ما يحدث لنا سببه الأول فساد التعليم !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

الحوار المتمدن-العدد: 5081 - 2016 / 2 / 21 - 23:26
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

مؤلفوا المناهج في الدول نشرت دراسة ألمانية عام 2004 تؤكد أن وفاة المعلمين بالسكتة الدماغية هي أعلى بـ 2.5 % من العاملين بباقي المهن الأخرى، كما نشرت نتائج استطلاع في بريطانيا عام 2009 تشير إلى أن مهنة التعليم هي أسوأ ثاني مهنة بعد عمال مناجم الفحم ! في الدول الاسكندنافية حيث التعليم الراقي، يحصل المعلمون على علاوة اسمها " علاوة طبيعة المهنة " وقدرها 70 % من الراتب الأساسي !

في مقابلة صحافية له، قال مسؤول جودة التعليم في كوريا الجنوبية أن الشرق الوسط أهمل التعليم، وكل ما يحدث هناك هو نتائج طبيعية لهذا لإهمال، أما في العام 2000 فقد قال المفكر والباحث المصري نبيل علي بأن قضية التربية في البلاد العربية باتت أخطر من أن تترك للتربويين وحدهم !

العربية، ليسوا مثقفين مطلعين على الثورات الثقافية والفكرية الأوروبية، بل على العكس، هم من دعاة الثبات والسكون وعدم التجديد، بل إن المناهج المقررة تدعو وبشكل مقزز إلى الشتبث بالماضي على اعتبار أن ثقافة الماضي أدت إلى تكوين امبراطورية سامقة وصلت لحدود الصين شرقاً والقارة الأوروبية شمالاً !

لكن العرب والمسلمين، لم يدكوا أن التاريخ قد تحرك إلى الأمام 1300 عاماً، وأن التعليم والمدارس والجامعات والمعاهد أصبحت هي ساحات المواجهة الحقيقية بين الأمم وليس السيف والخيل والليل. أستراليا دولة تكونت من المشردين وقطاع الطرق والمنفيين في إنجلترا وأوروبا، لكنها الآن دولة تمتلك أضخم ثروة حيوانية في العالم وبها زراعة متطورة ملازمة للتربية الحيوانية. أستراليا ليست دولة استعمارية وليس لها أساطيل تهدد بها أمن الشعوب. كوريا الجنوبية قبل نحو 50 عاماً لم تكن أكثر من دولة زراعية بدائية، لكنها الآن بفضل التعليم المتقدم أصبحت تنافس أضخم الدول في إنتاج السيارات الفارهة والهواتف الذكية وشاشات العرض حيث بلغ دخلها القومي 583 مليار دولار عام 2013 !!

مؤلفوا المناهج العربية لا يفهمون حق الاختلاف ولا حق التفكير المغاير، وهم أنفسهم ليسوا مبدعين أو سبق لهم اكتشاف أو ابتكار أو اختراع. مناهجنا لا تؤدي إلى تفكير ديمقراطي وإنساني خلاق، بل ترسخ التفكير الأحادي الإسبارطي المتخلف والمتقوقع على الذات المتضخمة والمتورمة بشكل مرضي. يذكرون بشكل عابر علماء الدولة العباسية باعتبار أن منجزاتهم العلمية كانت حجر الأساس الذي بنى عليه الغرب حضارته، دون أن نعترف للأجيال، بأن هؤلاء العلماء عذبوا وصلبوا وأحرقت مؤلفاتهم وتم تكفيرهم !

تشير الدراسات الغربية لنتائج مسابقات الألومبياد الدولي في الرياضيات والعلوم، أن أهم عوامل مشتركة بين الحاصلين على المراتب الأولى هما عاملان لا ثالث لهما، وهو تصميم المنهاج من قبل خبراء مختصين، وثانيهما كرامة المعلم وقيمته الاجتماعية. في كوريا الجنوبية تنفق الدولة على الطالب 2000 دولار سنوياً ويدرس 95 حصة رياضيات وحصلت كوريا على المرتبة الثانية في الرياضيات، بينما الطالب يكلف الدولة في نيوزلاندة 5000 دولار ويدرس 130 حصة رياضيات وقد حصلت على المرتبة 18 فقط !! لاحظوا أن الإنفاق وحده لا يعد عاملاً أساسياً ولا حتى كمية الدروس التي يتم تدريسها. المنهاج ممتاز وعصري يراعي الحداثة والتطور، وكرامة المعلم في المجتمعات الآسيوية ممتازة بسبب العقيدة البوذية التي تقدس التعليم وأهل الخبرة والفلاسفة !

إن التطوير والتغيير في العالم العربي يجب أن يتم على جبهتين في آن معاً، ثورة مناهج، وثورة في كرامة المعلم وقيمته الاجتماعية. إن المناهج التي تحتفي بالماضي ووتغني ببطولات الخيل والليل لا علاقة لها بما يحدث على الكوكب من انفجارات معرفية هائلة، وإن كرامة المعلم العربي الذي يعاني القهر والفقر والاستلاب لا تمكنه من بناء أجيال جديدة قادرة على المنافسة في سوق معولم يزداد شراسة. الدورات واللقاءات التي تعقد للمعلمين لم تهدف إلى تشجيعهم على القراءة والكتابة والبحث والمشاركة، بل إلى قهرهم والتضييق عليهم ومصادرة حرياتهم وحقهم في ساعات عمل معقولة تتناسب مع الزيادة الكبيرة في أعداد الطلاب داخل الفصول.

يحدثني الزميل نافز أبو خاطر من مخيم رفح للاجئين، ومهاجر حاصل على الجنسية في النرويج، أنه يعلّم مرحلة ثانوية في أوسلو، وأنه يعطي حصتين في اليوم فقط ( نحن نعلم 4 أو 5 حصص )، وأن عدد الطلاب في كل فصل 18 طالباً ( نحن لدينا 40 )، لكن تأهيل الصديق نافز هو نفس تأهيلي من جامعة بيرزيت وهو لا يخضع لدورات إضاعة الوقت والجهد في فصول مزدحمة، حيث المتابعة الفردية لدينا للطالب غير متيسرة ولا تتناسب مع جدول حصص مضغوط لأبعد حد، لكنها بالتأكيد متيسرة ومقبولة ضمن 18 طالب وجدول حصتين !

أدعو الحكومة الفلسطينية خاصة والحكومات العربية عامة لاتباع الطرق التي اتبعتها دول آسيوية مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية، فهي أولا وأخيراً، نجحت في تحديث أنظمتها التعليمية وفي مقدمة ذلك التحديث، طبيعة المنهاج، وكرامة المعلمين !

#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)       Abdallah_M_Abusharekh#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات