أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 16















المزيد.....

سيرَة أُخرى 16


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 03:25
المحور: الادب والفن
    


1

الشمس، المشرقة طوال معظم أيام السنة في مراكش، هيَ من يمنحُها ألواناً فاتنة. صباحاً، تُضفي أشعةُ الشمس بَريقَها على الأشجار والخمائل والعرائش فتُحيل ثمارَها وأزهارها وأوراقها إلى ما يُشبه العصمليات والسبائك، الذهبية. الرجلُ الجوّال، يبدأ طقسَ مسيرِهِ اليوميّ خِلَلَ دروب المدينة. تتوالى أمام عينيه مشاهدَ متكررة، وأخرى أكثر جدّة. هذه وتلك، تتغيّرُ درجات ألوانها مع مرور الوقت، المُتيح للشمس الكريمة أن تَهِبَ النورَ للأشياء. عند الظهيرة، ترسم الشمسُ على الأرض صوراً للأشجار بلون أسود. الأفياءُ، فتنةٌ أيضاً وليسَ رحمةً حَسْب. عندئذٍ، تُغلق أغلب محلات الحاضرة ويَخلد الناسُ إلى قيلولةٍ رطيبة تمتد حتى العصر. أروع مشهد لغروب الشمس، حينما يكون المرءُ على سطح أحد المقاهي، المُشرفة على " ساحة جامع الفنا ": القرصُ الذهبيّ، الغائص رويداً في الأفق، يودّعُ إذاك يومَهُ بفيضٍ أخير من الألوان، الموشّحة السُحُبَ ورؤوسَ الجبال سواءً بسواء. هذا المشهد، المُبهر، لا يُنصَحُ به لمن يهمّ بمغادرة المدينة عائداً إلى بلاده الباردة والكئيبة.
مساءً، تكتسي الحاضرةُ بحلّة أخرى، مختلفة، من الأنوار. الجوّالُ، هوَ ذا في طريقه المعتاد من المدينة القديمة إلى حيث يقوم ابنها الأثير؛ حيّ " غيليز "، الراقي. أنوار مصابيح الشارع، تجعل أشجار البرتقال في شعورٍ أقل من الوحشة والرهبة. أبعد قليلاً، أين حديقة " جامع الكتبية " الأمامية، فإنّ العتمة البهيمة تغلّف الموجودات جميعاً. خطى الجوّال، تتوغلُ في الممرّ المُحاذي لقندق " المأمونية " الفائق البذخ، ثمّة أين خمائل المجنونة منارةٌ ببصيص أضواءٍ مبثوثة في الأرضية. الفندق الآخر، " سوفيتيل مراكش "، الذي لا يقلّ فخامة، يدعكَ تقفُ مشدوهاً أمام مدخله المهيب، الشبيه بواجهة أحد القصور الأندلسية. تمرّ عيناك أولاً على بحرةٍ مستطيلة، مغمورة نوافيرها بأضواءٍ ناصعة، لتصل إلى الواجهة المضاءة بلونٍ ورديّ فاتن. فما أن تمشي خطوات قليلة إلى أمام، إلا ويُطالعك الفندق الكلاسيكي، " السعدي "، مع أنوار مدخله الفسيح المزيّن بنافوراتين محروستين من لدن أسدَيْن كبيرين، مرمريين. " شارع محمد السادس "، كرنفال أنوار. عند قصر المؤتمرات، يتوسّط ذلك الشارع بركة ماء مستديرة، هائلة الحجم. نوافيرٌ عديدة صغيرة، تحوّط البركة وقد انبثق من مركزها نوافيرٌ كبرى يرتفع ماؤها كلّ آونةٍ إلى ما يزيد عن الخمسة أمتار. الأضواء الملونة، المنضوية طيّ النوافير والمتغيّرة مع تدفق مياهها، حقَّ لها أن تطيل استغراق الجوّال في حلمه المديد، البعيد.

2
صيفاً، كان صباحي يُفتتح أحياناً برائحة أوراق التين، الحرّيفة. أكون ماراً عندئذٍ من تحت شجرة التين، الوارفة الأفياء، في طريقي إلى ساحة المدينة القديمة عبْرَ " دوّار كَراوة ". شقيقة لهذه الشجرة الخيّرة، المباركة، تمنحني عبيرَها أثناء مسيري خِلَلَ الممر المؤدي إلى حديقة " جامع الكتبيّة ". الشمشير، المُسيِّج أحواضَ تلك الحديقة، يتكرَّمُ أيضاً بنَفْح أنفاسِهِ العَطِرة في أنفي. الأحواض بدَورها، تُحَمّل النسيمَ أريج الورد الجوري ذي الألوان المتنوّعة والمُبهجة. خمائلُ تاج النار، تدعوني لشمّ أزهارها الدقيقة الفاتنة كي أستذكر أبي، الذي كان يتعشقها. أما في الخريف، فإنّ البرتقالَ يُحاصر الحاضرةَ بعطر أزهاره؛ هوَ المزروع على طوار أرصفتها كأشجار زينة. أشجار مسك الليل، تنتشرُ أيضاً على أطراف الشوارع، ناشرةً عبقها الرائع حتى لتحسبنّ نفسكَ مَسحوراً أو في حُلم.
هوَ ذا شتاءٌ لا يُشبه الشتاء. مقارنةً بما أعتدتَ عليه في غربتكَ السويدية، على الأقل. إنه ربيعٌ مُبكر، إذاً، عنوانُهُ الشمس الكريمة. تمضي في جولتك اليومية، المعتادة، دونما أن تملّ من توالي المشاهد ذاتها. كصديقٍ للأزهار والورود، عليها كان أن تُملي عليكَ مناظرَها المونقة وتهفو إليك بروائحها المُسْكِرة. مساءً، تَخترقُ حشودَ مرتادي " ساحة جامع الفنا " في غمرةٍ من أصوات موسيقى وغناء الفرق الشعبية. ثمّة يملأ أنفك العبقُ الشهيّ، المتصاعدُ من مناقل شواء مطاعم الرصيف، المتزاحمة. " سوق السمّارين "، المفتوحُ على الساحة، يَختزنُ في أجوائه روائحَ مصنوعاته الجلدية الجميلة. فلو انعطفتَ إلى جاره، " سوق الرحبة القديمة "، فإنّه سيستقبلك بعطور توابله وأعشابه. تغادر الأسواقَ، مجتازاً من جديد تلك الساحة المترامية الأطراف. المقاهي، تذخر بالسياح الأوروبيين، السعيدين بكونها تسمح للرواد بتدخين السجائر. العطور النسائية والرجّالية، تتماهى في مَشام المرء مع أنفاس المدخنين. إلا أنكَ ستمضي إلى أحد مقاهي حيّ " غيليز " الراقي، المُحتكرة نعمةَ تدخين الأركيلة ( الشيشة ).

3
الثورة السورية المباركة، كانت في شهرها الثاني حينما حظوتُ بزيارة أحد أرباض مدينة مراكش. ثمّة، يقيم الخال الأكبر لإبني وكان آنذاك من مسؤولي الإدارة البلدية. ركبنا معه في السيارة، منطلقين إلى منطقته عبْرَ طريقٍ يجتاز أولاً حيّ " سيدي يوسف "، المجاور. الدقائق العشر، الفاصلة بين المدينة وريفها، كانت حافلة بمشاهد آسرة. المزارع المزدهرة، المملوك بعضها لأجانب غربيين، كانت ذات مداخلٍ جميلة على الطراز المحليّ وقد غرقتْ في ظلال الأشجار المثمرة وشلالاتِ عرائش المجنونة والياسمين. البساتينُ المونقة، مسوّرةٌ بخمائل الأزهار المختلفة الأشكال ومشكوكةٌ برماح النخيل، المتوّجة بسعفٍ من كلّ نوعٍ. كرومُ الصبّار، ما فتأتْ تحرسُ طريقنا، وأغلبُها ذو جَدَعاتٍ هَرِمَة تزيّنها الأزهار الفتيّة، الفاتنة.
منزلُ الخال، كان أيضاً على طريقة العمارة التقليدية ومن دورَيْن كأغلب ما يُجاوره من منازل. الدور الأرضيّ، كان قد انتهى ترميمه للتوّ. فبدا رائعاً، بأعمال الجبص من زخرفةٍ لسقف الصالة وأفاريز أقواسها وأعمدتها؛ بالزليج، المكتسية به الجدران جميعاً؛ ببلاط المرمر، المرخِّم أرضية المكان. بُعَيْدَ الغداءِ، وفيما استسلمَ الآخرون للقيلولة الرخيّة في رطوبة الصالة، تناهضتُ مع مُضيفنا إلى خارج المنزل كي نقوم بجولةٍ على الأقدام. الشمسُ، كانت تأتلقُ كجمرةٍ في ذلك الوقت المتأخّر من الربيع. بيْدَ أنّ النسيمَ الهيّن، المنعشَ، أبى إلا أن يَطرُقَ بابَ الهاجرة. في الأثناء، كان مواطنو المنطقة، العابرون أو الواقفون أمام المنازل والمحلات، يحيّون الرجل باحترام ومجاملة. لما توغلنا في الدرب قليلاً، لاحتْ لنا فيلاتٌ فارهة تمّ تسييج أكثرها بوساطة نباتٍ متسلّق، غزير الأشواك: " هذه مساكن الأمريكان، وأبعدَ شمالاً تقومُ مساكنٌ يقطنها فرنسيون "، قال لي الخال. المزارع، المترامية حول تلك الفيلات، كانت ذاخرة بأشجار التفاح والكمثرى. أما أشجار النخيل والتين والتوت والمشمش والحمضيات، فقد كانت متناثرة هنا وهناك. الآبار، كان بعضها جافاً وقد أضحى مأوىً لعشرات من السلاحف. عندما انفصلتُ عن مُضيفي، متوجّهاً نحوَ شجرة تين مثمرة، فإنه نبّهني من وجود بئرٍ بمحاذاتها، غيرَ مسوّرٍ، قد يبلغ عمقه عشرين متراً. وهوَ ذا أثرٌ لحيّةٍ على الدرب الترابيّ ، حديثٌ ولا ريب، وكأنما يُحَذرني بدَوره من الأخطار المُحتملة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتسوّلة
- سيرَة أُخرى 15
- درهم
- سيرَة أُخرى 14
- خفيفاً كعصفور
- سيرَة أُخرى 13
- أقوال غير مأثورة 2
- شريحة لحم
- إغراءُ أغادير 5
- إغراءُ أغادير 4
- إغراءُ أغادير 3
- إغراءُ أغادير 2
- إغراءُ أغادير
- سيرَة أُخرى 12
- الجيفة
- قصتان
- سيرَة أُخرى 11
- سيرَة أُخرى 10
- ثلاث قصص
- أثينا


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 16