عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 5087 - 2016 / 2 / 27 - 03:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مظاهرات التّحرير أم التنكيل؟
إلى أين و لماذا مظاهرات ساحة التّحرير؟
مآلذي يبغي تحقيقه السيد مقتدى الصدر بدعوته للتظاهر؟
بعد الزيارة الغريبة المعكوسة لرئيس الوزراء العراقي السيد العبادي لقائد التيار الصدري مقتدى الصدر في مقرّه بالكاظميّة؛ دعى الصّدر بعد ذلك الأجتماع مباشرةُ إلى مظاهرة حاشدة في ساحة التحرير, من دون معرفة النّاس بهدف المظاهرة الحقيقيّ, و من المعلوم أنّ أية مُظاهرة أو حتّى أجتماعٍ عادي أو مؤتمر طارئ لا بد و أن يكون له عنوان و هدف و محدّدات و محاور أساسية و فرعية يتمّ على أساسه تحقيق الهدف أو الأهداف المنظورة منها!
و الحال أنّ العراقيين بما فيهم رموزهم التقليديّة المتلبسة بآلدّين و الوطنية و نصرة الحقّ .. و هم كثر و آلحمد لله, و قد يتعدّون الخمسائة قائد لمختلف التيارات و المذاهب و القوميات و الحركات؛ باتوا لا يعرفون لا هم و لا جماهيرهم من خلفهم .. ماذا يريدون؟
سوى التوافق الضّمني الفطريّ للجميع على نهب أكثر ما يُمكن نهبهُ من الأموال و المخصصات و المناصب و بأيّة وسيلة لهذا الهدف المقدّس الذي نتج عن تربيتهم و دينهم و ثقافتهم, بمعنى إنّ آلدّين و الدّولة و آلسّياسة و الثقافة صارت وسيلة للنهب و التّسلط و الظهور و الفساد بغير الحقّ!
طبعاً شعاراتهم الظاهرية في الأعلام و مواقع التواصل الأجتماعي معاكسة تماماً في مقابل كل تلك الحقائق و النمط الأخلاقي الفاسد الذي يمتد ليس فقط من بعد فترة سقوط صدام اللعين .. بل حتى إلى ما قبل السّقوط بكثير .. لا بل يمتد عبر التأريخ كله؛ فشعاراتهم تختلف جملة و تفصيلاً في الأعلام و اللقاآت .. خصوصا حين يظهرون أمام الجماهير المغفلة حيث كلمة الله على لسانهم بل يتباكون و يحلفون و يقسمون و يدّعون العكس من ذلك تماماً بكونهم يخافون الله و إن أياديهم بيضاء و لم يسرقوا و لم يستملوا حتى رواتب مليونية و لا نثريات و لا حمايات و لا قصور و لا حسابات بأسماء أخوانهم و أبنائهم و أحفادهم و أخواتهم في داخل و خارج العراق!!
بجانب هذا و بسبب فساد عقائدهم و أخلاقهم .. لا يوجد تيار واحد يتوافق أعضاؤه مع تيار آخر!؟
بل الكل يعادي الكل!؟
و الكل ساخط على الكل!؟
و ألكل يعادي الكل لأجل لقمة أدسم و موقع أفضل و سرقة أكبر .. و المؤآمرات جارية بالخفاء و العلن في هذا الوسط الشيطاني, حيث موائد الغيبة و النّفاق و الدّجل سارية و قد تخصصوا بها في إجتماعاتهم بحيث جعلتهم يتقلبون 180 درجة حتى على حلفائهم و من يمثلهم بكل سهولة و يسر حين يتطلب البقاء في المنصب لأجل المال ذلك .. بل و صار طبيعياً حتى لِمَنْ ينتمي لنفس التيار أو الحزب الذي ينتمي إليه, و في غضون يوم و ليلة قد يحدث ما لا يتصوره العقل من أجل المصالح الآنية و المادية, و لا حاجة لسرد الأدلة على ذلك, فآلكل شهدوا و يشهدون ما جرى في الساحة السياسية قبل و بعد سقوط صدام و إلى يومنا هذا!
و دليل ألتآمر و التنافر الحاد المأزوم و المستمر بين الكتل السياسية و الطوائف و المذاهب و الأحزاب العراقية .. و حتى فيما بين الكتلة الواحدة و الحزب الواحد؛ هو أنه للآن لم يُمرّر مشروع بنائي أساسي عملي واحد ناجح و مفيد لخدمة العراقيين إتفق عليه الجميع .. و لا حتى نصفهم .. بل لا و الله و لا حتى ثلث المشاركين في العملية السياسية, فكل شخص و جهة تتربص بآلأخرى لأجل إجهاض عملها و دورها و مشروعها و بأي ثمن و بكافة الحيل و الوسائل الكثيرة و المتنوعة الممكنة, حيث تتفنن الأطراف المعنية و حتى المستقلة منها كآلتيار الذي يدعيه وزير التعليم العالي و البحث العلمي .. حين ينوي التخريب و الدمج و الفوضى, بل وصل الحال بآلبعض لأن يضرّ نفسه و جماعته من أجل أسقاط و تدمير المقابل .. بل و تدمير الوطن كله, و هي أقصى درجات التمرد و التخريب الذاتي الذي يصيب المرضى السّاديين و يمثل قمة الأرهاب الذي سبقهم به صدام الملعون الجبان.
إن التحشيد الجماهيريِّ ألأخير للتيار الذي تزعم نهج الصّدر قد إمتاز بآلدّقة و التنظيم العالي للمُتظاهرين, لكن بغير شعارات مركزية واضحة أو أهداف كبيرة معلنة بجانب عدم تحديد الوجهة و الغاية التي يريدونها من التظاهر و الأحتجاح سوى تكرار الشعار العام (ضد الفساد) .. بمعنى عدم وجود شعار مركزي و اضح لعلاج الفساد أو حتى فرعيّ يختص بحزب،أو حركة سياسية،أو مذهب، أو قومية!
صحيح إنه لم يُرفَع عَلماً غير العَلم العراقي كدلالة على الوحدة الأعلامية بين المتظاهرين؛ و صحيح أن هُتافاتهُم كانت تدعو لمحاربة الفساد و المُفسدين و هو العنوان الذي رفعهُ و يرفعهُ كافة الأحزاب و المنظمات و حتى مراجع الدين بلا إستثناء, لكن ألحقيقة الخافية هي؛ أن هؤلاء أنفسهم الذين سبّبوا الفساد و آلمؤآمرات و التناحر و التخريب المتعمد سواءاً فيما بينهم أو فيما بين التيار أو الحزب الواحد.
بجانب هذا الواقع الأليم .. لا أحد من المنصفين يُمكن إنكار قُدرة السيد مُقتدى الصّدر لأسباب معروفة على دفع تياره الغير المثقف كما التيارات الأخرى لنُصرة المطالبين بـ "الإصلاح" الذي هو ضد الفساد ..
فهم يسمعون و يطيعون أوامره لكونه يدّعي تمثيله للتيار الصّدري نسبة إلى الفيلسوف محمد باقر الصدر (قدس) و كذلك والده الشهيد محمد الصدر(قدس) و اللذين ظُلما من العراقيين عموماً و من المنتمين لهم خصوصاً لعدم دركهم لمبادئ و منهج هذين العظيمين بكل شيئ ... و لو طلب منهم أن يدخُلوا آلخضراء لدخلوا دون تردُد!؟
و لكن كيف يمكن القضاء على الفساد في هذا الوسط و هم من دعموا و ما زالوا المفسدين كبهاء الأعرجي!؟
و كذلك .. كيف و لماذا لا يستطيع هذا التيار الذي يمتلك العدد و العدة الكافية ألقضاء على الفساد!؟
خصوصاً و أنه تبرّء في وقت سابق من المشاركين من تياره في الحكومة بكونهم لا يمثلونه و لا يرتبطون به, بمعنى عزل التيار عن الحكومة التنفيذية و التشريعية تماماً, حتى إنّه حدّد 16 مكتباً فقط و بآلأسم في وقتها لتمثيله في العراق, و لكننا مع هذا شهدنا إرتباطهُ المستمر في الخفاء و العلن بجميع المشاركين في الحكومة, خصوصا بآلفاسد بهاء الأعرجي و آخرين كانوا و ما زالوا أعضاء و وزراء في مجلس النّواب و الحكومة و غيرها؟
و للآن لم نحصل على تفسير لهذه المتناقضات!؟
و لعلّ هذه المشاركة الخفيّة(الشيطانية) في الفساد هي التي منعتهُ للضغط على الحكومة للقضاء على الفساد عملياً لا نظرياً و إعلامياً و هو القادر على ذلك!
و لذلك فأنّ مظاهرات اليوم/الجمعة20/26/2016 لا معنى لها, كما لا تعني البراءة من فساد الحكومة من باب تحصيل حاصل, بل تبدو و كأنّها لعبة لأستمرار الفساد كما كان و كما هو عليه الآن للمزيد من تحقيق المصالح الفئوية و الحزبية التوافقية و بشكل أسوء من السابق نتيجة نزول أسعار النفط و قلة الموارد!؟
ثم ما فائدة هذا التيار أساساً؛ كما التيارات الأخرى كالمجلس الأعلى و تيار المستقليين و البعثيين و غيرهم من التيارات التي وصلت عددها للمئات, من قضية الفساد .. إذا كانوا جميعأً يشاركون فيه و بتوافق تام!؟
ألوضع بحاجة إلى مواقف عملية واضحة ونكران للذات من قبل آلتيارات و آلأحزاب .. و إلى خطوات ماديّة تحاكي الواقع .. و مصيرية جادّة لأنقاذ الأقتصاد و بوادر الأنهيار الكبير الذي بدأ يهدد ما دون البنى التّحتية العراقية و بآلصميم لأنهم هم المسؤولين على هذا الوضع!
و الجماهير الفقيرة المعدمة هي التي ستقوم بإحياء آلمظاهرات النقية الصافية الواضحة رغم كلفتها و صعوبتها لهم لكونهم جوعى و مرضى و مقهورين و لا طاقة كافية بأبدانهم للأستمرار بذلك, لكنها تمث مصيرهم ..
و من أولى القضايا العملية التي تُبرء في الواقع ساحة آلتيار الصدري و الأحزاب و التيارات الأخرى من الفساد و التخريب خصوصا التيار الصّدري الذي تصدّر المشهد السّياسي في مظاهرات اليوم؛ هو إرجاع مئات المليارات التي سرقوها كرواتب و مخصصات خلال الأعوام العشرة الماضية أو تلك المسروفة لبناء مشاريع وهمية و التي يُمكن أن تصل بمجموعها لمئات المليارات؛ مصداقاً لمواقفهم أولاً .. ثم منطلقاً لبناء العراق و إنقاذ البلاد و العباد من الهلاك و من دون الأعتماد لا على النفط و لا غير النفط في الوقت الحاضر على الأقل .. من خلال البدء بمسيرة واقعية للبناء و الإعمار و الزّراعة و الصّناعة و الخدمات و بمشاركة جميع المتخصصين المنزوين و المهاجرين بعد ما تسيّد الكثير من الأميين و الجهلاء و البعثيين في المناصب و المسؤوليات و الوزارات في البرلمان و الحكومة و آلقضاء!
فآلشّعب ألذي تعب من الحاكمين بات منهمكاً و لا يثق بعد .. بأي حزب أو تيار أو حتى مرجع دين ما لم يقدم المصاديق العملية على مدعياته و مرجعيته, بأن يتقدم و عائلته و مقربيه الجميع من خلال مواساة العمال و الموظفين و الفقراء في لقمة الخبز و الرّاتب و المأكل و الملبس و الحمايات و الخدمات و الحسابات في البنوك, و بغير ذلك .. فلا مصداقية و لا أخلاص .. و إن الموت الأحمر سيشمل الجميع!
و لا و لن يتحقق الصلاح و المعروف في مجتمعنا, إلا بعد الضرب و بيد من حديد كل المتآمرين و الفاسدين و الحيتان الكبيرة بتقديمهم لمحاكم ثوريّة عاجلة حتى لو كان رئيساً لأئتلاف أو وزيراً أو نائباً لمجرد إثبات تهمة الفساد بحقه, و عدم التماطل في ذلك, و لعلّ قوّات بدر و العصائب هم العينة الخيرة و ا لمخلصة و الأساس الذي يُمكن أن يُعوّل عليهم لتنفيذ هذه المهمة الكبيرة التي ستقطع دابر المفسدين في فترة قياسية؟
و إلّا فأنّ الأحتجاجات و المظاهرات و الخطابات و الأجتماعات كلها فاشلة و لا تنفع و ستسوف حركة المجتمع و الخيرين و المجاهدين و الفقراء!
بل ليس فقط لا جدوى من ورائها؛ بل ستكون منطلقاً للأستهلاك المحلي لإدامة الفساد المنظم و قد يشارك فيه كل الشعب و الجماهير من حيث لا يعلمون ليتحقق التخريب الذاتي الذي سبق و أن كتبنا عنه عدة مقالات سابقة, و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟