أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد شوكات - حول النسخة الحكومية للديمقراطية العربية















المزيد.....

حول النسخة الحكومية للديمقراطية العربية


خالد شوكات

الحوار المتمدن-العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 - 09:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من البدع الرسمية العربية، أن لا يكون لدى النظام الحاكم الشجاعة ليقول صراحة أنه لا يؤمن بالديمقراطية بمفهومها المتعارف عليه دوليا، وأنه يعتقد جازما أنها لا تصلح للمجتمع الذي ولي أمره وللمواطنين الرعية الواقعين تحت سلطته، وأن نظام الزعيم الملهم والحزب الواحد القائد والدولة الأمنية الحديدية، هو الأفضل والأصلح والأنسب للشعب.
وبدل الشجاعة والوضوح، كما كان عليه حال الكثير من الأنظمة العربية التي مارست الدكتاتورية والشمولية طيلة عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات تحت مبررات وذرائع ايديولوجية وسياسية واضحة، فإن الأنظمة العربية التي نشأت ابتداء من أواخر السبعينيات مفتقدة للشرعية الثورية إياها، قد اعتمدت مبدأ المراوغة والكذب والمخادعة، حيث عملت باستمرار على رفع شعارات إصلاحية وديمقراطية تعددية وتحديثية، فيما غرقت على مستوى الممارسة في أبشع أنواع الاستبداد والفساد والازدواجية.
لقد ابتكرت الأنظمة العربية طيلة العقود الثلاثة الماضية خصوصا، ترسانة عتيدة من الخدع والأكاذيب والحيل الرامية إلى تمييع الحياة السياسية وخلق أنواع من البلبلة الايديولوجية والفكرية والثقافية وخلط أوراق الحق بالباطل، في محاولات مستمرة ورغبات لا تكل ولا تمل في الالتفاف حول مطالب الإصلاح الحقيقية ودعوات الديمقراطية الحقة، حتى لقد بدت أوضاع الكثير من الدول العربية مستعصية على التحليل الداخلي والخارجي، رمادية الواجهة ضبابية الماهية، محيرة مراكز القرار والرأي العام في طبيعة الموقف الذي يجب اتخاذه إزاءها، وبما يخدم عمليا مصلحة أولي الأمر من المفسدين والمستبدين والتابعة.
وإذا كانت أول مبادئ الديمقراطية في مفهومها الدولي المعروف، تعني تكريس مبدأ السيادة الشعبية من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة والمباشرة، فإن الحكام العرب المعاصرين لم يعترضوا على هذا المبدأ بل سلموا به تسليما، باعتبارهم أول الديمقراطيين، تماما كحرصهم على أن تكون انتخاباتهم مثارا للدهشة في تحقيق خيار السلطة الشعبية، ولأن الشعوب العربية تموت حبا في زعمائها الملهمين، فإنها عادة ما لا تسعى إلى إغضابهم بالتصويت خلافا لآرائهم ونصائحهم.
ولأن التزوير الانتخابي التقليدي المتعارف عليه قديما، والذي يقوم على تصويت المسؤولين بدلا عن المواطنين أو إفراغ الصناديق الخاطئة واستبدالها بصناديق مصيبة راضية مرضية، فقد تفنن الحكام العرب وبطانتهم في ابتداع آليات جديدة للتوجيه الانتخابي، تعتمد بالأساس على استبدال مكان وتوقيت الإجبار والإكراه، من مراكز الاقتراع وتاريخه، حيث كاميرات التلفزيون وعيون المراقبين الدوليين، إلى سائر أنحاء البلاد باستثناء أماكن التصويت وسائر أيام السنة باستثناء يوم الاقتراع.
ولأن مبدأ التعددية السياسية قد أضحى معيارا دوليا ثابتا لفرز الأنظمة الديمقراطية من سواها، فقد ابتكر الحكام العرب نظرية لم يسبقهم إليها أحد، عرفت لدى البعض بمسمى "الديكور الديمقراطي"، وعند آخرين بإسم "الكرتون الديمقراطي"، وأساس هذه النظرية على أرض الواقع أن يصنع النظام الحاكم إلى جانب "الحزب الحاكم"، أحزابا صغيرة أخرى يمينية ويسارية ووسطية وبلا ماهية، تكون بمثابة إدارات حكومية وظيفتها المعارضة، ويكون رؤساؤها بمثابة موظفين سامين برتبة معارضين.
ولأن الحكام العرب اكتشفوا منذ سنوات أن الحزب الحاكم ليس محتاجا بالضرورة إلى نسبة التسعات الأربع لكي يحكم بأريحية، فقد رأوا أنه لا ضير من تقسيم جزء من الكعكة البرلمانية، تقل أو تكبر بحسب ظروف هذا البلد أو ذاك، على أحزاب المعارضة الموالية، كل حسب قدرته على الولاء والمحبة والإخلاص والتمكن من خلق المناسبات للتقرب من أولي الأمر والنعمة، ولتكن الحصيلة تفويت الفرصة على أؤلئك المتربصين والمولعين بنعت الأنظمة العربية على أنها غير ديمقراطية.
ولقد بلغت الجرأة الديمقراطية بالأنظمة العربية – ما شاء الله- أنها تجاوزت التنافس التعددي في الانتخابات البرلمانية، إلى الانتخابات الرئاسية، إذ لم يعد الرئيس العربي يقبل دخول حلبة المنافسة منفردا، ذلك أن هذا الأمر من مواصفات الأنظمة الديكتاتورية، وحاشاه أن يرضى لنظامه مثل هذه الصفات الذميمة، ولهذا كان لا بد من حرص رئاسي شخصي على ضمان طابع تعددي للعملية الانتخابية، ولمزيد من الحرص كان لا بد للرئيس أن يختار منافسيه حتى يضمن شرف هذه العملية، وأن يحول بين أن يدنسها كل من هب ودب من الرعاع والدهماء والسوقة.
وبالنظر إلى ما تقدم من انجازات ديمقراطية رسمية، ممثلة في تكريس مبدأ السيادة الشعبية وضمان التعددية السياسية والانتخابات الرئاسية المتعددة، لم يعد ينقص الأنظمة العربية غير احترام حرية الإعلام وصيانة حقوق الإنسان وإعلاء شأن القضاء المستقل وإفساح المجال لعمل المنظمات غير الحكومية للتعبير عن حركية المجتمعات المدنية وتطلعاتها، وفي هذه الشؤون جميعها نهضت نسخ رسمية عربية غاية في الفرادة والنوعية.
ولأن عصب الإعلام المال، ومصدر المال بالنسبة للإعلام مأتاه الإعلان، كان لابد من تحويل الوكالات الإعلانية إلى مؤسسات حكومية، في زمن تنازلت فيه الدولة العربية المعاصرة للقطاع الخاص عن جل المؤسسات والمرافق الحكومية، بما في ذلك الحيوية والرابحة منها، وعندما تكون وسيلة الإعلام حرة من الناحية النظرية مسلوبة الحرية من الناحية العملية، فستختار الموالاة للاستمرار في إعاشة أصحابها، أو الانتحار إذا كان أهلها من قلة المجانين الذين قرروا السير في طريق المعارضة غير الشرعية.
وعموما فإن تجربة الأنظمة العربية مع وسائل الإعلام، قد أثبتت قدرة الأجهزة الحكومية على خلق حالة تعددية على الصعيد الإعلامي، مصداقيتها على الدرجة نفسها من حالة التعددية العظيمة التي خلقت على الصعيد السياسي والانتخابي، وكما أوجد "الكومبارس" الانتخابي والسياسي، كان بمقدور الوكالات الإعلامية الرسمية في العالم العربي إيجاد "كومبارس" إعلامي وظيفته سب المعارضة غير الشرعية لا نقد السير الرسمية.
أما فيما يتعلق باحترام مبدأ استقلالية القضاء، فليس أيسر من تأكيد أصحاب السيادة والفخامة والجلالة والسمو، على قدسية المحاكم في بلادهم وحرصهم الدؤوب على صون شرف القضاة والمستشارين، وعموما فإن هؤلاء موظفون لدى دولة رئيسها بيده مفاتيح كل شيء، أو ثمة أبرز دليلا على استقلالية القضاة من أن يقوم سيادة رئيس الدولة شخصيا بتعيينهم وعزلهم ونقلهم ومعاقبتهم وإجبارهم على إصدار الأحكام بإسمه لا بإسم الشعب.
ولاستكمال العقد الديمقراطي العربي وفقا للإخراج الرسمي، لم يبق تبعا لما سلف غير بيان التحول الكبير الذي شهدته البلدان العربية في ظل أنظمة العقود الأخيرة الديمقراطية، على صعيد التمكين في العمل والحرية لما يعرف بالمنظمات الأهلية أو منظمات المجتمع المدني، حيث تجد عدد هذه المنظمات في بعض الدول العربية الصغيرة يعد بالآلاف، كحجة يضربها السادة الرؤساء الحريصون على شؤون المرأة والطفولة والتقنيات العصرية لمواطنيهم وللعالم الخارجي على السواء، تسفه دعايات الحاقدين والمغرضين والأفاقين، ولا ضير بعد هذا في أن تقوم الدولة بواجبها الجزري حيال بعض المنظمات التي ثبت أنها لا تراعي قواعد الديمقراطية الداخلية، خصوصا وأن الدولة شديدة الحساسية حيال من يخرق قواعد الديمقراطية، وقد ثبت أن أغلب هؤلاء الخارقين هم – للأسف- من فئة المعارضين غير الشرعيين والعياذ بالله.
وحتى لا تجري المزايدة على النسخة الرسمية للديمقراطية العربية، فإن منظري هذه النسخة، لا يزعمون أبدا أن بلدانهم قد أصحبت ديمقراطية، إنما يؤكدون على أنها تعيش بكل تواضع مرحلة تحول أو انتقال أو تغيير ديمقراطي، وأن الفضل في انبثاق فجر هذه المرحلة هو بطبيعة الحال لصناع التحولات والعهود والتغييرات..
فإذا ما كانت مرحلة الانتقال الديمقراطي في اسبانيا قد استمرت سنتين وفي تشيلي ثلاث سنوات وفي جنوب أفريقيا أربع سنوات، فإنها في البلدان العربية لا تقل عن عقدين أو ثلاثة عقود أو أربعة عقود، وفي العجلة الندامة، والديمقراطية قطرة قطرة خير من الديمقراطية مرة واحدة بالنظر إلى حرص الأنظمة العربية على التوفير وحسن التدبير، في الماء والكهرباء والأجور، وفي السياسة أيضا، فكثير من السياسة والحرية قد يخنق الشعوب، وليس أعز على قلوب الحكام العرب من الشعوب..أعند أحدكم في ذلك شك!



#خالد_شوكات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هكذا تحكم تونس
- تونس دولة دينية
- تونس التي تحتقر السياسة
- ليبيا الطرزانية
- ليبرالية استيعاب لا إقصاء
- تونس بدون حركة إسلامية؟
- استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان
- شهادة يابانية في الديمقراطية العربية
- إعـــــلان تأسيس قناة -العفــو- الفضائية
- الليبراليون الجدد.. أو الليبرالية كما أفهمها
- لبنـان..حيث -الاستثناء الفاسد- يطرد -الاستثناء الصالح-
- أليست الدولة العلمانية ضرورة دينية؟
- الدولة العلمانية


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد شوكات - حول النسخة الحكومية للديمقراطية العربية