أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تجليات كردية في فيلم -رسالة إلى الملك- لهشام زمان















المزيد.....

تجليات كردية في فيلم -رسالة إلى الملك- لهشام زمان


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5087 - 2016 / 2 / 27 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


لايزال المخرج النرويجي العراقي هشام زمان مُنكبًّا على ثيمة الهجرة من كردستان العراق واللجوء إلى أحد المنافي الأوروبية كما في فيلمه الروائي الثاني الذي يحمل عنوان "رسالة إلى الملك". فبعد النجاحات المتكررة التي حققها في أفلامه الروائية القصيرة مثل "باوكه"، "فنترلاند"، "الآخرون" وفيلمه الروائي الطويل الأول "بعد سقوط الثلج" عاد مجددًا إلى موضوع الهجرة واللجوء لكن بمقاربة جديدة، فالمُهاجر هذه المرة هو الذي يريد العودة إلى بلده حِفاظًا على كرامته الإنسانية، وهويته الثقافية، وعاداته وتقاليده التي جُبِل عليها.
ربّ سائل يسأل عن سبب تعلّق المخرج هشام زمان بثيمات الهجرة واللجوء لأكثر من عقدين من الزمان وهو يعيش في أوسلو، العاصمة النرويجية المكتظة بالموضوعات الإنسانية التي تصلح لأن تكون مادة لعشرات وربما مئات الأفلام السينمائية الناجحة؟ وللإجابة على السؤال لابد من العودة لسيرة المخرج وتجاربه الحياتية في موضوع الهجرة واللجوء. فلقد هاجر هشام زمان في سن السابعة عشرة وتنقّل في أكثر من بلد أوروبي قبل أن يستقر به المقام في النرويج. وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أن هشامًا قد عانى من الهجرة، وأحسَّ بآلامها، وصار بإمكانه أن يتعاطى مع هذه الثيمة من زوايا نظر متعددة ككاتب للنص أو للسيناريو ومخرج يريد أن يجسّد رؤيته الإخراجية سواء في أفلامه القصيرة أم في أفلامه الروائية الطويلة.
وقبل الخوض في تفاصيل الثيمة المدروسة لابد من الإشارة إلى أن المخرج هشام زمان قد ساهم في كتابة النص السينمائي بالاشتراك مع الكاتب والسينارست ممت أكتاش المقيم في برلين منذ تسعينات القرن الماضي ولديه فكرة واسعة وعميقة عن المهاجرين الكرد في ألمانيا تحديدًا. وقد تلاقحت رؤى الكاتبين وخبراتهما لتنجبا هذا النص الذي ينطوي على العديد من المضامين الإنسانية التي تلامس شِغاف الكائن البشري.
لم تنبثق فكرة النص في ذهن هشام زمان من فراغ أو من مخيلة مشتعلة وإنما تعود إلى نتوء واقعي، حسب تصريحه في الدورة التاسعة لمهرجان لندن للفيلم الكردي، حيث قال بأنه شاهد مجموعة من اللاجئين يترجّلون من حافلة كبيرة في أوسلو فانقدحت شرارة الفكرة في ذهنه ليحوّل مسارها إلى رحلة من مركز اللاجئين إلى العاصمة أوسلو حيث تتقاطع مصائر خمسة لاجئين وتندغم قصصهم في رسالة محبوكة يحملها العم الطاعن في السن ميرزا كي يسلّمها بنفسه إلى ملك النرويج.
تتوفر هذه القصة السينمائية على بناء معماري رصين وجد طريقه إلى بنية الفيلم الداخلية مُدعِّمًا إياها بالقصص الفرعية للشخصيات الخمس التي تلهث لتحقيق أحلامها ورغباتها في الحُب واللذة والسعادة والانتقام خلال نهار واحد لا غير!
تشكِّل رسالة العم ميرزا "علي باغ سليمي" القصة الإطارية التي تضم بقية القصص الخمس لكنها تظل المحور الأساسي الذي تدور في فلكه الشخصيات الخمس الثانوية التي توزعت في أرجاء أوسلو بعد أن طلبت منهم الموظفة الاجتماعية توريل العودة إلى مكان التجمّع في تمام الساعة السابعة مساءً.
يمكن اعتبار ميرو "نظمي كيريك" من بين الشخصيات التي اندمجت في المجتمع النرويجي حيث نجح في إقامة علاقة عاطفية مع السيدة هيلدا "كاثرين إليزابيث هاولز" حتى وإن كانت كبيرة السن. ومن خلال هذه العلاقة نكتشف بعض الفروق الطفيفة بين الثقافتين الكردية والنرويجية. كما نلمس مساحة الحرية التي تتمتع بها المرأة النرويجية سواء أكانت شابة يافعة أم امرأة كبيرة في السن؟ وعلى الرغم من طرافة شخصية ميرو وأدائه الكوميدي الجميل إلاّ أنه قُدِّم كشخص كاذب خصوصًا فيما يتعلق بعمر صديقته النرويجية التي قال إنها في سن الخامسة والعشرين بينما هي، واقع الأمر، في سن والدته. ربما يكون زيرك "زهير دُرهان" هو الأكثر اندماجًا بالمجتمع لجهة إتقانه اللغة النرويجية فهو الذي كتب الرسالة الموجهة للملك، وتبنى عملية الترجمة لبقية اللاجئين الكرد. كما استطاع إقامة علاقة، وإن شابَها التوتر والارتباك، مع الشابة النرويجية إنغريد التي انزعجت منه ثم عادت إليه كي تساعده في العثور على الطفلة لورين التي ضاعت لبعض الوقت.
إذا كان بعض الشخصيات يبحث عن علاقات عاطفية عابرة فإن البعض الآخر يبحث عن المال حتى وإن كانت طريقة كسبه غير قانونية، فأكبر "أمين سيناتورزادة"، اللاجئ الأفغاني الذي تسلّم رسالة الرفض الأخيرة وعليه مغادرة النرويج خلال مدة قصيرة، تسلل إلى الحافلة واختبأ فيها علّه يحصل على أجور عمله من صاحبي المطعم والمخبز اللذين عمل فيهما لبعض الوقت لكن صاحب المخبز كان فظًا فدخل معه في مشادة كلامية الأمر الذي دعاه للاستعانة بصديقه تشامبيون "حسن ديميرجي"، مدرب التايكواندو والكراتيه الذي أوسعَ الخباز ضربًا لكنه لم ينجُ من البوليس الذي اقتاده إلى التحقيق.
يعوِّل تشامبيون على قواه العضلية أكثر من تعويله على قواه الذهنية فلاغرابة أن يستعمل يده في حل المشكلات التي تواجهه. وعلى الرغم من الجانب السلبي الذي تنطوي عليه هذه الشخصية العنيفة إلاّ أنها إيجابية لجهة بحثها عن العمل، وإخلاصها لرياضة التايكواندو والفنون القتالية الأخرى.
أما المرأة الوحيدة في هذه الشخصيات الخمس فهي بريتان "إيفان أندرسون" التي جاءت من مسافة بعيدة جدًا لا لكي تبحث عن اللجوء أو الاستقرار إنما للانتقام من الشخص الذي وشى بزوجها لأنه ينتمي إلى منظمة محظورة وكان سببًا في موته بينما ينعم هو بالراحة والعيش الرغيد في أوسلو. وبعد تنفيذ عملية القتل تقفل بريتان راجعة إلى المطار مع ابنتها الصغيرة من دون أن تلفت انتباه أحد.
وعودًا على القصة الإطارية التي أشرنا إليها سلفًا وهي الرسالة التي كتبها العم ميرزا ويريد أن يسلمها إلى ملك الدنمارك بيده. ثمة أشياء كثيرة تنطوي عليها هذه الرسالة وأبرزها الجانب الإنساني فهو يتحدث إلى الملك حديث رجل لرجل، ويلتمس منه أن يزوِّده بجواز سفر كي يعود إلى كردستان العراق ويجري مراسيم الدفن لأولاده الذين فقدهم في الأنفال. تكشف هذه الرسالة بأن العم ميرزا ليس أنانيًا فهو معنيٌ بالآخرين، بل أنه يعتبر نفسه مسؤولاً عن كل الناس المقيمين في مركز اللجوء فلاغرابة أن يطلب من جلالة الملك هارلد الخامس أن ينظر بعين العطف إلى كل هؤلاء اللاجئين وأن يجنِّبهم عناء الطرد أو الترحيل القسري من هذا البلد الذي ينعم بالخير والمحبة والسلام.
يعتبر العم ميرزا نفسه مواطنًا نرويجيًا بعد أن مضى عليه أكثر من عشر سنوات في هذا البلد ذلك لأن الثقافة الكردية تعتبر الإنسان ضيفًا خلال الثلاثة أيام الأولى من زيارته ثم يصبح واحدًا من أهل البيت في اليوم الرابع. فلم يعد هؤلاء اللاجئون ضيوفًا في النرويج وإنما أصبحوا مواطنين شأنهم شأن السكان الأصليين الذين يتمتعون بكل حقوق المواطنة، وعليهم نفس الواجبات التي تضعهم على قدم المساواة من المواطنين النرويجيين. توحي الرسالة من جانب آخر بأن بعض اللاجئين يريدون العودة إلى أوطانهم، ويحاولون قدر المستطاع الحفاظ على هويتهم، وصون كرامتهم الإنسانية التي هي أعزّ ما يملكون. وحينما يصل العم ميرزا إلى باحة القصر الملكي يجلس على أريكة ليكمل لنا حكايته برمتها والتي هي حكاية الكرد، بل يمكن ترحيلها لتصبح حكاية العراقيين أو الشرق أوسطيين الذين يعانون من القمع ومصادرة أبسط الحقوق الإنسانية على الرغم من أننا نعيش في أوائل الألفية الثالثة.
يشعر العم ميرزا بالتعب فتسقط الراسلة من يده فتأخذها الريح وكأنها وصلت إلى الملك وتعرّف إلى مضمونها الإنساني العميق. وبينما كانت الموظفة الاجتماعية توريل قلقة على العم ميرزا الذي تأخر ولم يعد في الوقت المحدد كانت الحافلة تتهيأ لرحلة العودة إلى مركز اللاجئين بينما كان الملك يعيد قراءة الرسالة ويتمثل كل جملة وردت في متنها بعين الأب الحنون.
لا يمكن إغفال حميمية الأفلام التي أنجزها المخرج هشام زمان فهي تعبّر عن ثقافته، وتسامحه، ورؤيته الإنسانية التي يمكن تلمّسها في حياته الشخصية الخالية من التعصب القومي، فهو يسمّي نفسه كرديًا تارة، وعربيًا تارة أخرى، ونرويجيًا تارة ثالثة. وإذا كان جسده يعيش في النرويج فإن روحه تقيم في كردستان بينما تتنقل أفلامه في مختلف أرجاء العالم لتُثبت بالدليل القاطع أن هشام زمان هو مخرج "عالمي" بامتياز.
لابد أن نشير إلى براعة المصور ماريوس ماتزو غولبراندسون الذي طبع بصمته في كل لقطة ومشهد ليمنح الفيلم لغة بصرية عميقة تراهن على جمالية الصورة، وترتكز على فتنة الخطاب البصري المحترف. كما يجب التنويه بدور الممنتجين الثلاثة الذين شذبوا الفيلم من ساعتين وأربعين دقيقة ليجعلوه 75دقيقة لا غير كي يحافظ على سلاسته الإيقاعية التي أنقذته من آفة الترهل.
جدير ذكره بأن المخرج هشام زمان قد نال العديد من الجوائز من بينها جائزة أفضل تصوير في مهرجان ترابيكيا، وجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان أبو ظبي. كما نال جائزة التنين للسنة الثانية على التوالي.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعدد الأصوات السردية في -نوميديا- طارق بكاري
- الفتى الذي أبصر لون الهواء. . أنموذج ناجح لأدب الناشئة
- تجاور الأديان وهيمنة الحُب الروحي في ما وراء الفردوس
- قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية
- مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر
- عالم داعش . . من النشأة إلى إعلان الخلافة
- مراعي الصّبَّار. . . يوميات ليست بريئة من الخيال
- سافروجيت. . بطلة شعبية تغيّر وجه العالم
- خِصال دستويفسكي في قالب روائي هندي
- (حديث في الممكن) ولعبة الاشتغال في ما وراء الفضاء التراجيدي
- سمبين . . رائد السينما الأفريقية وأعظم الكُتاب الأفارقة
- لا لملاعب الغولف في الجانب المُعتم من الخُضرة
- ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين
- قصة كردية تمجّد ثقافة السلام في فيلم اتبع صوتي
- قراءة نقدية في مراحل الرواية العربية المُغترِبة
- الجانب المُعتم من الخُضرة
- جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي
- التعالق النصي في قصص الرجوع الأخير لمجدولين أبو الرُّب
- بطولة المدينة وتنوّع الساردين في رواية -صنعائي- لنادية الكوك ...
- الرسالة الأخيرة بين المنحيين التاريخي والدرامي


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تجليات كردية في فيلم -رسالة إلى الملك- لهشام زمان