أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - الايديولوجيا والطوباوية - ج 2















المزيد.....

الايديولوجيا والطوباوية - ج 2


وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 15:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



استكمالا للجزء الاول من مقالنا والمنشور على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=503661

يقول الباحث الدكتور فالح مهدي في كتابه ( الخضوع السني والاحباط الشيعي : نقد العقل الدائري )ان افضل من كتب عن العقل الايديولوجي هو دستيوفسكي في روايته الشهيرة (الاخوة كارامازوف ).

باختصار شديد , الرواية تتحدث عن محاكم التفتيش في القرن السابع عشر في اشبيلية , حيث ظهر المسيح ,ولم يكن يقصد تحقيق ملكوت الله واعلان نهاية التاريخ , بل اراد ان يقضي بضع دقائق مع ابنائه في تلك المدينة والتي لم تتوقف فيها محاكم التفتيش عن حرق المخالفين لها من (الهراطقة ).

لقد تم قبل يوم احراق حوالي مئة من الهراطقة ( الزنادقة ) وبحضور الملك وحاشيته . لقد ظهر الرب بصورة سرية وبدون ضجيج وبدون اعلام رسمي او تصريحات نارية . لقد عرفه الشعب فورا والتفوا حوله , فسار صامتا بينهم وهو يبتسم ابتسامة لانهاية لها .

في تلك اللحظة ظهر الكاردينال , المفتش الاكبر في الساحة امام الكاتدرائية , انه شيخ في التسعين من عمره ,وكان يلبس ثوب الرهبان وليس زيه الرسمي الارجواني .
راى التابوت عند قدمي يسوع, وراى الصبية تقوم من الموت , فاكفهر وجهه وامر الحراس باعتقال المسيح .في لحظة واحدة نجد الجمهور الواسع يسجد امام المفتش الاكبر .
حبس يسوع في زنزانة مظلمة . وعلى غفلة فتح باب الزنزانة الحديدي وتقدم المفتش الاكبر حاملا مصباحا بيده . تفرس في وجه المسيح وقال له :(اهذا انت ؟ اسكت لاتقل شيئا !وماعساك ان تقول لي ؟وباي حق تريد ان تضيف الى ماسبق ان قلته ؟
لماذا جئت اليوم لتعرقل عملنا ؟ذلك انك جئت لتعرقل عملنا . وانت لاتجهل ذلك , فهل تعلم مع هذا ماسيقع غدا ؟

اانت حقا ام طيفه ؟ سيان عندي , لانني ساحكم عليك بالاعدام , وسامر باحراقك كما احرقت اسوا الزنادقة ).
فقام المسيح بمغادرة المكان والاختفاء عن البلدة ..

يقول فالح مهدي ان دستيوفسكي عبر بشكل مذهل عن العلاقة بين العقيدة التي تحتوي على قدر من البراءة , والايديولوجيا الوارثة الشرعية لذلك النص , وبين جمهور العامة .
العقيدة ممثلة بالمسيح , لها دور واحد وهو انها تضفي الشرعية على عمل ذلك الكاردينال , لذا فان عبارته التي وجهها الى المسيح :
( لماذا عدت ؟) تمثل حقيقة مفادها ان الايديولوجيا تكتفي بذاتها . الشرعية تمثل الرمز الذي يقوم عليه عملها , فعودة العقيدة يضع الايديولوجيا في موضع شك وريبة . وهي اي الايديولوجيا لاتقبل الشك والنقد .

يذكر جوزيف كيبل نقلا عن الدورية الفرنسية لعام 1952 حالة مريض في احدى المصحات النفسية حيث وضع المريض نظاما ثيوقراطيا لادارة شؤون العالم ,حيث الكون كله خاضع لفرنسا ولعقيدة الكنيسة , ويمسك بمقاليد الحكم خمسة بابوات .

في هذا العقل الايديولوجي المنغلق على ذاته , كتب جورج اورويل رواية عن هذا العقل عام 1984 حيث خلق حيزا مغلقا وقام بتقنين كل شيء فيه حتى الجنس . وتمكن هكسلي في روايته – العالم الظريف – من خلق حيز كل شيء فيه مقنن , حيث يصور مدينة العلماء الفاضلةحيث تنتفي العاطفة والشعر .

النرجسية مرض من امراض الحيز الدائري والعقل الايديولوجي

في النرجسية ينعدم الحوار ويستحيل اختراق منطقه المشبع بالروح الميتافيزيقية . المريض العقلي غالبا مايكون نرجسيا , اي انه فقد الحس بالحوار والحس باللقاء .

ان الحوار يتطلب توفر الحرية والقدرة على ان تكون خارج الدائرة الجماعية , كما ان اللقاء يتطلب ان يكون خصمك مساويا لك . في هذه الحالة تتساوى الفرص في الحوار واثبات الحجج .

يقول فالح مهدي ان منطق المريض عقليا منطق يعمل في الفراغ ,انه منطق عصابي يعيش على الهذيان والهلوسة, فعندما يعتزم على اللقاء فانه لايلتقي الا بهلوساته . السؤال كما طرحه فالح مهدي هو :
لماذا لايمتلك النرجسي القدرة على اللقاء ؟. يضرب فالح مهدي مثلا عن صديق نقلا عن جوزيف كيبل متمثلا في ان كل الرجال يحبون امتلاك النساء . وكل امراة تحب الحصول على رجل , انما كم عدد الرجال والنساء الذين بامكانهم القيام بحوار متكافيء ؟.

ويكفي ان ننظر الى مئات الكتب للبعث وللمذاهب الاسلامية والتي تقوم على يقينها الراسخ من ان مذهبا بعينه هو خير المذاهب وان حزبا بعينه هو افضل الاحزاب ؟

تؤدي الامراض العقلية الى خلق حالة من الاغتراب على المستوى الشخصي والى خلق عالم من الهلوسات والاوهام والهذيان.هذه النماذج شاهدتها في حياتي , كما كتب عنها بالضبط الباحث فالح مهدي .
الانسان السوي يبذل جهدا كي يؤثر في محيطه ويصبح مواطنا فاعلا في محيطه , وبالنتيجة يقوم باعادة النظر في افكاره ومفاهيمه وسلوكياته. في حين نجد ان الا نسان المريض عقليا والنرجسي على نحو خاص هو انسان ذو عقلية ايديولوجية لايعنيه ذلك ابدا .

هنالك اناس مصابين بالشيزوفرينيا ( انفصام الشخصية ) . قسم منهم , بحسب الباحث فالح مهدي , في الهند كانوا يسمعون اصواتا تدعوهم الى القيام بواجبات بيتية كالطهي وغسل الصحون . وقد ذكرت سيدة هندية ان الاله هنومان امرها ان تشرب من ماء التواليت , ويبدو ان معظم الاصوات التي يسمعها المفصوم شخصيا تتعلق بالجنس .

تقول احدى النساء انها كانت تسمع اصوات رجالية تدعوها للقيام بعمل جنسي وبعبارات فاحشة جدا !يضطرها الى البكاء . اما الاصوات التي يسمعها المرضى من الاميركان فتشبه في تاثيرها اقتلاع العين بالملعقة , او ان يقطع راسك ويطلب منك ان تشرب من الدم المسال .
تلعب البيئة والثقافة والتاريخ دورا مهما في طبيعة وآليات عمل ذلك المرض ووظائفه .

يؤكد فالح مهدي ان انفصام الشخصية ( الشيزوفرينيا ) يصيب العقل والمخيال الجمعي ايضا . ذلك ان الماضي المتخيل يتغلب على الحاضر , فهو عقل لايؤمن بالتجربة والمعايشة . لقد وصف محمد حسنين هيكل تجربة حكم الاخوان في مصر بعبارة :
(اهل الكهف ).
عندما تمعن النظر في العقل الايديولوجي , تجده عقلا شيزوفرينيا بامتياز , فهو ماضوي , غير انساني , متكلس نتيجة التزامه بالنص , خارج عن التاريخ ولا يعير اهمية للتجربة والممارسة .

المجنون بحسب تعريف الكاتب البريطاني جيستيرون هو :
( انه ليس ذلك الذي يفقد الادراك , انما هو ذلك الذي يفقد كل شيء الا الادراك ).
في مجتمعاتنا العربية الاسلامية حيث تتفشى الايديولوجيا والعقل الاسطوري في كل شيء , ويطغى العقل الجمعي الاسطوري على ما عداه , فلا يبقى مجال للنقد الذاتي وللحوار

وجهة نظر كاتب المقال :

في ختام المقال , ارى انني اختلف قليلا مع الباحث الدكتور فالح مهدي في توصيفه للعلاقة (بين العقيدة التي تحتوي على قدر من البراءة , والايديولوجيا الوارثة الشرعية لذلك النص ).
في وجهة نظري المتواضعة , وقد اكون مخطئا ,فان العقيدة هي نفسها الايديولوجيا . فعقيدة الايمان بالمسيح وطبيعة المسيح وسر الثالوث نجدها مكتوبة في قانون الايمان المسيحي .وهي عقيدة وايديولوجية معا .وعلى اساس هذا القانون , والتحالف بين مؤسسة الكهنوت المسيحية وبين السلطة السياسية تم قتل وابادة المخالفين لعقيدة الكنيسة من المسيحيين .

نفس الكلام ينطبق على العقيدة والايديولوجية الاسلامية .
اليست العقيدة القومية والبعثية والماركسية الستالينية هي جزء من الايديولوجيا ؟
الافكار عندما لاتاخذ قالبا ثابتا مغلقا على ذاته لايمكن وصفها بالايديولوجيا وبالعقيدة .
ان العقيدة لايمكن تغييرها لانها الوجه الثاني للايديولوجيا . الم يحلف البعثيون بالعقيدة ؟واية عقيدة ؟ انها عقيدة شمولية !
ان تقديس النصوص الدينية والحزبية يخرجها من التاريخ الى الطوباوية , حيث تتحول النصوص الى طواطم مقدسة .



#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذاكرة العراقية في تدمير شامل ومستمر
- تدجين المراة في المجتمعات القديمة
- الايديولوجيا والطوباوية
- البحث في الحيز الفردي
- كتاب ( الخضوع السني والاحباط الشيعي ): نقد العقل الدائري
- الفلسفتين الابيقورية والرواقية
- البحث عن شبح ابراهيم وموسى
- قراءة انثروبولوجية حول مكة والكعبة
- الغنوصية قبل المسيحية
- معتقدات الخلود الرافدينية
- النظرية الارواحية
- المعتقدات الطوطمية
- تقدم اليابان من تقدم معتقداتهم االمقدسة
- الجدل حول غنوصية سمعان ماجوس السامري
- المندائية الغنوصية وظهور فكرة المخلص
- قراءة في الهرمسية وجذورها
- عولمة اليهودية في العصر الهلنستي
- كشف الحلقة المفقودة بين اديان التعدد والتوحيد
- ولادة المسيحية من رحم الثقافة الهلنستية
- ترثيث المراة في العراق


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - الايديولوجيا والطوباوية - ج 2