السعودية مثلاً ومناطق الجزيرة متشددة من المنحى التراثي وبالتالي ينعكس ذلك على طبيعة ما يسمونه أدب المرأة وما اسميه أنا مشاركة المرأة بالأدب.

33 – حدث في وطننا العربي في العصر الحديث معارك أدبية وخلافات سياسية ، وصراعات حزبية ، وسؤالي هو : هل نستطيع أن نخرج من هذا التباين بالٌاقتناع بأن العالم العربي يتمتع بخصوبة الفكر ؟

العالم العربي بتصوري يأتي في مقدمة الدول بالخصوبة الفكرية والتراث الذي له دور كبير في إنتاج الفكر الإنساني، فمن ناحية تجد أن الوطن العربي وتحديدا منطقة بلاد الشام هي موطن الأديان السماوية ولعلنا لا نستغرب سؤال الزعيم الهندي الأحمر سياتل في خطبته الرائعة أمام الرجال البيض حين قال :
إذا ما كان لنا إله سماوي واحد فإنه لا بد إله منحاز، لأنه جاء لنجدة أبنائه البيض. إننا أبداً لم نره. وهو قد أنفذ قوانينه دون أن يرسل ولو كلمة لأبنائه الحمر الذين ملأت أخلاطهم يوماً هذه السهول الفسيحة مثلما تملأ النجوم قبة السماء.. كلا.. إننا جنسان متمايزان، أصولنا مختلفة وأقدارنا متفارقة، وثمة القليل مما نشترك فيه…

قد نجد شيء من المنطقية في حديث سياتل الفلسفي الذي بالتأكيد يعي ما يقول إذا ما حددنا المساحة الجغرافية لنزول الرسالات السماوية وحتى الأنبياء.
ومن ناحية أخرى فالمنطقة العربية منطقة حضارة عريقة جداً من حيث الحضارات التي قامت بها منذ ألاف السنين، فمن حضارة الفينيقيين على البالستيين مرورا بحضارة بابل وما بين النهرين بشكل عام وصولا إلى حضارة الفراعنة التي تعد شواهدها اليوم من عجائب الدنيا، كلها تعكس عمق حضاري في هذه المنطقة وبالتالي عمق فكري تعددي في المنطقة والتي قد تكون أكثرها في العالم.

34 – هل تعتقد أن للشعر أمير وللأدب عميد أم أنه لكل شاعر ولكل أديب عالمه الخاص به ؟

لا أعترف نهائيا بولاية الشعر، ولا بعمامة سيد الشعر، الشعر ليس تقية لها شيخ، ولا وزارة لها رئيس، الشعر ليس عشيرة بحاجة لزعيم قبلي يقوده، الشعر امتدادنا الحضاري وتعبيرنا عن حقنا في أن نقول ما نريد على طريقتنا، الشعر عالم نعيشه فيه لكننا لا نملكه لنتوج عليه ملكاً، ومن أستحق هذا اللقب من قبل أخذه من منطق سلطوي أو إقليمي ليس إلا، لا يوجد في الشعر سيد وعبد، فأن أردنا أن نقيس مثلاً الفرق بين أمير الشعراء شوقي وبين المتنبي نعي خطأنا الفادح بحق الشعر في أن نلبس العباءة لشاعر.

35 -- أنا كيمني أتساءل بين وقت وآخر عن الأدب والشعر اليمني في عيون الأدباء العرب ، وسؤالي هو : أين موقع الأدب والشعر اليمني من اهتماماتكم الأدبية ؟

ربما تحدثت سابقاً عن خصوصية في الأدب الفلسطيني ومن ثم تحدثت عن خصوصية كل منطقة عربية في الشعر والأدب بشكل عام، لكن هذا لا يعني أني اقسّم الشعر حسب نطاقه الجغرافي، أنا أحب شعر المتنبي وأبي نواس والحلاج وغيرهم رغم اختلاف مناطقهم الجغرافية.
الشعر والأدب مثل العصافير ليس لها وطن، لها وقع في القلب فقط.
تحدثت عن إعجابي بعبد الله البردوني و مروان الغفوري هذا لا علاقة له بكونهم يمنيين، إنما لأني أحب ما يكتبون، ولو كانوا من جزر القمر لقلت فيهم ما قلت.

36 - القضية العربية الأولى إذا صح التعبير تمر في مرحله لا يحسد عليها، ما هوا السبيل الأمثل للوصول إلى الغاية ?

القضية العربية الأولى ؟
بتصوري لا يوجد قضية أولى وثانية وثالثة، أو كما سمعت يوماً احدهم يقول صار عندنا قضية ثانية هي العراق
ضحكت وقلت له بل صار لدينا قضية أخرى، لا أولوية للقضية طالما هي قضية، يجب أن تكون ذات أولوية
القضية الفلسطيني ولنسمها المركزية في الوقت الحالي تعاني من تشتت من داخلها ومن واجبنا أن نقف على الأقل على الحياد بعيداً عن تلويثها كما فعل البعض من أعضاء منظمة التحرير، كما بدأت المشروع عرفات في البداية وأكمله البقية من بعده بخط طويل من المهزلة السياسية وترسيم الحدود مع إسرائيل، هنالك خط احمر يجب أن نظل موقنين فيه كما قال ناجي العلي من قبل، ليس من حق الفلسطيني أن يرسّم الحدود مع إسرائيل المزعومة ففلسطين ليست ملكه، تعود يا صديقي القضية الأولى حين نطالب من رسموا الحدود أن يعودوا لخط هدنتهم
خط الهروب ونعد نحن لنكمل، حين يصبح لدينا إيمان بأننا قادرين أن نعمل أكثر مما نحن قادرين أن نسأل فليس من حق العصافير الغناء على سرير النائمين، نحن دوما نسأل لكننا لا نفكر للحظة بأن نفعل.

37- تيار الليبراليين الجدد أوجد ضجة في الساحة العربية كونه جاء بأفكار تعري الواقع وتضع الجميع أمام واقع مجرد من كل الصور الشكلية التي تحجب الرؤية الواضحة ...هذا التيار لاقى مقاومة شديدة من القوميين العرب ومن كثير من التيارات اليسارية كالاشتراكيين وغيرهم... لماذا برأيك لم يجد هذا التيار جمهور يسانده في إيصال فكرته ؟ هل كونه دخيل على المجتمع العربي كما يصفه البعض ؟ أم لأنه عرى الواقع فكشف الكثير من مساوئ الشعوب العربية ؟ أم ماذا برأيك ؟

دعنا أولا نقف عن تفسير المفردة إياها التي سنتحدث عنها وهي " الليبرالية "
الليبرالية ماذا تعني حرفيا :
Liberalism : وتعني ، التحرر ، مبادئ حزب الأحرار.
Liberty : وتعني ، حرية ، تجاوز للحدود .
ومن هنا يتضح المعنى، ومن منا لا يود أن يكسر الحدود، ومن منا لا يريد أن يكون حراً غير مقيد.
العصفور الحبيس لا يغني، لكن بعد تأصيل الكلمة لنعود لتطبيقها على الواقع، ولنرى من وما هي الأحزاب الليبرالية اليوم تحديداً؟
من المعروف أن الليبرالية جاءت مع مفردة الديمقراطية التي طالما تغنى ومهد لها فلاسفة الإغريق، وقالوا أن الإنسان لا يستطيع أن ينفصل عن الحرية، والعبودية امتهان لكرامة الإنسان الذي هو أعظم المخلوقات، وهذا ما جاءت من بعد الإغريق الأديان لتؤكد على حق الإنسان بالحرية والتكريم.
إلا أن هذه المفردة استخدمت بغير موضعها، فكما هو معروف أن الاشتراكية والرأٍسمالية تشتركان بالفكر الليبرالي العلماني المتحرر،والذي نشأ في العصر الحديث بعد الثورة التحررية التي قادها البرجوازيون في أوروبا ضد الإقطاع والكنيسة ونجحوا في كسر الفخ الديني الإقطاعي وتحرير كافة أوروبا من سبيل نهضتها، واستطاعت أوروبا خلال اقل من قرن من الزمان أن تنهض من عصور ظلمتها وتحقق الثورة الصناعية بعد أن تخلصت من عبوديتها، إلا أن الفترة الحالية شهدت ظهور ما يسمى بالليبراليين الجدد وهي عدة أحزاب ظهرت وتحديداً بعد الحرب الأمريكية البريطانية على العراق وبدأ منظري هذه الأحزاب الليبرالية بالتنظير لأمريكا ومبادئها السمحة كما يرون، فظهر لدينا مثلا شاكر النابلسي وهو قومي سابق وغيره الكثيرون من منظري ما يسمى الفكر الليبرالي الجديد الداعي للحرية والديمقراطية على الطريقة الأمريكية، ولو لم نكن عرباً لرفضنا أيضا طريقة أمريكا بالتغيير لسبب جوهري وحقيقي، أن الحرية لا تأتي بالاستعمار، والرأٍسمالية كما نعرف مذهب اقتصادي تحول إلى فكرة استعمارية امبريالية بامتياز بدأت تروج فكرها وأفكارها وتطوير أدواتها من الحداثة إلى العولمة إلى القادم بعد ذلك لا حباً في خدمة البشرية وإنما في محاولة لجعل العالم أكثر سهولة ليتم السيطرة عليه من قبل الشركات الكبرى التي تسعى لجعل العالم كله سوق صغيرة وتوقع الدول في قيود صندوق النقد الدولي.
ثم سؤال وجيه يجب أن نطرحه على الحركة الحديثة للحركات الليبرالية العربية التي ظهرت بعد الحرب، لماذا تتلقى تمويلاً أمريكا بهذا الشكل السخي، والأهم من ذلك لماذا اليوم تحديداً أصبحوا ليبراليين؟
لماذا لم تكونوا من قبل وأين كنتم ؟ فالديكتاتورية العربية ليست وليدة اللحظة وهي منذ حكم العثمانيين تحكمنا.
ولنعود لما كنا فيه ، فإن كنت تقصد الحركات الليبرالية تلك فهي بالتأكيد حركات لها أهداف برغماتيه أكثر من كونها تحررية إنسانية، والتالي الوقوف والتنظير لهذه الحركات يوقعنا بمأزق تأييد الإمبريالية.
نحن بالتأكيد ضد كل الديكتاتوريات العربية بكل أشكالها وأنا كنت من الذين من نادوا بتغيير صدام في فترة ما قبل الحرب، بل وأني اعتقلت في الأردن بسبب إصدار بيان حول المطالبة بالتغيير العربي لنظام صدام حسين، واعتبر تدخلاً في شأن دولة شقيقة، إلا انه وللأسف حين تكالبت الدول الاستعمارية على العراق كان واجبنا جميعا أن نحمل البندقية ونقف في خندق العراق، وبعد سقوط نظام البعث البائد أيضاً وجدنا أنفسنا مازلنا جنوداً ندافع عن وحدة العراق الواحد من أعدائه الداخليين والخارجيين، فمن ناحية يقف الإرهاب المتشدد المتمثل بجماعة المزعوم أبو مصعب الزرقاوي، ومن ناحية أخرى نجد الأمريكان وكلاهما قاتل أطفال بامتياز.
إن الشعوب العربية لهي بحاجة لمرحلة ثورة اجتماعية على طريقة أوروبا في القرن السابع عشر لتحرير المجتمع أولا: من فكر الخرافة والخوف، وبعد ذلك سيكون المجتمع مؤهلاً لحمل الرسالة التحررية بشكل واعي، نحن بحاجة لعشرين شرطي لتنظيم دور لعدد من الأشخاص لا يتجاوز العشرة فكيف سنكون مؤهلين فكر تحرري حقيقي، هنا ستتحقق فينا مقولة أحد فلاسفة الإغريق الشهيرة " الديمقراطية هي الفوضى"، لأننا سنسيء فهم المصطلحات والأفكار. المجتمع والفرد بحاجة لإعادة صقل، لأننا أصلا ً غير مؤهلين لحمل فكرة جديدة ونحن ما زلنا نعيش برواسب الماضي، لا بد قبل كل شيء غسل الرواسب قبل أن نبدأ باستقبال الفكر الجديد.
أما لماذا يرفض القوميون والاشتراكيون الليبرالية فذلك لسببين:
الأول: أن القوميون يرفضون أي فكر بديل عن أفكارهم تماما كما الحركات الإسلامية والاشتراكية التقليدية كذلك التي رفضت ذات الفكرة لأنها بالتأكيد ستكون بديل عن أفكارهم التي هم متمسكون بها ويرفضون تبديلها، وبنفس الوقت يرفضون تحديثها أو قبول أي فكرة تجديد فيها، بالتالي صارت قوقعتهم الفكرية التي لا تريد أن ترى وجه العالم.
وثانيا : لان البعض من القوميين والاشتراكيين يرون ما ذكرته سابقاً بالفكر الليبرالي الرأسمالي فكر استعماري بامتياز لا يجوز التعاطي معه لكونه فقط مجرد شعار لتمرير أهداف استعمارية محضة.

38 - يصف الدكتور شاكر النابلسي وهو أحد مؤسسي تيار الليبراليين الجدد الاحتلال الأمريكي للعراق أنه خدمة تقدمها أمريكا للشعوب العربية كافة والشعب العراقي خاصة بقوله ( أن الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن سوى إحلال لمبدأ الديمقراطية العالمية ) هل تعتقد أن هذا الاحتلال كان ضروري لتطبيق هذه الديمقراطية التي يراها الآن الجميع في السجون العراقية وعملية تحطيم البنية التحتية للدولة ؟وإلا قلي كيف يمكن أن تطبق الديمقراطية في الوطن العربي بدون تدخل أجنبي أو سياقه أفكار غربية لتطبيقها ؟

الاحتلال هو احتلال، والاحتلال بطبيعة الحال نقيض للديمقراطية والحرية، أما أمثال شاكر النابلسي فهم كما قلت حركة انبثقت بأمر أمريكي للترويج لسياستها ورفع شعارات لهذه الحملة الأمريكية المسعورة على العالم ككل وليس الوطن العربي فقط، وهم لا يخدعون إلا أنفسهم.
فالديمقراطية والحرية والتعددية هي مطلبنا جميعاً وليس يخجلنا أو يضيرنا أن نتفق مع أمريكا في نظرة ما أو فكرة، لكن يبقى المقياس هو ما الهدف من الفكرة ؟
أمريكا لماذا تنادي بالديمقراطية وتجيش جيوش من المنظرين لها من أمثال النابلسي ليزين وجه الاحتلال القبيح وتفتح في كل بلد عربي إّذاعة "سوا" الأردنية أو السورية أو المصرية كي تروج لسياساتها.
أمريكا ببساطة ترفع أربعة شعارات، واحد فقط منها حقيقي، الديمقراطية ، الحرية ، التعددية ، حرية السوق أو السوق المفتوح، وثلاثة من هذه الشعارات كاذبة لأنها أصلاً لا تتوافق مع فكرة الامبريالية واستعباد الشعوب بطرق حديثة جدا عن طريق الشركات الكبرى، إلا أن سياسة السوق هي الشعار الوحيد الحقيقي الذي تسعى أمريكا وأذنابها من المنظرين لها لتحقيقه، بأن تجعل العالم عبارة عن سوق لمنتجاتها وشركاتها.

أما كيف السبيل للتحرر وتطبيق الديمقراطية في العالم العربي فكما قلت سابقاً، السبيل يكون جماعي لا فردي،
الثورة الاجتماعية على كل المعتقدات القديمة والحديثة التي دخلت المجتمع بشكل اعتباطي وبعد ذلك ثورة فلسفية فكرية على طريقة الثورة الفرنسية لتحرير المجتمع من قيوده أولاً، أنا لا أتصور الديمقراطية في ظل وجود قانون يقضي بإعدام الإنسان لمجرد كونه فكّر، وبنفس الوقت لا أتصور الديمقراطية في ظل وجود أفراد كجماعة أبو مصعب الزرقاوي يقتلون الناس من نفس ديانتهم لأنهم يختلفون معهم بالمذهب ويأتي من يسمونه استشهادياً ليفجر نفسه في مسجد ليمنع حرية الإنسان الأخر في الاعتقاد حتى.
القمع نمارسه نحن على أنفسنا، وان تخلصنا من هذه العقدة صار بمقدورنا أن نحقق على الأقل جزء من الحرية والديمقراطية الحقيقية بعيداً عن الدجل الأمريكي المبطن بشعارات المرحلة وتحقيق مشاريع أمريكا بالعالم.

39 - أذكر هنا قول خالد للقائد العربي صلاح الدين الأيوبي عندما بدأت معركة تحرير القدس من أيدي الصليبيين قال فيها ( أن الطريق إلى القدس تبدأ من القاهرة ) هل تعتقد أنه كان يعي بقوله هذا أن القاهرة هي معقل الثورات ؟أم أنه أراد فقط أن يؤمن الإخوة في القاهرة ويؤمن خط العودة إذا مامني الجيش بهزيمة ؟ وهل تعتقد أن هذه المقولة صالحة في وقتنا الحالي أم أن متغيرات العصر تفرض تقديم رؤية جديدة للتحرر ؟

كل العواصم العربية والعالمية طريق للقدس، لا يوجد طريق محدد يمشي على الثورة، لا أتصور أن الشعب الكوبي والذي كان عبارة عن مستعمرة صغيرة لأمريكا ومن قبلها إسبانيا استطاع أن يتحصل على حريته بلا ثمن.
الحرية تستجدى ولا تهدى، وسبيل تحقيق التحرر يحتاج لمزيد من التكاتف والدم، للقاهرة دور حقيقي في المنطقة العربية باعتبارها اكبر دولة عربية، لكن الأدوار تتبدل دوماً وأنور السادات قضى على الدور المصري في المنطقة العربية تماماً بعد أن فتح باب الاعتراف بإسرائيل للدول العربية جميعاً بالتالي تقلص دور مصر بالإضافة للحملة الأمريكية المسعورة على المنطقة والتي جعلت الدول العربية كل دولة على حدا ترفع شعارها أولاً، ففي السبعينات رفعت مصر شعار مصر أولا، واليوم الأردن أولاً ، وغداً لبنان أولاً، وبعد غد الله أعلم من يكون أولاً، وفي المحصلة كلنا أخيراً سنأكل يوم أكل الثور الأبيض، بالتالي لا يوجد لدولة عربية اليوم دور أكثر من نطاقها الإقليمي، وأيضاً على الجامعة العربية التي لم تكن بيوم من الأيام جامعة حقيقية ولم يكن لها أي دور يذكر عبر سنوات تأسيسها دور في التقزم الإقليمي للدول العربية كلها وليس مصر وحدها.

انتهى


أجرى الحوار أعضاء المجلس اليمني بتاريخ : 10/11/2005



#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يثقُ العالمُ فينا ؟
- أربعُ برقياتٍ ثائرةَ لنساءِ مدينتي ... لإعلانِ الثورة
- لماذا تموت غريب
- مقهى الغرباء
- ليست مرثية على القبر - شعر
- والنساء أيضاً... برعاية برنامج محاربة الإرهاب
- ليست مرثية على القبر
- مدفع الإفطار
- وردٌ على النافذة
- تأملات في زمن ضياء
- حيثما تكونين سأصلي
- أزمة الماركسية العربية وفخ الصراع الديني
- اغتيال التراث الفلسطيني ... اغتيال الهوية
- الهوية الثقافية بعد الاندحار الصهيوني من غزة ...
- ندوة تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين في نابلس ... خطوة حقيق ...
- نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ... عن أي سلاح يتحدثون !!
- رسالة إلى الجندي الأمريكي القادم للعراق ...
- غزة أولاً ... تسويق مشاريع التسوية بأثواب النصر
- ذاكرة الغرفة206
- -ذاكرة غرفة-


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مهند صلاحات - حوار أدبي ...مع الأديب الفلسطيني -مهند صلاحات-