أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عليوي - المكان في قصص عراقية















المزيد.....

المكان في قصص عراقية


مؤيد عليوي

الحوار المتمدن-العدد: 5103 - 2016 / 3 / 14 - 16:57
المحور: الادب والفن
    


المكان في قصص عراقية *


مقدمة :
يعمل المكان على إضاءة جوانب النص القصصي فنيّاً، كلما تغلغل بين نسيج اللغة المكتوبة عن واقع شخصيات ذلك المكان ليضيء عتمة مرارة الشخصيات القصصية التي عاشت هذا الواقع ومازالتْ تعيشه في المكان : الوطن : العراق, إذ (( يعيش المكان العراقي واحدة من لحظات وجوده المؤثرة، لحظة امتدت عقوداً من التراجع والانحدار،وها هي تصعد إلى الذروة غير مأمولة للحدث ،مدوّنةً على مشهد الخراب الواسع كلمتها القاهرة )) 1.
وقد اخترنا قصصاً متباينة لتمثل نماذج مختلفة في الأسلوب عند أكثر من كاتب قصة على النحو الآتي :
أولاً : قصة " ليلة ضاع فيها الرغيف " للقاص انمار رحمة الله : يتجسد فيها المكان متناثراً بفنيّة وجمالية من خلال تعبيره عن حالة الضياع والوحدة للشخصية الرئيسة الرجل العجوز لفقده صديقه بسبب الحرب ، هذا التناثر لملمته القراءة النقدية للمكان فيكون كما يأتي :
1 – مكان رئيس :غرفة الرجل العجوز أو غرفة الحوار السردي – يروي فيها العجوزُ من ذاكرته لحفيده الطفل عن مكان ثانوي – في الواقع القصصي، فالغرفة : المكان يتكون من المدفأة وطاولة ومكان الجلوس، والنافذة التي هي جزءه المهم هنا كونها الثابت في الغرفة ،والذي يعكس حالة الرجل العجوز الانطوائية على ألم فقدِ الصديق ،وعزلة نفسية لا يريد أن يعرف بها أقرب الناس إليه سوى طفل لا يدرك عمق ألمه المروي في حوارهما،وما حالة وقوفه الطويلة أمام النافذة إلا كشف مخبوء بين طيات هذا النسيج،عن حالته النفسية هذه التي عززها سرد القصة : " يعتكف كناسكٍ يرسل أنظاراً بعيدة من خلال النافذة على البساتين النائمة " ، فلو كان الرجل واقفاً في شرفة مكشوفة أو خلف الشناشيل لتغيّر الجانب النفسي الذي يشي به المكان حيث(( تمثل الشرفات مفاصل مكانية تباشر علاقة الفضاءات الداخلية مع الفضاء الخارجي ، إذ يمكن لمَن يأوي الشرفة أن يتعامل مع ما حوله بطريقة أكثر وضوحا وتحدداً ، من أن يسترق النظر من خلال محض نافذة ))2.
2 – مكان ثانوي : أرض الحرب في مروية العجوز الحوارية لحفيده الطفل ، منفلتة من ذاكرته بعنفوان، إذ (( تتجسد الأماكن وتزدهر بما تتشبع به من خبرات بشرية، وهي التي تملك أن تحدثنا ببلاغة الزمان إذ يفتح جناحيه بعيداً في الذاكرة ، بعيداً في الأمل ففي المكان وحده تتضافر أبعاد الزمان في حوار لا ينتهي)) 3 ،أما هذا المكان ارض الحرب في القصة ،سبب تعاسة الرجل العجوز وانطوائه:" فلم نحارب في تلك الكتيبة عدوا إلا الجوع وقد هزمنا شر هزيمة "،فيقول عنه جاسم عاصي :(( الأرض التي تدور عليها عجلة الحرب، في غفلة تتحول إلى ارض تحمل صفات غير صفاتها الإنسانية الكبيرة ، مفرداتها وطبيعة علاقاتها تشير إلى نمط خارج دائرة المألوف،سواء أكانت هذه العلاقات بين الذوات المتقاربة أو بينها وبين الآخر ، إذ لا يحل بينهما سوى الموت ، باعتباره منعطف النهاية المرسومة للجميع )) 4 وهذا ما نجده في سرد الحوارية لقصة " ليلة ضاع فيها الرغيف " التي تتجاوز حدود عالمها المكاني العراقي إلى البعد الإنساني ، فعندما تقرأها كأنك تقرأ قصة واقعية من قصص الحرب العالمية الثانية مثلاً ، في مكان ما منها .
ثانياً : قصتا " شحاذ " و" الجوع " للقاص عامر حميو :
1 - القصة الأولى " شحاذ " : المكانُ فيها فضاء مدينة وهو يشي بالانفتاح والوضوح والتفاعل مع معطيات الواقع العراقي، بما ينسجم وفسحة الديمقراطية اليوم ،إذ (( يعمل المكان في مقصوراته المغلقة التي لا حصر لها على احتواء الزمان مُكثفاً،وتلك هي وظيفته كما يتصور باشلار )) 5 ، حيث الشارعُ يلفظ الشحاذ الشخصية الرئيسة في القصة ، والرصيف الذي على بلاطه ظل لافتة انتخابية ، لا يحميه من أشعة الشمس، والمقهى الذي مُنع مِن دخوله ، والمصرف المسروق ،ومكان حديث الشحاذ مع الشرطي أمام المقهى ، والشوارع ..، جميعها أماكن مرتبطة بخيط واحد بين شخصية الشحاذ التي لم تجنِ من هذه الأماكن شيئا، حتى يغدو المكان الذي يحتويها جميعاً- المدينة - ،غابةً مُوحشة ، ومن جهة ثانية يقدم حوارُ القصة تنويراً مهما عن الشخصية الرئيسة من خلال اللهجة الشعبية " – عمي عود شنهي كشف الدلالة ؟" فنعرف انه كان مِن أبناء الريف وأصبح شحاذاً وهذا مؤشراً على ظاهرة الهجرة من الريف إلى المدينة وانهيار الزراعة واقعاً عراقياً، ومع الإشارة إلى السرقة والانتخابات،وكذلك تعامل الشرطي بلطف مع الشحاذ ..، كل هذا يشير إلى أن القصة نقلتْ واقعاً عراقياً معاصراً بفنيّة القصة القصيرة عن المدن بكينونة المكان الذي كان محتوياً الزمان مكثفاً في قصة "شحاذ " كما تصوره باشلار .

2 - القصة الثانية " الجوع " للقاص عامر حميو :
بعد قراءة القصة نستنتج أن المكان فيها بيت مبني على الطراز القديم إذ فيه باحة البيت أو (الحوش) وغرفة يتيمة : "حملت القدر ودلفت لغرفتهم الوحيدة ،تاركة أطفالها في باحة الدار وهي تتمتم لنفسها : - بلكي على واجهة العيد ينطون الحشد راتب .. ربي الجوع كافر " ، أذن ماذا يمنحنا الطراز القديم للبيت في هذه السطور النقدية عن المكان : فـ(( البيوت القديمة نتاج عقل تقليدي ،أريد بذلك هو العقل الذي يؤسس لتقاليد يقترحها ويعتمدها في إنتاج موضوعات الخلق الحضارية والإبداعية)) 6 ، وهنا نقف ونحلل بنية المجتمع القصصي المُنتَجُ بفنيّة دقيقة في اختيار شكل المكان وعلاقته بعقل الُمقلِد المواطن البسيط في تفكيره ،الذي بنى داره على الطراز القديم ،وذهبَ إلى أحدى جبهات القتال للحرب ضد داعش ، منفذاً فتوى المرجع الذي يقلدهُ ، تاركاً عمله ،وأطفاله وزوجته بلا قوت ودون راتب له ، انه الواقع اليومي المعاش المنقول لنا بفنيّة دقيقة وجمالية مُعبرة عن عمق مأساة العائلة العراقية الفقيرة بين الحرب والحاجة الاقتصادية ،وكذلك ما يهمنا هنا فكرة العقل الذي يُقِلد وعلاقته بالبيت من الطراز القديم واقترانه بالزمكانية فنستدعي من جديد تصور باشلار عن المكان في خصوصيته أو حدوده المغلقة أو مقصوراته المغلقة : ((يعمل المكان في مقصوراته المغلقة التي لا حصر لها على احتواء الزمان مكثفاً ، وتلك هي وظيفته )) .
ثالثاً: خاتمة بعنوان :المكان في فنتازيا قصة " يوميات مكنسة " للقاص جبار وناس
منذ السطر الأول في القصة تتجلى فنتازيا القص، فمِن أول كلمة فيه :" أنا مكنسة ، مكنسة أنا ، يحلو لي أن أتواجد في المكان الذي تنص عليه القوانين ..." نلحظ مبكراً أن مفردة "يحلو لي " تخفي سخرية لاذعة ، واستهزاء بما بعدها مما تنص عليه القوانين و تقاليد المكان ، وهذا جزء من الفنتازيا في إيصال رسالتها الأدبية ، بل يشي النص القصصي بالتمرد على المكان من خلال عدم الانتماء إليه : " فأنني اشعر بعدم الرغبة في الانتماء لأي مكان ، لا أدري أن كنت في حيرة المكان أم خارج أسوار التقوقع الرث؟ " ، حيث(( يعيش المكان العراقي واحدة من لحظات وجوده المؤثرة، لحظة امتدت عقوداً من التراجع والانحدار،وها هي تصعد إلى الذروة غير مأمولة للحدث ،مدوّنةً على مشهد الخراب الواسع كلمتها القاهرة )) 7.
.............................................................................
الهامش
* جميع القصص منشورة في مجلة الشرارة / عدد 102 .
1 – المكان العراقي جدل الكتابة ،تحرير وتقديم ، لؤي حمزة عباس ، الناشر دراسات عراقية ، ط1 ، بغداد ، أربيل ، بيروت ،2009 : مقدمة الكتاب ص11. ملحوظة يتكون الكتاب من مجموعة موضوعات عن الأماكن العراقية المتباينة.
2 – نفس المصدر : موضوعة : بيوت ومدن وأفول ، د.اسعد غالب الأسدي : ص 92 . أما الشناشيل (( فكانت توفر اتصالا من الداخل إلى الخارج، دون التمكن من فعل رؤية معاكس ،وهو أمر يحفظ لمَن في الداخل الكثير من الخصوصية والالتفاف على طقس غير مستباح )) ،ينظر :نفس المصدر ، ذات الصفحة 92 .
3 - نفس المصدر : مقدمة الكتاب : لؤي حمزة عباس :ص 11 .
4 – نفس المصدر : موضوعة : أرض .. الليالي والنهارات : ص 286 .
5 – نفس المصدر : مقدمة الكتاب : لؤي حمزة عباس : ص 11 .
6 - نفس المصدر : موضوعة : بيوت ومدن وأفول ، د.اسعد غالب الأسدي : ص 84 -85 .
7 – نفس المصدر : مقدمة الكتاب ، لؤي حمزة عباس : ص 11 .



#مؤيد_عليوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الفقراء - والتظاهرات والمناهج النقدية
- قصيدة أنين المحرومين
- قصيدة مرثية الفقراء على وطن
- قصيدة عشق
- ظلُّ كِتاب.. وبقايا شعب
- مفهوم ( التكييف الهيكلي ) الامبريالي واضراره على الشعوب النا ...
- سوريا الاسد أفضل لسوريا وللمنطقة برمتها
- قصيدة صراع الطين 2
- قصيدة صراع الطين
- تصاعد الانفراد الرأسمالي الأمريكي باتجاه حرب عالمية ثالثة
- تعقيباً على مقال : - تبدل أولويات الإستراتجية الأمريكية وأثر ...
- قصيدة غزل شعبي بعنوان -- يا ترف --
- بناء القص في سرد المزار للقاص عباس الحداد
- شفاهية الكتابة في الخطاب الشعري في قصيدة (لا تتركني) للشاعر ...
- ليس انحيازا بل أكثر ماركسية
- تباين عوالم القص في - للخفاش أثر - للقاصة التونسية هيام الفر ...
- الاممية الخامسة
- قصيدة طفح الكيل
- قصيدة -- الى غريب في وطنه --
- الفن الواقع والانسان في رواية ريم وعيون الاخرين


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عليوي - المكان في قصص عراقية