أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 40















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 40


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5100 - 2016 / 3 / 11 - 15:10
المحور: الادب والفن
    


2 – القبعة والنبي: نحو وضع اجتماعي جديد

1 – مقدمة حول المسرحية وموضوعها

"القبعة والنبي" هي المسرحية الثانية والأخيرة التي كتبها غسان كنفاني بعد "الباب" إن لم نأخذ بعين الاعتبار تمثيليته الإذاعية "جسر إلى الأبد" التي تم جمعها ونشرها بعد مصرعه، ومع ذلك، وكما سنرى في القسم الثالث من أطروحتنا، احتفظت أعمال صاحب "ما تبقى لكم" بميزات درامية مسرحية.
ترقى هذه المسرحية إلى المرحلة نفسها التي تضمنت رواية "ما تبقى لكم"، وبكلام آخر المرحلة التي كان فيها كنفاني يبحث عن استقرار اجتماعي وإيديولوجي. رأينا في "ما تبقى لكم" كيف مهد البطل المتمرد السبيل لميلاد البطل قبل-الثوري، عندما هاجم العدو القومي والعدو الوطني بالسلاح عينيًا. وبدورها، تُبرز هذه المسرحية نفس البطل المتمرد الذي يتحدى الأعداء ليس بالسلاح بل بالأفكار، وذلك بمواجهة تصوره الإيديولوجي التصور الإيديولوجي لخصمه، ومن هنا تأتي تكاملية هذين العملين الأدبيين.
اعتمادًا منا على العملية العقلية التي قام بها الفهم لدى كنفاني لإدراك وتكوين المعاني المجردة، نقول دفعة واحدة إن للقبعة والنبي تصورًا دراميًا موازيًا لمسرح بريشت الملحمي –سنرى ذلك بالتفصيل لاحقًا- بمعنى أنها تحتوي على برهنات عديدة تجعل من المتفرج "مراقبًا"، موقظة حيويته الثقافية، ونقول كذلك إن لها دورانًا متعرجًا مطبوعًا بكثير من القفزات المضافة إلى التوتر الدرامي. والحق يقال إن هذه المسرحية أقرب إلى السرد منها إلى الفعل القائم بذاته ولذاته، فهي تعطينا رؤية عامة للعالم عَبر عالم الكاتب نفسه.
بناء على ما سبق، نقترح فرضية العمل التالية:
يحاول البطل المتمرد أن يزيل التناقض الجوهري لهذا العالم، بمعنى تشيؤ الإنسان المسحوق، وذلك في البحث عن علاقات اجتماعية جديدة. (57)

2 – بِنية الشخصيات: "أرقام" الحَبكة

الاتهام، الذي هو عبارة عن الموضوعة الأساسية للمسرحية، خاطئ منذ البداية، فهناك من يتهم أحدهم بقتله شيئًا، مع أن جريمة كهذه لا يمكن ارتكابها إلا في مخلوق حي. يثير هذا التناقض الكافكاوي الجوهري للمحاكمة مواجهة بين الأطراف المعنية، بينما تثبت نهاية المحاكمة التي تبرئ المتهم بطلان الاتهام، بمعنى أن هناك سببًا آخر حقيقيًا وراء هذا الاتهام. وإذ تحاول شخصيات المسرحية أن تُحِل حقيقة خاطئة محل وقائع حقيقية، يقاتل المتهم ليقيم الحقيقة الصائبة كما يجب عليها أن تكون. فما هي بالتالي العلاقة بين الشخصيات والمحاكمة؟ وفي أية ظروف تدور المحاكمة؟
لنحدد قبل كل شيء أن شخصيات المسرحية حسب ترتيب الكاتب هي: المتهم، الشيء، السيدة، والدة السيدة، رقم1، رقم2، شرطي، ساعي بريد... نميز بينها شخصيات رئيسية: المتهم، الشيء، رقم1، رقم2... وشخصيات ثانوية: السيدة، والدة السيدة، شرطي، ساعي البريد.

المتهم:

يجري تقديم المتهم كأي إنسان عادي، بسيط جدًا، "يكون في معظم المسرحية دون قميص، ويبدو بقميصه الداخلي طبيعيًا جدًا." (58)
يفسر هذا المظهر الطبيعة الفطرية لوسط المتهم الاجتماعي: وسط متواضع، تتشكل الأشياء فيه ببساطة، بعيدًا عن مناورات وألاعيب الطبقات الغنية. زد على ذلك أن المتهم نفسه يحاول أن يكون "شيئًا طيبًا" (ص 60) طيبة وبساطة وَحدتان في شخصيته تفسران ملاحظته التالية: "هل هناك ما هو أكثر رعبًا في حياة إنسان كان يخبئ الحب في جيبه كسلاح أخير للدفاع عن نفسه؟" (ص 60) وهكذا يكشف المتهم أن السلوك العفوي (الحب سلاحًا) لم يكن في خدمته كثيرًا. لماذا؟ نلاحظ قبل كل شيء أنه يطابق الحب على السلاح، ويمكن لهذه المطابقة أن تَظهر متعارضة مع الصورة التي يرغب في إعطائها. وعليه، يكشف استعمال السلاح أن المتهم قد دخل في مواجهة بدلاً من أن تدور في مناخ لصالحه تستهلك كل وسائله الدفاعية لدرجة أنه لم يكن بإمكانه اللجوء إلى الحب إلا بصفته سلاحًا، بنفس مستوى الأساليب الأخرى المستعملة عند الدفاع الذاتي. ويتقلد معارضوه مظهرًا مغالطًا، يسألونه ممن يدافع عن نفسه:
"رقم1: للدفاع عن نفسك ضد من؟ هل كان ثمة ما يتهددك؟
المتهم: كل الناس. كل شيء. صاحب البيت والخباز واللحام والطبيب. الغربة والوحشة والوحدة. المرض والشقاء. الشقاء الذي لا ينتهي وفرص السعادة التي لا نستطيع أن نملأها. العمل والبطالة. الانتظار والوصول. الانكسار. الفشل. طعم الانتصار التافه. القلق. نداء الرحيل الذي لا يستجاب. الخيبة. غياب الشمس وغياب الصديق وغياب الدهشة. الموت... يا إلهي! أن نراه قريبًا إلى هذا الحد، وأن ننتظره ليل نهار." (ص 50)
يشير التمرد المكشوف للمتهم ضد الناس والمؤسسات القائمة وما ينتج عنها أو ما له علاقة بها إلى أن "الكلية" ضده، فيتهمها جميعًا بتشويه الحياة التي يريد أن يحياها، دون أن يستثني تمرده بعض الأوساط الفقيرة كاللحام والخباز... إلى آخره. هذا يعني أن عنصر التمرد هنا فردي خالص، وضد الجميع، بعد أن وصل ذروته، فجاء التعبير عن ذلك لغويًا بمصطلح "الموت"، مما يعني أن المتهم يعي عزلته ومنفاه وبؤسه، وانتهى به الأمر إلى وضع حد لكل هذا، وذلك بتمرده المكشوف. فمن هو هذا الرجل على حقيقته؟ لماذا يهاجمونه؟ أي أثر له فيما يخص سبب الاتهام كعنصر بِنيوي أساسي؟
شخصية "المتهم" هنا اصطناعية –التهمة ملصقة به بشكل تعسفي- لأن ما يريد معارضوه إقامته عَبره عبارة عن حقيقة مطابقة في منظارهم للرؤية التي يرونها "مناسبة" للحياة. ونتساءل، لماذا هذا الرجل السريع التأثر الكريم الذي يحب الحياة سيعيق مخططاتهم؟ هل لأنه يمثل تيارًا معاكسًا أم لأن وجوده الحاضر يشكل خطرًا مستقبليًا على وجودهم؟ (بِنية التعارض والتطابق)
يبدو أن ذلك كله دفعة واحدة.
لنر في الاستشهاد الطويل التالي، استشهاد ننقله بحذافيره متعمدين، كيف يُظهر المتهم الناحية الإنسانية في بِنيته التكوينية خلال حديثه مع الشيء:
"...إنك لم تجرب لَذة أن تلتصق بدفء المرأة، عاريين. لا تعرف تلك الغيبوبة الراجفة كيف تهطل في العروق، بل لا تعرف لَذة ما هو أقل من هذا. أن تفرش نفسك في الشمس، أن تنتظر الشروق. أن تمطر السماء فوق شعرك. لا تعرف. لا تعرف لحظة الذروة في اللَّذة، لأنها مزيج من الألم والسعادة، كمن يضرب على قصبة ساقه، ولكنك لا تعرف الألم. الهواء. الضوء. بل أنت لا تعرف معنى أن تُحِب وأن تُحَب. المرأة. مرة أخرى. أنت محروم من لَذة الأكل. من لَذة الجوع المتحفز. ماذا أُعَدِّدُ لك؟ الصداقة. الفرح والحزن. الوصول. الهزيمة والنصر. الخيبة أيضًا. الانتصار مهما كان صغيرًا. دعني أوجز لك الأمر: أن تخرج ذات يوم مع امرأة تحبها وتحبك فتغتسلان بحرارة الشمس، وتأكلان، وأن تَعْدُوا بعد ذلك للفراش فتنجبا الأولاد. الأطفال! أنت لا تعرف هذه السعادة أيضًا." (ص 54- ص 55)
تمثل الصورة التي يعطيها المتهم للعالم، تحت نفي كل ما هو جميل فيه، بعيدًا عن تجميلها وجعلها مثالية، وجهًا من وجوه الحقيقة حسب تصوره الخاص. بينما يتجاهل معارضوه هذا الجانب من الحقيقة، لأنهم يقعون على سبب عيشهم في إثبات النفي، في استغلالهم كل ما ليس له علاقة بالجميل في العالم. وبسبب خشيتهم من أن يبلبل المتهم العلاقات الاجتماعية القائمة يبنون اتهامهم على تناقض متعمد. (بِنية النفي والإثبات)
بالطبع، يعي المتهم هذه الدسائس، فتضع أفكاره خصومه في مأزق وجودي عندما يقول:
"أنتم الذين تتواطأون على خداع تلك السيدة وخداع العالم كله. كنتم تريدون من كل النساء والرجال الذين شاهدوا حماتي أن يسقطوا ضحية تلك الخدعة القذرة فيقولون كلما مروا بها: ما أجمل قبعة تلك السيدة في حين أنها ليست قبعة. أما أنا، فكنت أريدهم أن يقولوا ما أجمل قبعة السيدة حين تكون قبعة حقيقية." (ص 68)
تنتهي هذا الصورة الثانية لعالم "مخدوع" بمساومات الأوساط المسيطرة إلى المعارضين، لكن نتائجها وخيمة، لأن كل المجتمع ضحيتها، فيحاول المتهم تحديد أن العلاقات الاجتماعية قد جرى تزييفها منذ البداية، لأنها وُلدت في عالم هو أيضًا مزيف. مما يؤكد ملاحظتنا حول المحاكمة اللامعقولة، لشخصيات لامعقولة، في عالم لامعقول. (بِنية الحقيقة والزيف)


المراجع
(57) سيعتمد تحليلنا على مسرحية القبعة والنبي، مجلة شئون فلسطينية عدد 20، بيروت 1973، من صفحة 45 إلى صفحة 76.
(58) يعطي غسان كنفاني في ملاحظاته السابقة للمسرحية أوصافًا فيزيائية ونفسية لشخصياته، ويحدد بدقة كيفية إعداد المشاهد والأضواء دون أن يفرض على المخرج التقيد بذلك، فهو يعتبرها مقترحات في رأينا ذات أهمية (ص 45- ص 46) وبما أننا نتكلم عن التقنية، والرغبة الكنفانية في إخراج هذه المسرحية الخالدة، نود أن نشجب مواقف المسرحيين الفلسطينيين قبل العرب في حيفا والناصرة ونابلس والقدس ودمشق وبغداد والقاهرة والكويت والدوحة و... و... الذين "بتطييزهم"، أي بإهمالهم "القبعة والنبي"، هم يفعلون ما لا يجرؤ على فعله الإنجليز بنعل شكسبير، الحاضر دومًا في مسارحهم. الشيء نفسه معنا، وحوالي المسرحيات العشر الشعرية والنثرية التي كتبناها.


يتبع الشيء



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 39
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 38
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 37
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 36
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 35
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 34
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 33
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 30
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 29
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 28
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 27
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 26
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 25
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 24
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 22
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 21
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 19


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 40