أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - من جعبة ذاكرتي الفلسطينية–4: فاروق القدومي والرسالة السرية التي حملتها لأبو جهاد















المزيد.....

من جعبة ذاكرتي الفلسطينية–4: فاروق القدومي والرسالة السرية التي حملتها لأبو جهاد


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 5103 - 2016 / 3 / 14 - 13:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذه حلقة أخرى من جعبة ذكرياتي الفلسطينية.
والتقيت مرة أخرى في عمان، في مرحلة ما من عام 1968، بالصحفي المصري "مصطفي الحسيني". اذ كان يرافقني يومئذ مراسل أميركي مستجد على العمل الاعلامي، وأراد أن يحقق انجازا ما يؤهله لتعزيز موقعه في شبكة "س
ي بي أس". وكان قد علم بأنني قد أوجدت الفرصة لسلفه باجراء لقاء تلفزيوني في حزيران 1967 مع المرحوم ياسر عرفات، والذي كان اللقاء الأول له مع الشبكات الأميركية. فطلب مني الزميل الأميركي أن أستخدم علاقاتي مع المقاومة الفلسطينية في ترتيب لقاء آخر له مع "أبو عمار" أسوة بما فعلته سابقا لسلفه. ووعدته بأن
أحاول جهدي.
وهنا رحت أبحث عن مصطفي الحسيني الذي كان دائم التنقل بين عمان والقاهرة وبيروت. ولحسن الحظ كان مصطفى موجودا في عمان آنئذ. فوجهت الطلب اليه بأن يساعدني للالتقاء مرة أخرى بقائد حركة فتح..أي أبو عمار. فقال سأحاول وأبلغك غدا بالنتيجة.
ولكن تصادف أن ياسر عرفات كان خارج الأردن آنئذ، فاعتذر عن تلبية الطلب، ولكنه قال أن بوسعه ترتيب لقاء مع فاروق القدومي – أي "أبو اللطف"، المتواجد في عمان واصفا اياه بأنه الرجل الثاني في حركة فتح. ورحبت بالأمر، كما رحب به زميلي الأميركي.
وفي اليوم التالي التقينا بأبو اللطف في أحد البساتين القريبة من مدينة السلط. والتقينا به في وضح النهار ودون حاجة لقيادة السيارة ليلا على ضوء خافت مطلي بالأزرق كما كان الحال لدى لقائنا بأبو عمار قبل عام من الزمان. فحدة الحرب الفعلية كانت قد خفتت في هذه المرحلة، ولم يعد هناك ضرورة لتعتيم النوافذ أو طلي مصابيح السيارات باللون الأزرق.
وعلى سور من الحجارة المصفوفة بعناية لتشكل حاجزا ومحددا لذاك البستان، جلس أبو اللطف بكل تواضع وهو يمازحنا بين الفترة والأخرى كانعكاس لطبيعته المتسمة بالمرح والرغبة في المداعبة. وهكذا أجرينا اللقاء الأول معه. لكن خللا فنيا قد حدث لدى تصوير اللقاء، وأبلغتنا به الادارة في نيويورك في اليوم التالي لاستلامها الفيلم الذي أرسل اليها شحنا بواسطة الطيران, وطلب منا اعادة تصويره في نفس الموقع. وتلطف "أبو اللطف" ووافق على العودة الى ذات الموقع لنعيد تصوير اللقاء. ولكنه كان يومئذ أقل مرحا وأقل مداعبة، ربما بسبب ما سببناه له من ازعاج نتج عن اعادة تصوير اللقاء خلال مدة زمنية قصيرة.
ولم ألتق بعدها بفاروق القدومي الا في بعض المناسبات الاحتفالية أو اللقاءت السياسية مع مسؤولين. ومع ذلك، فقد حدث مرة أن طافت في شوارع عمان مظاهرات كبيرة توجهت نحو السفارة الأميركية التي كان موقعها آنئذ في جبل اللويبدة. ورافقت أنا تلك المظاهرة ككل اعلامي آخر يتابع حدثا كهذا. وبعد أن وصلت التظاهرة الى مبنى السفارة وأعتقدت أنني قد حصلت على كم كاف من اللقطات التي تطرح الحدث، غادرت موقع المظاهرة متوجها الى مكتب "فتح" المتواجد أيضا في جبل اللويبدة. وكان فاروق القدومي هناك. ولكن بعد دقائق من وصولي الى ذاك المكتب، جاء شاب يحمل معه الشعار الكبير الذي انتزعه عن مدخل السفارة الأميركية خلال تلك التظاهرة الكبرى. وقال الشاب لأبو اللطف وهو يقدم له شعار السفارة: "هذه هدية لك من السفارة الأميركية". وهنا ضحك فاروق القدومي طويلا، واستعاد توجهه للمداعبة، وأخذ يلوح بالشعار أمام المتواجدين آنئذ، وأذكر منهم المرحوم "ماجد أبو شرار" و "كمال العدوان"، وهو يقول ضاحكا وممازحا: "أنا ما شفتش حاجة...أنا ما عملتش حاجة"، وكان يلمح بأن المظاهرة كانت تتم بتشجيع من المؤيدين لحركة فتح، رغم عدم بروز تدخل فعلي ظاهر من الناشطين في قيادة الحركة.
وكانت تلك هي المرة الأولى التي التقيت فيها بكمال العدوان، لكنها لم تكن الأخيرة. اذ كنت في وقت لاحق من ذاك العام متواجدا في بيروت حيث التقيت مرة أخرى بمصطفى الحسيني الذي كان يبحث على عمل هناك، وقد عمل لاحقا (ربما في سنة لاحقة أو أكثر) كمحرر رئيسي في صحيفة السفير. ولا أعلم ان كان مازال يعمل هناك، كما لا أعلم ان كان ما زال حيا أو توفاه الله، اذ انقطعت صلتي فيه بعد ذلك.
المهم أنني التقيته صدفة في بيروت، وسألني ان كنت سأعود قريبا الى عمان، فأبلغته بأنني عائد اليها في اليوم التالي. فقال "عظيم. هل يمكنك أن تسدي خدمة لي، فأنا كنت أبحث عن مسافر ثقة، وها أنا قد وجدته". فسألته: "ما المطلوب" ، فقال "أود أن أوصل رسالة لأبو جهاد. فهل تحملها له". فقلت "حسنا..يسرني ذلك". وزودني بمغلف صغير مغلق تضمن الرسالة المطلوب ايصالها.
وفي مساء اليوم التالي ركبت طائرة شركة طيران الشرق الأوسط (اللبنانية) عائدا الى عمان. ولكن أثناء الرحلة، ساورني القلق. فما هو مضمون تلك الرسالة؟ كنت أسأل نفسي. وكان قلقي نابعا من كون أجهزة الأمن الأردنية في تلك المرحلة العصيبة من التاريخ، كانت تطلب من القادم الى الأردن، وخصوصا اذا كان أردنيا أو عربيا، أن يفرغ كافة محتويات جيوبه أمام رجل الأمن كي يتفحصها قبل أن يوافق على ارسال جواز سفره الى رجل الأمن المعني بوضع ختم الدخول على صفحات الجواز. وهنا سألت نفسي مرة أخرى: "ترى ما هي محتويات تلك الرسالة". وقدرت بأنها ربما تكون رسالة عادية من صديق لصديقه. ولكن ربما تتضمن شيئا آخر يضعني في موقف محرج أمام رجل الأمن عندما يطلب مني افراغ كافة جيوبي من كافة محتوياتها". هكذا فكرت. وساورني القلق. وفي عمل ندمت على اقترافه، قمت بفتح مغلف الرسالة الذي لم يكن مغلقا اغلاقا محكما. وقرأت الرسالة. وهنا جحظت عيناي وكادتا تقفزان من محجريهما. فالرسالة كانت تبلغ ابو جهاد بوجود زبون يرغب في بيع كميات من الأسلحة لمنظمة فتح وبأسعار معقولة. وتضمن العرض شراء بنادق رشاشة، وقذائف، ومدافع "آر بي جيه" وانواعا أخرى من الأسلحة. وحثت الرسالة أبو جهاد – المسؤول العسكري في فتح آنئذ- على قبول العرص لكونه يشكل فرصة جيدة للتزود ببعض الأساحة الحديثة. وهنا أسقط في يدي ، وهبط قلبي الى مستوى قدمي. فاذا اطلع مسؤول الأمن على هذه الرسالة، (لم تكن العلاقة على مستوى جيد بين فتح والحكومة الأردنية)، فاني لا شك سأواجه الكثير الكثير من المتاعب. وأخذت أفكر: هل أتلف الرسالة، وأنسى بأنني قد تسلمتها أصلا؟ أم ماذا؟
وكان قد بقي نصف ساعة على وصول الطائرة الى عمان، كنت خلالها أفكر بسرعة ألف كيلومتر في الساعة:هل أتلف الرسالة، أم أعيد اغلاقها وليكن ما يكون؟ وأخيرا رجحت الأمر الآخر مقررا مواجهة الموقف بطريقة أو بأخرى اذا ما اكتشف الأمر رغم خطورته. فأنا على أرض الواقع أحمل عرضا لتزويد حركة فتح بأسلحة جديدة، وهو أمر لا علاقة له بعملي الاعلامي.
ولكن الحظ كان الى جانبي. فقد استخمت لدى وصولي الى المطار كل مواهبي في التمثيل والأداء المسرحي. اذ كنت في بداية عملي، قد سلكت طريق العمل كممثل مسرحي، وكاتب مسرحي، بل ومخرج مسرحي كتب ومثل على خشبة المسرح (وكان مسرح مدرسة المطران في جبل عمان، والذي كنت أستأجره لغرض عرض مسرحياتي عليه) في ثلاث مسرحيات مختلفة، واحدة منها كانت بعنوان "ميسلون الخالدة"، وقد نشرت في كتاب صادر عن دار الرواد (دار نشر سورية مركزها دمشق). فلحظة دخولي الى صالة المطار ووقوفي أما رجل الأمن، بادرت لابراز بطاقتي الصحفية الصادة عن دائرة المطبوعات الأردنية، كما أبرزت بطاقتي الصحفية الصادرة عن وكالة "يو بي آي تي أن" (وهي وكالة بريطانية – أميركية)، فاحترمني رجل الأمن ورحب بي ومرر جواز سفري للحصول على ختم الوصول دون أن يطلب تفريغ جيوبي من محتوياتها. كابوس وراح.
وفي صباح اليوم التالي، ذهبت الى جبل الويبدة حيث موقع فتح السابق ذكره. كنت أبحث عن أبو جهاد لأسلمه الأمانة التي ائتمنت عليها. ولكن أبو جهاد لم يكن هناك. بل لم يكن في المكتب الا المرحوم كمال العدوان الذي التقيته سابقا يوم وقوع المظاهرة الكبرى ضد السفارة الأميركية. وكان لقائي الآن معه هو اللفاء الثاني. وسألني كمال عما أريده من أبو جهاد. فقلت له بأنني أحمل رسالة له. فقال: "حسنا أعطني الرسالة وأنا سأوصلها له". وهنا ارتبكت قليلا وقلت "لكن تعليماتي أن أسلمها لأبو جهاد". فرد كمال العدوان بشيء من الغضب: "أنا وأبو جهاد واحد. كلانا في فتح". وحرت في أمري، ولكني وجدت نفسي مضطرا لتسليمه الرسالة، فلا عذر لي أو مبرر لرفضي ذاك الطلب من أحد قادة فتح. وهكذا سلمته الرسالة، ففتح كمال المغلف فورا وأخذ في قراءتها وايتسامة غامضة تلوح على شفتيه. وهنا لوح لي بيده قائلا: "شكرا لك. لقد أكملت مهمتك". وغادرت مكتب فتح وأنا أتساءل ان كنت قد أخطأت أو أصبت. فماذا لو كان كمال العدوان عميلا اسرائيليا مندسا على حركة فتح؟ وفي أدنى الحالات ماذا يكون موقفي لو لم يقم كمال العدوان بتسليم الرسالة الى أبو جهاد، وربما قدمها الى أبو عمار باعتباره الشخص الذي وفر للحركة ذاك العرض ببيع الحركة ذاك الكم من السلاح.
وظلت الشكوك تساورني حول مدى صحة ما فعلت، الى أن استشهد كمال العدوان في بيروت في التاسع من نيسان 1973، ضمن عملية عسكرية استخبارية اسرائيلية قادها "يهود باراك"، أدت الى استشهاده واستشهاد قائدين آخرين من الحركة وهما أبو يوسف النجار وكمال ناصر. وجاءت تلك العملية الاسرائيلية انتقاما لعملية فلسطينية نفذت في ميونيخ عام 1972 خلال الألعاب الأوليمبية، ووصف منفذوها أنفسم بأنهم حركة "أيلول الأسود" نسبة للحرب الأهلية التي جرت في الأردن في شهر أيلول عام 1970، وكان أبو يوسف النجار ضمن من قادوا تلك العملية.
وأنا أذكر تلك الليلة الليلاء عندما وردنا الخبر حول اغتيال أولئك القادة الثلاثة ، اذ هرولنا (أنا ومساعدي والمراسل) الى الموقع الذي تعرض للهجوم، وكان مبنى مكونا من عدة طوابق، يقطن القادة الذين استشهدوا مع عائلاتهم في ثلاثة منها. ولدى دخول كل طابق من الطوابق الثلاثة التي هوجمت بعد منتصف تلك الليلة الليلاء، كنا نلاحظ حالة الفوضى التي أحدثها المهاجمون نتيجة بحثهم عن وثائق ومعلومات قد تفيدهم، كما كنا نشاهد آثار اطلاق النار الكثيف وخراطيش الرصاص الذي أطلق بغزارة على الشهداء وأدى بعضها الى مقنل زوجة المرحوم أبو يوسف النجار مع زوجها. أما جثث الشهداء فكانت لدى وصولنا قد نقلت من الموقع.
**************
وأكثر ما آلمني، اضافة الى مقتل القادة الثلاثة وبينهم كمال العدوان، أنه قد أتيحت لي فرص كثيرة لحسم الموقف الناتج عن قلقي لتسليم الرسالة الى كمال العدوان عوضا عن أبو جهاد، وذلك بتوجيه سؤال مباشر لأبو جهاد عما اذا كانت الرسالة قد وصلته فعلا أم لم تصله. فقد التقيت أبو جهاد في مناسبات سياسية عدة، وفي مهرجانات فلسطينية كثيرة خلال وجوده في عمان، ثم في لبنان بعد هجرة الفلسطينيين من الأردن الى لبنان في نهايات عام 1970 وأوائل عام 1971. وكان آخر لقاء لي معه في نهايات عام 1971 عندما التقيته في بيروت طالبا أوامر حركة لي ولزميلي، تمكننا من الدخول الى جنوب لبنان كفدائيين لا كاعلاميين (ورد تفصيل ذلك في الحلقة الثانية من جعبة ذاكرتي الفسطينية)، وأدت الى علم انمرحوم أبو جهاد باحتمال وقوع هجوم اسرائيلي على مواقع المقاتلين في الجنوب، فأمر المقاتلين، كما تبين لنا لاحقا، بتغيير مواقعهم مما أدن الى حقن دماء الاخوة المقاتلين الفدائيين المتواجدي في العرقوب – في أرض فتح. ورغم كل هذه الفرص، فأنا لم أجروء على توجيه ذاك الاستفسار اليه، خشية ألا تكون الرسالة قد وصلت اليه، فيلومني لوما شديدا على تقصيري في مهمة أوكلت الي وتطوعت لتقبلها.
واكن لقائي أبو جهاد في بيروت في نهايات عام 1971 لم يكن لقائي الأخير المميز لي معه. اذ كان لي لقاء آخر شكل مفصلا في مصير القضية الفلسطينية.
فبعد عودتي الى عمان في بدايات عام 1976، كان أبو جهاد بدوره قد عاد أيضا الى عمان قبلي ببضعة شهور. وكانت عودته نتيجة اتفاق عقده مع السلطات الأردنية يسمح بتواجد فلسطيني في الأردن، مع وعد بأن يكون تواجدا محدودا ومنضبطا خلافا لسلوك بعض الفلسطينيين في الأعوام من 1967 الى 1970، حيث وصف سلوك بعضهم بالفوضوي وعدم الانضباط والحرص على السيادة الأردنية. وأقام أبو جهاد بعد عودته، في منزل في جبل عمان. وهكذا كان طبيعيا أن يكون باكورة نشاطي الاعلامي في الأردن، أن أجري لقاء مع "خليل الوزير" – أي أبو جهاد، ليشرح لي طبيعة العلاقة الجديدة بين منظمة التحرير والسلطات الأردنية. ولكوني كنت مستجدا على العمل في الأردن بعد غياب طويل، ولم أكن قد اخترت بعد مساعدا لي، فقد اصطحبت معي يومئذ المرحوم ابني حنا الذي كان لم يزل فتى في نهايات السادسة عشرة أو بدايات السابعة عشرة من عمره.
وبعد أن أجريت اللقاء مع أبو جهاد وجلسنا لتناول القهوة، دخلت في دردشة مع أبو جهاد حول مستقبل النضال الفلسطيني. فشرح لي الوضع كما هو مشيرا الى العقبات الكثيرة التي تواجهها حركة النضال الفلسطيني بسبب تخلف بعض الدول العربية عن تقديم الدعم الكافي للحركة لفلسطينية ولقضيتها العادلة. وهنا تدخل "حنا" في الحوار مخالفا وعده لي بألا يتكلم أو يتدخل في أي حوار بيني وبين أبو جهاد، وهو وعد استقطعته منه قبل مغادرتنا المنزل، لعلمي بمدى اندفاعه وحماسه للقضية الفلسطينية. اذ قال حنا فجأة وبدون تمهيد: "لكن ماذا عن الشعب الفلسطيني في الداخل؟ أليسوا قنبلة موقوتة؟", وساد صمت وذهول لبعض الوقت كان أبو جهاد أثناءها يتبادل معي نظرات الاستفسار والدهشة، وهنا اضطررت لأن أكسر حاجز الصمت موجها كلامي للنمرحوم "حنا"" : "أسكت يا ابني. وعدتني بأن تلتزم الصمت ولا تتدخل". وهنا نظر الي أبو جهاد وسألني مندهشا: "ابنك...هل هو ابنك فعلا؟""، فقلت "نعم انه ابني"... متحمس بعض الشيء. أعذره رجاء".
وسادت فترة أخرى من الصمت وجدت نفسي أسأل أبو جهاد بعدها في محاولة أخرى لكسر حاجز الصمت: "فعلا .. ما هو دور الفلسطينيين في الداخل؟ انهم فعلا قنبلة موقوتة لم تفجر بعد...ماذا تنتظر المنظمة لتفجيبرها". فقال :"صحيح...الله كريم".
ولكن القنبلة الموقوتة لم تفجر على شكل انتفاضة هي الانتفاضةالأولى، الا في الشهر الأخير من عام 1987 . وتبين لاحقا، أن ابن "الرملة" - خليل الوزير، كان يعمل فعلا، ولكن سرا، منذ عام 1968، على تجهيز خلايا سرية في الداخل الفلسطيني ، أي في المناطق الفلسطينية التي سيطر عليها الاسرائيليون, وكان قد شرع في ذلك بعد الانتشاء بالنصر الذي تحقق في معركة الكرامة التي سميت بهذا الاسم نسبة للمعركة الكبرى التي جرت في شهر آذار 1968، وكانت المعركة الأولى التي حقق فيها الفدائيون الفلسطينيون بمؤازرة من مدفعية الجيش الأردني، النصر الأول ملحقين هزيمة بالعدو الذي هاجم مدينة الكرامة بدباباته ومشاته، لكنه خسر كثيرا في تلك المواجهة، واضطر للانسحاب تاركا وراءه دبابات دمرها المقاتلون، بل وتاركا أيضا بعض قتلاه، وهو أمر لم تعتد القوات الاسرائيلية على فعله في حروب ومعارك سابقة مع العرب. وأنا قد غطيت يومئذ ما خلفه العدوان وراءه من آليات وقتلى، وما زلت أذكر شكل دبابة دمرت على الطريق الرئيسي الذي يؤدي الى نهر الأردن، حيث كانت تحاول العودة من حيث أتت، لكنها أصيبت وقتل بعض من كان فيها. وأنا أذكر الى هذا اليوم، منظر أحد جنودهم داخل الدبابة وقد التفت حوله بعض الأسلاك، وقدر البعض معها (وهذا قد لا يكون صحيحا أو دقيقا)، أن الاسرائيليين كانوا يربطون جنودهم كي لا يلجأوا الى الفرار.
وتبين لاحقا أيضا، كما تقول الويكيبديا، أن أبو جهاد منذ رحيله المبدئي الى تونس في عام 1982 (ظل يتردد على الأرد،ن حتى شهر حزيرا 1986 عندما أبعده الأردن الى العراق، ومنها عاد الى تونس مرة أخرى)، كان قد بدأ يعد بشكل حثيث للانتفاضة الفلسطينية. وظل أبو جهاد في تونس الى أن اغتاله الاسرائيليون في شهر نيسان 1988 ، في عملية مشابهة لتلك التي نفذوها في بيروت عام 1973 ، واغتالوا فيها كمال العدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر، لاجئين الى نفس الأسلوب في الوصول الى تونس بحرا، كما وصلوا الى بيروت بحرا، مع وجود تعاون أرضي من قبل بعض عملائهم في الحالتين. والأغرب في الأمر أن الجنرال يهود باراك الذي قاد عملية بيروت، هو من قاد أيضا عملية تونس. بل والأكثر غرابة، أن كلي العمليتين قد نفذتا في شهر نيسان... ألأولى في نيسات 1973، والثانية في نبسان 1988، أي بعد خمسة أشهر على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في الشهر الأخير من عام 1987.
وهكذا استشهد أبو جهاد، ولكن بعد نجاح حلمه بتفجير القنبلة الموقوتة في فلسطين، والتي عمل طويلا في التخطيط لها....انها.قنبلة الشعب الفلسطيني التي يخشاها ناتانياهو، ودفن خليل الوزير، المولود في الرملة، في العاشر من الشهر العاشر (تماما كتاريخ مولدي أنا مع فارق عام في سنة الميلاد) في مخيم اليرموك في سوريا، ملتحقا بركب الشهداء، متوفيا عن عمر لم ينه الثانية والخمسين، تماما كما توفي ابني حنا وهو أيضا في الثانية والخمسين من عمره...بل وكما توفي أيضا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عن عمر لم ينه الثانية والخمسين من سنين حياته الحافلة بالعمل الوطني والقومي.





#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جعبة ذاكرتي الفلسطينية – 3 : عندما قدم عرفات خدمة شخصية ل ...
- من جعبة ذاكرتي الفلسطينية– 2: أنا والشهيد -أبو جهاد-
- تصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية، يسعى لاضعاف آخر قوة عربية قاد ...
- لقائي الأول مع ياسر عرفات (أبو عمار)
- ما المقصود بخطة ب؟ تفتيت سوريا أم تكريس ظهور قطبين جديدين ال ...
- هل ننتظر -سيسي- تركي يريح انقره من أردوغان، كما أراح السيسي ...
- صراخ ضد قتل يحصد خطأ بعض الأرواح، وصمت ازاء قتل يحصد أرواحا ...
- الهدية في فالنتاين ليست وردة حمراء، بل تسامح وتعايش مع الآخر ...
- المعارضة السورية تؤخر جنيف بانتظار (غودو)، وأسباب ارتياح سور ...
- من يقف في مواجهة من؟ العالم في مواجهة داعش، أم داعش في مواجه ...
- داعش: بين سعي أميركي لتحجيمها، واستراتيجية روسية لاستئصالها، ...
- مماطلة في عقد مؤتمر جنيف ربما تسعى للتأخير انتظارا لمجيء رئي ...
- اعدامات تنفذها داعش مع أحتدام المعارك العسكرية في سوريا مع ا ...
- أردوغان..أردوغان: هل وصلك أخيرا ربيع عربي كردي روسي داعشي: ا ...
- هذا كتاب آخر مفتوح موجه الى -مارك زوكيربيرج- - صاحب ورئيس شر ...
- أردوغان..أردوغان: هل بلغتك أخيرا لعنة الشيطان؟
- كتاب مفتوح الى مارك زوكيربيرج - رئيس شركة فيسبوك
- لماذا تغرد سلطنة عمان خارج سرب الخليج، و-تصرخ- فرنسا دون أور ...
- عمليات الاعدام الأخيرة، والبحث السعودي عن نصر ما، في ظل مخاو ...
- بانشغال القاعدة وداعش بحروب ضدهما:هل تتولى الذئاب المنفردة ف ...


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - من جعبة ذاكرتي الفلسطينية–4: فاروق القدومي والرسالة السرية التي حملتها لأبو جهاد