أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟














المزيد.....

لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 20:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان السجالُ بيني وبين داعية إسلامي متطرف، زعم أنه من أهل المراجعات الفكرية الذين زعموا أنهم غيّروا قناعاتهم التكفيرية بعد سنوات قضوها في غياهب السجون، عقابًا وفاقًا لهم على ممارسات إجرامية وفتاوى إرهابية تحريضية صادرة عن الهوى أطلقوها فتسببت في إزهاق أرواح آلاف الأبرياء من بني البشر.
كان السجال على إحدى القنوات العربية، وطرحت المذيعة سؤالا يقول: هل لحرية التعبير قيود؟
وكان عليّ أن أطرح إجابة السؤال في دقيقتين. قلتُ فيها بدايةً إن لا شيءَ مُطلقٌ فوق الأرض. فالمطلق الوحيد هو أن لا مطلقَ ثمة. ولهذا فلا حرية مطلقة في التعبير، لكن ثمة ضوابطَ تنظّمُ إيقاعها. أهمها أن يكون التعبير عن "الأفكار" لا عن "الأشخاص"، لأن الخوض في الأشخاص شأنُ التافهين الصغار، بينما تفنيد الأفكار شأن العقلاء الكبار. وهذا عين ما سنّه الدستور المصري 2014 الذي جرّم حرية التعبير في أمور ثلاثة لا رابع لها: 1- التحريض على العنف 2- إشاعة العنصرية 3- الخوض في الأعراض.
أما السؤال: “هل لحرية التعبير قيود؟" فقد أجاب عنه ربُّ العزّة قبل بدء الخليقة حين سمح للملائكة بأن تسأله سؤالا استنكاريًّا مُعاتبًا حين قرر خلق آدم: “أتجعلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدماء، ونحن نُسبّحُ بحمدِك ونُقدِّسُ لك؟"
لم يعصفِ الُله بالملائكة حين راجعته في أمرٍ قد قرّره سلفًا. ونلاحظُ الدلالة اللغوية لكلمة: "إنّي جاعلٌ"، بما يعني أنه أمرٌ مقضيٌّ لا رجعة فيه، بدلا من: “سأجعلُ"، أو: “أفكّر أن أجعلَ"، أو “ما رأيكم أن أجعل؟”. فالله تعالى لم يسأل الملائكةَ رأيها حتى يحق لها مناقشته، إنما أخبرها بما عقد عليه العزم، وبالرغم من هذا رحّب بسؤال الملائكة، وطمأنها قائلا: “إني أعلمُ ما لا تعلمون.” الأخطرُ من هذا أن الَله ودّ أن يُسجّل سؤالَ الملائكة الاستنكاري وإجابته عليها بهدوء رحيم، بل وخلّده في آية قرآنية (البقرة 30) لتكون درسًا دائمًا وأبديًّا لبني الإنسان: أن لا قيود على حرية التعبير، حتى أمام الربّ الخالق، ذاته سبحانه.
ثم كرّر اللهُ تعالى الدرسَ الإلهي الأعظم، ليفهمَ مَن في عقولهم صدأٌ، ومَن في آذانهم وقرٌ، ومَن على قلوبهم أقفالُها؛ حين سمح لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام أن يستوثق من قدرة الخالق على إحياء الموتى، قائلا: “ربِّ أرني كيف تُحيي الموتى.” فلم يعصف الربُّ بعبده الذي ودّ أن يرى بعينيه ما يؤمن به غيبًا بقلبه. فسأله اللهُ بعتبٍ مُحبٍّ: “أَوَلم تؤمن؟" فقال الخليلُ: “بلى، ولكن ليطمئنّ قلبي.” فأجرى اللهُ أمام عيني النبيّ تجربة الطيور الأربعة والجبل.
ذاك هو سلوك العزيز الرحيم مع خلقه من الملائكة والبشر، لأنه الخالقُ الذي شاء أن يكون خلقُه من البشر من ذوي العقل النقدي المتسائل، وليس عرائسَ ماريونيت صمّاء تتحرك بخيوط في يد صانع قرارها. اللهُ تعالى كان طيبًا كريمًا حين منح الإنسانَ ثروة طائلة اسمها: "العقل"، هو جوهرة الترقّي لبني البشر. لولا هذا العقل ما قرأتم الآن مقالي هذا مطبوعًا بالخلايا الضوئية على شاشة حاسوب ابتكرها إنسان، أو مرقونًا على ورق جريدة اكتشفه إنسانٌ، أخرجته مطبعة اخترعها إنسانٌ.
الحريةُ الفكرية هي أصل التكليف، والتكليفُ هو أصلُ المحاسبة يوم القيامة. فكيف لله العدل أن يُحاسب عبيدًا لا يملكون زمامَ أمرهم ولا يقدرون على طرح أفكارهم بحرية؟ إنما شاء اللهُ أن نكون عبادًا (لا عبيدًا) أحرارًا ذوي عزّة وذوي رأي وذوي مشيئة. لهذا كرّر في كتابه أفعالا من قبيل: “يفقهون- يعلمون- يتفكرون- يدركون....”. ثم قالها صريحةً لا لبس فيها: “وهديناه النَجديْن"، أي الطريقين: طريق الخير وطريق الشر، ليختار الإنسانُ ما يشاء، ثم يتحمّل عبء اختياره وتبعة مشيئته. ثم قالها تعالى أكثر وضوحًا وحسمًا: “فمَن شاء فليؤمن، ومَن شاء فليكفر.” وإذن منحنا اللهُ "المشيئةَ" وحقّ الاختيار وحق التعبير عن أفكارنا، لأنها نتاجُ العقل الذي منحه اللهُ لنا، فكيف يستنكرُ علينا نتاجَ مِنحة من منحه لنا؟! هكذا يُعاملُنا اللهُ خالقُنا بتحضّر ورُقي واحترام، لكننا نجد "عبيدًا" من بني الإنسان، يستنكرون علينا أن نفكّر ونسأل ونعبّر! لماذا؟ لأنهم عبيدٌ دوجمائيون، لم يترقّوا بعد ليصبحوا عبادًا عاقلين. اللهم نشكرك على منحة العقل الذي يفكر ويتساءل، ونشكرك لأنك أرحم بنا من عبيدك الذين رفضوا هديتك فقتلوا عقولهم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازدراءُ الأديان ازدراءٌ للأديان!!
- سياطٌ على ظهر الحكيم
- قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت (سجن)
- سأهربُ إلى قبر جدتي
- قانون -نيوتن- الرابع
- ماذا قال لي برنارد شو
- رسالة إلى الله
- اسجنوا أولئك الثلاثة
- أم الشهيدة والأرنب المغدور | سامحيني يا سمراء!
- افتحوا نوافذَ قلوبكم للحب
- هذا العماءُ خطأٌ في الإجراءات
- الإنسان الطيب
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!
- عن النقاب سألوني
- قضية ازدراء جديدة | مَن الذي روى الرواية؟
- ميري كريسماس رغم -غلاستهم
- لا تخرج قبل أن تقول: سلاما
- أنتم تحاكمون الخيال 2/2


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لماذا لم يعصفِ اللهُ بالملائكة؟