أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - طارق المهدوي - صديقي المحارب الأممي كارلوس















المزيد.....



صديقي المحارب الأممي كارلوس


طارق المهدوي

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 02:14
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    



صديقي المحارب الأممي كارلوس
(1)
في أعقاب حرب 1967 تصاعدت عمليات الاغتيال التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية لتوقع بالعديد من رموز الكفاح العربي ضد الوجود الصهيوني، كما اتسع النطاق الجغرافي لميادين الاغتيالات فوصل إلى دائرتي البحر المتوسط وأوروبا المجاورتان لميدان الصراع الرئيسي في الشرق الأوسط، وقد ألحقت تلك الاغتيالات أضراراً بالغة بمخططات ومشاريع الجهات العربية المعنية بالمواجهة المباشرة مع إسرائيل، سواء في دول الطوق التي تضم مصر وسوريا والأردن ولبنان، أو في الدول التي كانت ترفع الشعارات الراديكالية آنذاك وهي الجزائر وليبيا والعراق واليمن الجنوبي، أو في منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلتها الأجنحة الوطنية والقومية والماركسية تحت رئاسة الجناح المحافظ المعروف باسم "فتح"، فما كان من المتضررين إلا أن تحركوا جماعياً وفردياً لإيجاد طريقة كفيلة بردع الأجهزة الإسرائيلية، وتفتقت أذهانهم عن محاكاة أسلافهم سلاطين العرب في العصور الوسطى من حيث الاستعانة بمماليك متميزين جدد يقاتلون ضد كوادر إسرائيل الاستخباراتية دفاعاً وهجوماً على امتداد ساحات الاغتيال المتبادلة، وذلك بالوكالة عن المقاتلين العرب النظاميين الذين لا خبرة لهم بالقتال في تلك الساحات المستحدثة والمعقدة والمفتوحة من كل الاتجاهات في الوقت ذاته على كافة الاحتمالات!!.
راح المندوبون الخارجيون للجهات المعنية العربية يلتقطون ويفرزون ويرشحون مماليكاً جدداً مختلفي الجنسيات لسلاطينهم المحدثين، الذين التمعت أعينهم أمام شاب فنزويللي مفرط الحماس اسمه "إيليتش راميريز سانشيز" يدرس في جامعة "باتريس لومومبا" السوفيتية المخصصة لاستضافة الماركسيين الوافدين من العالم الثالث، لاسيما وأنه كان قبل سفره إلى "موسكو" قد هجر الحياة المترفة لعائلته الثرية والتحق بمعسكرات التنظيمات الماركسية المسلحة في أحراش أمريكا اللاتينية، إيماناً منه بضرورة العنف المسلح ضد مثلث جرائم الظلم التي يرتكبها المستبدون والمستعمِرون والمستغِلون على امتداد الكرة الأرضية برعاية الأمريكيين وحلفائهم، وهو المثلث الذي تتمثل أضلاعه في قمع الحريات وقهر القوميات ونهب الكادحين، وعندما تعرض الفلسطينيون لمذابح "أيلول الأسود" في الأردن عام 1970 اختار الشاب منطقة الشرق الأوسط كميدان لاهتماماته باعتبارها النموذج العالمي الأوضح لمثلث جرائم الظلم التي يجب مقاومتها بالعنف المسلح، لذلك فقد كان الجناح الماركسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي تمثله الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هو الأقدر على تجنيده واستيعابه داخل صفوفه في الأعوام الأولى لسبعينيات القرن العشرين نظراً لتقارب ما يعلنه الطرفان من أفكار، إلا أن بقية الجهات المعنية العربية ظلت تتابعه عن قرب سواء بعلم قياداته التنظيمية المباشرة في الجبهة الشعبية أو من خلف ظهورهم، سعياً منها لاستخدامه ليس فقط على المستويات العالمية والإقليمية بل أيضاً على المستويات المحلية، دون أن ينتبه هؤلاء أو أولئك إلى أن مملوكهم المميز الجديد كان قد سبق تجنيده خلال إقامته في "موسكو" لصالح أجهزة استخبارات دول حلف وارسو!!.

(2)
وفقاً لمقتضيات العمل السري فقد حصل الشاب على مجموعة من جوازات السفر والأوراق الرسمية التي منحته بعض الهويات بأسماء مختلفة كان أكثرها شهرة هو اسم "كارلوس"، وفي إطار تقاطعات العمل السري فقد نفذ الشاب عدة عمليات عنف مسلح هنا وهناك ضد رموز ومصالح الأمريكيين وحلفائهم بمن فيهم الإسرائيليين، واستمر "كارلوس" ينفذ عملياته الموجعة مرة لصالح الجبهة الشعبية ومرات باسم الجبهة ولكن لصالح غيرها من الجهات المعنية العربية أو أجهزة استخبارات دول حلف وارسو، حتى منتصف عقد السبعينيات عندما قاد العملية الأشهر في حياته باختطافه لوزراء النفط العرب أثناء اجتماعهم في مقر منظمة "الأوبك" بمدينة "فيينا" النمساوية، واقتياده لهم كرهائن إلى مطار مدينة "الجزائر" باعتبارها عاصمة إحدى الدول العربية التي كانت آنذاك ترفع الشعارات الراديكالية، وهناك اختلطت أوراق اللعب الملقاة على الطاولة من قبل مختلف الأطراف مما أربكه لدرجة غيرت مجرى حياته، فقد فوجئ الشاب بأحد رموز دولة عربية ترفع الشعارات الراديكالية وهو يفاوضه كوكيل مباشر عن أحد مشايخ دولة عربية أخرى يصفها الراديكاليون بالرجعية والتبعية للإمبريالية الأمريكية، عارضاً عليه باسم موكله الرجعي الإفراج عن جميع الرهائن دون مساس بأيهم وبلا أية مطالب سياسية مقابل فدية مالية كبيرة جداً!!.
كانت الفدية المالية المعروضة تنقسم إلى جزأين أحدهما بقيمة عشرين مليون دولار يتسلمه "كارلوس" في يده قبل إطلاق سراح الرهائن، والآخر بقيمة خمسة ملايين من الدولارات يتم دفعه بمجرد إتمام الصفقة إلى الوكيل الراديكالي، والذي لم يفته أن يقتطع لنفسه مليون دولار أخرى من حصة "كارلوس" سيراً على نهج وسطاء الأزقة والحواري الذين يخصمون لأنفسهم عمولة صفقات السوق السوداء من البائع والمشتري معاً، وقد أطلقت واقعة الوساطة تلك نوازع الشاب الذاتية الشريرة من عقالها، حيث دفعته للانتقال من الراديكالية إلى نقيضتها البراجماتية فقرر منذ ذلك الحين إدارة عمليات العنف المسلح لحسابه الخاص، وهو القرار الذي زاد من سهولته قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بفصله بعد اتهامه بالانحراف في قيادة عملية (فيينا - الجزائر) نحو نهاية مخالفة لأهدافها الأصلية، والتي كانت متعلقة بإجبار الدول العربية النفطية على إعادة النظر في إمداداتها النفطية الرخيصة للأمريكيين وحلفائهم، فاحتفظ "كارلوس" بمبلغ الفدية لنفسه معلناً عن تأسيس "منظمة النضال العربي المسلح" والتي استمرت تعمل تحت رئاسته ضد رموز ومصالح الأمريكيين وحلفائهم ولكن حسب المعايير البراجماتية، بما تعنيه من ضرورة حصوله المسبق على المقابل المتمثل في المال أو السلاح أو الحماية أو بعض جوازات السفر وأوراق الهوية، ومع بداية تسعينيات القرن العشرين انهارت دول حلف وارسو بما كانت توفره له من أغطية استخباراتية قوية، في نفس الوقت الذي شهد تراجع أهميته النسبية لدى الجهات المعنية العربية بظهور نجوم جدد للعنف المسلح ضد رموز ومصالح الأمريكيين وحلفائهم مثل السعودي "أسامة بن لادن" قائد تنظيم القاعدة الإسلامية، وهكذا وجد "كارلوس" نفسه عارياً إلا من حقيبة يد تحوي أموالاً وفيرة وجواز سفر دبلوماسي باسم "عبدالله بركات" صادر عن دولة عربية غادرت الخريطة الجغرافية لتوها بعد أن كانت ترفع الشعارات الراديكالية وجرى العرف قبل اندماجها مع جارتها على تسميتها باليمن الجنوبي!!.

(3)
كان أبي وأمي وأعمامي وأخوالي جميعاً قد طالهم الأذى على خلفية سابق التحاقهم أثناء العهد الملكي بمختلف الأحزاب والجماعات المعارضة المصرية كالوفد والماركسيين والإخوان المسلمين، ورغم إلغاء كافة مكونات الخريطة السياسية للعهد الملكي "البائد" بمجرد إقامة الجمهورية في مصر عام 1952 مما دفع معظم أعضاء عائلتي لاعتزال العمل السياسي تباعاً، فقد استمر الأذى يلاحق العائلة كلها خلال العهود الجمهورية المتتالية بتعطيل مصالحهم وسلب حقوقهم وتهديد حياتهم دون أدنى مراعاة لشيخوخة البعض واعتلال صحتهم أو لقيام بعضهم الآخر برفع الراية البيضاء، وهو ما لا يمكن فهمه إلا باعتباره يخفي قراراً خبيثاً بإذلال عائلتي، الأمر الذي دفعني إلى رد فعل تمثل في انخراطي المبكر داخل صفوف الحركة الماركسية منذ أواسط السبعينيات ولمدة خمسة عشر عاماً تالية تفاعلتُ خلالها مع الخريطة السياسية المصرية الجديدة بكافة مكوناتها الحاكمة والمعارضة العلنية والسرية، وفي أواخر الثمانينيات انسحبتُ من العمل السياسي المنظم مكتفياً بالدعوة النظرية إلى الإصلاح بعد يقيني بأن احتراف السياسة في مصر هو بمثابة انتحار غير مبرر، فالنخب والجمهور على السواء يشكون من تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية والوطنية والقومية لكنهم في الوقت ذاته يمتنعون عن إصلاحها بل ويدفعونها نحو المزيد من التدهور، هذا وقد ظل الرفيق "كارلوس" يمثل لغزاً كبيراً بالنسبة لي خلال تلك الأعوام الخمسة عشر من احترافي للعمل السياسي المنظم في الحركة الماركسية لاسيما وقد توليتُ خلالها عدة مسؤوليات ذات صلة بالعلاقات الخارجية، فتعدد انتماءات "كارلوس" وتقاطع ارتباطاته على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية كان مفيداً لمستخدميه من حيث أنه يوفر لهم عند الضرورة فرصة التنصل من المسئولية عن عملياته التي توقع ضحايا مدنيين، ليتم في النهاية الاستناد إلى شعاراته المعلنة لإلصاق العنف المسلح بالماركسيين العرب بمن فيهم المصريين رغم نهجهم السلمي الداعي للمعارضة السياسية المدنية!!.
في بداية ثمانينيات القرن العشرين اقترب الرئيس أنور السادات من وضع اللمسات التنفيذية الأخيرة لاتفاقيات التطبيع السابق له توقيعها مع إسرائيل التي كانت قواتها المحتلة قد أوشكت على الانسحاب المشروط من سيناء، فنصحته الجهات المعنية بالسيطرة الحديدية على كل معارضي التطبيع لحين إتمام الانسحاب الإسرائيلي منعاً لاحتمالات الإحراج السياسي، مما دفعه إلى اعتقال عدة آلاف من قادة وكوادر الخريطة السياسية المصرية بكافة مكوناتها في سبتمبر 1981 ضمن حملة موسعة ومنوعة شملتني فيمن شملتهم باعتباري أمين عام اللجنة القومية لمقاومة التطبيع مع إسرائيل، وهي اللجنة التي كانت قد نجحت لتوها في تنظيم احتجاجات جماهيرية واسعة أسفرت عن طرد الجناح الإسرائيلي من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الأمر الذي أحرج الجهات المعنية المستضيفة للجناح المطرود تنفيذاً لاتفاقيات التطبيع، ونظراً لتكرار إفلاتي من محاولات تنفيذ أمر الاعتقال فقد أدرجتني الجهات المعنية في قائمة "العناصر الخطرة" وهو ما عوقبتُ عليه فيما بعد بإيداعي أحد السجون المخصصة لأخطر المجرمين، حيث كان قد سبقني إلى هناك رجل خاضع لأقصى درجات التعتيم و الحصار اللصيق على مدار الساعة بواسطة حراس خارجيين يمنعون أي اتصال به، حتى أنهم كانوا لا يسمحون بخروجه من زنزانته لقضاء حاجته إلا عقب إدخال رأسه في كيس أسود مع إغلاق بقية الزنازين على شاغليها بإحكام شديد، وسرعان ما تم تنبيهي إلى أن هؤلاء الحراس الخارجيين ليسوا سوى كتيبة إعدام توشك على قتل هذا الرجل المجهول، لاسيما وأنه من الناحية الورقية المستندية غير موجود أصلاً في السجن فهو مودع بمعرفة الجهات المعنية دون أي تسجيل رسمي لدخوله أو أي تدوين دفتري لما يخصه من بيانات!!.

(4)
وافقتني إدارة السجن على طلب السماح بمشاهدة كأس العالم في كرة القدم لعام 1982 بعد حصولي على توقيعات السجناء والحراس بذلك، فتم وضع جهاز التلفاز الضخم في البهو الأرضي ليخرج الجميع من زنازينهم ويجلسون أمامه أثناء المباريات باستثناء الرجل المجهول، والذي تصادف خروجه لقضاء حاجته ذات مرة بينما الفريق الأرجنتيني يلعب إحدى مبارياته، فاصطحبه واحد فقط من أعضاء كتيبة الإعدام على غير العادة وأوصله إلى باب دورة المياه دون أن يدخل معه كالمعتاد لتعلقه بمتابعة اللاعب الشاب "مارادونا" الذي سحر القلوب والعقول لدرجة كان يصعب معها إعادة السجناء إلى زنازينهم حسب التعليمات، تسللتُ خلفه إلى دورة المياه حيث رفعتُ عن رأسه الكيس الأسود ثم جلستُ القرفصاء بجواره داخل الكابينة، ليخبرني بأنه مصري الأم وفلسطيني الأب وبأنه ينتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو الانتماء الذي جعله المسئول التنظيمي عن "كارلوس" خلال فترة عضويته في الجبهة، وبأن هذه المسئولية وفرت له معلومات ترغب الجهات المعنية في محوها عبر محو حائزيها من الوجود، وفي ذات الليلة ادعيتُ المرض ليتم ترحيلي إلى العيادة الملحقة بالسجن وهناك أبلغتُ الممرض النوبتجي باسمه "حسن العطار" ورقم زنزانته باعتباري هو، فقام الممرض بتسجيل بياناته على إحدى صفحات الدفتر الرسمي ومنحني بعض المسكنات تمهيداً لزيارة الطبيب المختص صباح اليوم التالي، وهي الزيارة التي حصل عليها بالفعل "العطار" الحقيقي حيث قرر الطبيب نقله إلى المستشفى العمومي نظراً لتدهور حالته الصحية وسط ذهول أعضاء كتيبة الإعدام وقياداتهم، في نفس الوقت الذي سربتُ فيه أخباره إلى صحف المعارضة لتنشرها على صدر صفحاتها الأولى، مما أدى إلى إطلاق سراحه لأنه ببساطة لم يرتكب أية مخالفة ضد قوانين الدولة المصرية التي كانت حكومتها لم تزل حتى ذلك الحين تتشدق باحتضانها للفلسطينيين "الأشقاء"، ودعني الرفيق "حسن العطار" قائلاً بلهجة أهل الشام:"الله كريم يا أبو زياد" بعد أن كان قد أطلعني على تلك المعلومات الخاصة بالرفيق "كارلوس" والتي تضع حائزها في مرمى النيران المعادية والصديقة!!.
كانت الجهات المعنية قد دعمت الأجنحة الداعية للعنف في الحركة الإسلامية المصرية بمجرد تولي أنور السادات رئاسة الجمهورية عام 1970 لاستخدامها في ضرب السياسيين المدنيين الساعين لتقليص النفوذ الديناصوري لتلك الجهات، وباكتمال عقد زمني واحد انقلبت هذه الأجنحة على الدولة واغتالت السادات في أكتوبر 1981 انتقاماً من قيامه قبل شهر باعتقال مشايخها ضمن عدة آلاف آخرين من معارضي إسرائيل، عملاً بنصيحة الجهات المعنية ليتحاشى الإحراج المحتمل مع إسرائيل بهدف تفويت فرص تلكؤها في الانسحاب المشروط من سيناء، وأدركت القيادة الجديدة للدولة صعوبة تصفية الأجنحة الداعية للعنف في الحركة الإسلامية ما لم تتفرغ تماماً لمواجهتها، الأمر الذي يتطلب التهدئة مع السياسيين المدنيين عبر استيعابهم بمرونة داخل صفوف الدولة كما يتطلب كسب ود الجماهير عبر الإطاحة المدوية ببعض رموز الفساد الكريهة والرفض الاستعراضي لبعض التدخلات الأمريكية البغيضة، إلى جانب ضرورة تطوير الجهات المعنية لأساليبها في السيطرة على النخب بالتحول من أسلوب تقييدها وتصفيتها إلى أسلوب تطويقها وتشتيتها، وكان نصيبي من التهدئة هو إطلاق سراحي عقب إتمام الانسحاب الإسرائيلي المشروط من سيناء مع تعليق الاتهام الموجه ضدي بإنشائي لتنظيم سري اسمه "اللجنة القومية لمقاومة التطبيع مع إسرائيل"، كما كان نصيبي من الاستيعاب المرن هو التحاقي بعمل مهني يروق لي في مجال الدبلوماسية الشعبية الذي تتولاه الهيئة العامة للاستعلامات برئاسة الجمهورية دون التوقف عن نشر كتاباتي الأدبية والثقافية والسياسية، ورغم أن هذه الكتابات قد أغضبت الجهات المعنية التي لم تتوقف عن ملاحقتي بسببها حتى اليوم، إلا أن ذلك لم يمنعني من تحقيق عدة إنجازات احترافية في عملي ساعدتني على الترقي المهني والذي رشحني لتولي بعض المهام الرسمية الخارجية الصعبة في مواقع التوتر المختلفة، والتي كان نجاحي فيها يدفعني قدماً نحو الأمام حتى تم تكليفي في بداية تسعينيات القرن العشرين بالمهمة الأصعب في الموقع الأصعب!!.

(5)
قبل نهاية عام 1992 وصلتُ إلى "الخرطوم" في مهمة دبلوماسية شعبية طويلة الأجل تشمل فيما تشمله السعي لاكتشاف كل المعلومات الصحيحة عما يجري داخل كافة الدوائر، بعد أن أسفرت المعلومات المغلوطة سابقاً عن تدهور العلاقات المصرية - السودانية إلى درجة وقوع اشتباكات حدودية مسلحة للمرة الأولى بين البلدين، وعلى غير عادة المصريين أقمتُ في فندق "هيلتون" الذي كان قد سبقني إليه السعودي "أسامة بن لادن" قائد تنظيم القاعدة واختاره سكناً سرياً له مع زوجته الرابعة السودانية الجنسية، وبعد أشهر قليلة من وصولي للخرطوم وصل إليها ضيف سري آخر ذو ملامح أوروبية يحمل جواز سفر دبلوماسي صادر عن اليمن الجنوبي باسم "عبدالله بركات"، مكلفاً من مستضيفيه بالحرص على إخفاء كل المعلومات الصحيحة التي تخصه عن كافة الدوائر ليتسنى له قضاء بقية حياته في السودان بهدوء، وعلى غير عادة اليمنيين أقام أيضاً في فندق "هيلتون"، وإلى جانب أروقة الفندق وملحقاته فقد جمعتني وإياه أندية الأقليات ذوي البشرة البيضاء بما وفرته لكلينا من أصدقاء مشتركين وألعاب متنوعة وسهرات ممتدة، لذلك كان طبيعياً اصطدام مسعاي لاكتشاف الحقائق بحرصه على إخفائها لاسيما وقد أفادني أصدقائي الدبلوماسيين اليمنيين بعدم وجود اسمه لديهم وبزوال جوازات السفر الدبلوماسية لليمن الجنوبي عقب اندماجها في دولة اليمن الموحدة، ثم زادت شهيتي لكشف مستور هذا الضيف الغامض مع محاولة متطوعين دوليين موجهين لتضليلي بسيناريو جيد الحبكة والإخراج حول كونه تاجر سلاح إيراني الأصل يشغل موقعاً قيادياً في حزب الله اللبناني، الذي أوفده إلى "الخرطوم" لبحث الاحتياجات العسكرية لبعض الجماعات الإسلامية المجاهدة على امتداد العالم، ذلك أن انفتاح سلوكياته الاجتماعية وفق النموذج الأوروبي ينفي أي احتمال لارتباطه بحزب الله على أي وجه كما أن بقايا قديمة لحفريات ماركسية كانت تطل أحياناً من أعماقه بلا استئذان!!.
ومع انتصاف عام 1993 انتقلتُ إلى منزلي الصغير الكائن في قلب "الخرطوم"، ثم سرعان ما انتقل "عبدالله بركات" إلى منزل كبير مجاور لي بصحبة زوجتيه الشرعية "لينا" الفلسطينية والعرفية "زينب" السودانية واللتان جمعتهما علاقة حسن جوار مع سكرتيرتي الخاصة الإثيوبية "عايدة"، كان يقيم معه في منزله بعض مساعديه الذين قدم لي أحدهم ذات مرة باعتباره حماه ولكنه ما لبث أن أفلت لسانه ليحدثني بلهجة أهل الشام قائلاً: "الله كريم يا أبو زياد"، كاشفاً عن كونه رفيق سجني القاهري السابق "حسن العطار" وقد أجرى عدة عمليات تغيير ملامح متقنة ليلتحق بزوج ابنته ومرءوسه المفصول من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهكذا فإن كل الخيوط التي يصعب ذكر تفاصيلها حالياً قادتني تدريجياً إلى معرفة هوية "عبدالله بركات" الحقيقية فهو ليس سوى "إيليتش راميريز سانشيز" الشهير باسم "كارلوس"، حتى مع تكرار فشلي في الحصول على أية إجابة شافية من أي مصدر رسمي لتأكيد أو نفي هويته، ولأنه كان قد صنع لنفسه مركزاً مرموقاً على قمة المجتمع المدني الخرطومي والذي تقتضي مهمتي الدبلوماسية استمرار وجودي فيه فقد استمرت تعاملاتي مع "كارلوس"، رغم صعوبة ذلك على نفسي نظراً لعدم علمي بما إذا كان الغموض الرسمي تجاه هويته ناجماً عن جهل أو عن قصد وفي الحالة الثانية هل المقصود هو التمويه لتحاشي انسحابي خوفاً منه لو أدركتُ حقيقته أم هو الخداع للزج بي داخل إحدى دوائر الدم والنار، لاسيما وأن طلب نقلي إلى أي موقع آخر قد تم رفضه بحسم آنذاك، كان "كارلوس" يعلم جيداً أن مستضيفيه السودانيين حصلوا مقابل استضافتهم له على ملايين الدولارات من إحدى دول الطوق العربية ذات الشعارات الراديكالية، والتي سلمته لهم بعد أن ضاقت بشكاواه المتواصلة منذ إيوائها له عقب انهيار دول حلف وارسو، في صفقة شبيهة بعمليات التخلص من النفايات السامة عبر دفنها في البلدان الفقيرة، إلى جانب حصول البنوك السودانية المفلسة التي يملكها مستضيفوه على ثروته الشخصية البالغة بدورها ملايين الدولارات، وكان شعوره بأنه يجري تغسيله وتكفينه من قبل شبكة مستخدميه السابقين تمهيداً لدفنه كالنفايات في حفرة متناهية الصغر يؤلمه لدرجة تدفعه حيناً لتعمد ممارسة لحظات الحياة الآنية بصخب شديد حتى يثبت لحفاري القبور أنه ما زال على قيد الحياة، وتدفعه أحياناً أخرى إلى الانزواء في أبعد الأركان المظلمة حيث يمكنه الجلوس على الأرض والبكاء كطفل يتيم محروم من فرحة العيد!!.

(6)
بسقوط منظومة حلف وارسو خرجت أجهزة دول أوروبا الشرقية من شبكة مستخدمي "كارلوس"، بينما استمرت الجهات المعنية العربية تتابعه عن قرب ليس بهدف استخدامه مجدداً في عمليات العنف المسلح التي أصبحت أعبائها أكبر من عوائدها بحلول عصر العولمة من جهة والقبول بإسرائيل في الأوساط العربية كأمر واقع من الجهة الأخرى، إلى جانب ظهور تنظيم القاعدة الإسلامية كمتعهد جديد لعمليات العنف المسلح ضد رموز ومصالح الأمريكيين وحلفائهم، بل كانت الجهات المعنية العربية تحاول من خلال متابعة "كارلوس" اللصيقة أن تمحو المعلومات الخاصة بسوابق استخدامه حتى لا تورطها في كشوف حساب تفوق طاقتها مع الأمريكيين وحلفائهم سادة عصر العولمة، وهي المحاولة التي أصبحت صعبة المنال باتساع نطاق حائزي المعلومات المطلوب محوها ليشملني ويشمل طاقم مساعديه متعددي الجنسيات بقيادة حماه الفلسطيني "حسن العطار"، بالإضافة إلى مستضيفيه السودانيين الذين كان همهم الأول هو كيفية تحقيق أقصى أرباح ممكنة من هذا الصيد الثمين الواقع في شباكهم، لذلك فقد أفشلوا سعيه للرحيل إلى إحدى دول غرب أفريقيا بحجز أمواله المودعة لديهم تحت ادعاء إنه لا توجد سيولة في بنوكهم، وإزاء خوف عدة أطراف عالمية وإقليمية ومحلية مما يمكن أن يؤدي إليه تعاملي الشخصي المباشر معه فقد شرع الخائفون في تنفيذ خطة مزدوجة لإبعادي عنه حتى يبيعه مستضيفوه السودانيون عبر مزاد سري، فازت به الحكومة الفرنسية بمجرد أن داهمتني عدة سيارات مصفحة في إحدى ضواحي "الخرطوم" لتقتلني في محاولة اغتيال أسفرت عن تهشم عمودي الفقري دون قتلي، وكان "كارلوس" قد حاول من جهته الذوبان داخل المجتمع المحيط به عبر حصوله على الجنسية السودانية بتحويله لزواجه العرفي من "زينب" إلى زواج شرعي، فأفهمه مستضيفوه أنه لن يكون مؤهلاً شرعاً لتعدد الزوجات أو للزواج من أي مسلمة كزينب إلا إذا أصبح هو نفسه مسلماً حقيقياً الأمر الذي يستلزم إجرائه لعملية "ختان" جراحية على الطريقة الإسلامية، وهكذا استدرجوه في سبتمبر عام 1994 إلى أحد جناحين اثنين يتكون منهما قسم الأجانب الذي لا تنقطع عنه الكهرباء داخل مستشفى"ابن خلدون" الأشهر بالخرطوم، بينما كنت أنا محتجزاً في الجناح الآخر الملاصق لإنقاذ عمودي الفقري المهشم، وبدعوى التمهيد لعملية "الختان" تم حقنه بمخدر شديد المفعول داخل غرفة العمليات بعيداً عن زوجتيه وطاقم مساعديه، لتتولى مجموعة "ممرضين" ذوي بدلات سوداء قيادة فراشه المتحرك خروجاً من غرفة العمليات صوب الطائرة العمودية الفرنسية التي كانت تنظره في حديقة المستشفى، بينما كانت مجموعة "ممرضين" ذوي بدلات بيضاء يقودون فراشي المتحرك صوب الاتجاه المعاكس دخولاً إلى غرفة العمليات لترميم ما يمكن ترميمه من عمودي الفقري بعد قيامهم أيضاً بتخديري، التقى الفراشان المتحركان في الممر فامتدت الأيادي لمصافحة سرعان ما تحولت إلى تشبث رغم التخدير، وأفلت لسانه تحت تأثير المخدر بسؤال حول "هذا الذي يفعلونه فينا ولا نفهمه" قبل أن تنجح المجموعتان في الدفع بكل فراش نحو الاتجاه المعاكس للآخر!!.
تسلمت الحكومة الفرنسية المتهم المغدور به "كارلوس" حيث أحالته لمحاكمة عاجلة على ما هو ثابت لديها من اتهامات منسوبة إليه بشأن بعض عمليات العنف المسلح ضد رموزها ومصالحها، بينما التزم المتهم بنصيحة محامييه الذين كانت الجهات المعنية العربية قد استأجرتهم للدفاع عنه بشكل يكفل عدم توريطها معه، فامتنع عن الإشارة إلى أية عمليات أخرى خارج قائمة الاتهام حتى لا تزيد مدة محكوميته، وهكذا أراح واستراح بعقوبة السجن المؤبد التي أمضاها داخل أحد السجون الباريسية المخصصة لأخطر المجرمين، منتظراً بجزعه الطفولي أن يخرج ليعيش ما تبقى من حياته هادئاً مع أسرته في بلده الأصلي "فنزويللا"، رغم مخاوف الجهات المعنية من احتمال مفاجأته للجميع بمرحلة عمليات عنف مسلح جديدة عنوانها "أمير الانتقام" ذلك الانتقام الافتراضي الذي توهمته تلك الجهات مدعية أنه في حال حدوثه سوف يهددني، مما أعطاها مبرراً زائفاً لمنعي من السفر إلى الخارج وتحديد إقامتي تحت الرقابة اللصيقة لأردأ أنواع الجنس البشري على امتداد التاريخ والجغرافيا بحجة حمايتي المزعومة منه، ولكنني موقن بأن "كارلوس" الذي قارب السبعين عاماً من عمره غاضب فقط من أولئك الذين استخدموه في عصر توازن القوى ضمن مخططاتهم ومشاريعهم ثم غدروا به في عصر العولمة، حيث أداروا له ظهورهم تاركين إياه لهؤلاء الذين أقاموا عليه المزادات وكأنه مملوك يباع ويشترى في سوق النخاسة، حتى انتهى أمره بين الأيدي الغليظة لمشترين يعاقبونه على ما سبق أن فعله ضدهم لصالح البائعين، وأنا لست من مشترييه أو بائعيه أو مستخدميه بل مجرد عابر سبيل في حياته جعلتني المعلومات الصحيحة عنه مشفقاً عليه مما أصابه من غدر، كما أنه مجرد عابر سبيل في حياتي جعلته المعلومات الصحيحة عني متعاطفاً معي تجاه ما كان قد أوشك أن يصيبني من غدر أوقعتني سهامه لاحقاً في شباكه، رغم أن ضرورات انضباطي المهني ومقتضيات أفكاري السلمية حالتا دون الصداقة الحقيقية بيننا، وقد حصل كلانا من ذات الجهات المعنية العربية على نفس مكافأة نهاية الخدمة الشاقة حيث تم سجنه في "باريس" وتحديد إقامتي في "القاهرة"، فهل سوف تنتهي مدتي عقوبتينا قبل انتهاء الأجل وفي هذه الحالة هل ستنتهي عقوبة أحدنا قبل الآخر أم أن نهاية العقوبتين سوف تتواكبان معاً في فصل جديد ضمن "هذا الذي يفعلونه فينا ولا نفهمه"!!.
طارق المهدوي



#طارق_المهدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاقنا وأخلاقهم
- استدراج الملحدين في أكمنة الدولة المصرية
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (4) التذوق
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (3) الوعي
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (2) التطبيق
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (1) الإبداع
- من سجلات الفاشية العسكرية في زمن العولمة
- من سجلات الفاشية العسكرية في زمن المكارثية
- يا نجاتي...فرقع البلالين
- ليس فقط لأنهم كاذبون محترفون
- سبع أرواح
- محلك سر
- حول فنون ومهارات العمل الثوري اللحظي في مصر
- كوابيس جمهورية الخوف الأولى - الجزء الثاني
- كوابيس جمهورية الخوف الأولى - الجزء الاول
- ألاعيب أزهرية مكشوفة
- رضينا بالهموم ولكنها ما رضيت بنا
- صراع الفاشيات الدينية حول الهوية المصرية
- قائمون على أمن أوطاننا أم نائمون بين أحضان أعدائنا؟
- الانزلاق الاختياري المصري في مستنقع الصراع الروسي التركي


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - طارق المهدوي - صديقي المحارب الأممي كارلوس