أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفتى الذي أبصر لون الهواء. . أنموذج ناجح لأدب الناشئة















المزيد.....

الفتى الذي أبصر لون الهواء. . أنموذج ناجح لأدب الناشئة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5082 - 2016 / 2 / 22 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


حينما فازت رواية "الفتى الذي أبصر لون الهواء" للشاعر والروائي اللبناني عبده وازن بجائزة الشيخ زايد لأدب الناشئة عام 2012 أثارت ردود أفعال مختلفة لم تنتهِ تداعياتها حتى الوقت الراهن علمًا بأن بعض الكُتّاب الذين تناولوا الرواية بالدراسة والتحليل لم يفرّقوا بين أدب الأطفال وأدب الناشئة حيث يتوجّه النوع الأدبي الأخير إلى القرّاء الذين تتراوح أعمارهم بين سن الثالثة عشرة والثامنة عشرة تحديدًا، وهي الفئة العمرية التي وضعها وازن نُصب عينيه في أثناء كتابة روايته التي حظيت بإعجاب لجنة التحكيم التي وجدت فيها "رواية إنسانية تصف، بلغة سردية جميلة، حياة فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة أهملها أدب الفتيان".
لا شك في أن أدب الناشئة يختلف عن أدب الأطفال مثلما يختلف عن أدب الكبار أيضًا. فالاشتراطات والمحددات التي نجدها في أدب الأطفال تنعدم كليًا في أدب الكبار بينما ينحصر أدب الناشئة في المسافة الممتدة بين الطفولة وسن النضج التي تشترط على الكاتب أن ينتقي ثيمات تربوية هادفة ومفيدة، ويراعي منظومة القيم الأخلاقية السائدة، ويحفِّز مَلَكَة الخيال لدى متلّقيه، ويرتقي بذائقتهم الجمالية، ويحضّهم على أهمية الخلق والإبداع في حياة الكائن البشري.
لقد راعى الروائي عبده وازن غالبية الاشتراطات المطلوبة في أدب الفتيان، وكتب لهم تحديدًا لأنه يعرف أهميتهم خصوصًا وهم يمرّون بمرحلة المراهقة وينمّون قدراتهم العلمية والأدبية والفنية ليصبحوا في خاتمة المطاف مواطنين صالحين يتفاعلون مع المجتمع ولا يشكِّلون خطرًا عليه.
يمكن اختصار ثيمة الرواية بصيغ متعددة لكنني سأركز على فكرة "تحدّي الإعاقة والانتصار عليها"، وهي ثيمة أصيلة تستحق أن تكون موضوعًا لرواية فتيان أو ناشئة بالمفهوم الأعم والأشمل. لقد نجح وازن في تأثيث نصه الروائي وأحاطنا علمًا بمعاناة الأسرة والأقرباء الذين تعاطفوا مع الطفل المكفوف "باسم" وحدبوا عليه، وظلوا يغمرونه بمحبتهم حتى اللحظة التي حقّق فيها أحلامه حينما فاز بالمرتبة الأولى في مسابقة قصصية أقامتها نقابة المعلمين على مستوى البلد.
تنطوي هذه الرواية على عناصر إيجابية كثيرة لعل أبرزها التعايش السلمي بين الأديان فإذا كان باسم مسلمًا فإن جورج مسيحي وربما ينتمي غيرهم إلى ديانات ومذاهب أخر. تحضّ هذه الرواية على السفر أو الانتقال من القرية إلى العاصمة بغية التعلّم والدراسة وإتقان المهن اليدوية. إن تقاطر الناشئة من ذوي الاحتياجات الخاصة من مختلف القرى والمدن اللبنانية إلى "معهد المكفوفين" في العاصمة بيروت قد أمدّهم بالكثير من الخبرات والتجارب الشخصية والعامة التي سوف تفتح لهم آفاقًا جديدة لم يألفوها من قبل. كما أن تجمّع هذا العدد الكبير من المكفوفين يوفر لهم حياة ثقافية واجتماعية متفردة تقضي على عزلتهم وتُلغي إحساسهم بالوحدة، وتنمّي فيهم روح الاختلاط والعمل الجماعي المثمر.
ربما تكون طريقة البرايل التي يستعملها المكفوفون في أوروبا مألوفة وشائعة في كل مكان لكنها في عالمنا العربي قد تقتصر على العواصم وبعض المدن الكبيرة والدليل أن غالبية المكفوفين يقصدون بيروت للانتظام في معاهدها التعليمية والتربوية. من هنا فإن إلتفاتة وازن مهمة جدًا في التركيز على هذه الطريقة الأحدث في تعلّم القراءة ومحو أمية المكفوفين.
لم يكتفِ وازن بهذه الوسيلة التعليمية المتطورة للمكفوفين وإنما ذهب إلى أبعد منها وهي الطباعة على الكومبيوتر وقد رأينا كيف أحرز باسم تقدمًا كبيرًا في هذا المضمار وأخذ يطبع بشكل احترافي دقيق أهلّه لأن يساعد إحدى موظفات المعهد الذي يدرس فيه.
يُشكِّل الحُب الفكرة الأكثر إغراءً في أي نص أدبي فكيف بأدب الناشئة الذين يتحرّقون شوقًا لخوض غمار هذه التجربة الرومانسية المشوّقة التي تكتنفها الكثير من الأسرار الغامضة والرغبة الجامحة في معرفة أسبابه ودوافعه ولماذا ننجذب إلى إنسان محدد دون غيره! لقد أحبّ باسم ابنة عمه زينب بصمت وكان يعرف جيدًا أنها تحبه، وليس بالضرورة أن تُفصح عن هذا الحُب لأن التلميح يُغني عادة عن التصريح! وقد لمس منها الكثير من التلميحات التي تعمّق هذا الحُب العُذري البرئ وتدفعهُ إلى أقصى مدياته.
تعمّد الروائي عبده وازن أن يكتب نصه الروائي بطريقة كلاسيكية تقوم على الزمن الخطّي والأحداث المتتالية التي لا يقطع تدفقها إلاّ بعض الاسترجاعات والاستعادات الذهنية، وهذا لا يعني أنه غير قادر على التجريب فغالبية كتاباته السردية قائمة على التجريب واللغة التجريدية التي لا تجد ضيرًا في الاحتكاك بمنطقة الخطر أو الولوج إليها كما هو الحال في كتاب "القلب المفتوح"، ولكنه طعّم هذا الشكل الكلاسيكي بنهاية مفتوحة حملت في رحمها جوهر النص الإبداعي الخلاق وضرْبته الفنية التي انتشلت الرواية من بنيتها التقليدية لتضعها في مصاف الروايات الناجحة التي تحترم القارئ وتعوّل على مخيلته الفنية التي تشترك في صناعة الحدث ولا ترتضي لقارئ النص أن يكون متلقيًا سلبيًا مسترخيًا في كرسيّ القراءة الوثير.
حينما كتب باسم قصة "الفتاة ذات العينين الصافيتين" وكأنه يرى صفاءهما لأنه في هذه الحالة أبصرُ المُبصرين حتى وإن كان كفيفًا لأنه كان يراها بعين البصيرة لا البصر. وقد استجار باسم شكيب المُبصر الذي فاجأ أباه بأنه يريد دراسة طب العيون، أما محبوبته هنا فهي المكفوفة سلمى. تُرى، هل تنطلي هذه اللعبة الفنية على القارئ الحصيف أم أنه سيكمل بناء الرواية التي ظلت مفتوحة حتى السطر الأخير؟
يرد ذكر الأديب طه حسين والمعرّي وعبدالله البردّوني الذين لمعوا في سماء الثقافة العربية. ورغم التركيز على طه حسين الذي أحبّه باسم وتعلّق فيه كثيرًا إلاّ أن هناك أدباءً وكُتّاباً وفنانين مكفوفين كثر تحدوا الإعاقة وانتصروا عليها، وبعضهم انتصر على إعاقتي السمع والبصر مثل الأديبة والمُحاضرة والناشطة الأميركية هيلين كيلَر التي لُقبت بـ "معجزة الإنسانية" ومن أبرز كتبها "الخروج من الظلام" و "أغنية الجدار الحجري". أما المؤلف والمغامر والناشط الأميركي أريك فاينماير فقد كان المكفوف الوحيد في العالم الذي تسلّق قمة إيفرست ليحقق معجزة لم يحلم بها القسم الأعظم من سكّان الكرة الأرضية. لا تقل معجزة الفنان التركي أشرف أرمغان عن سابقيه فلقد رسم لوحات فنية على مدى سنوات طوالا أدهشت النقاد والمتلقين بعمق الثيمات، وبراعة المقتربات، وحسن الأشكال الفنية.
لا يمكن مقارنة "الفتى الذي أبصر لون الهواء" بأية رواية عربية مخصصة للناشئة حتى وإن تشابهت بعض الأحداث هنا وهناك ذلك لأن البُعد الإنساني الذي يكمن في رواية عبده وازن لا نجد له نظيرًا عند كُتّاب آخرين في عالمنا العربي. أما لغة هذا النص فهي مكيّفة على مقاس الفئة العمرية التي تمتد من أولى سني المراهقة حتى نهايتها. بقي أن نشير إلى عنصر التشويق الذي تحتشد به الرواية منذ جملتها الاستهلالية وحتى الجملة الختامية النابضة بالحياة والأمل والعمل.
جدير ذكره أن الشاعر والروائي والمترجم عبده وازن أنجز عددًا من الكتب والروايات والدواوين الشعرية نذكر منها "حياة معطلة"، و "الغابة المقفلة" و "حديقة الحواس" و "سراج الفتنة". كما نال جائزة الصحافة الثقافية التي يمنحها نادي دبي للصحافة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجاور الأديان وهيمنة الحُب الروحي في ما وراء الفردوس
- قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية
- مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر
- عالم داعش . . من النشأة إلى إعلان الخلافة
- مراعي الصّبَّار. . . يوميات ليست بريئة من الخيال
- سافروجيت. . بطلة شعبية تغيّر وجه العالم
- خِصال دستويفسكي في قالب روائي هندي
- (حديث في الممكن) ولعبة الاشتغال في ما وراء الفضاء التراجيدي
- سمبين . . رائد السينما الأفريقية وأعظم الكُتاب الأفارقة
- لا لملاعب الغولف في الجانب المُعتم من الخُضرة
- ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين
- قصة كردية تمجّد ثقافة السلام في فيلم اتبع صوتي
- قراءة نقدية في مراحل الرواية العربية المُغترِبة
- الجانب المُعتم من الخُضرة
- جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي
- التعالق النصي في قصص الرجوع الأخير لمجدولين أبو الرُّب
- بطولة المدينة وتنوّع الساردين في رواية -صنعائي- لنادية الكوك ...
- الرسالة الأخيرة بين المنحيين التاريخي والدرامي
- لماذا غاب أتاتورك في فيلم الرسالة الأخيرة لأوسان إيرين؟
- السينما أجمل شيئ في حياتي وأتمنى أن أكون راويًا للقصص


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفتى الذي أبصر لون الهواء. . أنموذج ناجح لأدب الناشئة