أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - ‎ملاك .. امرأة الوجع الأخير














المزيد.....

‎ملاك .. امرأة الوجع الأخير


سليمان الهواري

الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 22:10
المحور: الادب والفن
    



الليلة الاولى تكون دائما موجعة في الغربة كما اول ليلة في الزنزانة ..
اهبط منها مدموما مدحورا .. هكذا كان وقع صوتها كما الله حين آذن باخراج الشيطان الى فاجعة اسمها الارض .. انت لا تفهم الكلام أو كأنك تحاول الا تفهم لان الصاعقة كبيرة و السكين يهوي على كبدك ..
لم تكن تحمل في شفاهك الا شوقا كبيرا للحظة خلوة تعيد معها رسم تفاصيل يوم من اللهاث وراء قصيدة .. انت سميتها حبيبتك او شيطانتك او الاهتك ، لا فرق .. ما يهم انها كانت روح الوقت و سر حرفك الذي سطرته عبر مسيرة عشق و اكثر، رسمتها على اوراقك، و على خدود السماء نقشت اسمها لعلها تصير شمسا ، ثم عبدتها كما تعبد الهة الاغريق ..
لم يكن هذا اليوم عاديا كما سائر ايام الله في علاقتكما .. فمنتصف النهار موعد تسلمك النسخة الاولى من ديوانك الذي كتبتها فيه حرفا حرفا و شهقة شهقة .. هي تعرف تفاصيلها منثورة فيه و طلاسم آهاتها تزين أنفاس القصيدة .. المجيب الآلي لمقر المطبعة وحده كان يرد على كل اتصال لتتأكد ان قصائدك لازال يبللها شك الخريف .. لم تهتم للأمر مادامت ملاك جانبك تشرب من عينيها فرحة البقاء .. كانت فرصة للتسكع على ضفة وادي ابي رقراق و يدك لا تغادر كف ملاك .. كلما زارتني الغربة اضغط على كف ملاك ، او اهرب لاغرق كطفل بين نهديها .. ملاك تعرف مملكة شياطيني من الف عام كما تتقن مواويل صلاتي في حضرة ملائكة الليل .. مقهى الوداية يعرف كيف يمتص تعبي .. كل سفن الصيد راسية في قلب النهر و كان السمك هجر حضن المخمورين بقصص الجنيات .. وحدها امواج المحيط تعانق بشراسة حيطان القصبة ..
للشاي نكهة اخرى في حضرة ملاك و قصبة الوداية تصير معزوفة لذة و انا السلطان ..
حيطان البيوت العتيقة وحدها تردد صدى الجوع لنستفيق بعد ساعات من الدهشة ..
لخصر ملاك الف قصة مع جولات شغبي ..
يجب ان نصل بسرعة الى اول مطعم تحبه ملاك فمشاكلها في الجهاز الهضمي لا ترحمها و هي التي تخشى من آلات الفحص الباطني ..
سيغشى علي من الجوع .. قالتها و هي تهرول الى مقود سيارتها التي كانت مركونة في مرآب قريب ..
فضاء المطعم جميل رغم انه مكتظ بالزبائن .. الكل منهمك في مهمة الغريزة و لا صوت يعلو صوت شوكات الموائد .. ملاك تفضل دائما الدجيجات المشويات على الفاخر .. و لأنها تحبها فانا احببتها ايضا .. حقيقة انا احببت كل ما تحب ملاك ، هكذا وجدتني .. فرق بسيط هو انها ممنوعة من المشروبات الغازية بينما انا كل السوائل تجد طريقها الى امعائي دون حساب .. الدجاج المشوي يصبح اجمل و هو يختلط بملف الاحتجاجات التي نسمع صرخاتها امام البرلمان .. كل شيء يبدو جميلا هنا و كأن المغرب لا يعرف سنة جفاف مطبق و لا رحمة في السماء تغيث فجاج هذه الارض المنهوكة ..
عدت مسرعا بعد ان حاسبت النادل لاجد ملاك منشغلة في الحديث مع شخص كان يجلس في الطاولة المجاورة لطاولتنا .. بادلته التحية عن بعد فأنا بطبيعتي أشمئز من الياقات النظيفة جدا و ربطات العنق المطرزة بحرير دود القز الرباطي .. ثم غادرنا الى السيارة و انا احرض ملاك على الاسراع فقد نجد المطبعة قد أقفلت و الوقت تجاوز العصر بكثير ..
شيء ما في ملاك كان متغيرا و هي ساهية لا ترد على كلامي .. حاولت مرارا ان المس يدها لكنها كانت كل مرة تبعدها عني بلباقة قبل ان اسمع درسا في الاخلاق العامة و نحن نقترب من حي المحيط ..
باب المطبعة كان مظلما و نحن ندلف الى المكتب الصغير الغارق في فوضى الكتب .. السي محمد بقي وحده هنا و قد انهى مساعداه عملهما اليومي ليغادرا المطبعة لعلهما يجدان مقعدين في الحافلة التي تنقلهما الى الضفة الاخرى من الرباط .. أحضر السي محمد كاسي قهوة و هو يحدثنا عن تفجير هذا المساء في قلب دمشق .. كل الاحاديث هنا تقودك الى الشرق .. توقف لحظة و مسكني من ذراعي .. مبروك عليك يا سيدي الديوان .. و هاهي نسخك لم يمسسها بشر قبلك و لا جان .. أخذت نسخة و دون تفكير استدرت عند ملاك .. الف مبروك يا ملاكي ديوانك .. نعم السي محمد انه ديوانها و هي التي كتبته عشقا في روحي قبل ان تصبح رسوما في كتاب ..
لم يكن هناك متسع وقت لاتصفح الديوان هنا فكل مساحات الليلة لنا لنشرب معا أنخاب هذا الحب الذي أشرق ديوان شعر .. ملاك مدت يدها متباطئة و كانها تلومني على كلامي و لم تعلق بكلمة .. ثم نهضت لنغادر المكان .. صمت يحبس الانفاس في الطريق الى السيارة ..
نحن الآن غرباء نجلس جوار بعضنا ..
تعاشرنا دهرا و كاننا لم نلتق ابدا ..
ملاك .. ملاك ..
حاولت ان اكسر هذا الموت الجاثم على الانفاس ، و هي تسوق بشكل مرتبك على غير عادتها ..
كيف جاك الديوان ملاك ديالي .. سألتها و انا احاول ان اضع يدي على يدها ..
كأن ملاك تستفيق من غيبوبة .. أدارت مقود السيارة بقوة ثم ضغطت على الفرامل لتتوقف الانفاس على قارعة الطريق البحري ..
لم تتفوه ملاك بكلمة واحدة واضحة لكنها أمسكت نسخة ديوانها بعصبية و راحت تمزقها بهستيرية غريبة .. عبثا حاولت ان أهدئها لكنها رمت بأشلاء القصائد في وجهي ..
اهبط منها مدموما مدحورا .. كلامها يسقط كالرصاص في عيوني ..
وجدتني خارج السيارة احمل محفظتي التي لم تفارقني طيلة يومي و حفنة دواوين في يدي ..
ملاك لازالت تصرخ ثم انطلقت بجنون ليختفي ليلها في ليل البحر، في ليل هذه المدينة ..
وحدي بقيت هنا أتأبط الصمت و دهشتي ..
ما جدوى الشعر و ملاك ليست هنا ؟؟
لا أعرف كم استغرقت واجما في مكاني ثم عبرت الطريق في اتجاه الموج ..
ألقيت محفظتي في الماء .. ثم رميت عاليا ما تبقى في يدي من ديوان ملاك لتبتلعه أمواج المحيط ..
من يدل رجلاي على الطريق ، و ملاك أخذت معها عيوني ..
الليلة الاولى تكون دائما موجعة في الغربة كما اول ليلة في الزنزانة ..
***الرباط 13/2/2016***



#سليمان_الهواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصيلة .. و سربات دلع
- أصيلة .. و مسيرة وجع
- لا تنتظري وفاء سيدتي
- امرأة .. و قبيلة وجع
- قصة امرأة أعدموا أنوثتها!
- جرعة حب لهذا المساء ..
- صباح الصبر يا وطن القهر ..
- و يحي .. كم أعشقك أنا
- ويحي .. ما كل هذا العشق في صدري
- فاء طاء ميم ..
- اليك انا اشتاق
- و كانهم على قيد الوطن ..
- ربي .. أفرغ علي عشقا ..
- تعالوا نشيع هذا الحب
- هل اتاك حديث الغافية ،،
- بحران و زغرودة انثى
- ايتها الممعنة في الغياب
- أنا وعدتك .. 2
- انا وعدتك
- هل يمكن اعتبار تحرير مدينة الرمادي العراقية مكسبا لجبهة المق ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - ‎ملاك .. امرأة الوجع الأخير