أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - لاتشتموا الماء لأنه يخرّ من الثقوب














المزيد.....

لاتشتموا الماء لأنه يخرّ من الثقوب


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1380 - 2005 / 11 / 16 - 12:12
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في انتظار الانتخابات الأولى سألت (فيتراً) عراقياً كان يصلح سيارتي في محله في دوردرخت في هولندا, سألته عمن سينتخب, فقال بلا تردد: "الجلبي". وحين ابديت استغرابي لحماسه من بين كل المرشحين لشخص متهم بسرقة بنك, قال لي: "إسألني ان كنتُ قد سرقتُ في حياتي, وسأقول لك بصراحة, نعم لقد سرقتُ! اسألك ان تقول لي الصدق ان كنت قد سرقت في حياتك ام لا, واقول لك نعم, لاشك انك سرقت!"

رغم إنزعاجي من منطقه, أعترف ان الرجل اثار تساؤلاً مشروعاًً لا مفر من البحث عن اجابة مقنعة له.
فمن منا منحت له الفرصة ليسرق بنكاً فأدار لها ظهره؟ لمثل هذا الشخص ان يحتج, واما الباقين منا فعلينا ان نتأنى في اتخاذ موقف القديسين مسبقاً.

ليست الاخلاق مطلقة لانهائية القوة. ويمكننا ان نقيس قوة اخلاق الناس, بصمودها امام اغراء الكسب اللااخلاقي مثلاً. فمن يتخلى عن المبادئ ( في أمر هام بدرجة ما) مقابل مئة دولار, نعتبره أوطأ من الاخرين وأضعف منهم, لأن اكثر الناس يمكنه ان يصمد أمامها. ولو رفعنا المبلغ الى الف دولار لزاد عدد من يقبلونه, ولو زدناه الى عشرة الاف فسيقبله الكثير من الناس, فإن صار مئة الف قبله معظم الناس, لذا لم يعد لدينا الحق في اعتبار هؤلاء منحطين يستحقون العقاب.

كيف نقيس الحد المقبول من الاخلاق؟ يقال ان كل شخص يقيس اخلاق الاخرين بأخلاقه, فيعتبر من كان دونها محتقراً ومن كان فوقها محترما. ولكننا في العادة نتوقع من الاخرين اكثر مما نطالب انفسنا به ومن طاقتهم فنفاجأ بالنتائج.

لا ادل على ذلك من "فضائح" كوبونات النفط العراقية. فهي تنتشر في كل العالم وتثبت بدرجة ما, ان كبار الناس وأغنيائهم في كل البلدان يمكن شراؤهم بدرجات متقاربة.
وليس هناك مبرر للإعتقاد ان فقراء الناس اكثر صموداً. أنا لا استطيع القول بثقة انني كنتُ سأصمد امام كوبون سمين! ثم أنني سأستخدم عقلي لكي أتجنب رؤية الموضوع كسرقة, بل كـ "تجارة" مثلاًً.

فاذا كان حازم الشعلان قد سرق فعلاً ملياراً او بضعة مئات الملايين او حتى بضعة ملايين دولار, فيصعب علي ان الومه! فاخلاقي لم تمتحن بعد امام اغراء الملايين, دع عنك المليارات, وليس لي سبب لأثق بها الى تلك الدرجة.

لافائدة من لوم الناس ولا من الوعظ الاخلاقي ما دام الظرف مستمراً بأغراء المرء حتى يرهق مقاومته.
ففي هولندا يشبهون من يحاول منع ضرر دون علاج سببه بأنه " كمن يشهل (يغرف ويفرغ) والصنبور مفتوح". ما الفائدة من التخلص من صدام ومن محاكمة شعلان وبقية وزراء علاوي, ما دام النظام بهذا الشكل المغر للسرقة والدكتاتورية والتزوير؟ هذا الوضع يجعل من كل عراقي مرشح لص, "بس يلاقي اللي يوجهه" كما يقول سعيد صالح في مسرحية "العيال كبرت", إن صدقت ذاكرتي.

من السهل ان يجلس كل منا في مكانه يفتح فمه متعجباً من قلة الاخلاق في البلد. امام التلفزيون يضرب الناس قبضتهم غضباً من انحطاط البعض. والحقيقة ان الغالبية العظمى من المولولين على الاخلاق, يولولون على مصالحهم التي سرقت. لأن ألاخلاق العالية من صالح جميع الناس...الذين لم يسرقوا ...الذين تمنعهم اخلاقهم....... والذين لم تتاح لهم الفرصة!

يقول نيتشة في كتابه الجميل (هكذا تكلم زرادشت) "... والفرق كبير بين من احب الحقيقة, ومن عجز عن الإتيان بالكذب". فكم ممن لم يسرق بعد, امتنع اخلاقاً, وكم امتنعت عليه السرقة عجزاً؟

اذا كان صنبور نفط العراق بلا عدّاد, فيصعب علي ان الوم من يغرف الملايين منه. سيقول "السارق": على اية حال فالعراق يسرقه الجميع فلماذا أنا لا؟ " بوجه الخايبة يغيب الكمر؟". بضعة ايام اخرى لن تؤثر على ثاني اكبر خزين في العالم, سأهرب بعدها بعيدا وينتهي بالنسبة لي هذا الكابوس الذي اسمه العراق, وابدأ حياة جديدة لاتصلها اكثر احلامي جنوحاً! سأعِد ضميري ان ارضيه وأتوب توبة نصوحة, فلا اسرق بعد ذلك ابداً, وسأتبرع للفقراء وأذهب للحج أو أؤسس نادياً لدعم العلمانية والديمقراطية!

فإن رأيت يا عزيزي, في التلفزيون وزيراً نهب وزارته, وزاد الفقر والجوع في البلاد, فلك ان تنزعج وتغضب, ولكن لاتوجه غضبك على الرجل فقط بل على النظام الذي حمّل اخلاق هذا الرجل فوق طاقتها فانهارت. والحقيقة أن الضحايا المتماهلة في حقها والراضية بالظلم تتحمل جزأً كبيراً من المسؤولية, فهي بإهمالها لحقوقها وتكاسلها عن المطالبة بها تضع ثقلاً اضافياً على اخلاق من يتاح له ان يسرقها!

الكثير سيسرق, والكثير مستعد ان يصبح دكتاتوراً والكثير سيكذب ضد ضميره إن تعرض لفترة كافية من الزمن الى اغراء قوي. هذا هو حال الناس في كل مكان. هذه هي حقيقة البشرية. فلطاقتها الأخلاقية حدود, مثلما لطاقتها الجسدية حدود, وان سهلت رؤية الثانية وصعبت رؤية الأولى. ومن يطلب من المواطن الإعتيادي ان يصمد امام مليون دولار كمن يطلب منه ان يرفع 100كغم عن الارض. قلة استثنائية هم القادرون على ذلك, والأستثناء لايحتسب.

فإن اردنا مجتمعاً سليماً من الفساد فعلينا أن لانضع فوق الشخص 100كغم ثم نسلط عليه غضبنا ان لم يستطع حملها, بل ان نجد النظام الذي يقوم بواجبه فيحمل بنفسه تلك الاثقال الكبيرة ولا ينتظر من البشر اخلاقا خارقة لتغطي ثغراته.

قالوا:"تعيس هو البلد الذي هو بحاجة إلى الابطال" وأكمل: ولافائدة من "النظام الذي لايصلح الا للقديسين".
إن اردنا بلاداً نظيفة, فعلينا ان نؤسس نظاماً يستطيع ان يسير ويعمل بين البشر الاعتياديين, فالقديسين لا يحتاجون نظاماً.

علينا ان ننشف مكاننا, ولكن اهم من ذلك أن نبحث عن الثقوب التي تخّر الماء لنغلقها ايضا, بدلاً من ان نشتم الماء لأنه يخرّ من الثقوب.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرهاب قانون الارهاب
- الإيحاء بالدونية
- أتحج طوائف المسلمين معاً في العيد القادم؟
- افكار اثارتها الاخبار - 1
- لماذا اعتقل الكردي الجريء كمال سيد قادر؟
- ملاحظات على حملة -نعم للدستور- الاعلامية
- الحزب الشيوعي العراقي وتساؤلات عن المحتوى اليساري في مواقفه
- أنا اقول لا: مراجعة قبل التصويت على الدستور في العراق
- عشرة طيبين يكتبون ميثاقاً لجزيرتهم
- علينا ان ننسى: البريطانيان كانا يحملان جهاز تفجير عن بعد
- فتوى السيد الاخيرة
- إيمان العلمانيين بالزرقاوي!
- عراقيوا الخارج خارج الدستور
- تعديلات الدستور تزيده اعوجاجاً: الغاء مادة حقوق الانسان الدو ...
- تأجيل الدستور لتعديلات طفيفة لاقناع اليسار العراقي للتصويت ع ...
- رغم مصائبه, ليس العراقي معفياً من فهم العالم: الارهاب, اميرك ...
- في الدستور تنازلات بلهاء عن حق العراق في التكنولوجيا
- ما موقف الشيوعيين من المادة 110 ثانياً؟
- الارهاب المبدع
- لنهنئ انفسنا أن وصل بعض صوتنا الى الدستور


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - لاتشتموا الماء لأنه يخرّ من الثقوب