أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - عدت والعود ليس أحمدُ















المزيد.....

عدت والعود ليس أحمدُ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 12 - 13:26
المحور: الادب والفن
    


الضفاف جافة, ونهر الخابور جاف والحياة جافة والحرارة لافحة.
مشينا الهوينا, أنا وضياء وموريس, في ظلال الليل الهامس. ابتعدنا عن الطريق المكلل بالسيارات والناس, أخذنا المنعطف الذي يبعدنا عن البيوت والحركة. كنت مذهولًا, أعيش في ذاكرتي, والتيه يأخذني من يدي, وتلك الذاكرة لا تكف عن الاستيقاظ, تنهض في طرح الأسئلة التي تقبع في الماضي. لا شيء باق على حاله, الوجوه والمدينة والخابور, والأشجار والزمن. كانا, موريس وضياء يتبدلان الحديث, بقيت متأخرًا عنهما, عن الركب, أنظر إليهما من الخلف, أقول لنفسي:
ـ يا إلهي كم تغيرا, يمشيان كالعجائز! بالتأكيد, تغيرهما لا يقارن بي. فأنا صديق الذاكرة, أقبع داخلها, لا أريد أن أودع الماضي, شهوة الطفولة والشباب وزهوة العمر الراحل. لم أتقبل أن أعيش في الحاضر, لم أهضم التبدلات التي طرأت علي وعلى المكان والناس. بقيت داخل الشوق لرائحة التراب القديم, لرائحة الخابور وزله وأشنياته, لتلك الجنبات, للروابي الزاهرة, للمراعي والبساتين, لرائحة الخيار الطازج والبندورة البلدية وأشجار الصنوبر والسرو والكينا, للأرض المنسبطة, المنبهقة من قلب الرهوان العظيم, الخابور, الذي يفتح على السهول والقرى والبيوت الريفية المتناثرة. كنت أمشي وراءهما حزينًا, موجوعًا, وكانا غارقين في حديثهما. تركتهما, يكملان ما يريدان إكماله, وتركت نفسي تتسلق تلال المشاعر المتراكمة في ذاتي. أعلم, أن ما بيننا, مسافات طويلة لا ترممها الأيام والسنين والحياة, ومهما تكلمت سأبقى أنا, ذلك الكائن, المنطوي على نفسي, لا يمكن للبوح أن يفصح عما ما في داخلي, لمعرفتي أن ما سأقوله لا يهم أي إنسان. كنت أعيش زمن ولى ولم يعد, ولا يقبل عقلي أن يودع ذلك الزمن البري, زمني أنا. لقد فكك السجن ذاكرتي وأعاد تركيبها من جديد. ففي هذه المقارنة, كنت مهزوماً, أمام زمنين لم أكن فيهما أو بينهما أو على مفترقهما. شيء طافح كان يصعد من داخلي, نار حمراء مشتعلة دائمة التوهج.
أحن للعودة للبيت, أن أبقى وحدي, أن أبقى مع ذلك الكائن الممزق بين ذات قديمة وذات ليس لها مرقد أو موطأ قدم. أصرخ, وأبكي, أضرب الجدران, أقول الكارثة ليست في المقدرة على التحمل, أنما, في ربط العلاقة مع الزمن الأخر, الحاضر والمستقبل الذي لن أنسجم معهما. أنظر إلى أبي, أمي, الناس, أراهم أشباح, يتكلمون معي, وعقلي يرحل بي إلى البعيد.
قبل السجن, ضياء, كان صديقًا, عازب, كنا نضحك ونمرح, أحلامنا واسعة, كبيرة, عندما خرجت, رأيته أب لأربعة أولاد, مهمومًا, متعبًا. تغيرت أهتماماته, نظرته إلى الحياة. لم أعد أر في عينه ذلك البريق, ذلك الأمل.
لم تكن هذه الأشياء السبب الأول للانفصال عن المكان, أنما الوجوه. لم أعد أنسجم مع الوجه القديم للناس, هذه أصبحت لدي مشكلة كبيرة, كلما أرى أحدهم أبدأ المقارنة بين الحاضر, وقبل ثلاثة عشرة عامًا. فخلال هذه المدة الطويلة لم أر وجًا أخر سوى وجه زملائي وأصدقائي في السجن. كل الوجوه كانت متشابهة, دون بريق, دون حياة, دون تجدد. نكرر بعضنا على مدار الساعة والوقت, نخسر من ذواتنا ذوات, نتحول إلى قديم دون إرادة منا.
عندما خرجت, رأيت كومات أطفال صغار, لم أرهم من قبل ولم أستطع أن أركز وجه أحدهم في ذاكرتي أو أحفظ أسمائهم, كأن عقلي لا يريد أن يتقبل الحاضر أو التغيير. كنت استغرب جداً من ضحك بعضهم او التفتات البعض الأخر.
شعرت إنني وحيد. لا شيء يرمم وحدتي, لا صديق ولا أخ أو أخت أو أب أو أم. كان السجن رحمة, سترًا, يمنحنا الأمل بالزمن القادم, بالجديد, بالجمال, بالمرأة التي حلمنا بها, بالمواصفات التي نحتناها في ذاكرتنا. وعندما أصبحت مع الفراغ المفتوح, لم أعد أرى إلا نفسي في صراع مع هذا العالم الواسع, اللامتناهي. خرجت من ذلك المكان الضيق الذي لا يتجاوز الأمتار القليلة إلى العالم الرحب. شعرت بالخواء, بأنني صغير أمام هذا الكم الهائل من الفضاء المفتوح. شعرت بالغربة القاتلة, بأن الجدارن المفارقة لي لم تعد موجودة, مثل مولود جاء إلى مكان ليس بإرادته ويخرج منه ليس بإرادته. رأيت هذا الفضاء الواسع, بحر, محيط, وأنا وحدي أسبح دون قارب أو دفة أو خشبة أتكئ عليها لأنتقل من ضفة إلى أخرى, وربما لا توجد ضفة أو أرض أو بقايا عشب, سأبقى في هذا اليم الذي يقذفني هنا وهناك. إنه تشتت للذات والذاكرة والمكان والبقاء. قلت لضياء منذ الأيام الأولى:
ـ سأرحل, لا أستطيع المكوث هنا, ليس لدي القدرة على هضم ذاتي في هذا المكان الضيق بالرغم من وسعه.
ـ وإلى أين تريد الرحيل؟
ـ لا أعرف. المكان يريد أن يمزقني. إن هواي لم يعد هنا. الغربة التي في أعماقي قاتلة, الأسر يكبلني. ربما ليس لدي قدرة على فكفكة العبارات, لكنه صراع غريب.
ـ حسنًا, غدًا, سنذهب معًا إلى الهجرة والجوازات, ونرى ماذا يمكننا فعله.
في صباح اليوم الثاني ذهبنا إلى الدائرة, دخلناها, حياهم صديقي, وردوا عليه بكل ود واحترام لمعرفتهم به شخصيًا.
ـ ما هي الأوراق المطلوبة لإخراج جواز سفر؟
ـ لمن؟
ـ لصديقي. وأشار له عني.
ـ هل هويتك معك؟
ـ نعم؟
أخذ هويتي, ودقق في إضبارتي, ووقف ينظر إلي ضياء.
ـ إنه موظف, لا يحق له الحصول على جواز السفر.
ـ وما هو الحل؟
ـ إن تجلب لنا براءة ذمة من الدائرة التي يعمل فيها.
ـ أنا سجين سياسي سابق. سجنت ثلاثة عشرة عاماً.
وقف ينظر إلي وعيناه تكادان تطيران في الهواء من شدة الاستغراب. تعلثم, نظر إلى ضياء مستغربًا, ثم التفت إلي مرة أخرى, وكأنه أمام وباء
ـ سجين سابق؟
ـ وماذا به السجين السياسي؟ إنه إنسان مثلك. ما الذي يخيفك منه؟
ـ أنا لا أخاف منه, مستغرب أن هناك من يستطيع أن يكون سجينًا في مثل هذه الأيام؟
كان شهر آب منتصبًا, يبث حرارته في الأرض, يلهب الطرق والجسور والساحات بنيرانه وشمسه الحادة. كان لدى أهلي مكيف على الماء يرطب الغرفة في بيتنا. جاءت أختي صونيا وسيلفا من السويد للترحيب بي, ودعمي, كما جاء أبي وأمي. رأيتهما, كأني لم أغادرهما أبدًا. لم أستطع أن أفرح بهما, كما لم أستطع أن أحزن, كنت حياديًا في مشاعري. لم أتدخل في محاولة معرفة سبب نكوص حالتي, وسبب هذه السلبية الغريبة, وهذه القيم اللامبالية التي أحملها, اللا إحساس اتجاه كل ما يدور حولي. كنت مثل واحد تعرض لصدمة في الحواس وخراب في المشاعر والعواطف. لم أكن من قرر هذه الحالة, العوم فوق الواقع والانفصال عنه وعن الناس والمجتمع والزمن. قبلت الجميع كما قبلوني كعادة مكررة, كشيء تلقائي, يحدث يومياً.
ذبحت والدتي خاروفًا بالرغم من رفضي لهذه التمثيلية البائسة كفرح لخروجي من السجن. كنت مع الناس, بينهم, بيد أن المسافة بيننا كانت كبيرة وواسعة, لا يمكن أن يرممها الزمن وتكرار الأحجيات اليومية. رأيت الكثير من الأصدقاء الجدد يحاولون كسب ودي, التقرب مني, حاولوا بكل صدق أن يكونوا إلى جانبي في هذه الأوقات. مدوا لي يد العون, الخير والمساعدة كأنهم أخواتي وأهلي أو كأنهم واحد مني. الكثير تعاطف معي والكثير قال عني أنني مجنون, لأنني تركت الحياة, جمالها, رحابة المكان فيها, سعتها وأخترت المكوث في السجن والعيش في حيز ضيق, وفي مكان مضطرب وقاسي, فيه حرمان من أبسط قواعد العيش والحياة. لم يتجرأ الكثير من أبناء بلدي, تحميل الطغمة الحاكمة مسؤولية محنة الوطن, حملوها لنا, للضحايا.
أغلبنا لا يعرف حقيقي ثقافة الاستبداد, لم نتغلغل فيها, لم نحفر في عمق تكويينا الثقافي والنفسي. لم نعرف حقيقة تفكير الإنسان البسيط في بلدنا. تناولنا القضايا المعقدة بعقلية سطحية وتحليل بسيط. لم نحلل, لم نحاول أن نعرف, لماذا الأهل لا يقبلون زواج ابنتهم من شاب مستوى معيشته متواضع, اكتفينا بالقول أن السبب هو المال, بيد أن أننا لم ندخل إلى أعماق العقل, كيف تكون, وكيف يفكر أو يبني ثقافته وتكوينه النفسي والعقلي, وكيف الخروج من هذه الذات المتحمورة حول ذاتها. لماذا الإنسان في بلدنا يعشق المستبد المتمثل بالحاكم, لماذا يخر أمامه ساجدًا كعبد ذليل. ولماذا يستمتع بهذا الدور؟ ولماذا يشعر بالأمان بوجود المستبد, وبالحماية أيضًا. هل درسنا الله؟ وعلاقته بالمستبد, وعلاقة بلدنا ومجتمعنا بالله والمستبد, وكيفية تلاحمهما, في بناء ثقافة متكاملة قائمة على الخضوع التام أمام هذه الثقافة. لماذا يتلذذ بالذل؟ أي يكون مجرد شيء؟
الإنسان مثل القربة, محشور داخل ثقافة, مأسور بها, وفيها. ولا يمكن أن يتحرر إلا بتكسير ثقافته ووعيه المزيف, لنتمكن من بناء عالم مختلف. إن الله هو الفاعل الأكثر دموية في حياتنا, لهذا نحتاج أن نعرفه معرفيًا, أن ندخل في صلب وعينا به وفيه, في صلب ثقافة تضخيم الله, من هو, كيف جاء, وتكون, وتسيد؟ وكيف يمكننا تكسيره كرمز متعالي مسيطر علينا؟ وكيف جعلنا أذلاء في خدمة مشروعه, ثقافته, وإعادة إنتاجه عبر العصور؟
عندما كان يهل الليل وتنام الشمس وراء الأفق ويغيب الناس, وأبي وأمي, كنت اتسلل من البيت لأذهب إلى الخابور. أجلس وحيدًا, أنظر إلى الخلاء والصمت. في هذه اللحظة الحميمية عندما تبتعد الذات عن الأخرين, تبدأ في نسج علاقة حقيقية مع الذات, علاقة متفردة, ذات لذات, لوحدهما, علاقة وشيجة بين الغربة والحزن والجفاف وغياب أو انزياح الجمال والفرح أو هروبهم من الأرض والسماء والمكان.
أغيب, أذهب إلى البعيد, إلى خبز التنور. كنت أرى وجه أمي الجميل, عندما كانت تقف أمام التنور, أحمرار وجهها, علامات التعب والكد في عينيها, براءة ذلك الزمن المنصرم, حيوية والدي, اندفاعه نحو الأمل, بغد أجمل. أعقد مقارنة بين الأمس واليوم, بين زمنين, كلهما زمن الإنسان المهزوم. لم يكن هناك ماء أو شجر أو لون الحياة على ضفاف الخابور. كان جافًا. أجلس في هدأة الليل الحنون على الضفة الحزينة أتامل هذه الذات, النهر الميت, أحدثه والألم يعتصر قلبي:
ـ لماذا مت أيها الرهوان الجميل؟ ما زلت شابًا, في أنفاسك روح الوجود؟ أذكرك عندما كنت صغيرًا, كنت أخضرًا, حنونًا, ملأت حياتي بالأمل, بأخضرار الزمن والحياة. آه يا نهر, يا وجع الطبيعة والبقاء, كم أحن إلى زمنك الدافق, زمن توحدي بك, بجمال وجودك بيننا. أنظر إلى الصمت, الفراغ, الجفاف انفصال الكائن عن الكون. هذه العزلة بالقرب من رحابه, موته. الذي أنا, هو.
أشاهد, الطبيعة الحية الميتة, وجفاف المكان وقدرة الناس على هضم الخراب والتعامل معه ببرودة أعصاب أو لا مبالاة. أسمع هسهسة الوجود, الخلاء المملوء بالصمت. هذا الفراغ الطاغي فرض نفسه علي مثلما فرض الزمن قدرته علي, على عدم التصالح مع ما كان وما هو كائن. قلت, بينما عيني ترسم الدوائر وتلون الأبعاد:
ـ هنا كنا نسبح, نمشي, ونقضي الأوقات الحنونة بصحبة الأصدقاء, الحبيبة. نصيد السمك, ونتأمل أو نترك خيالنا يسرح حول الدفق القادم مع نهر الخابور, وبقاءه بيننا كقدر جميل, كلوحة فنان خطها بريشته البارعة أو قصيدة شاعر يغازل حبيبته أثناء الوله بها.
كنت أضم الليل الحنون والخابور بين ثنايا صدري, نبقى هناك بالقرب من الأفق نتقاسم الأشجان والوداع. كنت كالبحر يبدو من الخارج هادئًا, متوازنًا, بيد أن موجه كان متلاطمًا في داخلي, يأخذني إلى الأعلى, إلى السماء ويرميني على الصخور الحادة. لم أستطع أن أقف أو أجلس, قلقًا, متوترًا, لا أعرف ماذا أريد بالضبط. كنت كنمر في قفص ثم أطلق سراحه في هذا الفضاء الواسع. لم يكن المكان يتسعني كما لم يكن يريحني. مضطربًا, سكرانًا من هذا الكم الهائل من هذا الخلاء المفتوح على كل الأبعاد.
الأعوام الخمسة الأخيرة في سجن تدمر كنت محرومًا من رفع رأسي إلى الأعلى, محرومًا من رؤية السماء والشمس, مضطرًا أن يبقى رأسي منكسًا, ذليلًا بيد أذلاء, وحوش, عصابة مجرمة لها شرعية دولية في تمزيق بلدنا ومجتمعنا. ثم, أرى نفسي في البيت حرًا, أنام كما أشاء وأستيقظ كما أشاء وأخرج من البيت إلى السوق أو الشارع والتقي بالناس.
رأيت المرأة لأول مرة, ربما تعجز الكلمات عن وصف أو سرد ما جال في داخلي, بوجود الضيوف والأصدقاء لم أكن أستطيع التعبير عن مكنوناتي, وعندما أختلي مع نفسي, عندما أجلس وحيدًا, تبدأ دموعي تتساقط من عيني لا شعوريًا, أبكي بحرق وألم. لقد نسيت شكل المرأة الخارجي في السجن, لونته وزينته عبر فضاء روحي وعقلي, واليوم أنا وجهًا لوجه معها. لم أكن متزوجًا, كما لم يكن لي حبيبة أعود إليها لأتواصل معها. كنت وحيدًا, مكسوراً, تنتابني رغبات قاتلة أن أكون بصحبتها, أن أراها عارية أمامي, أن أصل إليها لأعرف من أنا وأين أكون وأين سأكون. هو اختبار لقدرة الكائن على أخذ اللذة من هذا الكون, أو قمعه وكبته تحت ضغط الوقائع. أرى الحيطان النظيفة لأول مرة, ضوء, ومكان واسع يضمني وحدي. أمشي فيه دون وجود شركاء معي يقاسموني الطعام والحمام والفراغ أو وجود إنسان مضطرب نفسيًا يخرب يومي بقلقه أو خرابه الداخلي. أجلس على الفراش الوثير الذي جهزته لي والدتي أثناء غيابي. البيت النظيف. هذا الأنقلاب بكل شيء, من النقيض إلى النقيض وضعني في حالة ذهول وضياع. لا أعرف من أين ابدأ وإلى أين أذهب. كيف يمكنني أن أتاقلم مع الحياة والناس, العمل, المرأة, الوقائع التي تفرضها متطلبات الحياة الجديدة. بقيت مشوش الذهن, أرسم الأمال المهزومة والأفاق البعيدة, بيد ليس في يدي أي شيء. لم يكن لدي مالاً, بيتًا خاص بي, مستقبلا. باختصار, أنا مجرد كائن ضائع لا يعرف أين يرسو به المكان والعالم, ولا أعرف إلى أين أذهب, كسفينة تاهت في عرض البحار, لا أرض أو ميناء يضم جسدها, تبحث عن مكان ترسو عليه لترتاح من عناء الهزيمة والبعد والسفر الطويل.
لإول مرة أرى تلفزيون جديد في بيتنا, ملون وجميل, وفوق السطح دش, صحن كبير. ظننت للوهلة الأولى قمر صناعي. لم أكن أعرف ما هو الدش ولم أكن قد سمعت به من قبل. استعنت بأبنة أختي لتقلب لي الأقنية الفضائية. ما آثار غرابتي, قنوات الجنس, النصف مشفرة. من خلالها رأيت جسد المرأة بعد حرمان طويل أمتد إلى ثلاثة عشرة عامًا, صراخ الآهات التي كان يخرج منها توحد بصراخي. شعرت بوجع الحياة, وجع السنين, وجع الرغبات المكبوتة, وجع الشهوة الهاربة, وجع السجين المعزول عن لذائذ الحياة, بعده عن دورة البقاء. عندما رأيت المرأة بعد سنوات طويلة كما خلقها الله, الطبيعة, صرخت بصوت عالي مثل قط بري, مثل انكيدو, عاش توحشًا منضبطًا, كاذبًا, مخافة ردود الفعل. الضوابط الاجتماعية, القمع المنظم المركون في اللأوعي الذي يسيرنا ويجعلنا مجرد أدوات خاضعة.
فهذا الكائن المعزول عن العالم, يحاول أن يمد خطاه نحو الأخر تحت وقع ضربات الرغبة والالتحام به, الشبيه به.
يتبع ــ





#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
- الثورة والتواصل الاجتماعي
- الخروج من المأزق الوطني
- رسالة إلى صديقي
- الملك السويدي إيريك الرابع عشر
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر
- الأرض المحرمة الفصل الحادي عشر
- الأرض المحرمة الفصل العاشر
- الأرض المحرمة الفصل التاسع
- الأرض المحرمة الفصل الثامن
- الأرض المحرمة 6
- الأرض المحرمة الفصل السابع
- الأرض المحرمة الفصل السادس
- الأرض المحرمة 5
- الأرض المحرمة الفصل الخامس
- الأرض المحرمة 4


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - عدت والعود ليس أحمدُ