أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -42-














المزيد.....

حدث في قطار آخن -42-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


لو لم أكن من لحمٍ ودَمٍ لَتوقفت عصابة النساء عن مطاردتي. لو شكّل القدر جسدي من معجونٍ مغناطيسي ذكي، لصرتُ الأكثر جوعاً واِلتهاماً في العالم. لو كنتُ من مادة المعجون لابتلعتُ سيارة الكوكايين بركابها وكأنني ثقب أسود مرئي. لكن الدم ما زال يسري في عروقي وجسدي مازال من لحم! ها أنا أركض من جديد وفي كل الاتجاهات بحثاً عن سيارة شرطة...
أركض واشتياقي لاستراحة سيجارة بولمول قصيرة في تصاعد، أركض وسيارة البولمول تركض خلفي... أركض وأنا خائف حتى الموت، من اِختراق أعقاب سجائر البولمول المُتَوَهِّجَة كقَسَمَات وَجْه سابينه جسدي، من اِختراقها خصيتي وقضيبي الذكري...

"كنا أطفالاً في عام 1981 حين تناهى إلى أسماعنا عن طريق بعض العاملين في الحقل الطبي آنذاك، نبأ موت الشاب محمد عبود بفعل التعذيب اللطيف بأعقاب السجائر وأخواتها... قالوا لنا: أنّ رجال الأمن تَلَذَّذوا بحرق جلد الخصيتين!"


أركض وكلي ثقة، بأنّ المجتمع الذي لا يحترم مشاريع مدمنيه، ولا يفهم وجهات نظرهم الإنسانية واحتياجاتهم الروحية والجسدية، لا يُعَوَّل عليه ولا على شرطته في تحمل مسؤولية حماية التطور الاِجتماعي والديمقراطي لوطنٍ ما... "اللاتسامح هو المسار الأول للدكتاتورية" كما قال التاجر الألماني أولي شتاينكامب.

أركض وكلي ثقة، بأنّ المجتمع الشرقي بكافة مؤسساته المدنية، الذي غَضَّ طَرْفَه عن الملاحقات المخابراتية والاِعتقالات التعَسُّفيّة لخيرة شبابه وشاباته ولعشرات السنين، بسبب وجهات نظرهم الإنسانية المدنية، هو مجتمع مَشْلُول التَّفْكير، لا يستحق الديمقرطية لأنه لا يفهم معنى ممارستها وجدوى النضال من أجلها... "الحرية هي دائماً حرية الأشخاص الذين يفكرون بطريقة مختلفة" كما خطبت الفيلسوفة الماركسية روزا لوكسمبورغ.

أركض وكلي إيمان، بأنّ الغرض الأخلاقي من الدولة وشرطتها المدنية في هذا البلد هو تحقيق السعادة لمواطنيها! أركض والدولة في الشرق لا تحيد عن وظيفتها المرسومة لإبقاء شعوبها تحت نير التبعية والخنوع وحجب
السعادة عن مواطنيها...

أركض والخجل من احتمالية اِستعباط الشرطة لي، يجعلني أتوقف عن الركض وتسليم جثتي لنساء السيارة دون أية مقاومة!
"توفي أحد الضباط الكبار في حادث سيارة... دخل عبيط القرية إلى خيمة العزاء مندفعاً للقيام بواجبه، وقف في وسطها، جال ببصره في أرجاء الخيمة... ضحك ملء جنونه وقال: الحمد لله، البلد اﻵ-;-ن بألف خير يا سادة، لقد اجتمع كل سارقيها هنا! أشاح الحضور بنظرهم عنه، قالوا بصوتٍ واحد: لا تكترثوا لكلامه... إنه مجنون!"

أركض وأنا جائع، أركض وأصابع يدي اليسرى مطوية على بطني، لو لم يحصل ما حصل لكنت سأجلس صباح هذا اليوم إلى طاولة الفطور الشَهِيّ في بيت صديقتي مانويلا... كم أحتاج طعامك، كم أحتاج للأمان لديك والهدوء في بيتك... ستسمعينني أهمس لك: كم أنا مُمْتَنٌّ لك. ستهمسين: الامْتِنان هو صفة من صفات النفوس النبيلة.

"في إحدى الزوايا المشمسة من باحة مدرسة القرية يجلسُ صباح يوم سبت وحيداً متكئاً بظهره الصغير وبعض ذراعه الأيمن إلى السور، للمدراس هناك أسوار عالية! يراقب بنظارته الطبية حيل الأولاد، مشاكساتهم و ألعابهم البريئة... يده اليسرى تداعب فتق بنطلونه القصير... تتحمس السبابة، تستأثر بمساحة الفتق لوحدها! تشتعل بقية الأصابع غيرةً، يتعمق الفتق، يصير أزمة تشمل كامل أراضي البنطلون... الساعة قاربت العاشرة... حصة الرياضة شارفت على النهاية... يشعر بالجوع إذ مضى على خروجه من البيت عدة ساعات دون فطور... يحمل أصابع يده اليسرى ويطويها برفق على بطنه الصغير، يبتسم راضياً عن فطور الأمس صباح يوم الجمعة الباكر جداً... فقد تناول لوحده أكثر من خمس بيضات مقليات وأرغفة ثلاثة من الخبز المرقّد...
كان ليل الخميس مميزاً بالنسبة له بل كان حلماً، لم يكن ليلاً للنوم بل للسهر والسرقة. أمضى الليل ساهراً على سطح الجيران في خيمة من قصب، انتصف الليل ومازال وصديقا طفولته ساري ونزير دون عشاء إلى أن اقترح ساري تحضير فطور شَهِيّ... وحين سُئِلَ كيف لكَ ذلك؟
أجاب باحتراف: سنبقى مستيقظين حتى الثالثة صباحاً، سنشرب الشاي ثم نذهب إلى فرن دياب حيث يبدأ سرحان بتحضير العجين، سيعطينا بالتأكيد أرغفة الخبز الأولى دون مقابل، سنجد في طريق العودة سيارة تاجر الجملة أبو نصر المعبّأة بصحون البيض، سنصعد إلى شاحنته، سنأخذ منها ما يحلو لنا وما نستطيع حمله من صحون البيض!
أثارته الفكرة، وافق على تنفيذها معهما دون إضافات. في الساعة الرابعة صباحاً تسلّق ساري ونزير إلى ظهر الشاحنة مثل قطط جائعة، أما هو فقد ضم إلى صدره أرغفة الخبز الساخنة يراقب لهما خلو المكان... وصلوا إلى البيت برفقة ثلاثة صحون من البيض وموجات فرح. بدأوا خلسة بإعداد الفطور المُشتّهى، شاي وبيض مقلي وخبز وزيتون. في ذاك الصباح أكل للمرة الأولى في حياته كمية البيض التي طالما حلم بها واشتهاها، فقد اعتادت عائلات القرى الفقيرة على مزج بيضتين أو ثلاث على الأكثر بالطحين وقليهم كي تصبح الوجبة كافية للأولاد الذين لم يقل عددهم في أي أسرة عن السبعة!"

أركض وأنا ألمح سيارة الشرطة تفرمل أمام مدخلٍ مضاءٍ، أركض ونساء شرطة ينزلون من سيارتهم ويدخلون المبنى، أركض حتى أصل مدخل المبنى، أركض وأنفاسي شارفت على التوقف، أركض وأنظر خلفي دون أن أرى سيارة الكوكايين، أركض وقد شارفت الساعة على السابعة صباحاً، أركض والشمس تشرق خجولة، أدخل إلى قسم الشرطة، ألتقي اِمرأتان ورجل، أقول: صباح الخير يا سادة!



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -41-
- حدث في قطار آخن -40-
- حدث في قطار آخن -39-
- حدث في قطار آخن -38-
- حدث في قطار آخن -37-
- حدث في قطار آخن -36-
- حدث في قطار آخن -35-
- حدث في قطار آخن -34-
- حدث في قطار آخن -33-
- حدث في قطار آخن -32-
- حدث في قطار آخن -31-
- حدث في قطار آخن -30-
- حدث في قطار آخن -29-
- حدث في قطار آخن -28-
- حدث في قطار آخن -27-
- حدث في قطار آخن -26-
- حدث في قطار آخن -25-
- حدث في قطار آخن -24-
- حدث في قطار آخن -23-
- حدث في قطار آخن -22-


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -42-