أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نديم دياب - الرأسمالية المناخيّة: لَوِّث أقلّ كي تلَوِّث لأطول مدّة















المزيد.....

الرأسمالية المناخيّة: لَوِّث أقلّ كي تلَوِّث لأطول مدّة


نديم دياب

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 08:30
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



الكرة الأرضية في خطرٍ محدق، والمستقبل ليس مضموناً. اللازمة التّي أُحيكت وتُحاك حولها روايات وأفلام الخيال العلمي تخطّت حاجز اللامعقول لتنتقل من الوهم إلى الحقيقة العلميّة. خطر الإحتباس الحراري، وما يستتبعه من تغيّراتٍ مناخية، أصبح واقعاً يحذّر منه العلماء، ويضمّنه الناشطون البيئيون في شعاراتهم الإحتجاجية، كما رؤساء كبرى الدول في خطاباتهم الديماغوجية. تُعْقَدُ له المؤتمرات العالمية والقمم الدولية من كيوتو، إلى كوبنهاغن ثم باريس، وتُحشد لـ"معالجته" ميزانياتٍ ضخمة سعياً لإنقاذ ثقافات سكان الجزر الغارقة في مياهها، وأطفالنا الذين لم يولدوا بعد، والدبب القطبية.

البيئة الطبيعية التي أسهمت يوماً في خلق ظروفٍ مؤاتية لتطوّر البشرية وتقدّمها، اختل توازنها بفعل استغلال الإنسان الاقتصادي لمقوّماتها ورزحت تحت استهلاكه العبثي للموارد غير المتجددة ضمن نظامٍ اقتصاديٍ عالميّ الانتشار وتاريخيّ الإمتداد يُرَفِّع المنفعة الشخصية فوق أية اعتباراتٍ أخرى، ويشرعن الجشع المادي.

الأذى الناجم عن تقويض المجال الطبيعي تكشفه أرقام الزيادة المطّردة في درجات حرارة الأرض، والإحصاءات حول سرعة ذوبان الثلوج وارتفاع مستوى مياه المحيطات والبحار، والجداول البيانية لانبعاثات الغازات السامة وتدهور نوعية الهواء، وخرائط الأقمار الصناعية حول توسّع ثقب طبقة الأوزون. ولأن فوضى المناخ التي أحدثها الإنسان بدأت تهدّد وجوده، كان لا بدّ من تنظيفها.. أو على الأقل، إعادة ترتيبها.

كوتا للتلويث كحلًّ بيئي؟

تركّزت الجهود الدولية، منذ اتّفاقية كيوتو (اليابان) في العام 1997، على السعي للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، وانصبّ الاهتمام على فرملة ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود في المنشآت الصناعية، ومعامل إنتاج الطاقة، ومحرّكات وسائل النقل. وفي التخطيط للتصدّي للتغيّر المناخي، تمّ ابتداع هيكيليّة عُرِفت بـ"نظام حصص الكربون" أو نظام "السقوف والتبادلات" (Cap and Trade System) وتقوم على تحديد حدّ أقصى، أو سقف، للانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري يُخَفَّض سنويّاً، وتلتزم به الكيانات الموقِّعة، شركاتٌ كانت أم دولاً، ولكلٍّ منها كوتا أو حقوق تلويث كَمِيَّة تستطيع إما استخدامها بأكمليّتها، أو تكديسها لاستثمارها لاحقاً، أو الإتجار بها. وبالتالي، يصبح للجهات الملوِّثة الحق في بيع فائض مخصّصاتها لجهاتٍ أخرى ذات قدراتٍ تلويثية أكبر تبحث عن تراخيص إضافية لزيادة كمية الغازات الضارة المنبعثة عنها نظراً لحجم أو نوعية الصناعات المنخرطة بها.

وعلى الرغم من أن هذا النظام ما زال غير ملزم عالميّاً ويقيّد فقط المنخرطين طوعيّاً باتّفاقياتٍ تحت مظلّته، إلّا أن "اتّفاق باريس" الذي أنهى أعمال الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ أواخر العام الماضي قد تضمّن تلميحات في المادة السادسة منه لـ"أسواق الكربون"، من دون أن يجاهر بها علنياً، عبر دعوة الدول إلى تعزيز وتقوية الجهود المشتركة بما تراه مناسباً، بما يعنيه ذلك، ولو جزئيّاً، من إعطاء الضوء الأخضر لاستكمال الإقدام على التجارة بالغازات السامة.

وحقيقةً، ثمّة مبادرات عابرة للحدود تشي بتوجّهٍ دوليٍّ عمليّ نحو اعتماد هذه المقاربة الّتي يُروَّج حثيثاً لقدرتها على إلزام الدّول بالوصول إلى الهدف الذي وضعته نصب أعينها في ما يتعلق بتخفيض مستوى الانبعاثات: اليابان وألمانيا تبحثان في "برنامج سوق الكربون" كسياسةٍ بيئية- اقتصادية مشتركة بين مجموعة الدول الصناعية السبع التي تضمّ بالإضافة إلى الدولتين السابقتين كلٌّ من فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، وكندا. من جهتها، نيوزيلندا أطلقت نداءاً لتأييد أسواق كربونٍ عالمية، في النهار عينه الذي وقّعت فيه 195 دولة على "اتّفاق باريس"، لتنضمّ إلى دعواتها 18 دولة حتى الساعة. الصين أيضاً تحضّر لإطلاق سوق كربون داخليّ في العام 2017، يُتوقّع أنه الأكبر في العالم، ليشمل ثماني صناعات هي البتروكيمائية والطاقة، والمواد الكيميائية، ومواد البناء، والمعادن غير الحديدية، والفولاذ، وصناعة الورق، والطيران، التي يشكل استهلاكها للطاقة مجتمعةً ما لا يقل عن 10 آلاف طن متري من الفحم سنوياً (وفق إحصاءات أعوام 2013-2015). وبذلك، يمشي التنين الآسيوي على خطى المجموعات الدولية المتاجرة بالغازات السامة، ومنها الإتحاد الأوروبي الذي يشهد له التاريخ بإدخال أول اتفاقية "حصص الكربون" حيز التنفيذ في العام 2005 بين أسواق 31 دولة.

الكربون.. مادّة للاستهلاك التجاري

منظومة الحلول "البيئية" المصبوغة بشرعية الأمم المتحدة هذه تجعل من الكربون سلعةً إذاً، وتُنْشِئ للإنبعاثات الغازية المضرة والقاتلة بورصةً عالمية تخضع لمقتضيات سوق العرض والطلب، مقدّمةً للشركات والحكومات حقوقاً للتلويث، يبيعونها ويشترونها، وتؤدي في الحالين إلى مكاسب ماليّة إمّا عبر إبقاء الانتاج الاقتصادي على حاله أو زيادته (وبالتالي تحييد العائدات المالية للعملية الإنتاجية) من خلال القدرة على تخطّي سقف الاستهلاك المُحَدَّد لها والركون للأسواق بحثاً عن مزيدٍ من "الأسهم الكربونية"، أو التشجيع على البيع الفوري للأسهم (في حالات الكيانات قليلة التلويث أو تلك القادرة على تقييد الانبعاثات)... لتبقى البيئة الخاسر الأكبر، إذ إن ربط غاز الكربون وغيره من الانبعاثات الغازية بقيمةٍ ماديّة (تتأرجح بين صعودٍ وهبوط كما أسعار النفط أو الذهب) والحثّ على تداولها، قد ترك لنظام السوق "الحر" الكلمة الفصل في حلّ مشكلة المناخ عبر إيجاد "التوازن" بين الطلب والعرض على التلويثّ!؟

وعلى الرغم من الاقبال الكثيف عليه والقبول بمفهومه، فإن "نظام حصص الكربون" أقرب إلى التحايل البيئي منه إلى الحل البيئي، إذ يشكّل، في أفضل حالاته، عمليّة ترغيبٍ للملوّثين بتخفيض إنباعاثاتهم عبر تقليص عملياتهم الإنتاجية ليس من أجل الاستثمار في طرق إنتاجٍ صديقة للبيئة للخير العام، بل بغية خفض تكاليف شراء الحصص الكربونية ضمن السقوف المخصصة لهم أو حتى إغرائهم ببيعها، لتكون وسيلة التحفيزات المادية هي المنطلق من تقليص التلويث، وبالتالي فالنفعية الخاصة والفائدة الفردية تدخل في صلب هذه العملية التي تعيد تحديد مشكلة التغيّر المناخي ضمن أطر فلسفة الاقتصاد الرأسمالي القائم دائماً وأبداً على شراهة الربحية الجامحة واستنزاف الموارد، بشريّةً كانت أم طبيعية، لغاياتٍ ذات هوامش ضيّقة.

الرأسمالية "الخضراء"

الإجماع الدولي الحالي حول هذه الأداة السياسية- الاقتصادية يدخل ضمن ما أسماه بيتر نيويل (من جامعة إيست أنغليا- بريطانيا)، وماثيو بيتيرسون (من جامعة أوتاوا- كندا) ببداية "الرأسمالية المناخية" (2010) اللذان يشيران إلى أن "نظام حصص الكربون" هو حربة المرحلة الجديدة من التنظيم الرأسمالي الهادف إلى تنظيف الاقتصادات من الكربون (decarbonize economy) بطريقةٍ تؤمّن أدنى حدّ من تعطيل أنماط النمو والتوسع الاقتصادي العالمي، وبالتالي ربط ما تُسمّى بـ"الحلول البيئية" بالأسواق الاقتصادية... خدمةً للأسواق الاقتصادية، أي تدعيم المسار الرأسمالي الجشع.

التوجّه الحديث الآيل إلى الانتشار يتعدّى تسليع المجال البيئي (بعد "تشييئه")، وبالتالي مجال الحياة الذي يعيش فيه الجميع من شركات مُلوِّثة وأفراد وبيئة طبيعية يدفعون فاتورة التلويث الصناعي الرأسمالي، ليصل، بحسب مناوئي هذا المسار، إلى حدود تقوية تكريس الهيمنة الرأسمالية، المطلقة أصلاً، من خلال التّحكم بالكربون، الذي يدخل في عضوية الوجود البشري والحيواني (جميع الكائنات الحية قائمة على المكوّن الكربوني carbon-based life forms)، ودورته. بمعنى آخر، السيطرة على الحياة بحدّ ذاتها، بعد أن صودرت الحقوق البديهية في العيش ببيئة نظيفة لصالح الحقوق التلويثية.

قد تفضي السياسات البيئية "الخضراء"، المتشعّبة عن المبدأ الرأسمالي، فعلاً إلى تقزيم الانبعاثات، لكنّ الحدّ من التلوّث هدفه التلويث لأطول فترةٍ ممكنة ليس أكثر، وتقنين إطلاق الغازات في الهواء هدفه في المحصّلة إطالة أمد إستنزاف الموارد الطبيعية، وبالتالي معاناة البيئة ومعها الكائنات، لا سيّما مع تفريغ مفهوم حملات "التصدّي للكربون" من أيّ خططٍ بعيدة الأمد تغيّر جذريّاً من طبيعة العمليات الإنتاجية الاقتصادية، وتحقّق تطوّراً للتنمية المستدامة الحقيقية، تلك التي تقارب موضوع التغيّرات المناخية من باب الشمولية والإيمان بأن مصير البشرية هو واحد، وتحفظ الحق في الحياة، والعدالة الاجتماعية والمناخية.

لا شكّ أن الرأسمالية تملك في بذرة نشوئها أسباب انتفائها، وقدرتها على إعادة إنتاج ذاتها على صُوَرٍ أكثر وحشيّة وانتهازيّة قد يطيل أمد اندثارها ولكنّه يؤزمها. وفي أزماتها حتميّة تدميرها الذاتي على قاعدة التخمة حدّ الانفجار. وأحد أبواب دمار الرأسمالية البيئة، التي يرتبط الحفاظ عليها عكسيّاً بمبدأ الكسب المالي، الذي تتوخاه الشركات والحكومات المضبوطة على إيقاع الربحية، إذ أن حماية المناخ بشكلٍ مستدام يستدعي تكاليف طائلة لا مصلحة آنية للرأسمالية بدفعها (وإن كانت الفاتورة النهائية وخيمة) ويفرض تغييراتٍ جذرية في طريق عمل عَجَلَةِ الاقتصادات لا عَجَلَةَ للنظام العالمي بالشروع بها طالما أنه ما زال باستطاعته الوصول إلى أهدافه الاقتصادية. وعليه، فإن المحافظة على البيئة والمناخ ليست أقصى طموح الرأسمالية، وإنّما تطويق الضرّر الذي أصابهما ضمن حدودٍ (تُعتبر "حلولاً") لا تضع عوائق أمام النموّ الاقتصادي حاضراً من جهة، ولا حاجزاً أمام المزيد من مشاريع التلويث مستقبلاً بما تقتضيه شراهة الربح.. ومن هذه الزاوية النفعية، وفي هذه الاستراتيجية الأنانية، يكمن الخطر المحدق في الكرة الأرضية.



#نديم_دياب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نديم دياب - الرأسمالية المناخيّة: لَوِّث أقلّ كي تلَوِّث لأطول مدّة