|
شعوذة التاريخ - مقدمة
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5072 - 2016 / 2 / 11 - 00:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أمسى التاريخ حجة لكل من هبّ و دبّ ، حتى المرء الذي إنعدمت عنده الحجة أمسى التاريخ له حجة ! ــ يعود ذلك إلى كيفية فهم التاريخ ؛ فالفهم الذي يُميّز بين أنواع التاريخ و يتلمس حدود المدارس التاريخية و يعي تواضع العقل الفردي في إدراك كليّات التاريخ ، حتما يختلف عن الفهم الذي لا يُميّز بين أنواع التاريخ و يجهل المدارس التاريخية و يعتبر عقله الفردي هو هو عقل التاريخ .
ليس التاريخ هو الزمن الذي مضى ، و هذا من المسلمات البديهية ؛ فكل نقاش يطال ذلك الآن ليس إلا ترف و شيء من الحمق . و لكن التاريخ كلية تضم عددا من الكليّات المُترابطة بالنسبة له [ التاريخ ] ، لكنها في إستقلال نسبي عن بعضها البعض ؛ هذا الإستقلال النسبي باب لقطع شبه مطلق مع الكليّات الأخرى ، لكن دون التخلي عن التاريخ كصفة [ الجيولوجيا التاريخية مثلا ] ــ و لا ينحصر التاريخ بالمجتمع البشري ، إذ المجتمع هو الآخر ليس إلا كلية من كليّات التاريخ [ و هو ككلية أيضا يحوي كليّات ، هي أيضا بينها إستقلال نسبي ؛ الإقتصاد و الثقافة مثلا ] . كما أن التاريخ ليس ثابتا ، فهو مُتغيّر ، و في وضع حركة دائم ؛ و هذا ينطبق على كليّاته كذلك . و إن بدا لنا في الظاهر أن الثبات النسبي أرجح من التغيير و الحركة الدائمة [ من منطلق ذاتي و ظاهري ] .
* فمما سبق ــ لا شيء (كان : ماضيا) أو (يكون : حاضرا) أو (سيكون : مستقبلا) إلا و يحتويه التاريخ ، بغض النظر عن ماهيته أو دلالته ؛ فحتى الآلهة لا تحتوي التاريخ ، بقدر ما التاريخ يحتوي الآلهة . هذا الإحتواء سعى الإنسان لإدراكه ، أو [ لنكون أكثر دقة ] سعى لإدراك شيء من هذا الإحتواء ؛ هذا السعي جوهره القوة ، لذلك فالإدراك لم يكن دائما إدراكا للأشياء كما هي مُتموضِعة ، إنما إدراكا كما ينبغي له أن يكون مُلبيا نزعة القوة [ حتى حين صار الإدراك هو إدراك للأشياء كما هي مُتموضِعة ، إنما كان مُلبيا نزعة القوة ــ فلا يجب أن نقع ضحايا سذج لكلمات ذات غواية ، كمثل : (الحق) و (الحقيقة) و (السعادة) و ما شابه ذلك ] : و لهذا كان إختزال التاريخ في تناول الأوضاع البشرية حصرا بشكل مركزي و صراعي هو الغالب [ في تناول التاريخ ] .
إدراك التاريخ ككل معناه بكل بساطة : (إدراك كليّات التاريخ ؛ و هذه الكليّات بدورها تحوي كليّات أيضا) و (إدراك يتجاوز التغيير و الحركة الدائمة لكليّات التاريخ) ــ هذا الإدراك سيكون واقعا في حالة واحدة فقط : أن يكون المُدرِك إله مطلق ، و خارج التاريخ كله .
بذلك فستقتصر المحاولات الجدّية ، لإدراك شيء من كلية من كليّات التاريخ [ فيُمسي التاريخ صفة للجزء ] ، ليس إلا ؛ بغض النظر عن طبيعة العلاقة مع الكليّات الأخرى .
و في محاولة استهداف المجتمع البشري ككلية من كليّات التاريخ ، فهذا معناه أن المعني دراسته هو التاريخ البشري ــ لكن حتى في تناول التاريخ البشري ، فهناك كليّات يضمها [ التاريخ البشري ] ، ينبغي الإحاطة بها ككليات مُترابطة ، و إن كان بينها إستقلال نسبي . و لأن نزعة القوة تعتمل بوضوح في تحديد و تشكيل التاريخ البشري ، كانت الشعوذة تأكيدا لإحدى مظاهر نزعة القوة [ حتى في العكس ، أي مكافحة الشعوذة ، فنزعة القوة فاعلة ] . و الشعوذة إنما تقوم بالإنتصار للمساعي المموهة ، و حجب المغالطات ، و التغطية على ضعف الحجج [ إن وُجدت حجج أساسا ؛ فكما تقدم بنا القول (حتى من إنعدمت عنده الحجج أمسى التاريخ له حجة !) ] .
من الممكن تلخيص شعوذة التاريخ في تناول النقاط التالية : * علمية التاريخ . * التطور في التاريخ . * محكمة التاريخ . * حتمية التاريخ .
في الختام ــ ليست الشعوذة [ بشكل عام ] خصيصة جماعة دون غيرها من الجماعات ، أو فرد دون آخر ؛ و إن كانت تتجلى عند البعض أكثر من البعض الآخر ؛ الماركسيّون [ العقائديّون ] لهم نكهة خاصة في الشعوذة . فحين كان يقول ماركس (( إني قادر على فهم قوانين الرياضيات ، لكن حيال أبسط الوقائع التاريخية التي تتطلب الحدس ، أجد نفسي في وضعية صعبة ، مثل أغبى الأغبياء )) ، نجد الماركسيين يتجاوزون أغبى الأغبياء هذا ، في التاريخ ؛ بل و يبلغ بالبعض منهم أن يتصيّر إلها مطلقا ، فيقع خارج التاريخ ! .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيء عن برنارد هنري ليفي
-
شعوذة إقتصادية (4)
-
شعوذة إقتصادية (3)
-
شعوذة إقتصادية (2)
-
شعوذة إقتصادية (1)
-
القوة - السلعة و الخدمة
-
القوة - النقود
-
القوة - الجهد المبذول [ قوة العمل ]
-
القوة - الجمهور و الجماعة
-
تصفية الشهداء
-
القوة - كونك ماركسي
-
كونك ماركسي 2
-
كونك ماركسي
-
مغالطات مُتداولة .. العامل المُنتج هو بروليتاري
-
القوة - الجنس
-
شيء عن الإيديولوجيا
-
القوة - الضعف و العبودية
-
القوة - الثقافة
-
القوة - الإيمان و الإلحاد
-
من ثروة الأمم الزيرجاوية إلى أسانيد المانفيستو النمرية
المزيد.....
-
سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي
...
-
مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي
...
-
بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
-
النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
-
نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
-
الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار
...
-
ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
-
بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن
...
-
روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
-
أطعمة تضر المفاصل
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|