أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الكود الإنساني للأطفال














المزيد.....

الكود الإنساني للأطفال


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 03:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سوف يكبرون ويصبحون رجالا ونساءً قادرين على النهوض بمجتمعاتهم أكثر، قادرين على قيادة العالم علميًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا أكثر. أولئك الأطفال الذين تعلّموا في أولى سنوات أعمارهم أن الاثنين أقوى من الواحد، وأن نجاح الإنسان لا يكون إلا بنجاح رفاقه، وليس برسوبهم. لم يتعلم أولئك الصغار في مدارسهم أن يخبئوا الكتب فوق أرجلهم أثناء أداء الامتحان لينقلوا منه "خلسةً" الإجابات، ولا أن يضع التلميذ الحقيبة فوق البِنش بينه وبين زميله الجالس جواره حتى لا ينقل هذا الزميل معلومات من ورقة إجابته. أولا لأنه تعلّم أن زميله وكل زملائه غير غشاشين ولا لصوص، وثانيا لأن إجابات أسئلة الامتحانات ليست في الكتاب المدرسي بل في عقول الطلاب.
أتذكر أطفال الغرب في عيد الهالوين. في ليلة من ليالي أحد تلك الأعياد كنت أجلس مع صديقتي في درهة البيت بإحدى ولايات أمريكا. وكان القلق يفترسنا. نعلم أن أطفال الحي سوف يطرقون الباب بعد برهة! ولم نستعدّ لهم بقطع الحلوى والشيكولاتة! تهاتف صديقتي زوجَها وتستحثّه على الإسراع بالحلوى وإلا نفّذ الأطفالُ "وعيدَهم" الطفولي بعمل الخدع والشقاوات اللطيفة أمام باب البيت. يتنكّر الأطفالُ في ملابس غريبة تتدرّج من أجنحة الفراشات الشفيفة، وحتى أسمال السَّحرة الأشرار الغلاظ، ويضعون الأقنعة التي تتدرّج من الملائكة حتى الشياطين، يتنقّلون من بيت إلى بيت من بيوت الحي، يطرقون الأبواب قائلين: Trick´-or-Treat، أي: "هل ستعطوننا بعض الحلوى، أم نطلق عليكم ألاعيبنا وحِيلنا الماكرة؟" حاملين أكياسًا فارغة من القماش وأوعية على شكل ثمرة "القرع" وهو رمز هذا العيد، لكي يجمعوا فيها غنائمهم الحُلوة. إنه عيد الهالوين.
أصل العيد هو تزامن نهاية نوفمبر مع موعد الحصاد الأخير، وبداية فصل الشتاء الذي تكثر فيه المجاعات، وبالتالي يزيد عدد الموتى. واعتقد الآيرلنديون القدامى أنه في يوم 31 اكتوبر، يشفُّ الحاجزُ الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى، فتخرج الأرواحُ المتوفاة من القبور وتتجول في أمكنة معيشتها الأولى. لهذا يضع الأطفالُ أقنعة تعبر عن تلك الأرواح طارقين الأبواب طالبين الحلوى، من أجل تكريم أولئك الذين قضوا نحبهم جوعًا.
ما يعنيني هنا هو الحرص على كتابة "الكود الإنساني" لدى الأطفال في الغرب. ينشأ الطفلُ وقد تعلّم أن أولئك الناس خلف الأبواب، رغم أنه لا يعرفهم، إلا أنهم أهله وأقرباؤه في الإنسانية. يفتحون له الباب، يبتسمون في وجهه، يمنحونه الحلوى، ويتمنون له عامًا طيبًا. فيكبر الطفلُ وقد اكتسب مناعةً طبيعية ضد أمراض تصيب بعض المجتمعات الرجعية مثل البغضاء والخوف من "الآخر".
بتاريخ 10 فبراير 2009، كتبتُ بجريدة "اليوم السابع" مقالا عنوانه "رُدّ لي ابتسامتي"، تساءلتُ فيه عن سرّ توجّسنا من "الآخر". في الغرب، مستحيلٌ أن تلتقي عيناك بعيني شخص آخر في الشارع دون أن يبتسم لك، ويومئ لك برأسه كتحية. شخصان غريبان لا يعرفُ أحدُهما الآخر، يسيران فوق كوكب الأرض، تصادفَ أن التقت عيونهم للمرة الأولى، وربما الأخيرة، في لحظة زمنية بعينها؛ فلمَ لا يبتسمان لبعضهما البعض؟! أحبُّ هذه اللفتة الإنسانية وحاولتُ كثيرًا أن أطبقَّها في مصر. هالني أن الناس لا ترد الابتسامة! بل ينظرون لك بتوجّس وقلق! ابتسمُ لرجلٍ، فيُسيء فهمي! أبتسمُ لامرأةٍ فترتابُ في نواياي. قلتُ لنفسي دعنا من الرجال والنساء؛ ولأمنح ابتساماتي فقط للأطفال. فالأطفال، ملائكةِ الله على الأرض. فهالني أيضًا أن الأطفال لا يردّون ابتسامتي! ربما لأن أهلهم علّموهم أن البشرَ ذئابٌ تخطفُ الصغار. أمرٌ محزن أننا لم نكتب "كود" أطفالنا" على النحو الطيب الصحيّ. كان الأطفال قديمًا يدورون في شهر رمضان على البيوت قائلين "أعطونا العادة"، التي هي "العيدية". اختفى من أجيالنا هذا الطقس الطيب، لتحلّ محله معانى تضرب الإنسانية في مقتل. متى نعيد كتابة كود أطفالنا على النحو الإنساني السليم؟! متى نُنشئهم على المحبة غير المشروطة، دون الخوف من إيذاء الآخر، الذي قلّما يأتي؟!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيمور السبكي... ونحن والدستور
- اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
- الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات
- الإنسان الطيب
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!


المزيد.....




- بشرط واحد.. طريقة التسجيل في اعتكاف المسجد الحرام 2024-1445 ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- -تصريحات ترامب- عن اليهود تثير عاصفة من الجدل
- أصول المصارف الإسلامية بالإمارات تتجاوز 700 مليار درهم
- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الكود الإنساني للأطفال