أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!














المزيد.....

الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 14:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تصوّر أنك جئتَ بطفل في عامه الثالث. ثم أوثقتَ وثاقه، فربطت يديه وقدميه، وكمّمتَ فمه، وعصبتَ عينيه، ثم حبسته في غرفة واسعة حبسًا انفراديًّا، على أن تقدّم له الطعامَ والشراب يوميًّا لمدة ستين عامًا. حتى وافاه الأجل، ومات. ثم أقمتَ له حفل تأبين ليذكر الناسُ مآثره، أو مخازيه. فماذا بوسع الناس أن يقولوا؟ هل له مآثرُ أو مخازٍ؟! هل أنجز فضائلَ أو رذائل؟ وتُرى، هل سيدخل هذا الرجلُ الجنّة أم النار، وفق تصوّرك عن الثواب والعقاب السماويين؟
هل بوسعك، وأنت حَكَمٌ عدلٌ، أن تحسبَ هذا الراحلَ رجلا فاضلا لأنه لم يقتل، ولم يسرق، ولم يكذب، ولم يرتشِ، ولم يرتكب الفواحش، ولم يغتصب ما ليس له، ولم يلّوث مياه النهر، ولم يتسبب في دموع إنسان، ولم يعذّب حيوانًا، ولم يُهِن امرأة، ولم يقهر طفلا، ولم يخُن وطنًا؟ هل يستحقُّ مثل هذا الإنسانُ فردوسَ الله بنعيمه وأنهاره وطيّباته وحور عينه؟ وهل انتفاء ارتكاب الفواحش كافٍ لنحكم بفضل الرجل؟ ما أفضاله؟ هو لم يقتل، لكنه كذلك لم يساعد إنسانًا على الحياة. لم يمنح مريضًا بعضًا من دمه أو فصًّا من رئتيه أو كليةً من كليتيه كي ينقذه من الموت. لم يسرق بالفعل، لكنه كذلك لم يمنع سرقة ولم يساعد مظلومًا على استرداد حقّه. هو لم يُهِن امرأة ولم يَقْسُ على طفل ولم يعذّب حيوانًا، لكنه لم يفعل ما هو نقيض كل ما سبق من خطايا. هو لم يخُن وطنَه لكنه أيضًا لم يجُد بدمه من أجل ذلك الوطن كما يفعل أي جنديّ شريف. هو لم يظلم لكنه كذلك لم يُقِم العدلَ في الأرض. هو ورقةٌ بيضاء لم يُخطُّ فيها كلمةٌ طيبةٌ ولا كلمةٌ شريرة. وها أنت منحته صكّ الغفران وشهدتَ باستحقاقه المجد في الدنيا والجنّة في الآخرة. فهل مطمئنٌ أنتَ لحكمك واثق من تجرّده وعدالته؟
مَن أدراك لو كنتَ أطلقتَ يديه، كم إثمًا كان سيفعل بتلك اليدين، أو كم حسنة! لو كنتَ أطلقت ساقيه، كم سعيًّا نحو الرذيلة كان سيمضي أو كم خيرًا كان سيسير نحوه؟ لو كنتَ قد أطلقتَ لسانَه، هل تجزم إن كان سيقول الصدقَ والصلاح والرقيّ أم سينشر البغضاء والعنصرية بين الناس؟ مَن يجزمُ؟ لا أحد! هذا الرجل لم يكن موجودًا. هذا الرجل لم يعِش بيننا ليخطئ أو ليصيب. ليس بوسعنا أن نحكم على شخص غير موجود، كيف يحقُّ لقاض عادل أن يدينه أن يُبرّئه؟! هل هذا الإنسان الموثّق اليدين والقدمين مكلّفٌ مثلنا يتسحق الحساب يوم الدينونة؟
تقول الأدبياتُ الإسلامية إن "التكليف مشروط بأمرين: 1)العلم بما يُكلَّف به الإنسانُ، 2)القدرة على الفعل”. فلو افترضنا أننا منحنا هذا الأسير العلم بالصواب والخطأ. هنا يتحقق الشرط الأول للتكليف، ولكن ماذا عن الشرط الثاني؟ هل منحنا ذلك الأسيرَ القدرةَ على فعل الخير أو الشر؟ لا، لم نمنحه القدرة، لأننا قيّدنا حريته. فهل يقع عليه التكليف؟!
تقول أدبياتُنا الإسلامية إن "العقل مناطُ التكليف"، إذ أن المجنون ليس عليه حرج، وهو غير مكلّف ولا مستوجبٌ للعقاب لأنه مثل الطفل غير الواعي، فهل يجوز لنا أن نحاسب الأسير المربوط وهو مسلوب الحرية؟
والآن، هل يحقُّ لي أن أقول: “الحريةُ مناطُ التكليف"؟ فهل يُثابُ مَن يصلّي تحت تهديد السلاح؟ هل يستحق رضا الله من يعتنق ديانة، أي ديانةً، خوفًا من سيف أو رصاصة؟ لهذا يقول الُله في كتابه: “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وهو القائل: “وهديناه النجدين.” أي السبيلين، ليختار ما يشاء منهما، خيرًا كان أو شرًّا، ثم يدفع فاتورة اختياره.
هنا يحقّ لنا أن نندهش الاندهاش كلَّه ممن يودون تكميم أفواهنا ومنعنا من طرح أفكارنا، مهما كانت، تحت زعم أنهم أوصياءُ علينا وأن في أياديهم مفتايح السماء وصكوك غفران الله. ألا حنانيكم! ألا حنانيكم! لا نطلب منكم أن تمنحونا حريّتنا، لأنها بالأساس حقٌّ لنا لا تملكون له منحًَا ولا منعًا. إنما نقول لكم كفّوا عن غروركم ومزايدتكم، فقد نكون أكثر منكم تُقى لأننا لا نغتصبُ من الناس حقًّا منحه لهم الله: الحرية. الحرية مناط التكليف.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات
- الإنسان الطيب
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!
- عن النقاب سألوني
- قضية ازدراء جديدة | مَن الذي روى الرواية؟
- ميري كريسماس رغم -غلاستهم
- لا تخرج قبل أن تقول: سلاما


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الحريةُ مناطُ التكليف | أخرسونا لتدخلوا الجنة!