أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يامنة كريمي - إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية الجزء الأول.















المزيد.....


إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية الجزء الأول.


يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)


الحوار المتمدن-العدد: 5095 - 2016 / 3 / 6 - 20:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية
الجزء الأول.
تزخر الساحة الفكرية المغربية بالعديد من الكتابات المرتبطة بموضوع المرأة. لكن في معظمها تنطلق من منطلق واحد أو متشابه وتصل إلى نفس النهاية، وهي أن المرأة ضعيفة القدرات العقلية والعضلية –ناقصة عقل ودين-، وشديدة الانفعالات، وغير قادرة على اتخاذ قرار ولا تحديد موقف. وبالتالي فطبيعتها هذه لا تأهلها سوى للإنجاب وخدمة الرجل في شكل زوجة أو جارية أو خليلة أو... وهناك من يتمادى في هذه النظرة التحقيرية والتنقيصية للمرأة ويعتبرها، ثعبانا وشيطانا ومصدر شؤم ومحترفة للشعوذة والسحر... وعن هذه الكتابات يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
- كتابات تفتقر للمصداقية والأمانة العلمية والفكرية.
- كتابات تطغى عليها الصبغة الانطوائية والانعزالية حيث إنها عالجت موضوع المرأة العربية منفصل تماما عن نساء العالم.
- كتابات أخرجت ظاهرة المرأة من نسقها العام عندما أهملت حركية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاختلافات الجغرافية وأثرها في تحديد أوضاع المرأة.
- كتابات تعتمد مبدأ الإسقاط والتعميم العشوائي، حيث تسقط على المرأة الإسلامية بثقافاتها المختلفة، ثقافة طبقة معينة من نساء قبيلة أو مجموعة قبائل عربية، في فترة زمنية معينة. ولكل هذه العوامل ولغيرها يعتبر هذا النتاج الفكري نتاجا إقصائيا واختزاليا، يفتقر إلى الموضوعية والمصداقية.
لذلك فمن خلال هذا العمل سنحاول تجنب السقوط في فخ تكرار واجترار ما جاء في كتابات الأغلبية المتحاملة على المرأة، وكذلك ما ورد في مؤلفات الأقلية التي تبنت مبدأ العطف والشفقة على المرأة – لما يصدر في حقها من ذم وتحقير وتحامل – والدعوة للأخذ بيدها وحمايتها. لأن كلا الموقفين لا يبتعدان بنا عن الأفق الضيق والمظلم الذي اختطته السلطة الرجولية المهيمنة للمرأة. على أمل أن تملأ هذه المحاولة بعض الثغرات في هذا المجال، سواء على مستوى المنهج أو المعرفة لكونها ستراعي كل من عنصر الزمان، والمكان، والسلم السوسيو-اقتصادي، والانفتاح الخارجي. وبالتالي ستعالج الموضوع من باب التعدد والتنوع والتداخل والتمازج والتطور وذلك انطلاقا من العناصر التالية:
1-المرأة الأمازيغية قبل الدخول الأجنبي.
2-المرأة الأمازيغية في ظل الديانة اليهودية.
3-المرأة الأمازيغية في ظل الديانة المسيحية.
4-المرأة الأمازيغية من دخول الإسلام إلى الفترة المعاصرة.
أولا: المرأة الأمازيغية قبل الدخول الأجنبي إلى تامزغا
إن معالجة أوضاع المرأة في هذه الفترة يمر عبر مواجهة مجموعة من الصعوبات، أولها غياب المراجع المكتوبة، لأنه كما لا يخفى على الجميع، فالوثائق التاريخية للحضارة الأمازيغية قد تعرضت للحرق والإتلاف على يد الرومان في المرحلة الأولى وخاصة بعد حرق قرطاجة(1)، وعلى يد العرب في مرحلة موالية(2). باستثناء ما وجد ضمن التاريخ الروماني والبيزنطي والمتواجد حاليا في مكتبات بإيطاليا أو إسبانيا أو فرنسا، والذي أطلعنا على البعض منه مجموعة من الباحثين الجامعيين. مما جعلني أرجع في هذا البحث إلى مصادر معرفية أخرى وهي:
- الثقافة الشفاهية من نوع الأحاجي والأساطير كإحدى مكونات الثقافة الأمازيغية. والتي لعبت أدوارا مهمة في المجتمع الأمازيغي كغيره من المجتمعات في فترات زمنية معينة، سواء كوسيلة تربوية أو ترفيهية أو تاريخية حيث كانت الأحاجي تتكلم عن شخصيات متميزة كالحكام والملوك... أو القوى والظواهر الخارقة. ومن خلال ذلك الحكي تتطرق للأوضاع السياسية والأنشطة الاقتصادية والعلاقات الأسرية والاجتماعية.
- الوقوف على العادات والتقاليد التي لها صلة بموضوع المرأة، والتي لازالت قائمة وسائدة في بعض المناطق، بحكم أنها لم تخضع للسيطرة الأجنبية بشكل مباشر ومكثف. أو لأن السيطرة لم تقضي نهائيا على ذلك الموروث، وإنما اكتفت بقولبته وفلكلرته بعد إفراغه من حمولته الحضارية والثقافية الحقيقية.
- الرجوع للتاريخ الفرعوني، لكونه يشكل المادة التاريخية الأكثر توفرا بشمال إفريقيا من جهة ولثبات عملية التواصل والاحتكاك والتفاعل – إن لم أقل الوحدة – ما بين حضارات شمال إفريقيا عموما وما بين الحضارة الفرعونية والأمازيغية خصوصا. والدليل على ذلك التواصل الحضاري هو :
أولا-تجاور الحضارتين. ثانيا مزاولة السكان للرعي والتجارة كأنشطة تعتمد التنقل والترحال الطويلين. توفر وثائق تاريخية كثيرة تثبت أن الليبيين كانوا على اتصال مستمر بالفراعنة(3). وفي الحقيقة، كان رجوعنا إلى التاريخ الفرعوني –في جانبه الخاص بموضوع المرأة – جد مفيد ومثير. حيث وقفنا على حقائق في منتهى الأهمية والموضوعية بل الجدة بالمقارنة على ما تعلمناه أو ما هو متداول في الثقافة المهينة. فقد وقفنا بالملموس على أن كل من المرأة الفرعونية والليبية قد تمتعتا بوضعية اجتماعية معززة ومكرمة. وبمرتبة متميزة، حيث اعتليتا مناصب الحكم سواء كملكات أو زعيمات أو كاهنات أوآلهات. وكانتا في منتهى الشجاعة والمسؤولية. فحسب ما جاء في التاريخ الفرعوني – أنه باستثناء الفترة الممتدة من الأسرة الخامسة إلى نهاية العصر المتوسط – حيث لم تعتل المرأة مناصب الحكم نظرا لسيادة النظام الإقطاعي وما رافقه من نظام أبوي، متميز بتعدد الزوجات والتسري وانتشار ظاهرة الأبناء غير الشرعيين وتبعية المرأة للرجل والحد من الحريات التي تتمتع بها عادة... - فعبر باقي التاريخ القديم كانت المرأة بتامزغا لا تقل مكانة عن الرجل ولا تميز عنه. فكانت منها الملكات مثل نيوتوكريس وسبك نفرو وحتشبسوت وتووسرة (كلمة قريبة من كلمة الشيخوخة في اللغة الأمازيغية) عهد الدولة الحديثة واستمرت ظاهرة الحكم النسائي حتى العصر اليوناني-الروماني الذي عرف تسلسل حكم الكندكات أي الملكات الحاكمات(4) والذي نذكر منهم على سبيل المثال شنكدخته في بداية القرن الثاني قبل الميلاد. الملكة أمني ريناس...الملكة كليوباترة في العهد الهليستيني. بل الأكثر من ذلك أن المرأة شغلت منصب إله وأشهر الآلهة حاشور، والإلهة إزيرس التي كانت إلهة كل شمال إفريقيا والتي يقرب معناها من الكلمة الأمازيغية-الليبية- ثيزيري وهي القمر. وحتى في المرحلة الثانية من النظام الإقطاعي في العهد الفرعوني، حيث لم تكن المرأة تشغل منصب ملكة مستقلة، وكان الملوك حتما آلهة، كانت زوجات الملوك تتولين مناصب مهمة في المجال الديني وتتمتعن باحترام غير عادي. هذا فيما يخص أمهات الملوك وزوجاتهم وبناتهم، أما سواد الشعب فبالنسبة له القاعدة في أغلب الأحيان كانت هي الزواج الأحادي والمرأة تعمل على مساعدة الرجل في الحصول على لوازم العيش.
أما فيما يخص النساء الليبيات –الأمازيغيات– فلم تختلفن عن النساء الفرعونيات ولم ينفصلن عنهن بل شكلن عنصرا من العناصر المكونة للتاريخ الفرعوني بحكم الاحتكاك أو بحكم السيطرة التي مارسها الليبيك على مصر في العهد الفرعوني خاصة في القرن العاشر وطيلة عهد الأسرة الثانية والعشرين والثالثة والعشرين، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك وكما سنبين في حينه. فقد شغلت النساء الليبيات مناصب سامية كملكات وكآلهة. مثل الإلهة تانيت، التي قال عنها ديودوروس الصقلي في مكتبته التاريخية أنها كانت تقود جيشا من النساء –الأمازونيات -. والأمازونيات هن الوحيدات الثدي أو النزوعات الثدي. وعنهن يقول ديودوروس الصقلي في نصوص ليبية، أنهم النسوة المحاربات اللاتي كن يعشن في ليبيا ثم ذهبن إلى مصر ومنها غزون الشام كله حتى الأناضول وبلاد الإغريق وأنشأن مماليك. وعرفت الإلهة تانيت كذلك باسم المحاربة العذراء، وعنها يقول هيرودوت، أنها ربة الحرب والنزال واسمها الأصلي نيث وعرفت كذلك بتانيتوبتانيس. واسم تانيت هذا، قريب من اللغة الأمازيغية وخاصة من العبارة تانوت والتي تعني البئر الغير العميق. وإلى جانب تانيت أو تاناست وجدت الإلهة تامحوتTAMHOUT (ربة الليبيين)، وميدوسا الفرعونة والملكة تيهينان التي لازالت الذاكرة الجزائرية تحتفظ لها بالكثير. لذلك فكل ما بين أيدينا من معارف تاريخية، يدل على أن المجتمع الليبي - الأمازيغي- عرف خلال العصور القديمة والكلاسيكية ظاهرة المجتمع الأم أو المجتمع الأموسي... الظاهرة التي احتفظت المجتمعات الأمازيغية عبر العصور بمجموعة من خصوصياتها، رغم انتشار وسيادة النظام الأبوي أو الرجولي.
ثانيا: المرأة الأمازيغية في ظل الديانة اليهودية ببلاد تامزغا
في هذه الفترة سنميز ما بين خصوصيات المرأة في المناطق التي اعتنقت الدين اليهودي وما بين مثيلتها في المناطق التي ظلت بعيدة عن ذلك. وبين هاتين الفئتين يمكن العثور على خصوصيات أخرى للمرأة في هذه الفترة تبعا للوضعية السوسيو-اقتصادية...
أ- في المناطق التي اعتنقت الديانة اليهودية وهي، المدن والمراكز الاقتصادية المهمة، كانت المرأة الأمازيغية قد خضعت للقوانين التي تحكم المرأة اليهودية في تلك الفترة والمتمثلة في: -تعدد الزيجات وما ملكت يمين الرجال... ظهور مبدأ المهر وواجب نفقة الرجل على المرأة. وحقه في تحديد تصرفات المرأة إلى حد أنها كانت تخرج في حياتها مرتين مرة إلى بيت زوجها ومرة إلى القبر. وكذلك انفراد الرجل بحق الطلاق و "إن كان بعض مفكري اليهود –قبل المسيح بأمد بعيد – بدأوا يستهجنون عادة الطلاق ويقولون أن الإله "يهوه" يمقتها..."(5). لكن لابد من الإشارة إلى أن هذا لا يمنع من أن تكون هناك حالات خاصة تفرضها ظروف اقتصادية أو اجتماعية فمثلا الفقر يمنع من تعدد الزوجات.
ب- في الجبال والقرى النائية والفقيرة، سواء التي وصلتها الديانة اليهودية بشكل غير مباشر أو لم تصلها، احتفظت المرأة الأمازيغية بطابع الحرية ومساواة الرجل ساعدها على ذلك ضنء العيش وسياسة الترحال وحاجة الرجل إلى مساعدتها للبحث عن الرزق خارج البيت برعي المواشي أو الزراعة أو جني الثمار... وحتى داخله بممارسة بعض الحرف مثل الغزل والنسيج. والجميع يعرف بأن الاستقلال المادي أو على الأقل المساهمة في النفقة على الأسرة تكسب المرأة نوعا من الاستقلالية والحرية والكرامة. وتخفف من السلطة الرجولية، في حالة استعداد المرأة لذلك.
ثالثا: المرأة الأمازيغي في ظل الديانة المسيحية
عاشت المرأة الأمازيغية تحت النظم والقوانين المسيحية المنظمة لحياة المرأة زهاء ثمانية قرون، مدة التواجد الروماني من القرن الأول إلى القرن الخامس الميلادي، وبعده تواجد الوندال من 534م 434م، ثم التواجد البيزنطي من 533م -647م بتامزغا. وبذلك فإن الديانة المسيحية قد تغلغلت في المجتمع الأمازيغي وخاصة بالنسبة للطبقة الأرستقراطية القريبة من السلطة الرومانية إلى درجة أن أمازيغيا شغل منصب أكبر قديس مسيحي هو سان أوكيستان وأن أمازيغيا آخر حكم الرومان سنة 193م، وهو الإمبراطور سبتيام سيفير. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تداخل الحضارتين الرومانية والأمازيغية، وبالتالي مدى تأثير الديانة المسيحية في حياة المرأة الأمازيغية وإن كان هذا التأثير لم يكن بنفس الدرجة بالنسبة لكل الطبقات الاجتماعي والاقتصادية وما بين البوادي والمدن الساحلية لذلك ففي هذه الفترة الزمانية قد ميزنا ما بين، المرأة الأرستقراطية والمرأة من فئة العبيد والمرأة في المناطق النائية.
أ- المرأة الأمازيغية من الطبقة الأرستقراطية المسيحية:
إن وضعية هذه الفئة من النساء كان يحددها عاملين أساسيين هما التعاليم المسيحية من جهة وبقايا آثار الحضارة القديمة للشعب الروماني وجهة ثانية، لأنه كما هو معلوم، فإن مجيء الدين المسيحي لم يضع قطيعة مع العادات والتقاليد الرومانية والإغريقية السابقة، والتي فيما يخص المرأة تنص في معظمها على ما يلي:
- التبعية المطلقة للزوج واعتبار المرأة ملكا للرجل، ولا أدل على ذلك من تسمية عقد الزواج عند المسيحين بعقد الإملاك. إضافة إلى أن المرأة بمجرد ما كانت تتزوج فإنها تفقد اسم أبيها وتحمل اسم زوجها، وتدخل في الطاعة والرضوخ لرغبات الزوج دون قيد أو شرط وذلك من بقايا الثقافة ما قبل المسيحية، التي كانت ترغم المرأة على نسيان كل ما كان لها علاقة به قبل لزواج، ومن ضمن ذلك أهلها والآلهة التي كانت تعبدها معهم لتدخل تحت سيطرة الزوج وتبعيته من حملها لاسمه إلى عبادتها لآلهته.
وهذه بعض الأبيات الشعرية من الأنشودة التي يرتلونها في صلاة الإكليل عند المسيحيين الأرثودكس.
اسمعي يا عروس واصغي بسمعك
وانسي شعبك وبيت أبيك
لأن العروس راق له طهرك
فهو زوجك وله تخضعين (6)
- سيادة ظاهرة تعدد الزوجات والتسري بالنساء وعدم الاعتراف بالأبناء الذين تم إنجابهم خارج مؤسسة الزواج – العلاقة الشرعية-.
لكن طاعة المرأة للرجل في ظل الدين المسيحي عرفت تطورا بحيث تحولت من الطاعة الجبرية إلى طاعة مرنة لأن رغم كون المسيحية استمرت في فرض طاعة الزوج على زوجته والمتمثلة في "الإقامة معه في نفس البيت والقيام بشؤون المنزل والاستقرار به وعدم مغادرته بدون مسوغ... فإن المسيحية لم تجز إجبار الزوجة على طاعة زوجها وتنفيذ الطاعة كرها. (7)" كما أن هذه الطاعة أصبحت تخضع لشرط الحب من طرف الزوج من خلال نص المسيحية على ما يلي: "تخضع المرأة لرجلها كما تخضع الكنيسة للمسيح... ويحب الرجل امرأته كما أحب المسيح الكنيسة..."(8).
الخلاصة هو أن المرأة الأمازيغية المسيحية من الطبقة البرجوازية كانت تخضع لضغوط الرجل لكن هذه الضغوط نجدها في معظم الأحيان تتغير حدتها مع الوقت، كما تلينها العلاقات الاقتصادية والمصالح المشتركة التي تكون عادة ما بين المرأة وزوجها أو ما بين عائلتي الزوجين. أضف إلى ذلك الأعراف والتقاليد والعلاقات العائلية في الأوساط الغنية التي توفر للمرأة مكانة محترمة وإن كانت في المرتبة الثانية بالنسبة للرجل.
ب- المرأة الأمازيغية من طبقة العبيد:
إن هذه الفئة من النساء لم تخضع لطاعة الرجل بنفس الطريقة التي عرفتها المرأة الأمازيغية الأرستقراطية وذلك لاختلاف الوضعية السوسيو-اقتصادية. فقد عرفت المرأة الأمازيغية في هذه الفترة أسوأ أشكال الاستعباد والاستغلال من طرف الرجل والذي ليس بالضرورة زوجا لها. ففي هذه الوضعية أصبحت المرأة صالحة لكل شيء واستغلت بكل الأشكال. فهي الزوجة الخاضعة للرجل العبد، هذا الرجل الذي عادة ما يجدها أقرب إنسان يمكنه أن يشفي فيه غليل الإهانة والذل الذي يتعرض لهما من طرف السيد. وهي العبدة للسيد، هذه العبودية التي ترغمها على تلبية حاجيات وخدمات السيد من أي نوع كانت. وذلك الضغط والعنف والتعذيب. وهي المرأة التي تعمل في الحقول وتتحمل قسوة وبطش رئيس الخدم... هذا كله فوق مسؤولية الأمومة والبيت في غالب الأحيان. وهي في هذه الوضعية لا تتمتع بأي حق إلا ما جاء تبرعا من الزوج أو السيد. كما أن المرأة في هذه الفترة كانت عبارة عن بضاعة تباع وتشترى في الأسواق. وتقدم في المناسبات هدايا للمتعة أو الخدمة.
ج- المرأة الأمازيغية في المناطق النائية:
إن المرأة الأمازيغية في المناطق النائية كانت أحسن حالا من النموذجين الأولين. ذلك لأنها قد احتفظت بمعالم النظام الأميسي الذي في أسوأ الحالات يسويها بالرجل وكمثال على ذلك اسم تاريخي لامرأة أمازيغية، بالكاهنة أو الداهية أو الداميية. عاشت هذه المرأة في أحلك الفترات التاريخية لشمال إفريقيا وهي فترة الحكم البيزنطي الذي جمع كل مواصفات الظلم والجور اتجاه الشعوب الأمازيغية نساء ورجالا. ورغم ذلك فإنها قد استطاعت أن تحل مكان أمها التي كانت رئيسة مجلس القديمات. وهو المجلس المسؤول عن تسيير شؤون الجراويين. وتكون سيدة قومها الذين يشهد لهم ابن خلدون بالشجاعة والكثرة و"كانت هذه الأمة من البربر بإفريقية والمغرب في قوة وكثرة وعديد". ووضعية السيادة هذه التي شغلتها الدامية لم تكن أمرا غريبا عن الثقافة الأمازيغية كما أسلفنا القول وكما يشهد على ذلك مجموعة مؤرخين اهتموا بحضارة تمازغا ومنهم على سبيل المثال فورنل، وإن كان حسين مؤنس قد علق على موقفه بأنه نوع من تعاطف المؤرخ مع الأمازيغ على حساب العرب.
ولم يقتصر اختلاف المؤرخين حول اسم هذه المرأة فقط بل شمل كذلك الديانة التي كانت تعتنقها. حيث هناك من يعتبرها مسيحية بحكم أنها الديانة التي كان سائدة مبدئيا في بلاد تامزغا عهد الداميية. ومنهم من يقول أنها ظلت تحافظ على الديانة الوثنية كما جاء عند المؤرخ حسين مؤنس إذا كان ذلك ما يقصده من خلال قوله أنها كانت دائما تحمل معها صنما وهي معلومة أخذها عن المؤرخ الدباغ(9)، لأننا في مرجع آخر نجده يقر بأنها يهودية(10) وبذلك يكون قد اتفق مع ما قاله روجي إيكور في كتابه الكاهنة.
ورغم الاختلاف الطفيف حول اسم الداميية والديانة التي كانت تعتنقها، فإن المؤرخين متفقون على أن المرأة لم تعتبر أبدا في الثقافة الأمازيغية، أقل شأنا من الرجل أو أضعف منه ولم تخضع للذل والهوان من طرف الرجل في سالف العصور وغابر الأزمان وفي كل المناطق وعلى كل المستويات السوسيو-اقتصادية. والدليل هو ما جاءتنا به المراجع التاريخية عن هذه الشخصية ، كونها كانت امرأة تتوفر على كل المواصفات الإيجابية. فقد كانت جميلة جدا الخاصية التي تميز النساء الأمازيغيات. كما أنها كانت قوية البنية. متمرسة على الفروسية. تتحلى بكل مبادئ الشجاعة والإقدام. فقد تم أن قتلت بمفردها بيزنطيين حاولوا اقتحام جبال الأوراس بشكل فردي. كما كانت قائدة عسكرية من الدرجة الأولى، حققت انتصارات متعددة سواء على القادة العسكريين البيزنطيين الذين أرغمتهم على البقاء بعيدا عن منطقة القبائل أو القادة العسكريين العرب وخاصة منهم حسان ابن النعمان الذي خاضت معه معركة نيني والتي يقول بصددها ابن عذاري: "فلما أصبح الصباح التقى الجمعان وصبر الفريقان صبرا لم ينسبه أحد إلى بعضه فضلا عن كله، إلى أن أنهزم حسان بن النعمان ومن معه من المسلمين الشجعان، وقتلت الكاهنة العرب قتلا ذريعا وأسرت ثمانين رجلا من أعيان أصحابه، وسمي ذلك الوادي وادي العذارى، وتبعته الكاهنة حتى خرج من عمل قابس"(11). وأود الإشارة إلى أن تسمية الوادي بوادي العذاري إلى أن النساء قد شاركن في هذه الحرب وبنسبة كبيرة.
أما على مستوى الفكر، فكانت خارقة الذكاء والحيلة، لذلك يطلق عليها البعض، لقب الداهية. الأمر الذي خول لها حكم قبائل عظيمة الشأن في تلك الفترة. وبذكائها استطاعت أن تحافظ على استقلال جبالها لمدة أطول. ونظرا لتحملها لكل السلط في جماعتها فإنها لا تختلف عن الملكات الآلهة في العهد الفرعوني في مصر وليبيا أو النساء المحاربات-الأمازونيات-. مما يدل على استمرار النظام الأموسي بتامزغنا من الفترة القديمة إلى القرن السابع الميلادي تاريخ حكم الداميية.
هوامش:
1- تعتبر عملية حرق وإتلاف الوثائق التاريخية ببلاد تامزغا حقيقة ثابتة منصوص عليها في مجموعة من الكتابات التاريخية، وقد أوردنا كمثال ما قالته ماري بريزلونس: "لسوء الحظ فإن كتب يوبا الثاني قد اختفت كما اختفت كتب جده هيمبسال":
In : Marie-France Brisilence : Histoire de l’Afrique --;-- tome 1. Collection. JE SAIS. P.137.
2- الوزان 5الحسن بن محمد-. وصف إفريقيا ج.1، مطبعة ووراقة البلاد، الرباط 1980، ص: 56.
3- إن مسألة التواصل والتمازج ما بين حضارات شمال إفريقيا وخاصة ما بين الحضارة الليبية والفرعونية مسألة لا يختلف حولها اثنان لكثرة الشواهد وعلى رأسها النصوص التاريخية والتي ورد الكثير منها في أبحاث اليونسكو التاريخية ومنها:
"وعلى كل حال فقد وفر الليبيون لمصر احتياطيا بشريا منذ الأسرة التاسعة فصاعدا. وكان للأسرى الليبيين، الذين يمكن التعرف عليهم من الريشة التي كانوا يرتدونها كغطاء للرأس، سمعة طيبة باعتبارهم جنودا، وبوجه خاص باعتبارهم سائقي مركبات حربية... وكانوا ينخرطون في الجيش ازدادت نسبتهم بمرور الزمن وحيث التقوا بالمهاجرين الآخرين من النوبيين. وفي القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد أرغم الليبيون بالضرورة، على غرار ما حدث في عهد الدولة القديمة، على محاولة التسرب إلى داخل مصر. فقد بنى كل من سيتي الأول ورمسيس الثاني شبكة من الحصون لاعتراض طريقهم وأسر أكثر الغزاة جسارة. وبعد أن قام الليبيون بمحاولتين فاشلتين للرجوع إلى الجزء الغربي من الدلتا الذي سبق لهم أن طردوا منها، حصلوا من رمسيس الثالث في القرن الثاني عشر قبل الميلاد على إذن بالاستقرار هناك. وفي مقابل طلك لعبوا دورا كبيرا في الدفاع عن مصر. وقد حكم الليبيون مصر في عهد الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين، وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد ولمدة قرنين بعد ذلك" اليونسكو تاريخ إفريقيا العام. ج.2.. اليونسكو 1985. ص 131.
أما مارسر فيقول في هذا الصدد: "الحق أن الليبيين قد شكلوا قسما كبيرا من سكان وادي النيل كله في ما قبل التاريخ. وقد كان الليبيون فرعا من القسم الأفريقي أو الحامي من جنس البحر المتوسط، وهو كانوا تبعا لهذا ذوي نسب وثيق بالمصريين... في كل فترات تاريخهم الطويل كانوا مؤثرين في الشؤون المصرية وثمة من الأسباب ما يبعث على الاعتقاد أن أقدم ممالك غرب الدلتا كانت ليبية بشكل قوي..." مارسر.
"الديانة المصرية القديمة". ونفس الحقيقة يثبتها باتس من خلال قوله: "من المعروف جدا أن اللغة المصرية، حتى في أقدم مراحلها، تحتوي عنصرا أمازيغيا (بربريا)..."
In :Oric Bates --;-- The Eastern Libyans, pp. 81-84.
ونفس الشيء يقر به بدج من خلال اعترافه بعملية التأثير والتأثر المتبادل عفويا بين أهل وادي النيل والقبائل التي كانت تحيط بها –الليبيون والنوبيون-.
4- اليونسكو. مرجع سابق. ص: 306-307.
5- عادل أحمد سركيس. الزواج وتطور المجتمع –ص. 99- دار الكاتب العربي للطباعة والنشر.
6- عادل أحمد سركيس. مرجع سابق. ص: 117.
7- المرجع أعلاه. ص: 118.
8- نفس المرجع. ص: 115.
9- حسين مؤنس. تاريخ المغرب وحضارته. المجلد الأول. الجزء الأول. ص. 100. لعصر الحديث للنشر والتوزيع. 1992.
10- رغم اختلاف طفيف حول الديانة التي كانت تعتنقها الداميية فإن معظم المؤرخين يتفقون على أنها يهودية وكمثال ما قاله حسين مؤنس في كتابه: "أما ثورة الكاهنة فثورة قبيلة يهودية احتفظت ببقايا من الحضارة القديمة.
حسين مؤنس. فتح العرب للمغرب. مكتبة الثقافة الدينية. ص: 24.
11- ابن عذاري: البيان المغرب. ج.1. ص: 20-21.



#يامنة_كريمي (هاشتاغ)       Yamna_Karimi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي سياق لتعيين وزيرات بالإمارات؟
- مقررات التربية الإسلامية بالمغرب، واقع وآفاق
- يامنة كريمي - باحثة في قضايا المرأة والديانات من المغرب - في ...
- لنكرم الراحلة زليخة نصري بصفة رَجُلَةَ الدولة
- مسار التمييز الجندري وموقف الأنثى، المغرب نموذجا.
- تأصيل المساواة بين الجنسين في القرآن: التمييز بين الجنسين لي ...
- صورة المرأة في الخطاب الديني
- امرأة الشعوب الأصلية بين نزيف الإقصاء، وانتظارات النضال. الم ...
- هل التنكر والإساءة لهيئة التدريس هو الحل لأزمة التعليم بالمغ ...
- الإسلام السياسي يترأس الحكومة المغربية، المنطلقات والتوقعات
- ليست ثورات عربية، إنها ثورات الديمقراطية والمساواة
- هل الدستور الجديد سيقطع مع التمييز الجندري بالمغرب؟
- الوسائط المعلوماتية بين الرفض والتأييد
- سماء السلفية تمطر وعيدا
- قداسة الفقهاء بين الحرمان والقهر وتضخم الآمال البعدية
- المداخل الإسلامية لدسترة المساواة بين الذكر والأنثى
- لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية
- تهنئة بمناسبة فوز الحوار المتمدن بجائزة ابن رشد للفكر الحر و ...
- الساعات الإضافية بالمغرب وممارسة العنف
- تاريخ المرأة على مقاس الذكر


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يامنة كريمي - إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية الجزء الأول.