جمانة زريق
كاتبة سورية
(Jumana Zuriek)
الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 05:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعتبر الدين الإسلامي واحدا من ثلاثة أديان في الشرق الأوسط الذي له عدد لا يحصى من االشيوخ الناطقين بإسمه والذين يعتبرون أنفسهم الوكلاء الحصريين للدين الإسلامي. فلا يحق لغيرهم الحديث عن الدين أو تفسير القرآن وإعطاء الفتاوى لكل كبيرة و صغيرة في حياة المسلم.من الجانب الآخر نجد مؤخراعددا لايستهان به من اللادينيين من العرب و غير العرب الذي أخذوا يعتبرون الدين الإسلامي هو المسؤول الأول و الأخير عن تخلف الأمة العربية وعن كل ما ألم بها من وهن وضعف. وبالتالي فإن كلا الطرفين يسيء للمجتمع العربي دون الوصول للهدف المرجو من عملهم. أكثرمن ذلك ,أن كلا الطرفين يخلق بيثة للتطرف الفكري في المجتمع العربي الذي يزداد وضعه سوءا على الرغم من ازدياد عدد مثقفيه.
فعلى سبيل المثال, يعمل الكثير من شيوخ الأمة العربية على إيقاف العقل العربي فيما يخص أمور الدين, فالإنسان الذي لم يدرس العلوم الشرعية لا يحق له مناقشة أمور الدين, ولا حتى محاولة فهم القرآن, متجاهلين الآيات الكثيرة في القرآن الكريم والتي يدعو فيها الله سبحانه و تعالى عباده الى تدبر القرآن و محاولة فهمه والتأمل في ملكوت الكون و إعمال العقل. و من هذه الآيات قوله تعالى "كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته و ليتذكر أولو الألباب" أيضا جاء في قوله تعالى "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون" فالله هنا يدعو عباده كلهم للتفكر في أمر الكون وفهم القرآن,دون الإشارة الى اعتماد الفرد على غيره في عملية التفكير و الفهم على اعتبار أن الناس متفاوتوا الأفهام و الذكاء, فالناس كلهم مطالبون بإعمال عقولهم و إلا فهم من شر الدواب كما وصفهم الله تعالى في كتابه. ولكن ومع ذلك تجد أن أغلب شيوخ الأمة يجرمون من حاول فهم القرآن وأتى بتفسيرجديد يتناسب مع الزمن الذي نعيش فيه.فهم لا يريدون فقها إلا فقه الإمام الشافعي و قياس أحمد ابن حنبل.وهم بذلك يريدون إيقاف الزمن والعقل,فالمشكلة هنا ليست بفقه الشافعي أو ابن حنبل وغيرهم, لأن هؤلاء أعملوا عقولهم في ذلك الوقت, ولكن المشكلة الكبيرة هي في عقول الكثير من الشيوخ والكثيرمن الناس الذين لا يتقبلون الأفكار الجديدة بما يتعلق بالدين. فيعمل هؤلاء جاهدين عن جهل أو عن تجاهل الى تغييب العقل بكل ما يتعلق بالدين.وهذا بدوره خلق البيئة الخصبة لبعض أنواع التطرف الديني الذي استطاع الغرب أن يجعل منه أداة طيعة للتدخل في أمور الأمة العربية,وإظهار شعوبها على أنها شعوب متوحشة يجب ترويضها..
ولكن في المقابل,برز في الفترة الأخيرة عدد كبير من المجموعات اللادينية في المجتمع العربي والتي جعلت من الدين الإسلامي السبب الرئيس في انحدار الأمة العربية, وأن الدين الإسلامي وما نتج عنه من فقه جعل هذه الأمة أمة غير خلاقة, وبعيدة عن العلم, وأخذو يكتبون المقالات التي يشتمون بها كل ما ينتمي للدين و يصممون فيديوهات تسيء للقرآن والدين الإسلامي. والمصيبة الكبيرة هنا, هي أن هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم علمانيين, لا يعتمدون على العلم في نقد الدين,بل على العكس ينقلون عن بعضهم البعض الكثير من المقالات والفيديوهات اللاعلمية, وهم بذلك لا يختلفون عن شيوخ النقل في أي شيء, بل على العكس, إنهم بعملهم هذا يزيدون الطين بلة كما تقول بعض الأمثال. لأنهم يعززون التطرف الفكري القائم على مبدأ احتقار الاخر. ومن جهة أخرى فهم يبتعدون عن هدفهم المزعوم والذي هوالنهوض بالأمة العربية. متجاهلين في الوقت نفسه أن ثقافة الكسل وعدم الرغبة بالعمل هي واحدة من صميم المشكلات الاجتماعية التى أثرت بشكل كبير في انحدار الأمة. والمضحك المبكي أن أغلب الذين ينتمون للأمة العربية من العرب وغير العرب ومن كل الطوائف والأدان يسعون للذهاب للغرب والهاجس الرئيس هو أن هذه الدول تدفع المال لمن لا يعمل. والحقيقة أن ثقافة الكسل هذه ليس لهاعلاقة بالدين الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد.على العكس من ذلك, فالدين الإسلامي حض على العمل حيث جاء في التنزيل الحكيم "واسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" أيضا في الأحاديث النبوية جاء أن اليد العليا خير من اليد السفلى. .من جانب اخر, لو كانت مشكلة الأمة العربية و انحدارها هو الدين فقط فبماذا يبرر هؤلاء أن أحد الدول العربية هي في الحقيقة دولة مسيحية بمعنى الكلمة منفتحة على أوروبا والفقه الإسلامي ليس عاملا فاعلا فيها,ومع ذلك لم تصل الى القمر. فبما يعللون ذلك, أكثرمن هذا, كيف لهؤلاء أن يفسروا الإنجازات العربية الإسلامية في القرون الوسطى وكان الفقه كما هو الان و ربما أكثر.
وختاما للموضوع يمكن القول أن مصيبة المجتمع العربي هي أن المتدينيين جدا واللادينيين في هذا المجتمع أغلقوا عقولهم,وهدروا طاقاتهم من خلال إما اعتماد النقل و إيقاف العقل كما يفعل شوخنا الأفاضل. أو من خلال حقد على الدين و محاولة ضرب مصداقيته بعقيلة جاهلة وسخيفة وليس لها أي قيمة علمية. فبدلا من أن يكون هذان الفريقان يعملان لبناء مجتمع يحترم كل أفراده و يحترم أفكارهم, أصبح هذين الفريقين أداة لهدم المجتمع العربي الغارق في الفوضى والتخلف.
#جمانة_زريق (هاشتاغ)
Jumana_Zuriek#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟