أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تعدد الأصوات السردية في -نوميديا- طارق بكاري















المزيد.....

تعدد الأصوات السردية في -نوميديا- طارق بكاري


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5085 - 2016 / 2 / 25 - 12:10
المحور: الادب والفن
    


الرواية المرشحة للقائمة القصيرة لجائزة البوكر لهذا العام
صدرت عن "دار الآداب" ببيروت رواية "نوميديا" للكاتب المغربي طارق بكاري، وهي روايته الأولى التي رشحتها الدار المذكورة لجائزة "البُوكر" فوصلت إلى القائمة القصيرة، وربما تجد طريقها إلى التتويج لأسباب عديدة منها تنوِّع الثيمات، وتعددية الأصوات، وتداخل الأبنية المعمارية التي انطوت على فضاءات سردية جمعت بين الحقيقة والخيال، وزاوجت بين الواقع وأساطيره الخرافية التي تجترحها الذاكرة الشعبية المغربية.
تتمحور هذه الرواية على عدد كبير من الثيمات الرئيسة مثل الأنا، والآخر، والهُوية، والنبذ، والانتحار، والثراء، والحب، والجنس، والكتابة وما إلى ذلك من موضوعات حساسة تُهيمن على أذهان الشخصيات الرئيسة والثانوية على مدار النص الروائي.
يكشف المُقتطَف الأول من مسوّدة رواية "مُراد الوعل" لجوليا (ك) عن المصير المُفجِع الذي سيؤول إليه بطل الرواية وشخصيتها الرئيسة مُراد الذي ستتوزع مسؤولية قتله على الفرنسية جوليا (ك) والأمازيغية نوميديا التي لا نعرف على وجه الدقة إن كانت حقيقية أم محض خيال؟
لم يشأ طارق بكاري أن يبدأ أحداث روايته بزمن أفقي يمتد من الولادة إلى الممات فلقد أعاد المؤلفُ راويهِ العليم إلى قريته الأمازيغية "إغرم" بعد ربع قرن من الزمان. ومن خلال هذا الفضاء الأمازيغي تحديدًا نسترجع الأحداث التي وقعت لمراد الوعل الذي أنجبته أمه على سفوح هذه القرية النائية وتركته يواجه مصيره المجهول، خصوصًا وأن أبناء القرية لم يعترفوا به لأنه لقيط. ولعل أهم ما قاله "امحند"، الشخص الذي آواه:"أنتَ منّا- تذكّر هذا جيدًا- لكنّك لستَ من دمنا". لقد وضعنا الراوي مباشرة أمام سؤال الذات اللقيطة وغير المتجذِّرة التي لا تعرف لها هُوية محددة وانتماءً واضحًا للعيان.
تتعدد الأصوات السردية على مدار الرواية وتتوزع بين الراوي مراد الوعل وبعض النساء اللواتي أحبهن مثل خولة ونضال وجوليا ونوميديا الخرساء التي كانت تستعيض عن الكلام بالكتابة والإيماءة ولغة الجسد، بل أن شخصية الراوي نفسه تنشطر إلى شخصيتين حيث تحمل الأولى شخصية "أوداد" التي تعني بالأمازيغية "الوعل"، وشخصية "مراد" التي يعدّلها الحسين، الشخص المديني الذي تبناه، ورعاه، وأدخله المدرسة على الرغم من ضيق ذات اليد لكنه هيأ له في خاتمة المطاف فرص النجاح والتفوق والإثراء كي يعود بعد ربع قرن إلى قرية "إغرم" التي ولد فيها ويشتري الفندق السياحي الوحيد المزروع في خاصرة الجبل ويعيد اكتشاف المدينة من خلال سرد سيرته الذاتية المؤسية للنساء اللواتي أحبهنّ أو ارتبط بهنّ بشكل من الأشكال.
إذا كانت الأنا اللقيطة تأتي في المقدمة كسؤال مهمٍ ومُحيِّر للهُوية فإن سؤال "الآخر" الفرنسي يتبعها مباشرة لنرى رأي العين "قلعة الرومي" التي بناها وحطّ أول إمبريالي قدمه على أرض "إغرم" وبدأ باغتيال أناسها فردًا فردا ولم يتوقف عن مسلسل القتل اليومي إلاّ عندما أقدم شيخ القبيلة، سيدي موسى، على ذبح فلذة كبده سيدي عيسى مقابل أن يبقى أبناء "إغرم" على قيد الحياة! ثم تحوَّل ضريحه إلى مزار نبتت فيه شجرة التين من دماء الضحية لتصبح معادلاً موضوعياً لشجرة التفاح المحرمة التي يعرف قصتها القرّاء في كل مكان تقريبا.
لا تقتصر ثيمة "الآخر" على سَفّاح القلعة وإنما تتعداها إلى شخصية جوليا (ك)، الكاتبة الفرنسية التي سوف تقود مراد الوعل إلى حتفه. لم تنطلِ علينا طويلاً خدعة البحث السوسيولوجي الذي تعّده جوليا حول "مفهوم الجنس في الشرق" وسوف نعرف لاحقًا أن كل شيء تقوم به هو مُخطط له سلفًا وليس وليد المصادفات العابرة. فقد التقت الطبيب النفسي بنهاشم في باريس وساومها على بيع ملف مريضه النفسي مراد الوعل، بل أعطاها المحلول الطبي الذي سوف يحرّضه على البوح بكل ذكرياته في أويقات الهلوسة.
يحيطنا الراوي بمعلومات وافية عن كل شخصية على انفراد بما فيها شخصيته المنشطرة إلى أوداد ومراد، فنعرف أن أم أمحند تكرهه جدًا وتذكِّره بأنه ابن زنا حتى أنه فكر، وهو في الثانية عشرة من عمره، أن يقفز من قمة الجبل إلى الهاوية. وأن شيخ القرية يعتبره لعنة يجب الفكاك منها، وأن فقيه القرية يرى فيه نتيجة لزواج أنسيّ بجنيّة، وأن صفيّة، زوجة الحسين، هي التي شوت ظهره بقضيب ملتهب وتركت عليه ندوبًا لا تمحى.
أشرنا سلفًا إلى تعدد الأبنية المعمارية للرواية فلاغرابة أن يتنقل السارد من طفولته المفجعة إلى صباه وشبابه فنعرف أن أحب ليلى أول الأمر لكنها سرعان ما تزوجت من شخص آخر وانقطعت إليه. ثم يأخذنا إلى "حياة" التي تعرّف عليها في ماخور وانجذبت إليه، وظلت عالقة في ذهنة لمدة من الزمن. أما خولة فقد قطعت شريان يدها وقتلت الجنين في بطنها لأنها لم تعد تعرف عنوان مراد. لم تكن قصة "نضال" أقل وطأة من سابقاتها حيث شعرت باليأس وتزوجت من رجل أعمال ثري وسياسي في الوقت نفسه لكنها لم تكن تحبه فلاغرو أن تخونه مع مراد الذي لما تزل تحبه وتحتاج إليه. ربما تكون جوليا هي الأكثر امتدادًا في فضاء النص، وتضاعيف المكان حيث تختلق العديد من القصص والأحداث التي نكتشفها لاحقًا ونعرف أنها من بنات أفكارها ونتاج مخيلتها المتشظية.
أما الحبيبة الأخيرة فهي الفاتنة الأمازيغية "نوميديا" التي جاءته على ظهر حصان أسود ولم نعرف إن كانت حقيقية أم محض خيال، وهذا سرّ من أسرار نجاح الروائي طارق بكاري الذي أوقفَ قرّائه عند الحدّ الفاصل تمامًا بين الواقع والأسطورة. وربما كانت قصتها هي الأكثر سطوة على مراد الوعل من حبيباته السابقات اللواتي يعشن على أرض الواقع الذي نتحسس فيه وجع الانتحار، وقساوة سنوات الجمر والرصاص. وبغية رسم النهاية الدقيقة لهذه الرواية التجأ طارق بكاري إلى اللمسة الغرائبية المحيّرة وهو في طريقة إلى قمة الجبل حيث سمع صوت طلقة نارية لكنه لم يكن يدري إن كانت هذه الطلقة قد استقرت في جسده أم في جسد الوعل الذي كان يتسلق الجبل بخفة ومهارة كبيرتين؟
يحضر الظلاميون بقوة في هذه الرواية فهم الذين أطفأوا حياة المناضل مصطفى وبدأوا يلاحقون مراد الوعل بتهديداتهم على الرغم من أن بعض الرسائل كان وراءها جوليا في إشارة واضحة إلى أن الغرب يحرّك الظلاميين ويدفعهم لنشر الرعب والفوضى في عموم البلاد.
تعترف جوليا في خاتمة المطاف بأنها فشلت في رهانها الروائي الكبير وأنها لا تمتلك سوى إعادة كتابة هزيمتها على يد رجل شرقي عَشِقَتهُ، وشعرت به كـ "رجلٍ فارّ من بين دفتيّ كتاب".
لا شك في أنّ "نوميديا" هي عمل روائي متميز استوفى شروطه الإبداعية لكن بالمقابل هناك خمس روايات عربية أخرى تمتلك كل واحدة منها نكهة خاصة، وتقنيات محددة قد تضع أعضاء لجنة التحكيم في مواقف لا يُحسَدون عليها آخذين بنظر الاعتبار أن العمل الذي سوف يتوّج أخيرًا ليس بالضرورة أن يكون أفضل الأعمال الروائية لعام 2015 فثمة روائيون في العالم العربي لا يأبهون بالجوائز، ولا يكتبون من أجل الظفر بواحدة منها لأن همّهم الأول والأخير هو كتابة نص روائي يعْلق بذاكرة القرّاء ولا يكلف نفسه عناء الخوض في سوق المراهنات.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفتى الذي أبصر لون الهواء. . أنموذج ناجح لأدب الناشئة
- تجاور الأديان وهيمنة الحُب الروحي في ما وراء الفردوس
- قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية
- مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر
- عالم داعش . . من النشأة إلى إعلان الخلافة
- مراعي الصّبَّار. . . يوميات ليست بريئة من الخيال
- سافروجيت. . بطلة شعبية تغيّر وجه العالم
- خِصال دستويفسكي في قالب روائي هندي
- (حديث في الممكن) ولعبة الاشتغال في ما وراء الفضاء التراجيدي
- سمبين . . رائد السينما الأفريقية وأعظم الكُتاب الأفارقة
- لا لملاعب الغولف في الجانب المُعتم من الخُضرة
- ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين
- قصة كردية تمجّد ثقافة السلام في فيلم اتبع صوتي
- قراءة نقدية في مراحل الرواية العربية المُغترِبة
- الجانب المُعتم من الخُضرة
- جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي
- التعالق النصي في قصص الرجوع الأخير لمجدولين أبو الرُّب
- بطولة المدينة وتنوّع الساردين في رواية -صنعائي- لنادية الكوك ...
- الرسالة الأخيرة بين المنحيين التاريخي والدرامي
- لماذا غاب أتاتورك في فيلم الرسالة الأخيرة لأوسان إيرين؟


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تعدد الأصوات السردية في -نوميديا- طارق بكاري