أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهاءالدين نوري - الجزء الثاني غير المنشور- القسم الختامي من مذكرات بهاءالدين نوري-















المزيد.....


الجزء الثاني غير المنشور- القسم الختامي من مذكرات بهاءالدين نوري-


بهاءالدين نوري

الحوار المتمدن-العدد: 5104 - 2016 / 3 / 15 - 21:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



- 3 -
القسم الختامي من مذكرات بهاءالدين نوري-
الجزء الثاني غير المنشور ( ينشرهنا في ثلاث حلقات)
مع تبلور الانقسام الطبقي في المجتمع العبودي نشأ لون جديد من الحراك الاجتماعي، وأعني الصراع بين طبقتي العبيد المستغَلين والأسياد المستًغِلين (ثورة العبيد في روما بقيادة سبارتاكوس ضد أسيادهم والثور المشابهة). ومع مرور الزمن تأتى على النظام العبودي أن يخلي المكان لنظام جديد أيضاً، هو النظام الإقطاعي الذي بقي فيه الاستغلال الطبقي مع تغير شكل الاستغلال حيث أصبح الصراع الطبقي دائراً بين الإقطاعيين من جهة والفلاحين من جهة أخرى. وكان من المحتمل أن يبدأ الانتقال من النظام الإقطاعي إلى الرأسمالية، حيث تحل طبقتا الرأسماليين والعمال محل طبقتي الإقطاعيين والفلاحين، في البلدان الشرقية التي سبقت في التطور الحضاري كمصر والعراق وإيران والهند والصين. لكن الحروب والغزوات المستمرة من المغول والتتار وأمثالهم عرقلت التطور وأرجعت هذه البلدان إلى الوراء. وقدر للبلدان الأوروبية أن تشهد أولى المانفكتورات وتكون طليعة العالم في الثورة الصناعية. وفي هذه البلدان نفسها ظهرت الحركات العمالية المطالبة بالحقوق النقابية والداعية إلى إسقاط الرأسمالية وإقامة النظام الاشتراكي الحالي من استغلال الإنسان للإنسان. وقد انتصرت الثورة الاشتراكية قبل حوالي مئة عام لا في البلدان الصناعية الأكثر تطوراً مثل ألمانيا وبريطانيا، وفرنسا، بل في بلد متخلف جعلت منها جملة من التناقضات والأسباب مركزا للحركة الثورية في تلك الفترة. وهكذا انتصرت ثورة أكتوبر الاشتراكية حلم العمال وكل الكادحين في روسيا.
وقد مرت الثورة بمرحلتين. ففي المرحلة الأولى، ورغم أخطاء لينين وستالين، حققت السلطة النجاحات المطردة في البناء وتحويل الاتحاد السوفيتي إلى بلد صناعي. وتوجت سلسلة انتصاراتها بالنصر التاريخي في الحرب الكونية الثانية. وتمكنت السلطة من إعادة بناء ما خربته الحرب بسرعة قياسية. وآن الأوان لكي تعيد القيادة النظر في التوجهات النظرية الخاطئة والبرامج الاقتصادية غير المتوازنة وغير الواقعية. لكن ستالين كان راضياً عن أدائه وزاعماً بأن كل الأمور تسير على خير ما يرام. وهنا بدأت المرحلة الثانية، مرحلة المراوحة والتخلف. فيما بدأت البلدان الرأسمالية المنتصرة والمندحرة معاً تضع وتنفذ برامج واقعية وطموحة لإعادة البناء والتقدم السريع. وبدلاً من أن يتمنى العمال في البلدان الغربية الرأسمالية أن يعيشوا بمستوى أخوتهم العمال في البلدان الاشتراكية كان العكس هو الصحيح. كان عمال موسكو يتمنون لو عاشوا. بمستوى أخوتهم في برلين الغربية وفي لندن وباريس. فأية جاذبية تبقى نحو الاشتراكية والحالة هذه؟ تريد جماهير العمال من النظام الاشتراكي أن يوفر لها عيشاً أرفه وحرية أوسع وطمأنينة أكثر وحياة أسعد بالمقارنة مع حياة العمال في البلدان الرأسمالية. أما حين يكون العمال في ظل نظام يسمى حكم الطبقة العاملة منهكين في العمل ويعانون من الفقر ويسلط عليهم حكم بوليسي ( حكم ك گ ب) ...الخ. أفلا يحق لهم أن يلعنوا هذه الاشتراكية؟ إن حياة العمال وجميع أهل الكدح قد غدت صعبة وقاسية في مرحلة المراوحة والتدهور اللذين بدأا منذ منتصف القرن العشرين، على العكس من حياة الكوادر الحزبية والحكومية التي كانت تستمتع بامتيازات كثيرة وتعيش في رفاه كبير في ظل الفساد الإداري، وتحول الكثيرون منهم إلى أصحاب رساميل كبيرة. ففي رحم النظام الاشتراكي عادت الرأسمالية إلى الوجود. وتجسدت هذه الحقيقة في نهوض الآلاف لتأييد يلسن يوم اغتصب السلطة وأسقط گربجوف في حين التزم العمال والكادحون الصمت ولم يحركوا ساكناً للدفاع عن گربجوف وعن النظام الاشتراكي، بعكس ما كانوا يفعلون في سني ثورة أكتوبر 1917 والحرب الأهلية. ولم يتحرك العمال في أي بلد خارج الاتحاد السوفيتي ليوجهوا صيحة احتجاج دفاعاً عن النظام السوفيتي، بعكس ما كان أيام ثورة أكتوبر والحرب الأهلية حيث نظمت الطبقة العاملة في شتى الدول الأوروبية مظاهرات التضامن مع البلاشفة ضد خصومهم.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن النظام السوفيتي قد تحول في سني ما بعد الحرب الثانية من نظام اشتراكي كان يمر بمرحلة البناء إلى كاريكاتير للاشتراكية. ومن المضحك إن القادة السوفييت كانوا يتحدثون في تلك السنوات عن الانتقال الوشيك من الاشتراكية إلى الشيوعية. وهم أقاموا مدينة نموذجية مفتعلة تعيش فيها الناس على النمط الشيوعي في حين كان النظام الاشتراكي مريضاً سائراً بخطوات متسارعة نحو الانهيار.
والآن وقد انهارت الاشتراكية السوفيتية، ماذا يجب عمله من قبل أنصار الاشتراكية؟ هل يستسلمون لليأس ويتركون الرأسماليين المستغِلين ليعيثوا في الأرض فساداً؟ هل قبر مرة وإلى الأبد حلم العمال والكادحين في التخلص من الاستغلال الطبقي؟ هل خلقت الرأسمالية لتبقى إلى الأبد؟ أم إن ما حدث ظاهرة وقتية وستعود الاشتراكية وتوطد أركانها؟
يروق لمفكري البرجوازية أن يبشروا بفكرة خلود الرأسمالية ويحاولوا نشر اليأس بين أنصار الاشتراكية. وهم يستغلون النكسة المؤقتة، التي نجمت عن أخطاء القيادة السوفيتية، لكن التطورات الاجتماعية اللاحقة ستعطي جواباً مغايراً وستثبت على أرض الواقع أن ما حدث للنظام السوفيتي مجرد نكسة وقتية شأنها شأن مئات النكسات السابقة في تاريخ الثورات ومنها ثورة 1905 في روسيا نفسها حيث انتكست ثم تكررت بقوة أكبر بعد 12 سنة. نحن لا نستطيع تحديد الوقت لنهوض لاحق، خاصة لأن أساليب الثورات والتغيرات الاجتماعية قد تغيرت وسيكون التحكيم عبر صناديق الاقتراع. لكن ما هو محتم، آجلاً أم عاجلاً، هو إن غالبية المجتمع ستقول كلمتها بصوت واحد: نعم للاشتراكية، لا لنظام الظلم والاستغلال!
غمرني الفرح يوم شاهدت سقوط النظام الملكي العميل في العراق، وأنا قابع في سجن بعقوبة الانفرادي في سادس سنة من الحكم بالسجن المؤبد. وفرحت يوم شاهدت سقوط نظام صدام الفاشي عام 2003، كما فرحت بسقوط شاه إيران وسقوط بن علي ومبارك والقذافي، وأتمنى أن يغمرني الفرح أيضاً بسقوط دكتاتور سوريا. وسأفرح أكثر إذا أمهلني الموت لأشاهد عودة النظام الاشتراكي عبر صناديق الاقتراع إلى روسيا أو أي بلد أوروبي. وأنا واثق من أن هذا الانتصار سيأتي ولكن ليس بهذه العجالة ولا بتلك الكيفية السابقة، بل كنتيجة للعمل المكثف الفكري والتنظيمي والسياسي، بتعبير أوضح فإننا بحاجة ماسة، قبل كل شيء، إلى ما يلي:
1 ـ في المجال النظري، إن المجتمع البشري يعيش اليوم في عالم مغاير نوعياً لما كان قبل وقت غير بعيد، يعيش في ظروف مرحلة متقدمة من العولمة، يعيش في عالم جعل منه التقدم العلمي ـ التكنيكي ما يشبه قرية صغيرة. يسيطر الإنسان ليس فقط على سطحها، بل كذلك على الفضاء المحيط بها والمليء بالأقمار الاصطناعية المسخرة لأداء مختلف المهام والوظائف. ويمتلك الإنسان في حوزته من الأسلحة ما يكفي لتدمير الحياة البشرية فوق كوكبنا إذا جن جنون الحاكمين ودخلوا في اشتباك نووي ضد بعضهم.
إن ماركس كان إنساناً. ولا يمكن لأي إنسان، مهما كان عبقرياً، أن يكون معصوماً عن الخطأ، فلا غرابة في أن يقول بعضهم إن ماركس أخطأ في هذا الرأي أو ذاك، إن كان بمقدوره أن يوضح أوجه الخطأ والبديل الصحيح. هذا من جهة، ومن الجهة الثانية ـ وهذا هو الأهم ـ عاش كارل ماركس وقال ما قال قبل 150 سنة، وطرأت في هذه الحقبة تغيرات كبرى على العالم. نحن الآن نعيش في ظروف العولمة. أفليس من المنطقي أن يكون بعض ما قيل في ذلك الحين، وكان ملائماً لزمانه، غير ملائم للظروف المستجدة؟ أيجوز أن ننسى الحكمة القديمة "لكل مقام مقال ولكل زمان رجال"؟
2 ـ إعادة النظر في أشكال التنظيم السياسي والإداري والنقابي والاقتصادي والثقافي ...الخ، المكتوبة في البرامج الحزبية والحكومية والمدرسية ...الخ بهدف تشخيص وتعديل ما أكل عليه الدهر ولم يعد صالحاً للظروف المستجدة. وعلى سبيل المثال، فإن التمسك بنظام الحزب الواحد أو ما يسمى بالديمقراطية الموجهة (هو شكل من أشكال الاستبداد تعطى فيه الحرية فقط لأنصار السلطة الحاكمة وتكبت المعارضة) والجمود على شكل معين من التنظيم الإداري في مؤسسات الإنتاج الصناعي أو الزراعي أو في شكل إدارة الدولة دون احتساب التغيرات المستمرة في الوضع، لكن هذه وما يشبهها أمور مرفوضة في ظل حكم يقوده الشيوعيون، ولا يفهم شيئاً من الماركسية من يرفص مبدأ تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة، حتى ولو كانت نتيجة التداول عودة ممثلي البرجوازية إلى الحكم. فالماركسيون يجب أن ينصاعوا لإرادة الشعب وليس للتسلط كما يفعل الدكتاتوريون. وقد يكون ذلك صعب المنال ويتطلب صبراً طويلاً وعملاً شاقاً حتى تقتنع الجماهير من تجربتها الخاصة بأن النظام الاشتراكي هو الأفضل والأكثر عدالة. لكن ذلك هو الطريق الصحيح الناجح.
3 ـ إعادة الصياغة في النهج السياسي الذي اتبعته القيادة السوفيتية وفرضته على الأحزاب الشيوعية الحاكمة في البلدان الأوروبية. فالستالينية كانت نهجاً بيروقراطياً واستبدادياً وقاسياً إزاء أي شكل من أشكال المعارضة، وإزاء من شكك في ولائهم للدكتاتور الحاكم. لكن ستالين احتفظ بقدر مناسب من الصلابة المبدئية اللينينية إزاء خصوم الاشتراكية الحاكمين في الدول الرأسمالية، كما أحتفظ بالنزاهة ومات في بيت متواضع دون أن يخلف ما يشير إلى تورطه في الفساد الإداري المالي. لكن عهد بريجنيف كان شيئاً مغايراً، ولم ينحصر في البيروقراطية والاستبداد، بل حول البلاد الاشتراكية إلى بؤرة للفساد ونهب الدولة وتأسيس المافيات، وتفريخ جيل جديد من الرأسماليين والأثرياء الذين استغلوا الخلل والتفكك في النظام لينهبوا أموال الدولة في وقت كان العمال وكل الكادحين يعانون من ضنك العيش.
وكانت القيادة السوفيتية تدّعي قولاً التزامها بالأممية البروليتارية وتطلب من الأحزاب الشيوعية المرتبطة بها هذا الالتزام وتصور للآخرين بأن الأممية تتجسد قبل كل شيء في إخلاص الشيوعيين لدولة الاشتراكية الأم. كانت تريد من شيوعي البلدان الأخرى أن يكونوا أمميين تجاه النظام السوفيتي. ولكنها كانت بنفسها قد استبدلت النهج الأممي تجاه الأحزاب الشيوعية الأخرى بنهج قومي مصلحي، وهي أمتنعت عن الدعم السياسي ـ الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي ضد اعتداء سلطة صدام البعثي الدكتاتوري، على سبيل المثال، في وقت قرر صدام العراقي إعدام أربعين شيوعياً بتهم باطلة ودون أي محاكمة قانونية، وحرضت الشيوعين على تقبل الإعدامات حرصاً على مصلحة الشعب والوطن، وشجعت الشيوعيين العراقيين على الارتباط بتحالف ذيلي مذل مع نظام صدام الفاشي، زاعمة إن صدام سائر في طريق التطور اللارأسمالي صوب الاشتراكية، في وقت كان دكتاتور العراق متمادياُ في القمع الدموي ضد الشيوعيين وضد الشعب الكردي وضد جماهير الشيعة وجميع الوطنيين. كانت الخدمة الوحيدة التي قدمت إلى حشع لقاء الرضوخ لمشيئتها في تلك الأيام دفع مبلغ مالي تافه سنوياً، وكان الهدف من إبقاء العلاقة مع النظام الدكتاتوري والإرهابي لكي يشتري منها الأسلحة التي استخدمها ضد الشعب الكردي وكل العراقيين وضد إيران والكويت. كانت تقدم الأسلحة بلا توقف للنظام الإرهابي، تماماً كما تفعل الحكومة الروسية اليوم في تقديم الأسلحة وشتى أشكال الدعم إلى نظام بشار الأسد الفاشي.
إنني قدمت العراق كنموذج لتصرفات ومواقف القيادة السوفيتية، التي كانت تملي المواقف السياسية على الأحزاب الشيوعية حيثما أمكن لها ذلك. وقد دفع حشع ثمناً باهظاً عن هذه العلاقات اللامتوازنة فتحول تدريجياً من حزب سياسي جماهيري كبير إلى منظمة هامشية معزولة غير قادرة على كسب مقعد واحد في انتخابات برلمانية جرت بعد سقوط صدام فالقيادة السوفيتية مسؤولة عن انحسار الحركة العمالية والشيوعية خلال النصف الثاني من القرن العشرين لأن سياستها كانت خاطئة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فهي أقامت علاقاتها مع الشيوعيين في البلدان الأخرى لا من منطلق التآخي والثقة المتبادلة، بل من منطلق الآمرية وفرض السياسات التي تروق لها. أنا كنت عضواً في قيادة حشع بعد ثورة 1958، ورأيت بنفسي التدخلات السوفيتية. ففي مظاهرة مليونية نظمناها في بغداد بمناسبة الأول من أيار 1959 رفع المتظاهرون شعار (إشراك حشع في الوزارة) باعتباره أكبر حزب سياسي في البلد مهيأ لكسب 60 ــ 70 بالمائة من أصوات الناخبين في حالة إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في ذلك الحين. وكان عبد الكريم قاسم قد شكل وزارة ائتلافية تضم ممثلي كافة الأحزاب الوطنية وأستثنى منها فقط الشيوعيين. وقد استجبنا نحن في القيادة لرغبة الجماهير وقررنا العمل على إشراك حزبنا في الحكم. وبعد بضعة أيام طلب السفير السوفيتي زابتسيف لقاءاً مستعجلاً مع ممثلي حزبنا ليقرأ لنا رسالة مستعجلة من القيادة السوفيتية موجهة إلى قيادة حزبنا مطالبة بتراجع حشع عن هذه السياسة فوراً. فاطعنا وغيرنا سياستنا. كان هدفهم ترضية عبد الكريم قاسم. ولم يتداولوا معنا حول الموضوع ولا بكلمة. علماً إن المسألة كانت شأناً عراقياً خاصاً بنا وبلدنا، وكان يفترض أن يعتبرونا نحن الشيوعيين العراقيين أكثر فهماً وقدرة على تحليل قضايا بلدنا وحتى إذا أفترض أنه كان من حقهم أن يقودوا الحركة الشيوعية وأن يبدوا ملاحظات حول سياسة الأحزاب في البلدان الأخرى.. فإن التدخل بهذا الشكل الفج غير مقبول. ولم يصدف ولا مرة أن سألونا عن رأينا ـ بقدر ما كنت أعرف ـ في أمر ما حتى من الأمور الخاصة ببلادنا. كانوا يريدون الشيوعيين في البلدان الأخرى كدراويش إزاء شيوخ الطريقة أو كأدوات يستخدمونها في تحقيق أغراضهم على المسرح الدولي.
وأود الإشارة هنا إلى إن الشيوعيين الروس، الذين بادروا إلى إعادة بناء الحزب بعد سقوط النظام، ورثوا الكثير من الأخطاء والتقاليد الستالينية التي سارت عليها القيادة السوفيتية. وهذا ما يشكل خطراً جدياً على مستقبل الحركة الشيوعية والعمالية في روسيا إن لم يبادروا إلى تصحيح الوضع ومعالجة المشكلة. إنني أناشد الشيوعيين الروس، أحفاد البلاشفة الذين قاموا بالمعجزات النضالية في ثورة أكتوبر والحرب الأهلية والحرب الكونية الثانية ، أن يسهروا على تحرير حركتهم من ترسبات العقلية الستالينية ـ البريجنيفية. وقد يتيح ذلك لهم الفرصة ليكونوا في هذه المرة أيضاً طليعة الحركة العمالية في الانتقال السلمي إلى الاشتراكية.

أيها الرفاق المناضلون فوق كوكبنا!
أيها الأصدقاء المتعاطفون مع الاشتراكية، أينما كنتم!
إن إعادة صياغة النظرية الماركسية والتنظيم والنهج السياسي مهمة ملقاة على عاتقكم جميعاً. وبإنجاز هذه المهمة النضالية الكبرى ستكون الحركة العمالية قد انتقلت إلى المرحلة الثالثة من مراحل تطورها التاريخي، بعد أن انتهت مرحلتها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر بتخلي الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية عن هدفها في البناء الاشتراكي وتحولت إلى أحزاب برجوازية غير معنية بقضية الاشتراكية، كما انتهت مرحلتها الثانية بسقوط النظام السوفيتي وانتكاسة الحركة الشيوعية والعمالية في ظروف شيوع الستالينية. ومن المتوقع أن يكون القرن الواحد والعشرون قرن استكمال البناء الديمقراطي في العالم، في ظروف المزيد من التطور العلمي ـ التكنيكي، وهناك بعض المخاوف من نشوب حرب كونية ثالثة قد تغير وضع العالم وتسبب كارثة غير مسبوقة للبشرية. وإذا اقتنع النظام البرجوازي في روسيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فإن ذلك سيكون من مصلحته ويزيد من قوة أوروبا إزاء أمريكا ويقلل من مخاطر الصدام العالمي ويجعل من الاتحاد الأوروبي القوة رقم 1 عالمياً من كل النواحي. وستفقد واشنطن مكانتها الحالية كزعيمة للعالم. وقد تتكون قوى جماعية بدلاً من وجود دولة واحدة أو دولتين متنافستين. ويتراءى لي إن تعاظم دور الاتحاد الأوروبي سيكون في صالح جميع الشعوب لأن الحضارة والديمقراطية في أوروبا أعرق مما في أمريكا. وسيكون ذلك في صالح منظمة الأمم المتحدة أيضاً، مع التنامي المستمر في دورها العالمي كنواة لسلطة عالمية، إن لم تمزقها حرب جديدة.

أيها المناضلون ضد استغلال الإنسان للآن!
نحن نتحدث عن الانتقال إلى الاشتراكية عبر صناديق الاقتراع. بعيداً عن العنف، وهذا أمر مستحيل من دون وجود نظام ديمقراطي راسخ في البلد المعني. لذا فإن هناك علاقة عضوية راسخة بين قضيتي الديمقراطية والاشتراكية منذ البداية. إن الجو الديمقراطي الراسخ في النظام الاشتراكي أشبه بالجو المليء بالأوكسجين النقي لحياة الإنسان. فإذا انعدم الأوكسجين اختنق الإنسان وانعدام الديمقراطية يعني الشي نفسه بالنسبة للنظام الاشتراكي كما أثبتت تجربة النظام السوفيتي، والرقابة الشعبية المنظمة، الضرورية للحفاظ على الاشتراكية، مسألة حيوية. والكلام عن الرقابة مجرد هراء في ظروف انعدام الديمقراطية.
مادامت الانتخابات تشكل ركناً أساسياً من أركان النظام الديمقراطي فإن من الضروري توفير المستلزمات لانتخابات حرة نزيهة. هناك نظامان للانتخاب: نظام الدوائر الانتخابية المعمول به في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأخرى + نظام التمثيل النسبي المأخوذ به في معظم بلدان العالم. فأيهما أصلح؟
ـ إن نظام الدوائر، الذي يحسم مصير المتنافسين داخل كل دائرة انتخابية ، يقوم على اعتبار الفائز هو من يحصل على الأغلبية واحتراق الأصوات التي يحصل عليها المرشح الخاسر. وهذا النظام كان مقبولاً قبل مئات السنين، ولكن التطور الحضاري العاصف أتى بنظام انتخابي أرقى معمول به في معظم الدول، وهو نظام التمثيل النسبي الذي يقوم على حساب جميع الأصوات المعطاة للقوائم الكبيرة والصغيرة في إقامة بنية البرلمان ولا يقبل باحتراق أصوات الأقلية.
ـ نظام التمثيل النسبي القائم على قاعدة أخذ المقاعد بنسبة أصوات القائمة إلى إجمالي الأصوات المفرزة في البلاد. ويمكن الجمع في هذا النظام بين لون من الترشيح الفردي وبين ترشيح القائمة ككل, ومن أهم مزايا التمثيل النسبي إن البلاد كلها تكون دائرة انتخابية واحدة إن لم يتحايلوا عليها كما فعل الحكام الإسلاميون في العراق حيث جعلوا من كل محافظة دائرة انتخابية مستقلة، مما يؤدي إلى ضياع الكثير من أصوات الناخبين في مختلف القوائم. وهناك لون آخر من التحايل الذي ابتكره الحكام البرجوازيون في التمثيل النسبي، وهو اشتراط حصول القائمة على 5%من إجمالي الأصوات، وفي بعض البلدان 10% ، لقبول ممثلي الجهة المعنية في البرلمان.
نقطة جوهرية أخرى، هي؛ أية حكومة تشرف على الانتخابات؟ حكام البلدان النامية يصرون على بقائهم في الحكم للإشراف على الانتخابات، بدلاً من تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة ومحايدة للإشراف على الانتخابات. كان يستحيل على رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي وحزبه الإسلامي الحصول على هذا العدد من الأصوات في انتخابات 30 نيسان الماضي لو تخلى عن منصبه وشكل وزارة تكنوقراطية للإشراف على الانتخابات.
وقد آن الأوان لاستخدام الأجهزة الإلكترونية في الرقابة ولمساءلة المزورين والمتحايلين.
إن الأخذ بعنصر التنافس وبالمحفزات المادية والمعنوية شرط أساسي لغرض الازدهار والتقدم في شتى ميادين الحياة الاقتصادية والثقافية والفنية وغيرها. فالإنسان بحاجة إلى المكافآت لتشجيع إبداعاته ومبادراته حتى في ظروف أرقى تطور اقتصادي. والإنسان المبدع، الذي يستطيع القيام بتقديم الاختراعات الراقية لتطوير المجتمع وازدهار الحياة لا يقبل التساوي بينه وبين عامل كولي، وليس من الإنصاف بشيء أن يكافأ بمستوى العامل الكولي الذي لا يملك أي مهارة. بسبب الفوارق الموجودة لدى الناس من حيث تراكيب الأجهزة العصبية فإن لوناً من الفارق يظل موجوداً بينهم. ومن مصلحة المجتمع نفسه أن تأخذ الهيآت التي ستدير شؤونه هذه الفوارق بنظر الاعتبار. فالنظام الاشتراكي أو الشيوعي لن يستطيع إلغاء الفوارق بين الأفراد ولا تأمين المساواة المطلقة، ولكنه يستطيع إلغاء استغلال الإنسان للإنسان وتأمين حد معقول من مستوى العيش للجميع اعتمادا على الضرائب التي تجنيها من المنتجين وذوي المداخيل.

أيها المناضلون من أجل السلم والاستقرار والديمقراطية والاشتراكية في مجتمع خال من الاستغلال والاضطهاد الطبقي والقومي والديني!
حافظوا على راية النضال، التي حملها جيل المناضلين قبلكم، وتركها لكم اليوم. وكونوا على ثقة من أن عجلة التاريخ لن تتوقف وأن التغيرات الاجتماعية لن تتوقف، بل تزداد في ظل العولمة، وسيحل اليوم الذي يختفي فيه الصراع الطبقي والقومي والديني ويصبح بنو الإنسان أخوة منسجمين ومتآخين لبعضهم وسوف يختفي العنف وسفك الدماء البريئة وترفرف راية السلم. أن الطريق الذي تسير عبره البشرية غير مطروق من قبل ولا يمكن لإنسان عاقل أن يصر على أنه يعرف تفاصيل ما يحدث للمجتمع البشري في المراحل اللاحقة من تطوره. والناس، مهما كان مستواهم الثقافي العلمي اليوم، غير قادرين على معرفة تفاصيل ما سيحدث وكيف سيكون الوضع بعد آلاف السنين، بل بعد بضعة قرون.
ولكن ما يمكننا التأكيد عليه دون تردد هو أن حركة المادة، على صعيد الكون وعلى صعيد كل جزء من الكون بما في ذلك الحركة الاجتماعية، ستظل مستمرة أبداً، كما كانت من قبل، وإن هذه الحركة مصدر التغيرات التي لن تتوقف مستقبلاً كما لم تتوقف في الماضي. والأجيال القادمة، التي تعاصر المراحل اللاحقة لتطور المجتمع البشري، هي المدعوة إلى الدراسة والتحليل والاستنتاج، كل جيل في زمانه، ومواكبة المستجدات.

كردستان العراق ـ السليمانية
بهاء الدين نوري
أيار 2014



#بهاءالدين_نوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسالة الأخيرة - 2 -
- الرسالة الأخيرة
- الارهاب القاعدي – الداعشي ظاهرة اجتماعية ولدتها الانظمة الاس ...
- الطائفية معول الهدم في العلاقات الاجتماعية
- رسالة مفتوحة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
- پوتين ونتنياهو هما السبب وراء بقاء آل الاسدفي الحكم والأسد ي ...
- نقاش حول النظام الاشتراكي في الإنتاج والإدارة
- رسالة مفتوحة الى رئيس الوزارة الاسرائيلية
- حول المواقف المختلفة من التحالف مع البعث الصدامي
- بهاءالدين نوري - سياسي وكاتب واحد ابرز وأقدم قادة الحركة الش ...
- مساهمة في اعادة صياغة الماركسية - اليسار الجديد
- رسالة مفتوحة من بهاء الدين نوري إلى الدكتور حيدر العبادي
- العراق في مفترق الطرق
- الطريق الوحيد للخروج من مأزق الطائفية
- يا من تكرهون الدكتاتورية: ساعدوا ثورة الشعب السوري
- هل سُرقت الثورة المصرية من أهلها؟
- تطورات الثورة السورية وما يعترض طريقها
- المخرج من مأزق مصر
- رسالة مفتوحة الى الرئيس الامريكى براك أوباما: حول النزاع الع ...
- من اين بدأت الثورة المصرية والى اين تسير؟


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهاءالدين نوري - الجزء الثاني غير المنشور- القسم الختامي من مذكرات بهاءالدين نوري-