أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الشريعة والقانون















المزيد.....

الشريعة والقانون


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5079 - 2016 / 2 / 19 - 07:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الشريعة والقانون

مقولة أن الشريعة هي قانون الدين المفروض بقوة الغيب على الإنسان متأت أيضا من الإيمان بفرض أن القانون هو شريعة الإنسان التي رتبها بعد أن أصبح ذا سلطة وقوة على الفرض , وبالتالي فكلاهما بشكل أو بأخر كان اختراعا إنسانيا بالكامل رتبه للضرورة قادته للحل على أمل تحسين وضبط الواقع ,في غياب تنظيم يمارس السلطة الدينية التي أبتكرها من إدمانه على التدين ومحاولة زجه بكل شيء من تفاصيل الحياة أختره الشريعة ,ولأنه لا يستطيع أن يفهم الدين إلا بصورته المرتبطة بالقوة المنتقمة القاهرة التي ترى كل شيء وتسمع كل شيء وعليها أن تراقب كل شيء صنع حلولا وقواعد لكل شيء تتبع منهجه وتحاول أن تثبت له أنها جزء مكمل لإيمانه بالغيب .
ولكن عندما تمكن الإنسان من الانتظام بمجتمع متنوع وليس على درجة واحدة من الإقرار بالشريعة وتجدد وأستحداث حالات ومسائل عجزت الشريعة عنها أو لم تتناولها أصلا ,أبتكر حلولا وقواعد ومقتضيات مرغما عنه ليفرضها في المجتمع هذه المرة باسمه ,المجتمع ذو السلطة والقادر على فرض القانون على الجميع دون أن ننحي الدين جانبا مثلا لوجود البديل الناجع والفعال .
هذا الوصف والفهم هل يمكنه أن يقودنا للسؤال التاريخي ,هل حقا يمكننا بالفعل وليس بالفرض النظري أن نستبدل الدين بالقانون ؟,أو هل من الأفضل الجمع بين الاثنين على أن تكون هناك مرحلة انتقالية تدرجيه يتداخل فيها الديني مع القانوني ,ليشكل عبور أمنا من مفردات الدين الحاكمة بروحانيتها القريبة من هم الإنسان وتلقائيتها والطوعية التي تتميز بها إلى أحكام القانون الذي يحتاج في كل مرة إلى الرقابة والتشريع المستجد المتطور ,وإلى آليات التنفيذ التي يفتقدها في وجود ميل فطري عند الإنسان بالتقييد الذاتي بأحكام الدين .
البعض يرى في المسالة أي الجمع نوع من الاحتكاك الذي يتولد منه وبالتناقض بين المؤدى الحكمي للقانون (الواجب والجزاء) وبين الثواب والعقاب المرتبط بالدين ,وبالتالي نفسد مسيرة الاثنين مها لتداخل الجزاءات وأحيانا تعارض قي أصل الفرض أو المنع ,الحل المقترح عند الكثير أن يبقى الدين محدودا في دائرة العلاقات الروحية والبينية التي تعتمد الأخلاق والفضيلة والخير ,وليفسح المجال للقانون للتحكم بالعلاقات التنظيمية القائمة على معاملات الإنسان المصلحية وعلاقاته اليومية التي تتطلب التنظيم الدقيق والسريع والمحدد والذي لا يحتمل تدخل الضمير والأخلاق والمثل .
فئة قليلة وإن كان لها حضور قوي وناشطة في دفاعها عن الإنسان العاقل ,الكائن الذي خلق الدين وعليه أن يتخلص من أثار ما خلق ببناءات قديمة وبإبدالها برؤية أكثر قربا من العقل المجرد (العقل العلمي المتحرر حتى من شروط العلم المجردة) ,وأشد التصاقا بإشكالاته الوجودية التي تبدأ من حيث ينتهي التدين من فرضياته وينتهي في حقيقة ما يجرنا الدين له , هؤلاء الذين يركزون رؤيتهم على أستبعاد فكرة البقاء في هواجس الإنسان الأول ,أي أنهم ينكرون أي ضرورة اليوم لبقاء الدوافع الشاذة التي شدتنا إلى عالم مخيف وغيبي وخفي بعد أن اكتشفنا الكثير من الأجوبة على الأسئلة الأولى .
تلك المخاوف التي بدأت مع إحساس بالغربة وإحساس بالمنافسة التي لم تعد اليوم إشكالية مقلقة بل تحولت إلى دافع للإبداع والتطور,فليس كل ما كان مقبولا كمبرر عندما بدأ الإنسان مرحلة تكوين الوعي دون أن يميز بين المجهول وبين المعدوم والغائب واللا معقول , والتي تبين منها أن سذاجة العقل الطفولي هي من قادتنا للأيمان بحقيقة وجود عالم مواز تختفي فيه قوى فاعلة أكتشف العلم الواقعي أنها لا تعود بالضرورة لقوى خارجية وإنما لقوانين المادة وحركتها الجوهرية .
الآن مشكلتنا ليس في تبني رؤية الدين للحياة ولكن الإشكالية الأعظم هي أن نتفق كمجموع على ماهيات وأوصاف وحدود ما هو مقبول ومناسب وضروري لا يتعارض مع رؤية كونية للوجود , وبين ما لا يمكن ولا يصح ولا يصلح لها ,أي الأتفاق على البنية التحتية التي يمكن عليها بناء منظومة ضابطة لكنها في ذات الوقع غير مانعة من التحرك نحو كل الأفاق وبكل الاتجاهات , هذه الآلية التي تمنح للمجتمع الوجودي قدرة على التنظيم المتحرك وليس التنظيم الثابت الذي مهما كان منفتحا على حق الإنسان سيواجه بلحظة بضد أو بتعارض زمني أو حالي مع حاجة متجددة أو ضرورة مستحدثة .
وليس مهما أن تكون الشريعة في جزء منها متوافق مع القانون الكوني وأن تنظم له بلا تعارضات ,ولأن الهدف الأساسي للرؤية الضابطة المتحركة ليس محاربة الفكر أو الدين ولكن الأساس أن نبحث عن معيار الأحسنية ومعيار التناسب الذي يرتكزان على أن وجود الإنسان ليس مرتبطا بواقع زماني أو مكاني بل بواقع وظيفي يتعلق بالارتقاء نحو الكمالات ,وبالقدر الذي يتيح له أن يبدع ويراكم ويسعد بالإبداع والتراكم بمعنى أنه يستشعر الإضافة ويفتخر بها لتعيده مرة أخرى لميدان أوسع وأعظم من الإنجاز الأول .
الشيء المشترك بين الشريعة وبين القانون أن كلا المسميين هدفهما الحد من تناقض الإنسان مع واقعه ليس التناقض الطبيعي الذي هو واحد من أسرار الديمومة والتطور , ولكن التناقض الذي يعني التمرد على نمط الواقع الإيقاعي أو ما يعرف بمحددات الواجب والحق أو الألتزام المفروض بقواعد أتفاقية ,فلكل منهم شروط يجب أن تراعى وحسب الناظم أو المشرع يرى في تطبيق هذه الشروط سلامة المجتمع وسلامة الأستقرار وبعكسه سيكون الإنسان محملا بالإثم أو المسئولية .
في القانون هناك مواجهة مباشرة بين الناظم والمنتظم وفي الشريعة هناك مواجهة مزدوجة مرة داخلية تتمثل في صوت الإيمان القلبي الذي ينبع من تقيد الإنسان بمصدرية الشريعة ومرة يكون نمط المواجهة بعدي أو مؤجل بأنتظار القصاص في عالم أخر ,المواجهة مع الناظم تنتهي بأنتهاء فترة التحميل والتحمل دون أن تترك مثلا أثار أخرى تبقى مرافقة لحياة الإنسان إلا ما يعرف بالآثار النفسية التي تصاحب الكثير من التصرفات السلوكية ولكنها ليست حكرا على أثر القانون , بينما في الآثار التي تتركها الشريعة من الصعب حتى توقع زوالها ولو تم إستيفاء الحق وإجراء التحميل والتحمل , لأن هناك عنصر ما زال مجهولا في موقفه من الجزاء .
يلعب هنا الدور النفسي الحسي ما يشبه الكابح الذاتي في محاولة الإنسان أنتهاك الحدود التي تفرضها الشريعة , بينما يشكل الخوف من العقوبة وبشكل مباشر نوع الردع في ظل سلطة القانون , صحيح أن كلا الدورين مرتبط بالنفس وإنفعالاتها لكن يبقى الهاجس الذاتي من العقاب المؤجل هو الأكثر فاعلية في كبح الإصرار على أنتهاك الحد الضابط من الخوف من العقوبة المباشرة , هنا يكتسب الشعور الذاتي أهمية قصوى في ضبط حركة الإنسان داخل مجتمعه .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرة الدين وظاهرة التدين
- ولد الإنسان عاقلا
- لماذا نتدين ؟ . ح6
- لماذا نتدين ؟ . ح5
- لماذا نتدين ؟ . ح4
- لماذا نتدين ؟ . ح3
- لماذا نتدين ؟ . ح2
- نيالاو حسن أيول .... وجع الحب عندما يكون جنوبي .
- لماذا نتدين ؟ . ح1
- التخطيط الإستراتيجي الأمريكي ووهم العدوان .
- مكابداتي .....
- العراق المدني وقراءات المشهد السياسي
- متى نفهم الله ؟.
- مقدمة في التغيير السياسي في العراق
- المدنيون وقراءة فكر الإسلام السياسي
- تقنيات التسلط ووسائلها
- مستقبل العمل المدني وضمان الديمقراطية
- لماذا تأخر العراق وتقدم الأخرون
- صناعة العقل الجمعي ودورة كظاهرة أجتماعية 3
- صناعة العقل الجمعي ودورة كظاهرة أجتماعية ح2


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الشريعة والقانون