أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31















المزيد.....

الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 12:15
المحور: الادب والفن
    


5 – التقنية الأدبية

البِنية السردية معقدة جدًا، فالراوي هو الكاتب، الذي يبقى محايدًا، وكذلك هو حامد ومريم، وعدا عن دور الراوي، يلجأ حامد ومريم إلى الحِوار الداخلي (المونولوج) والحِوار.
من الواضح أن المونولوج هو أكثر الوسائل الثلاث أهمية هنا، لكنه في الواقع حِوار داخلي، تقوم خطته على تفاصيل معقدة هي خليط من وقائع النفس ووقائع العالم، ألم يتكلم غسان كنفاني في توضيحه عن "عالم مختلط"؟ إنه جهاز من الكودات التي يجري فكها إلى ما لا نهاية. وبما أن هناك انفصام الشخصية للشخصيات، يرجع المونولوج إلى واحدة أو أخرى منها، باستثناء زكريا الذي يشذ عن القاعدة، فهو لا يتكلم مطلقًا، بل حامد ومريم هما اللذان يتكلمان عنه.
في بداية الرواية، يتكلم الراوي عن حامد الذي يقطع الصحراء: صار بوسعه الآن أن ينظر مباشرة إلى قرص الشمس معلقًا على سطح الأفق..." (ص 161)، ويستمر الراوي في الحديث حتى صفحة 169. يأخذ حامد الكلام بدلاً منه، ويقيم حوارًا مع الصحراء: "ليس بمقدوري أن أكرهك، ولكن هل سأحبك؟ أنت تبتلعين عشرة رجال من أمثالي في ليلة واحدة..." (ص 170) وفي الحال تواصل مريم: "ليس ثمة من تبقى لي غيرك، وأنت تبدو بعيدًا، رغم أنك في فراشي." (ص 170) وبعد عدة أسطر يعود الراوي إلى الظهور: "ونظر إليها بين ذراعيه: ساعة حائط، ولكنها تشبه نعشًا صغيرًا، أليس كذلك؟" (ص 170) وتضيف مريم: "ودخلنا، واتجه مباشرة إلى الغرفة التي كنا ننام فيها..." (ص 170)
يمضي هذا التتابع حتى نهاية الرواية... إنه التصور البِنيوي للرواية، الذي هو أقرب إلى منهج سيرة (سي في)، تحاول كل شخصية إيجاز حياتها لتحقيق ذاتها الإنسانية، فتدخل في تفاصيل معقدة لا غنى عنها.
كذلك فإن تقنية الفلاش باك معقدة جدًا: تبدأ الرواية بداية مفتوحة، وقد صار حامد في وسط الصحراء، ثم يأخذ الراوي باستعمال الفلاش باك ليعيد وضعه في الماضي، وعلى التحديد في المخيم، معطيًا إيضاحًا عن شخصيته، حوافزه، سوابقه. هنا يحدثنا حامد عن أخته مريم وزكريا، فيبدأ الحدث في التطور لنفهم سبب رحيله.
بإمكاننا تحليل هذه التقنية كالتالي: الحاضر في الصحراء (ص 161-ص 162)، فلاش باك عن الحالة في المخيم (ص 162-ص 168)، الحاضر في الصحراء (ص 168-ص 169)، فلاش باك عن الحالة في المخيم (ص 170-ص 173)، الحاضر في الصحراء (ص 173)، فلاش باك عن الحالة في المخيم (ص 173-ص 175)، فلاش باك مضاعف عن الحالة في فلسطين (ص 175-ص 176)، فلاش باك عن الحالة في المخيم (ص 176-ص 178)، الحاضر في الصحراء (ص 178).
يتعاقب الحاضر والماضي بانتظام، وينطبقان في الوقت ذاته على أماكن متوافقة: الحاضر هو الصحراء، والماضي هو المخيم. ونلاحظ أن البداية المفتوحة، أي الحاضر في الصحراء، تلتحق بالنهاية المفتوحة (55)، أي الحاضر ذاته في الصحراء ذاتها.
يعطينا هذا التعاقب المتماسك إنارة ضرورية وكافية لاستباق الأحداث، وتوقع النهاية. وبمكن تفسير الرجوع إلى الحاضر باكتمال ماضٍ سَلبي، وانفتاح مرحلة إيجابية، على أساس تحقيق الوهم السردي، فنحن في صميم التقنية الروائية التي هي وهم سردي لحقيقة تاريخية، وبكلام آخر تقوم العلاقة بين المرحلتين السلبية والإيجابية على أساس حل التعارض بينهما للدخول في علاقة جديدة إيجابية، ولكن تحت سلطة العامل السَّلبي الذي يقوم بدور المنشط للإيجابي، تحت معنى تأنيس الإيجابي بنقيضه، وعدم الوقوع في شَرَك الأخلاقية الأحادية الجانب.
يوجد أيضًا توافق زمني على مستوى الشخصيات: يتكلم الراوي في الحاضر أولاً قبل إدخال الفلاش باك، ومتى وضع حامد في الماضي، يبدأ حامد التكلم في الحاضر، لتتدخل مريم معبرة عن نفسها من خلال الماضي، لأنها لا تستطيع بعد أن تتخلص من بؤس المخيم الذي يلقي بثقله على كتفيها، طالما أنها لم تنجز بعد فعل التمرد. يعود الراوي إلى التدخل من الحاضر إلى الماضي، نظرًا إلى الموقف المحايد الذي له تجاه الأحداث الجارية، فيظهر حامد من جديد ليذهب بنا عَبر الحاضر دائمًا، محاولاً أن يفتح ثغرة على المستقبل.
تثبت هذه التقنية مرة أخرى أن الشخصيات تتقاطع فعلاً على مستوى الأحداث التي تربطها بالحاضر، أو، بالماضي، وتترك كل منها المجال للأخرى كي تتدخل في الوقت المحدد، هذا يعني كذلك أنها بعيدًا عن تعارضها لبعضها تتكامل فيما بينها.
في هذا الصدد، نجد في اختيار الضمائر إيحاءات هامة، فضمير الغائب "هو" متبوع بضمير المتكلم "أنا"، الذي يخلفه ضمير الغائب "هو" من جديد، ثم ضمير المخاطب "أنت" أثناء الحِوار، وأخيرًا عودة إلى ضمير الغائب "هو". أي يقوم الضمير بصيغة المفرد بإقصاء الضمير بصيغة الجمع للتشديد على الطابع الفردي للشخصيات، ولتوضيح أن الفعل الأخير في الرواية ليس فعلاً جماعيًا بل فرديًا. كذلك يجسد استعمال الضمير بصيغة المفرد بساطة الوسط حيث يعيش الفقراء، وهو يحمل في "تلوثه" كل النقاء.

لنختم تحليلنا بهذه الملاحظات:
1 – تستبدل هذه الرواية، على عكس "رجال في الشمس"، لحظة البؤس بلحظة ما-بعد البؤس، لحظة تمضي بفعل تراجيدي، يجري التعبير عنه ابتداء من فهم الأسباب الموضوعية للمنفى.
2 – تتشكل هذه الرواية من عالم مختلط تصعب جدًا متابعته، لكنه الانعكاس الحي لواقع مختلط حاول الكاتب ترتيبه حسب عملية جبرية يجهل حلها، وإلى اليوم لم يتحدد كودها، لهذا كانت نهايتها المفتوحة كبدايتها.
3 – لجأ كنفاني في تقنياته الأدبية إلى اللوحات (رجال في الشمس)، أو الحبكة الروائية المكثفة في لوحة واحدة (ما تبقى لكم)، وسنرى في أعماله اللاحقة (أم سعد على الخصوص) هيمنة اللوحات من جديد، كما يدعو الكاتب كتابته، وليس هذا من الصدف الغريبة، لكون غسان كنفاني رسامًا، والرسم مفتاح كتابته.
4 – أثر الرسم كبير في هذه الرواية، كل صورها توحي بعمل فنان، لكن جمالها ليس شكليًا فقط، جمالها ينهل من مضمونها النفسي الذي كان التأثر بويليام فوكنر من ورائه، فقد أوردت زوجة كنفاني أنه قرأ رواية "الصخب والغضب" بالإنجليزية، مما يطرح مسألة التوازي بين بطلتي الكاتبين.
5 – تدفع هذه الرواية إلى مقارنة بطلها بجيمس بوند كما حصل معنا، وبالتالي دور الصدفة في لعبة الكتابة لدى غسان وفي لعبة الواقع، فالصدفة هي التي تجعل من جيمس بوند ما هو عليه، وكذلك الحال بالنسبة لحامد، ولكل الأبطال الكنفانيين، كل واحد عبارة عن بِنية لصدفة مختلفة.


المراجع
(55) يفسر إهداء الكاتب "إلى خالد، العائد الأول الذي ما زال يسير" تطور الحركة التي نستشعرها في الرواية، كذلك طول الطريق الذي يجب عبوره.


يتبع أم سعد: حركة ثقافية اجتماعية سياسية



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 30
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 29
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 28
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 27
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 26
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 25
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 24
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 23
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 22
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 21
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 20
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 19
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 18
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 17
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 16
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 15
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 14
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 13
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 12
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 10


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 31