أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - قراءة نقدية للأستاذة/ زهرة خصخوصي لنصّ “الرّفيق ديونيسوس” للكاتب: عبد الكريم السّاعدي.















المزيد.....

قراءة نقدية للأستاذة/ زهرة خصخوصي لنصّ “الرّفيق ديونيسوس” للكاتب: عبد الكريم السّاعدي.


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 20:45
المحور: الادب والفن
    


قراءة نقدية للأستاذة/ زهرة خصخوصي لنصّ “الرّفيق ديونيسوس” للكاتب: عبد الكريم السّاعدي.

النّص:
_________
( *الرفيق ديونيسوس )

بعد أن ارتشف الليل أساه من صمت المكان، تدثّر بملاءة سنواته الموحشة، كان يفيض وجعاً حدّ الثمالة، حدّق في المكان، لا شيء سوى جدران متآكلة، نافذة خشبية تتوارى خلفها أحلام مؤجلة، فراش تنزّ منه رائحة الموتى، أشياء رافقت رحلته مذ كان هو، تعبث بعزلته مع صفير الريح كلّ ليلة، حتى جفّ خياله من فرط التكرار. نهيق خفيض يسقط من سقف الغرفة، يطنّ في رأسه، يقطع صمته، الصوت يؤرقه بين الحين والآخر، ينبعث من عرض الخرابة الغافية على صدأ غرفته البائسة، ينتابه النعاس، يغمض عينيه لعلّه يغفو على حلم جميل، يطفئ وجع وحدته. رائحة ضجر وقلق تنساب إلى أعماقه مع حشرجة النهيق، أصداؤه الخافتة تنبعث مع رائحة الروث وعفونة المكان، ابتلع حيرته:
” لعلّه هو، لا يعجبني منظره، لقد أصابه العجز “.
رمق الليل بنظرة شاحبة، عرّج بمقلتيه في زوايا الغرفة، ارتشف ما تبقّى من عرق ليلته الممزوج بقسوة أوجاعه، اتّزر بمعطف سكره وبلاهته، راح يجرجر خطواته صوب رفيقه الدائم، أنيسه وحامل مشقّته. يجرفه الصوت نحو الخرابة، الظلام يلهث خلفه، أمسكَ ظلّ الصوت، رآه على غير عادته، ممدّداً بين العربة الخشبية وقناني الغاز، أصابه الذهول لمّا رآه يدور في دوامة الاحتضار، يكاد يختنق بنهيقه. افترش القشّ، جلس يحدّق بعينيه، كانت عيناه متدثرتين بنصف إغماضة، يرقد فيهما عتب شديد:
“آه يا صاحبي، أعلم أنّي أهملتك كثيراً، سامحني، سأناديك الليلة كما يحلو لمجنون السوق أن يناديك…. ديونيسوس”*.
وخزته عيناه مرة أخرى بوابل من النظرات كما أشواك الصبير. تذكّر كيف كانت أقدامه تلتهم الطريق، كان متحمساً، حذراً، حتى أنّ مجنون السوق كان يقبل إليه بلهفة، ويناديه عن بعد:
” أهلاً ديونيسوس، أهلاً بإله الخمر… ” ثم يتحسّس شعر رقبته.
كان حمار بائع الغاز يهزّ رقبته كلّما أقبل عليه المجنون، وكأنهما حميمان التقيا بعد فراق طويل، بينما يضحك أغلب المارّة بصوت عالٍ للمشهد الذي كاد يتكرر كلّ يوم.
” ديونيسوس، أرجوك لا تمت، إنّك تعلم أنّي لا أعرف غيرك، وأعلم جيداً أنّ سوطي يتوسد جراحاتك، ها أنا أكسر سوطي، هل يعجبك هذا؟ “.
انتصبت أذناه الطويلتان، وكأنّه يصيخ السمع له.
“ديونيسوس، أيّها الرفيق الدائم، لقد تحمّلت مرارة رفقتي، ما باليد حيلة، أنت تعلم في مكان كهذا، كنّا جزءاً من لعبة الزمن، وجزءاً من مشهد لم نختره أنا وأنت، سنكون قصة منسيّة “.
وقبل أن يغطّ في موته، بعثرته نظرة شاردة تحمل جراح السياط ووجع عتب السنين. انحنى لهباب الجسد المسجّى، لمسّ عينيه بأنامله المرتعشة، استوطنته موجة حزن جليل، يهشّ صمت الليل بحسرات ويمضي وحيداً. في الصباح يندسّ بين أطراف العربة الخشبية، يمدّ ذراعيه إلى الخلف، يمسك بهما، ينحني للأمام، يدفع بقدميه الأرض، ينطلق في غيابة يوم آخر، مختزناً ظلّ حوافر ديونيسوس الخافتة، المنبثقة من تحت أقدامه، يلثم خطواته بدمع وجعه، يقطع الأزقة لاهثاً:
. غاز … غاز … غااااااااااز، تطارده حلكة من نهيق.
————————————————————
* ديونيسوس : إله الخمرة عند اليونانيين، الذين قرنوا الحمار به*
______________________________
القراءة:
تتعسّر الخطى في نصوص تلتحف بالبلاغة فتمسي الصّور فيها صخورا زلقة لا مناص من الحفر فيها لبلوغ ذروة مقاصدها . وذا شأن الكتابات القصصيّة الدّافقة من قريحة المبدع عبد الكريم السّاعدي..وهذا النّصّ الذي جاد به علينا تجلّ من تجلّيات مخاتلة ظاهر الحكاية لمواراة باطن دلالاتها استفزازا لفكر القارئ وتحريضا له على إعمال آليّات الاستقراء الأدبي للمشاركة في بناء النّصّ امتدادا من الكاتب إلى القارئ ثمّ ارتدادا إليه..وسعيا إلى الظّفر ببعض الدّرر الدّلاليّة المخبوءة أرتكز على العنوان والإطار الزّمكاني وشخصيّة الحمار وملفوظ الشّخصيّة الرّئيسيّة.
العنوان
جعل الكاتب عنوانا لنصّه هذا “رفيقي ديونيسوس” وهو مركّب بدلي يتكوّن من المركّب الإضافي رفيقي واسم إله الخمرة في الحضارة الإغريقيّة “ديونيسوس”. رفيق صيغة مبالغة من الفعل رفق وتعني شديد الرّفق كثير المرافقة ويطلقها العرب صفة للخلّ الذي لا يفارق خلّه في السّرّاء والضّرّاء. وقد اتصلت هذه الصّيغة بالضّمير المتكلّم المفرد ليدلّا معا الاتّصال والتّلازم بينهما في دروب الحياة .والبدل في هذا المركّب البدلي هو اسم إله الخمرة في المعتقد الإغريقي القديم الموسوم بأنّه ملهم طقوس الابتهاج والنّشوة .وهذا العنوان بهذه الخصائص يقذفنا في لجّ أسئلة حارقة: ماهذه الرّفقة؟ من هذاه الشّخصيّة التي تلازم الإنسان ملازمة الرّفيق؟ وما الرّابط بينها وبين إله الخمرة والبهجة والفرح والنّشوة..؟ أسئلة لا يفكّ اللّبس الحائل بيننا وبين كنهها إلّا بتوغّل في طرق الأبواب العناصر النّصيّة الأخرى التي رأيتها خليقة بتحقيق ذلك..
الإطار الزّمكاني
زمانيّا امتدّت الأحداث على مدار ثلاث أزمنة مثّل اللّيل الزّمن الطّاغي نصّيّا عليها (التّسع عشرة سطرا الأولى والسّطر الرّابع والثّلاثين من النّصّ) وهو زمن اتّسم بالمكابدة والشّقاء(ارتشف الليل أساه/ عرق ليلته الممزوج بقسوة أوجاعه /الظّلام يلهث خلفه )ممّا يدفعني إلى رؤيته زمنا نفسيّا داخليّا خاصّا بذات الشّخصيّة يصوّرها السّارد من خلال رصد الزّمن.
أمّا الزّمن الثّاني فهو زمن غير محدّد، غير دقيق يكتفي بامتداده في الماضي كما دلّ عليه اقتران الفعل المضارع بالنّاسخ الفعلي “كان” (كان يقبل /كان يهزّ ) وهو زمن اتّسم بالنّشوة والبهجة والحبور كما استحضره السّارد وهو يسترجع الأحداث ..بينما يليه زمن ثالث هو الصّباح الذي ورد في موضع وحيد من النّصّ (في الصّباح) وقد تلا حدث الفقد . وللصّباح دلالات البدايات الجديدة والأمل والعطاء والتّجدّد ..أزمنة ثلاث انبنت عليها الحكاية لكنّها لا تشير إلى أزمنة موضوعيّة بقدر ما توحي بأنّها أزمنة نفسيّة ذاتيّة من الشّخصيّة تمتدّ وإليها تعود..
مكانيّا تدور الأحداث في قسمها الكبير في مكان ضيّق هو غرفة الشّخصيّة وخرابة الحمار، مكانين يرسمان مأساة المكابدة في مختلف تجلّياتها (صامت /جدران متآكلة /فراش تنزّ منه رائحة الموتى / غرفة بائسة /عزلة/ صدأ / خرابة /رائحة الرّوث /عفونة المكان )يبدوان للقارئ العابر من الحجر والطّين قُدّا لكنّ جملة أوردها الرّاوي مؤشّرا مساعدا في القراءة تنفي تلك الدّلالة الأولى ، حيث يقول :” نافذة خشبيّة تتوارى خلفها أحلام مؤجّلة” وبناء على أنّ الأحلام ليست متاعا من جماد تواريه نوافذ المنازل والغرف فما لتلك النّافذة غير دلالة الرّوح الحالمة المغلقة نافذتها رزحا تحت كلكل الحياة ومشاغلها، وبذلك يتجلّى لنا المكان في النّصّ ذاتيّا أيضا دالّا على الذّات البشريّة المنكفئة على نفسها مستسلمةََ لهموم الحياة مكابدةََ شقاءها باستكانة لاهثةََ خلف تلبية المتطلّبات المادّيّة الحينيّة اليوميّة..
شخصيّة الحمار:
صوّر السّارد هذه الشّخصيّة رفيقا لشخصيّة الرّجل بائع الغاز. وجعل له لقب إله الخمر الإغريقي واسترجع صورته وهو يترنّم بنشوة البذل والعطاء مبهجا ومبتهجا . والحمار هو الحيوان حامل الأثقال دون أن يشتكي المثخن بلذعات السّياط دون أن يردّ الفعل، المحتاج دوما إلى سائس يعتني به ويشير عليه بالعمل أو التّوقّف.. لكن ماعلاقة الحمار بإله الخمرة حسب النّصّ ؟ إله الخمرة باعث النّشوة والبهجة وملهم طقوسهما وما عُرفت الأحمرة بذلك..وبناء على ما تقدّم من استقراء للإطار الزّمكاني أرى أنّ الرّاوي يُخرج شخصيّة الحمار من مجال وجودها الحيواني ليجعلها مرتبطة بما هو ذاتي نفسيّ من دلالات وعسى ما سيأتي من قراءة لملفوظ الشّخصيّة يؤكّد هذا الفهم..
ملفوظ الشّخصيّة الرّئيسيّة:
لم تتكلّم الشّخصيّة في النّصّ إلّا وهي تخاطب رفيقها المحتضر أي الحمار..وهي تخاطبه حمّلها الرّاوي هذا القول:”ديونيسوس، أيّها الرّفيق الدّائم ،لقد تحمّلت مرارة رفقتي، ما باليد حيلة ، أنت تعلم في مكان كهذا ، كنّا جزءا من لعبة الزّمن ، وجزءا من مشهد لم نختره أنا وأنت ، سنكون قصّة منسيّة” وهو قول فيه إقرارات بحتميّة الرّفقة وقدريّة الوجود وحتميّة الفناء..وأيّ رفيقين تضمّهما هذه الإقرارات غير الجسد والرّوح والوطن والمواطن ؟؟! لعلّي أستند على ملفوظين اثنين آخرين لمزيد كشف الحجب عن الدّلالات .حيث نجد بائع الغاز يقول مخاطبا حماره :”أعلم أنّي أهملتك كثيرا” “أعلم أنّ سوطي يتوسّد جراحك ” قولان يحمّل فيهما نفسه مسؤوليّة الخذلان في مسار هذه الرّفقة ، قولان يجعلانني أستغني عن احتمال كونهما يمثّلان الوطن والمواطن وأتشبّث بأنّهما شخصيّتان دالّتين على البعدين المكوّنين للذّات الإنسانيّة وهما البعد الرّوحي والبعد المادّي..بعد مادّي طغى على البعد الرّوحي فأجّل أحلامه ورغباته وهو ملهم كلّ نشوة وبهجة ، تحت ضغط كلاكل الحياة وهمومها وبتقدّم الزّمن والعمر وهنت الرّوح المتألّقة فخبت جذوة الفكر الحالم فيها وغزاها اليأس حتّى ما عاد للوجود الإنسانيّ في هذه الذّات غير البعد المادّي الذي يكدّ لينعم الآخرون بدفء الحياة ..وهي صورة عائل الأسرة في مجتمعاتنا الذي يتخلّى عن الحياة ببعديها مكرّسا بعدا واحدا به يحيا أفراد أسرته ويظلّ كالشّمعة يلذع فتيلها المحترق جلدها ويذيبه حتّى تنار سبل المستنيرين بها…
نصّك سيّدي كالبحر عميق وافر الدّرر وفكري غوّاص مبتدئ يحاول الظّفر ببعضها وعساه وُفّق وإن قليلا.ً.سلمت قريحتك ودمت مبدعا متألّقا…



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الكلام على الكلام صعب -
- عطب
- سيرة معطف / قصة قصيرة
- امتزاج التأريخ بالشعر والخيال في ( غبار القصائد) / دراسة نقد ...
- دراسة نقدية لقصة ( توهُّم ) / بقلم الناقد أحمد طنطاوي
- قراءة نقدية لقصة ( في بطن الحوت ) للقاص عبدالكريم الساعدي
- حين يغرد حمار جارنا
- كانت امرأة أخرى
- ذاكرة من رماد / قصة قصيرة
- الرسالة وصلت / قصة قصيرة
- (شهقة طين) عنوان يلخّص التجربة الإنسانية ويرفعها إلى مصاف ال ...
- مع المتنبي في شارعه / قصة قصيرة
- انتظار
- محطّات / قصة قصيرة
- ( انعتاق ) قصة قصيرة
- تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة
- قرابين البحر
- سروال داخلي
- ((اللغة الشعرية و حوارية القصة القصيرة ))/ دراسة نقدية معمّق ...
- امرأة القمر / قصة قصيرة


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - قراءة نقدية للأستاذة/ زهرة خصخوصي لنصّ “الرّفيق ديونيسوس” للكاتب: عبد الكريم السّاعدي.