أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - حواسم أيام زمان















المزيد.....

حواسم أيام زمان


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5100 - 2016 / 3 / 11 - 15:09
المحور: كتابات ساخرة
    


حواسم أيام زمان

مهنة الكواز من المهن التي تواجدت في بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين، ساعد نوع الغرين الذي يجرفه نهري دجلة والفرات بإزدهار هذه المهنة لدى أجدادنا...
هذه المهنة تتطلب طين طبيعي والقيام بعملية تخمير له بأن يترك رطباً ويُقلب لعدة أيام ثم يعجن، أما الأيادي التي تقوم بذلك فهي أيادٍ ماهرة، ويمكن أن تنقش الأواني والجرار قبل شيها (أي فخرها) بالأفران، ويمكن أيضاً أن تزجج بعد أكمالها بألوان خاصة ثم يتم أدخالها الفرن من جديد لنحصل على السيراميك.
المواد الأولية هي الطين الموجود على شواطئ الأنهار وبنوعيات مختلفة، وبعض الأصباغ التي تتحول بعد أن تطلى بها الأواني لزجاج بمجرد أن تتعرض لحرارة فرن مغلق، أما القاعدة يتم تدويرها بالرِجل، فهي أساس تشكيل الأورني بمختلف أشكالها...
× × ×
حين كنا اطفالاً في مدينة بعقوبة بالستينات، كان ليس بمستطعنا أعتبار (سعدون) أحد الأصدقاء، لأنه كان يتصف بسفالته وقلة أدبه وقبوله بالحرام، وهو كوالده (أبو سعدون الكوّاز)، فلا يختلف ـ في الواقع ـ الأثنان عن بعض كثيراً.
كان (سعدون) يتصيد (الغشمة) كي يحصل على المال، ولم يكن والده رافضاً هذا المبدأ بل يسعده مدعياً بأنها شطارة وخفّة، مثلما يبيعنا (الحِب والتنكة) وهي (معيوبة) بقصد التربح ولا يرضَ بعد ذلك ترجيعها أو حتى تبديلها...
كان (سعدون) يصطنع أنه وقع من عربة العيد التي تأخذنا نحن الأطفال مع بالوناتنا الملونة وتدور بنا طرقات المدينة، ويَقلبُ فرَحنا (مناحة) حتى يعفيه (العربنجي) من دفع خمسة فلوس هي أجرته، وفوق ذلك، يذهب لأقرب دكان، ولم يرضَ أن يتحرك و(الدموع) تنهمل من عينيه، إلا لو يشتري له قنينة (بيبسي كولا) لجبر خاطره، وبعد أن يدفع حقها الرجل ويمضي، يدعى (سعدون) وفي مشهد غريب، أن (كزيزة) بمدخل الدكان ضربت رجله ويطالب صاحب الدكان بإعادة ثمن ما شرب أو يذهب ليشكيه لأبيه...
ولما كنا نتمسك بخلفية العربة (الربل)، تلك التي يجرها الحصان، من أجل التمتع والمجازفة، كان (العربنجي) ينهرنا ويهددنا بحركة السوط (القمجي) بإتجاهنا، كان (سعدون) هو الوحيد الذي يدّعي بأن السوط قد لامس وجهه ليهدد ويتوعد (العربنجي) بأنه سيشكيه لأبيه، الأمر الذي يجعل (كروة) العربة تذهب لجيبه خشية على سمعة العربة والمهنة و(كفيان) لشر أبوه...
حتى القطار المتري لخط كركوك والذي كان يتوقف بمحطة (بعقوبة)، يقوم (سعدون) بتعليق نفسه بآخر العربة التي كان يشغلها بعض الحرس حينما يتباطأ سير القطار عند المحطة، حتى طفح بأحد الحراس يوماً الكيل، فركله بقدمه ليسقط على أثرها على القضبان، ولم يتسبب سقوطه بأذى بدني بالنسبة له، لكن أزعجه تهامسنا (شماتة) به، في يومها أسمعنا هذا الشقي بذئ الكلام دون مبرر، فشكاه بعض الأولاد لأبيه ليتطور الأمر بين (سعدون) وأبوه للحد الذي تجرأ الإبن لرفع سكيناً حاداً كانوا يستخدمونها للنقش على الأواني قبل فخارها، ولولا مشيئة الله لزرعها (بكرش) والده المترهل حتى ركبتيه. لم يكن السبب في عراكهم سوء تصرف الإبن، بل لأن هكذا مغامرات بالمحطة سوف لن يجني منها الولد مالاً!
المفارقة أن خِطط (سعدون) سرعان ما كانت تنكشف، فيفقد مصدر الكسب، لكنه وما أن تُغلق باب، حتى يَفتح باب أخرى بمشروع خدعة جديد... ويقول لنا بأن الله لا ينسَ (رزق) عباده!
× × ×
في بعقوبة عام سبعين، قامت البلدية بتغليف جانبي نهر (خريسان) الصغير والجميل بالبلاط وعمل حدائق حوله، وهذا النهر يتفرع من النهر الأم (ديالى) في منطقة الصدور، وكان مشروع رائد تم من أجله تحويل مجرى النهر بحسب مراحل عدّة وذلك بفتح مجرى مؤقت بجانب الأصلي ثم تحويل المياه له لحين تغليف أرضية النهر الأصلي...
خلال عملية الحفر بالشارع المجاور للمجرى الأصلي، كانت الحفّارة تعبث بأساسات بيت قديم كان قد طُمر تحت تبليط الشارع منذ سنين خلت، وإذا بكنز من الأواني الفخارية المملوءة بالعُمل المعدنية يظهر للعيان. توقف العمل و(طش) الخبر بكل المدينة فهرع البعض يجمع العُمل المعدنية البراقة قبل أن تأتي قوة من الشرطة لتحوط الموقع...
تدخلت خلال بضعة أيام جهات عديدة، لجنة من الآثار ومن دائرة الري والبلدية والشرطة، الأولى تريد إحاطة المكان وتأجيل العمل فيه لعله يحتظن آثاراً قديمة وثمينة، ودائرة الري تريد الأسراع بالحفر أو إيجاد البديل لأن قطع ماء النهر لعدة أيام يعرّض بساتين البرتقال للعطش، والبلدية يراد منها مخططات بديلة كي يقوم المقاول بعمله ضمن الفترة المحددة شرط عدم تعارضها مع تمديدات الماء والمجاري، أما الشرطة فتريد معرفة أين تسربت بقية المسكوكات التي طالتها يد الغوغاء قبل عملية أنتشار الشرطة وإحاطة المكان...
شُكلت لجنة من بينها كان والدي الذي يشتغل خبير لمصرف الرهون بالمدينة من أجل تقييم قيمة المسكوكات، وكانت الشرطة تقوم بمداهمة محلات ودور الصاغة الذين أشتروا في بادئ الأمر البعض منها، فنجحوا بجمع ما يمكن أن يملأ الجرار الفخارية (الخمسة) التي تم أستخراجها والتي تبينت أنها مجرد (طميمة) من المسكوكات الفضية قام بها ساكن تلك الدار لم يتم التعرف عليه، فقد شغل البيت في زمن سابق لا يتعدى المائة عام، حيث المسكوكات كانت عُمل فضية عثمانية ليست قيّمة كآثار.
كانت تلك الجرار بعد أن دفنها الشخص المجهول، قد طبعتْ بمرور الوقت أماكن بالطين الذي أحاط بها نتيجة الضغط والرطوبة، فأخذ شكل تلك الجرار وحتى نقوشها، وكان الأثر يُشير بوضوح لستة جرار وليس خمسة!
(من يمكنه أن يأخذ جرة كاملة بحمولتها من الفضة؟) تساءل أهالي (بعقوبة)، فحَملْ عشرات الكيلوغرامات لا يقوى عليه شخص بل يجب أن يتعاون عليه شخصان يعرفان التعامل معها بشكل صحيح فحملاها دون أن تتهشم في لمح البصر قبل وصول قوات الشرطة، من هما وأين ذهبا بها؟
× × ×
في سوق الصاغة، كانت الأسابيع القادمة تعطي أجابات لكنها ضبابية وغير أكيدة، فثمة أثنان أو ثلاث من جيل الصاغة الشباب، بدت عليهم (طفرة) مادية غير معقولة وظهرت عليهم إمكانيات جديدة تدل على تربحهم من صفقةٍ قد ساعدتهم بأن يظهرون حالهم حال الصاغة المخضرمين، وكانت أصابع خجولة وبحذر، تشير للتربح من الفضة التي تسربت والتي كانت تزن مائة كيلوغرام أو أكثر.
هذه المسكوكات الفضية، كانت كافية ليغتني منها شباب مجازفون نجحوا بأخفاء معالمها بسرعة وذلك بصبها وتحويلها لفضة خام ثم تصريفها ببغداد، لكن أين الجرّة الفخارية التي حملتها الأيادي المجهولة بادئ الأمر، فلا يمكن صبها وإخفاء معالمها؟
كان يمكن تمييزها بسهولة من قبل أي عاقل بسبب قدمها حين تراى قطعها وشظاياها بين الأواني الجديدة التي كانت تتلف خلال عملية التصنيع ويقوم (سعدون وأبو سعدون) برميها على تلة الأنقاض القابعة خلف دكانهم الصغير المصنوع من جريد النخل على حافة أحد بساتين المدينة!

عماد حياوي المبارك

× عملية نضوح الماء من الآنية الفخارية، هي التي تؤدي لتبريدها بمحتواها من الماء عند عملية التبخر التي تُبرد بأستمرار سطحها الخارجي.
× من المفارقات، أنه في العراق الجديد وبعد خمسون عاماً على تلك الواقعة ومشروع تغليف النهر الجميل، أرادت البلدية إعادة صيانته، فتنافست شركتان محليتان، أي مُقاولان، ولما فاز أحدهما وجاء بآلياته الموقع، تعرضت الآليات في أول ليلة للحرق والتدمير.
لا تجرأ أصابع الأتهام حتى الساعة تقول من المستفيد من ذلك، لكن على أية حال فالمتضرر من ذلك أهل المدينة وبساتينها ليس أحداً سواهم!



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على مودك
- أبو عبد الله
- خطة لا يعلم بها أحد
- ليلة من ليالي رأس السنة
- كرسمس
- للأذكياء فقط... أيضاً
- للأذكياء فقط... رجاءاً
- من هم الأذكياء؟
- حدث بشارع حيفا
- كونتاكت
- أبو ناجي
- لاند خود
- ((زوغق))
- ((ديوان بالديوانية))
- (أوتو ستوب)
- ((خوردل روز))
- آيدلوجيات وأستراتيجيات
- بين الرصافة والكرخ
- ((أطوار))
- حزب الفراشات، بين الباستيل والخضراء


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - حواسم أيام زمان