أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جميل حسين عبدالله - تأملات فلسفية 8















المزيد.....



تأملات فلسفية 8


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5071 - 2016 / 2 / 10 - 18:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الإنسان في شراسة حلمه بالمكانة، والقوة، إذا طوى الأرض، وطغى، واستقوى، رفض التجديف، والسفسطة، والهرطقة، لأنه في تلك اللحظة يؤمن بأن ما أحس به من تمازج إدراكه بقيمة الأشياء، يمنعه من الاستهتار بتلك الحقائق التي لم يصل إليها عن طريق "اللاعقل"، بل اكتسبها بجهد عقلي، وعضلي، واحتواها لكي تكون له نجاة، ووقاء، يحقق بها في كيانه لذة، وسعادة، لكنه لا يكره أن يكون التجديف سبيل الآخرين، لاسيما إذا كان فيه ما يدعو إلى تعظيمه، وتفخيمه، أو كان فيه ما يجعله مستفيدا من غباء الناس، وبلادتهم. ولذا، قل أن تجد أولئك الذين يدافعون عن التخلف ملتزمين بضرره في خاصة أنفسهم، أو يمدحونه لأبنائهم، أو يغرون به أسرهم، بل يحاربونه عمليا، وإن رضوا به نظريا فيما يدعون إليه من أفكار تميت الحس، والعقل، وتصنع إنسانا متصحرا في حياته، وتوجهه، لا لكونهم يؤمنون به، بل لأنهم يدركون أنه سياج يحصنهم في متعة الحياة التي اغتصبوها من غيرهم. ومن هنا، نجد المدافعين عن سطحية الأفكار أكثر الناس انغماسا في محاربتها بين غيابات جب واقعهم المظلم، وإن أقاموا الحروب من أجلها، ودافعوا بأبظ الأثمان عنها. ولا غرابة أن تجد داعية إلى الزهد، وهو طمع، شره، أو مدافعا عن العدل، وهو جائر، وظالم، أو مطالبا بالحرية، وهو يرفضها حين يستعبد الآخرين، ويذلهم في مصلحته الخاصة. ومن هنا، فإن كثيرا من الأفكار التي يُنادى بها بين الجماهير، لا تحمل روحها، وإنما تحتفظ على نصها المفرغ من محتواه، لأن الإنسان في كثير من مراحل انتقاله عبر الزمن، قد حمل نصوص الأفكار الذي جادل الأوائل فيها، وربما تقاتلوا عليها، ولكنه ترك وراءها ما كان فيها من روحها التي سقيت بدماء المنافحين عنها. لأن كثيرا من الأفكار التي كانت لها قيمة عند الإنسان، حين تحولت عن سياقها الزمني، ونُسي ذلك المهد الذي ولدت فيه، استحالت وشاحا على صدور المدعين، والمتطفلين، والمتعالين بمناقب الآخرين. فهل يمكن أن يفصل بين الأمس ووضع اليوم.؟ شيء منفر لي عن الإخلاد إلى كثير من الآراء التي تبث هنا، وهناك، وتنشرها أبواق رديئة، وهجينة، لأنها لا تدل على معانيها الحقيقية عندي، وإنما استطال بها دهاة اغتصبوا عذريتها، وسرقوا بهجتها، وصاروا بها سادة يعلمون غيرهم كيف يدركونها، ويفهمونها. وإن تعجب فعجب أن تجد فينا من يحارب التطرف بشراسة، وهو في تركيبته النفسية والاجتماعية ينزف بالإلغاء، والإقصاء، وينبس بالبلاء، والعناء، لأنه يتوسط إلى متعته التي يستزيد منها بادعاءاته المجنونة. والأدهى أن يوقعها بخاتم الإله حتى تكون مطلقة، ومقدسة. فهل ما يدافع عنه هؤلاء يدل على حقيقته.؟ إن محاربة التطرف إذا تحول إلى لغة عند المنحرف في ذاته، فلا محالة، سيكون ضررا على الإنسان، والمجتمع، لأنه سيعتبر كل مخالف له مغاليا، ومتطرفا، ولو كان سويا في فكره، وسلوكه. وإذا زلت أقدامنا في هذا المنعرج الخطر النتائج، فإننا سنصنع مادة التطرف بما نحاربها به، لأن الألفاظ لا قيمة لها، ما لم تكن الذات المعبرة عنها مستوعبة لحقيقتها، وإذا لم نصل إلى مرحلة الالتزام الأخلاقي بما نقوله، فأي معنى لما نتداوله من قيم، ومثل.؟ إن تحول لفظ الاعتدال إلى مصطلح يستعمله المتطرف ذاتيا في محاربة أعداء مصلحته، سيؤثر مستقبلا في تركيب المعاني، وبناء الحقائق، لأن الأشياء في خارجها، ما هي إلا أسماء وصور سمينا بها المعاني المخزونة في أذهاننا. وهذه الأسماء والصور، لا مجال لها في واقعها، ما لم تصطحبها رسوم ونقوش في جهاز إدراكنا. وذلك ما يوظفه العقل بعد الترتيب والتنظيم في صناعة إرادة الإنسان. وسواء قلنا بأن العقل، هو الحاكم، أو الإرادة، فكلاهما يحدد ما نريده، وما لا نريده. وما نريده هو رغباتنا التي تحقق لنا لذة ذواتنا، وتمنعنا من القلق، والخوف، والألم. فنحن شئنا أو أبينا، لا نريد في كثير من سلوكياتنا إلا أن نضيف رقما جديدا إلى سلسلة انتصاراتنا، لأننا نكره هزيمتنا، ولا نريد التحدث عنها، ولو أدى بنا ذلك إلى ارتكاب كل الجرائم الأخلاقية. فالخطر الذي يهددنا، هو الذي يدفع بنا إلى أن نختار قوالب فكرنا، ثم نرتبها، ونبحث لها عن منطق يعضدها، ولو كان تسويغا، لكي نمنح سلوكنا شرعية، واستقلالا، وإذ ذاك نحارب من خالفنا، أو عادانا، ولو اقتضى ذلك أن ندعي أننا نحمي المقدس في حربنا لغيرنا. فالألفاظ في غالب الخطابات الإيديولوجية، ليست إلا فخاخا، أو شراكا، يصطاد بها الدهاة عقول الدهماء، والغوغاء، لكي تلتئم الحشود على الوليمة التي تستنزف فيها المبادئ، والقيم، والأخلاق. فلا عجب إذا كانت كثير من الأفكار الدغمائية وسيلة للاستلاب، والاستغلال، لأن الظروف الاجتماعية التي نشأت فيها المصطلحات المعرفية، قد غابت عن تفاعلات السياقات الراهنة، ولم يبق لها من أثر في الواقع، ولو أثرت معانيها في تركيب الحقائق المتفاعلة أدوارها بين الماضي، والحاضر، لاسيما وأننا في مجتمعات ما زالت رابطتها بالقديم قوية، وعلاقاتها بالحاضر مرتبكة. وهذا التغييب المقصود، قد كان له أثر جلي في أبنيتنا الفكرية، والثقافية، والمعرفية، لأننا بمقدار ما ندافع عن الحقيقة التاريخية، فإننا نهدمها حين لا تكون مفيدة لرغبتنا، وشهوتنا. والعجب أن كثيرا ممن ماتوا من أجل الأفكار، لم يستفيدوا منها، ولم يغنموا بها. فإما معبر عنها، وهو قد ألزم نفسه بالتضحية من أجل مبادئه، وإما منطو على ما في عمقه، وهو قد اكتفى بالتوجيه، والإرشاد. ولذا يموت من أجل الأفكار صنفان: صنف صادق، وسواء كان صائغ فكرة التضحية من أجل المبادئ، وصنف حمل تلك الدعوة، ولو لم يعرف ما يكمن فيها من روح غيرها، فإن كانت الغاية منها هو خدمة مبدأ الحياة الداعي إلى الفضيلة، فإن تلك الروح قد سرت في الكون، وصار لها مقام في الوجود، وإن كانت الغاية منها هو خدمة السياق، والغاية المستبطنة وراء الشعارات المزيفة، فإن تلك الروح قد حرف العقل سبيلها، لكي تكون مملوكة للغايات الحقيرة، والدنيئة. ومن هنا، فإن الفلاسفة الأخلاقيين قد استغرقوا كل أوقاتهم من أجل صياغة هذا الواجب الذي دافعوا عنه بحشاشة أرواحهم، واستنفذوا كل قواهم من أجل إيصاله إلى العقول المتذوقة للمعاني السامية، لكن غاب عنهم أن غيرهم ممن لا يهتمون بهذه النقاشات، والحوارات، قد يؤسسون في تلك اللحظة نفسها لمبدأ آخر يعارض مبدأ الإلزام والالتزام الذي يحاجج من أجله الحكماء، والعرفاء، بل الأغرب أن ما ينشأ في مقابل المعرفة النظرية، له ربط بالجانب العملي المترع بالأحاسيس، والحس المباشر، وصلة بالشهوة، والمصلحة الشخصية. ولذا لم يطق الفلاسفة إلا نادرا أن يصلوا إلى تلك المرحلة التي تجعل المعاني لذة في تحقيق الاندماج الذاتي، أو الشخصي، بينما استطاع غيرهم أن يغمسوا الإنسان في عالم الأشياء الغامضة، ويدفنوا ذاته في مستنقع الملذات الحسية.
وهكذا، فإن المعرفة، لا يستساغ منا أن نبنيها على أحكام القيمة التي تهلل بها كثير من التوجهات الإيديولوجية، ولا أن نرتبها وفق ما يجري به الواقع من تيارات تتنافس الحشد، والجماهير، لأن معيار المعرفة الحقيقية، هو النظر إلى مآلاتها في الواقع الشخصي للمتحدثين بها، فإن وجدنا استواء بين ما يقام عليه الدليل بالمحاججة، وبين ما هو مرغوب من أخلاق احترام الضمير، والآخر، فإننا سنكون قد اقتربنا من خط الفصل بين الطالبين لرشدنا، والراغبين في غينا. إذ إن كثيرا ممن يؤنبون الناس على أفعالهم، لم يستنكفوا عنها لكونها تسيء إلى المبدأ العام للحياة، بل لكون التوجيه ضروريا في وجود هذه الفئة، وإلا، فلا قيمة لهم في الاعتبار، لأنهم ما وجدوا إلا لهذا الغرض، وهو التوجيه للمجتمعات بمقتضى تلك المبادئ التي تعتبر صمام أمان لهم قبل غيرهم، ولو لم يكن لذلك الحرص على الالتزام والتطبيق ظهور صالح في أعمالهم. وهذه الفئة، لا بد من وجودها في حياة السياق، وحراسته، لما تنفخه فيه من روح البقاء، والاستمرار، والتفاعل مع ضرورة الطبيعة، والزمان، والمكان. وهكذا، فإن وجود هذه القوى الدفاعية ضرورية في جميع السياقات، حتى لا تذوب، وتضمحل، وتتلاشى في الهواء. وقد يكون قول فرعون ما في القرآن: "إني أخاف أن يبدل دينكم، وأن يظهر في الأرض الفساد" جارية في هذا المنحى، لأن فرعون كرمز للطغيان، لم يكن يستهدف حماية عقائد بني إسرائيل، وإنما كانت رغبته في حماية جبروته. ولذا، يصير من اللازم في كل سياق إذا أراد أن يضمن اللعب مع قوة الزمان، والمكان، أن يجد أمثال هذه التعليلات، والتسويغات، لئلا يفقد بوصلة الوجود، بل يفرض منه أن يحدث الخوف في بعض الأشياء، والمناطق، والتوجهات، لأن ذلك مما يصنع الهيبة، ويفرض نوعا من السكون، والهدوء، وإلا، فإن كثيرا من الأشياء التي نخشاها، لو فصحت بالمنطق المدقق في الروابط بين الحقائق، فإننا سنعثر على مكن ضعفها، وخللها، لما يحتويه بناءها من تناقض، وتعارض. فإغراق الناس في بحر التخويف، وإرهاقهم بالممنوعات، والمحرمات، مما يمنح كثيرا من الأشياء التافهة قيمة، واعتبارا. إذ لولا ما يصحبها من غموض مثير للقلق، لما كانت سببا في إحجام الناس عن كثير من الموارد الممكنة لهم، وإن استحالت مع التواطؤ على الرعب مستحيلة، وغير محمولة، ولا مقدورة. فلا غرابة إذن أن يتحدث عن المعرفة جاهلها، ولا عن الأخلاق فاقدها، لأن القيام بأمر المعرفة، أو المحافظة على صفاء الأخلاق، إذا استحالت إلى وظيفة برجماتية في المجتمع، لا إلى فضيلة في الذات، أو مسؤولية في الضمير الأخلاقي، فإنها تتحول آليا إلى مستوى آخر من التحريف، والتزوير. فالغرض من المعرفة، هو إنقاذ الذات، والغاية من الأخلاق، هو سيطرة عامل الخير على عامل الشر. لكن حين تفقد هذه المعاني التي يندفع إليها الإنسان بحكم الطبيعة، وتتحول إلى آلية دفاعية في حماية شهوات الإنسان، ورغباته، لا لأجل حماية الذات بالفعل الحر المسؤول، بل لفرض نمط وسياق يكون فيه طرفان متقابلان، السادة، والعبيد، فإنها ستكون محتملة للنفاق، والتصنع، والتكلف. ومن هنا، لا تكون الأشياء حقيقة، ما لم تنبع عن نقاء الصورة في تصورات الذات. وإذا تحولت إلى فرض إلزامي ينتظم به قانون الثواب، والعقاب، فإنها ستصير محلا للاختفاء، والتوري، والتكتم. ولذا، فإن أي نظام سواء معرفيا، أو أخلاقيا، يحتاج إلى قوة تدعمه في الاستمرار، والامتداد. وهذه القوة إن لم تكن نتيجة للسمو الذاتي في الالتزام بالمبدأ الأخلاقي، فإنه يصير لزاما علينا أن نخلقها، ونصنعها، ونقننها، لئلا تفقد هذه السياقات المجارية للحياة مكانتها، ومزيتها، لأن صناعة القوة، كما يتطلبها النظام الذاتي في مكوناته الباطنية، والخارجية، فإنه يتطلبها النظام الأخلاقي في عقوده، والتزاماته. وهذه القوة كما تكون محمودة حين تقوي الضعيف عن الفعل الإيجابي، لكي يصل إلى مرحلة التوازن، والاعتدال، فإنها تكون في مقابل ذلك غطرسة، وتجبرا، وعنادا، ورغبة في الاستعلاء، والاستحواذ. وإذ ذاك لا يحددها مستوى النظام في تحقيق رغبة الأمن النفسي، والاجتماعي، وإنما تحددها نوازع الإنسان نحو الغلبة على الآخر، والانتصار عليه، واستعباده، واستضعافه، واستحماره. ولا عجب إذن إذا تجمعت في الإنسان المتغطرس وحشية الحيوان، وتكونت لديه رغبته في الافتراس، بل لا عجب إذا سوغ ذلك، وطوع له من يطيق من الناس، أو من يقبل بأن يدافع عنه بمهجة روحه، لأن ذم الأشياء في الطبيعة، لا يتأتى إلا من أحد أمرين: إما أنه مذموم ذاتا. وإما أنه مذموم لكونه لا يؤدي إلى محمود في الذات. فلو تألفت قوة الإنسان من قوة السبع، وتلك أمنيته في السطو، والتسلط، ودهاء الإنسان، فإنه سيسوغ ذلك، ويقيم عليه الأدلة، ويبني له منطق الحجاج، لأن تلك القوة مذمومة في العالم الحيواني، لا في العالم الإنساني، لكوننا حين نقارن بين الإنسان العاقل وبين غيره من الحيوانات غير العاقلة، فإننا نمنح هذا الحيوان الناطق والمتكلم قيمة اعتبارية، وننفيها عن غيره. لكن لو حصل ذلك للإنسان المتطلب لحدة السطوة، واستطاع أن يتملك قوة الوحوش الضارية، فإنه لن يذم ذلك فيه، ولو أدى به إلى اعتبار ذلك منحة إلهية. وهنا يجوز لنا أن نقول: إن القوة مثلها مثل سائر المفاهيم، فكما يكون لها معنى في سياق، فإنها يكون لها معنى في سياق آخر. فلذا لا تغري بمجرد وجودها، بل إغراءها في قدرتها على تمثيل ملامحها، وترسيخ حقيقتها. وما حقيقتها إلا أنها تكمل ضعف الإنسان، لكي يتجسد في مظهر التسامي البعيد عن الاغترار، والأنانية. وإذا تجاوزت حدها، تفتقت منها صفة التوحش المفضي بالإنسان إلى الظلم، والطغيان. ولهذا، فإن المعاني لا نكاد نتفق فيها على حقيقة، إلا ودهمتنا وقائع أخرى، تغير اتجاهنا نحو اعتبارها قابلة لمعان مختلفة باختلاف الزمان، والمكان. ففي زمن تكون القوة في نبل الإنسان، وصفائه، ونقائه، وفي زمن تصير هي السعادة التي تحققها الأكاذيب، والأراجيف، والمغالطات، والمداهنة، والمداجاة، والتملق، والنفاق. ولذا، يمكن لنا أن نخلص إلى أن الإنسان تغلب عليه مصلحته، سواء في طوقها الذاتي، أو في طورها الجماعي. والسبب في ذلك، هو أنانيته المفرطة، وحبه للتملك، والتسلط، ورغبته في التفوق، والتميز، وفي ذلك ضرر كبير على الإنسانية، لأن الأثرة تنفي الإيثار، والتجبر يطرد الاعتدال، وكلاهما دعامة قوية في صيرورة المسيرة البشرية. وإذا فقدت هذه المعاني الأخلاقية ماهيتها في التصور الذهني، والصورة الخارجية، فإن المجتمع سينتقل في دورة غير عادية إلى مجتمع متوحش، يكون الأقوى فيه، هو الأقدر على تحقيق سعادته بأنانيته المستعلية.
ومن هنا، فإن أوربا بعد أن اجتازت مرحلة البؤس، والقسوة، وبلغت مبلغا فُقد فيه الأصل الذي انتهى إلى عصر التنوير، لم تجد من سبيل لمواصلة درب حضارتها الفارهة، إلا في إعادة صياغة مقوماتها الفلسفية بما تقتضيه لحظتها الراهنة. وعلى رغم ما قدمه فلاسفة التنوير من مدارات للحضارة العربية، وسواء ما كان منها موقفا إنسانيا، أو حسا برجماتيا، فإنها لم تتخل عن النوازع الذاتية للإنسان، وهو رغبته وحرصه في كل ما يقدس به كيانه، وهويته. ولا غرابة، فإن العقل حين يستحكم قبضته على الأشياء، فمن الطبعي أنه لا يريد أن يأتي من وراء الأحراش شخص يفسد مزاج البسمات، واللحظات، والهبات. فحرص أوربا على رفض التجديف، هو الذي جعلها تتجه نحو صناعة الحضارة الآلة، لا إلى صناعة ذلك الكائن الميتافيزيقي الذي طلبه الفلاسفة بتأملهم العميق، والدقيق، لأنها أدركت في دراستها للإنسان أنه يختزن في عمقه جشعا، وطمعا، وما هي في رغبتها الحادثة إلا جشعة، فخشيت من يقظة هذا المارد في عمقه، ولهذا لم تربط سر صناعتها بهذا الشخص المتغير الأمزجة، والأفكار، والأذواق، وإنما ربطته بجماد الجديد الذي ينصهر في قالب الصانع، لئلا يُفقد منها سر الاستيلاء، والاستعلاء. لكن أنى لها أن تفرح بهذه التراجيديا التي صنعتها للإنسان.؟ لأن فرحتها قد انبنت على إثبات الذكاء للآلة، لا لصانعها الذي أنهك عقله في اختراعها، وإيجادها. وهنا مكمن خطئها الفادح. إذ لولا حرصها على الخلد الذي غنى به تاريخ البشرية فيما أوجده من حروب، وصراعات، لما ألغت دور الإنسان، لكي توجه الآلة مسيره، ومصيره. فالعقل الأوربي كان ذكيا في لحظة التضحية بالدم، دم الفلاسفة، والعلماء، وهو دم مصبوب من دلو النور الأزلي. وكل نور أمده الأزل فينا، فلا يمكن له أن ينتج إلا نورا. فلو كانت عقول آباء الأوربيين نارا، لما انفسح المجال لكل فنان يغني أنشودة الحرية، ويهدي وردة الحب، ويرقص بين الأماكن مطلقا من كل عارض، ويهتف بالشعار بلا خوف يوجعه، ويحزنه. فالنور الأزلي، قد أنتج العلم الذي انتقل فيه الإنسان من الهمجية والبربرية إلى سر الرقم الناظم لغوامض الطبيعة، والكون. لكن العقل الطائش، والسفيه، حين نظر يمنة، ويسرة، فلم ير تلك الوجوه التي كتبت مواثيق الحرية، والعدالة، والمساواة، عدا بأنانيته على المصنع، فالتهمه، وابتلعه، ثم تجشأه في صناعته للأسلحة، والقنابل، وصياغته لعالم يزداد في الأقوياء غني، والضعفاء فقرا. ومن هنا، لا يمكن لعقل صنع القنابل، أن يكون ابنا شرعيا لذلك العقل الفذ الذي استطاع من أول نظرية غيرت عقله، إلى آخر صيحة صاح بها لوثر، أن يغير وجه العالم الأسود القاتم، وأن يزيل القناع عن تلك الوجوه البائسة، وهي تئن من شقائها وراء أسمال الراهب، وأوساق الإقطاعي. وهذا الابن العاق لميراث آبائه، هو من أعاد الإنسان الأوربي إلى معرة الماضي، بعد أن خلق الفسحة للمختنقين من أدخنة مدن انتهت علاقتها بالأرض، واغتصبت رابطتها بالسماء. وهو من أرغم صوت الإنسان على الاستكانة، لكي يخرج هذا المتهدج بين عقد نقصه سويا، فيوضع له البساط، والناس يتباكون حوله، وينتظرون رحمته، عساهم أن يلجوا عالم الله بلا عناء. والأغرب أن هذا الفدم المتهدل أحقر من أولئك الملاحدة الذي لفوا وجه المطلق بغشاء الإنكار لقوانين طبيعته. لأن الملاحدة أنكروا وجود طاقة وراء الكائنات المخلوقة في الكون، بينما هذا الغر يدعي أن الله موجود وجودا عينيا مقابلا في صورته لخلقه، وأن الناس قد انفصلوا عنه، وأن الحقيقة لا يمكن دركها إلا بوسيلة شراح كلمته الأزلية. شيء تافه يدعيه هذا المغتر بمعاجم المصطلحات الخاوية من المعاني السامية. لأن ادعاءه أن الإنسان قد انفصل عن الله، هو أكبر جريمة يرتكبها هذا العقل المتخلف. فأين الله إذا كان منقطعا عني.؟ ومن أنا في حالة انفصالي.؟ سأكون متواضعا مع ذاتي، وأكره عقلي على أن يجلس معي على طاولة الحوار، وأقول له: يا هذا، كيف استطعت أن تركب هذا المنطق.؟ كيف يمكن لله أن ينفصل عني.؟ لو أثبت لي بأنه قد انفصل عني، أو انحرفت عنه، أو ضللت طريقه، فإني سأثبت لك أنك أثبت الحيز، والجرم، وحنطت الإله، وحطمت قانون الأزل في ذاتي. وهل أنا إلا ذرة من هذا الكون، ومن هذه الطبيعة، ومن هذا الوجود، ومن هذه الحياة.؟ لو قلت بأني ذرة تائهة، فقد ألحدت في وصف المعاينة. وإلحادك شؤم على الإنسان، لأن ذرات الكون يجمعها نظام الروح. وهل أنا إلا روح.؟ وهل الروح إلا فيض من الأزل.؟ فأنا إذن روح من الأزل، فلا انفصال لي عنه، ولا تعدد فينا، ولا استثناء في قانون الحقيقة. فإن رأيت هذا حلولا، واتحادا، فأنت لا تعرف مرتبة الله، لأنك صورت في عقلك أنه مادة تنحل في جسمي، وذاتي، وذلك سوء أدب، وقلة وعي، وخبث نظرة. فهل الله كيان محدود حتى يحل في ذاتي، أو يتحد مع جرمي.؟ لو سافرت معي طويلا، فإنك لن تجدني إلا متحولا من مرحلة إلى مرحلة، وفي كل مرحلة أفقد جزءا من كياني، وفي كل مسافة تذوب شمعة أملي. أجل، فكيف يمكن للأزل أن يحل في ذاتي، وهو روح لا مادة له، ولا حركة، وأنا متحرك إلى لحظة تذبل فيها زهرة العمر، ثم أفنى، وأموت.؟ لو عللت هذا بما قرأته من كتب علم الكلام، فإنك لن تقنعني بنظرك، لأن أتفه الحقائق التي لا تعرف حدود الله، هي تلك التي نمطت الإنسان بعقيدة مصنوعة في عقولهم السخيفة، ومعجونة مع إدراكاتهم البسيطة. وهل النتيجة في ذلك إلا ما وصلنا إليه، ونحن يقتل بعضنا بعضا من أجل إثبات هذا الإله الذي له ملامح غامضة، وغائرة، فهو ذو اليد، والرجل، والعين، والكلام، وجوارح مثلي. تالله، لقد أتعبني أن تعلمني ذلك، ثم تقول لي: إياك إياك أن تقع في التصوير، فيزل بك القدم، ثم تكون كافرا، أو مشركا. أجل، إني أكره الكفر، لا لأنه ستر للنعمة، بل لأنه حجاب بيني وبين الله الذي متعني بنفحة من روحه. لكني حين أكرر ما تقول، وأنا أشرحه لطلاب المعرفة مني، وجدت نفسي لا أطيق تصور هذا التناقض. فصعب أن تجسم الله، ثم تقول لي: لا تقع في التصوير، وأنت قد تلفظت بألفاظ لها معنى. فما معنى أن أثبت اليد من غير أن أمر بمرحلة التجسيم، ثم تقول لي: اقفز من هذه المرتبة إلى مرتبة التصديق. هنا اعتمد العقل المؤسس للعقائد منطق سبق التصور على التصديق، بل حرفه حين لم يحترم طريقة نشأة التصديق بوساطة تركيب الصور في المعاني. فكأنك تقول لي تصور فيلا، ولكن لا تجعله فيلا في ذهنك، بل اصنع له صورة تسلم للمعنى بدون دليل. غريب أن أصنع هذه الصورة في ذهني بلا تجسيم، ولا تجسيد، بل يستحيل ذلك في بناء التصورات، والتصديقات، لأن الأشياء التي نصدق بها، لا بد أن نتصورها بصورة حتى تكون مدركة. وما دمنا قد صدقنا، ولم نتصور، فإن ذلك لن يخلق عندي معنى ذهنيا، يمكن له أن يفرض علي قوته في الإرادة، والسلوك. فوصف الله بهذه الصفات، مع احتمالها لما تدل عليه في المبنى، هو تطويع للمعنى، لكي يكون مقابلا لما تريده الذات. ولذا عطل المعتزلة، وكانوا بذلك أقرب إلى العقل، لكنهم حين عجزوا عن وجود محيط يجمع بين الدلالات بلا فقدان معنى الإله لحقيقته، قالوا بتعطيل الصفات، وإثبات بعضها. ثم جاء الأشاعرة من بعدهم، فمزجوا بين المعنى، والمبنى، وقالوا بالتأويل إلى أحد الدلالات التي تدل عليها الألفاظ في اللغة، وكانوا بذلك أجدر باحترام العقل في التقريب، لأن الاختلاف اللفظي في الدلالة على المعنى، يصيرنا بين الحقيقة، والمجاز. فمن فيهما هي الدلالة الحقيقية.؟ ومن فيهما هي الدلالة المجازية.؟ إن محور العلاقة بين اللفظ ومعناه، قد جعل نفي التضمين مهيعا للفكر العقدي المتشنج بالصراعات التاريخية، وحين خشي من ظهور ذلك في الألفاظ الدالة على أكثر من معنى، نفى المجاز، لئلا يعدو دائرة الحرفية. لكن التضمين قد أدى إلى نقاش المعنى المراد أولا، ثم المعنى الثاني التابع له. فهل الألفاظ تدل على معانيها المختلفة بنسبة واحدة.؟ أم تدل عليهما بنسب مختلفة.؟ ولذا، فإننا إذا جعلنا العين في الجارحة أصلا، وأثبنا ما عدا هذا لها بالتبعية، أي بالمجاز، فكيف جعلنا هذا المعنى أصليا، والثاني فرعيا.؟ لو بقينا في حدود التأويل، لكان لأمرنا شأن يذكر في المحامد، لكننا أحجمنا، وقلنا بالتجسيم، والتعطيل، والتأليف بينهما، فلم ندر كيف تطورت القضايا، ولا كيف كانت ثورة الصوفية نارا حطمت الصنم، وأثبت أننا ظل روح الله. وهنا سكت القلم، لأن لإثبات الإطلاق فيما لم نحط به علما، وهو أرواحنا، قد أوقفنا عند نهاية الجدال العقيم، وصيرنا نوحد الله بعد نفي الشريك والند. ولذا، ما من إنسان حاول الوصول إلى مرتبة الإله، إلا وكان هلاكه في تجريب يده. لأن قوتنا في النظام محدودة، وإذا تجاوزناها، احترقنا. وهكذا، فإن الذين فصلوا بيننا وبين الله، لم يكن هدفهم إيصالنا به، بل هدفهم ما نالوه من غبائنا، وحمقنا. وهذا ما وعته الحركة الإصلاحية في الكنيسة، فحولتها عن الدرس العقدي إلى الدرس الفيزيائي، والكيميائي، لكي تدرس الطبيعة، وفاعليتها، وأثرها في بناء الأبدان. فصعب أن ننقل الإنسان من عالم الأديان إلى عالم الأبدان، لأن قصارى العلم في الأديان، أن يكون الله معك، وأن ترى سره وعظمته وعلمه وعدله في كل شيء، لكن علم الأبدان، هو العلم الشاسع المدى، فأنت ما بين شعور وآخر تعتريك أحوال كثيرة، تحتاج فيها إلى مواقف مختلفة. فضبط هذه الأحوال، ومعرفتها، ومحاولة تعديلها بالعقل الذي زرع الله فيه بذرة الإدراك للمحسوس الباطني، والظاهري، هو السبب في ملامسة خيرها، وبركتها، لكن حين فند الإنسان قوة الله فيما نفعل، أنتج الدمار للكون، وللإنسان. فالعودة إلى هذه البساطة في درك الحقيقة، هي المعرفة التي يأتينا بها الزمن. والزمن كشاف، وقد تراكمت التجربة في أوربا، فانتقل الإنسان من دنو إلى سمو، ولكن حين عاد إلى كنيسته، واستمع إلى درس اللاهوت، وانزوى إلى حصن الخوف على الإله، وظن أنه منفصل عنه، وهو يبحث عن إعادته إلى ذاته، وقع ما نراه في واقع مترع بالعصبية، والحقد، والضغينة. فكيف تحول الدرس اللاهوتي الكاثوليكي إلى ساحة الناس.؟ إن البقاء على رحمة المسيح، ونبله، وسماحته، وتضحيته، مما سيجعل أوربا محتفظة على أنوارها التي أضاءت الكون، وكانت مرفأ يفر إليها من يضج من صراخ السيارات المحترقة بالأوجاع المكدودة. فأوربا إذا فقدت المسيح الإنسان، فإنها ستنهي دور لوثر، ولا محالة أنها ستعود إلى بربريتها، ووحشتها. وهكذا في أوطاننا العربية، فإننا إذا أسكتنا صوت نبي الرحمة، وشنقنا ابن عربي وابن الفارض والحلاج والسهروردي وغيرهم، فإننا سنهدم مقامات ذلك الصوت النازف بحب الله، والعشق، والولع، والوله. وإذا ودع الناس هذه القلوب اللطيفة، دعتنا الخشونة إلى إقامة المجازر، والمحارق، والمصارع. وهناك سيكون تاريخ الدين مليئا بالحروب، والدماء. فالأمم كلها تجسد قيم تفكيرها، وإذا وجدت أمة تقتل الإنسان، فاعلم أنها تعودت على لغة القتل في وجودها المادي، والمعنوي. فنحن قد قتلنا منذ ولادتنا، وفي مهادنا. ألم يقتلنا نظام الأسر الذي فأسكت صوت الطفولة، لكي تكون فحولة الأب وقوته سلطة مطلقة.؟ ألم يقتلنا المجتمع حين جعلنا بلا ذوات.؟ ألم يقتلنا كثير مما تعلمناه، أو مما عملناه، أو مما انتظرناه.؟ لقد تعرضنا في كثير من سياقاتنا للقتل، والاغتيال. فلا غرابة إذا أنشأنا القتل في واقعنا، وأبتنا بذرة التعصب في أذواقنا. فأفكارنا تحمل سبة القتل، وأنى لها أن تتجاوزها، وإذا حصل ذلك، جسدنا قيم الذين نقلونا من مسار إلى مسار.
أحيانا أنقض جميع ما يعِن له أنه يشل نظري في تلك الآفاق، فأقول: ما معنى أن يكون لي تفكير، ولكنه مغبون، ومغلول.؟ وما جدوى أن أعرف أشياء، وتغيب عني أشياء، وأنا لا أجد نفَسا فيما عرفت، ولا رغبة فيما لم أعرف.؟ وما معنى أن أشم رائحة بخور الطهر، وأنا أرى نيران تحرق أجساما، وأجساما أخرى تحللت، وأجساما صارت ترابا بلا تركة، ولا ميراث.؟ إن حيازتنا لبعض المعرفة شقاء، لأن تسويغ اليأس بؤس، وإلا، فإن البائسين لو كان لهم صوت نازف بالمناجاة، لارتج المكان بصوت المعذِّبين، والمتألمين. تجولت قليلا بين دروب هذه المعرفة التي نلتها، وأنا لا أحطم فيها صنما حتى يبدو لي رأس شامخ، أحسبه ممتلئا بالفكرة، والعبرة، ولكن ما أن أقف على حافة النهر، حتى أجد صنما أعتى قسوة مما بددت، ونسفت. أصنام كثيرة نصنعها، ونقدسها، ونعبدها، ومن غباء العقل، أن ما يصنعه، هو ما يهدمه. تلك هي لحظة الهدم، وأين لحظة البناء.؟ أحيانا أعتز، وأفتخر، وأنتفش كالعهن، وكأني قد حزت الكون كله، وصرت مطلقا صغيرا في صورة صنم، فأرى ما يراه غيري، وأحس به، وأجد له مذاقا، وسرعان ما أنجرف نحو واد آخر، تعلوه غمامة، أرقب مطرها، وقطرها، ولكنها لم تستجب، ولو استجاب النوء فيها، لعبد الشهوة دون الله. وأحيانا، أمرح بين البساتين بحثا عن أقحوانة أهديها لعقلي، لعله يرى حروفي جواهر، وكلماتي سبائك، ومعانيَّ عادة حسناء، فاتنة، تغري العين، ولكنها تدمي القلب، وتقتل الأمل في العشق الذي صاغه الخفاء بين الجوانح، ثم التوت عليه شرايين الآلة، وانطوت على سره، فلم يدركه إلا أنا في حوزة ذاتي. إنها الحقيقة التي يصنعها الغرور في أحاسيسنا، ومشاعرنا، بل هكذا يصنعنا الأمل، واليأس، وهكذا نفقد الصدق مع الذات، ونضيع طريق مشيها نحو بؤرة المعنى المتفجر من نبع المعرفة الإلهية. فهل كنت صادقا في لحظات يأسي.؟ أم في لحظات أملي.؟ أم في لحظات تيهي.؟ أم في لحظات عشقي.؟ شيء لا أطيق أن أفضل فيه جانبا عن جانب، لأنني أنا المقصود بكل هذه الأحاسيس المختلفة الأوضاع، والمتعددة الأوجاع، فإن فضلت ذا على أولاء، كنت كمن فصل الزرع عن طيب التربة، ثم قال: إن الزرع هو الذي ينتج ذاته.! فأين الماء.؟ وأين التراب.؟ لقد امتلكت كل ذلك، ولكن لو فضلت أرضي على بذرة الزرع في كياني، فلا أراني سأسير في طريق مأمون، أو أخب نحو نهاية جميلة. فإن رأيت النشوة في المعرفة، كنت حقيرا في لحظات هروبي منها، وإن رأيتها في الحقيقة، كنت كريها في وضع خلت الكون بلا معنى، ولا جدوى. فأنا مجموع ذلك، فلا المعرفة تستغني عن الحقيقة، ولا الحقيقة يمكن لها أن توجد بدون قواعدها، ونظمها، وقوانينها. فلا يحق لي إذن أن أفسر ذاتي بسواها، وإلا لما كنت نفَسا، والطرق إلى الحقيقة الأبدية الخالدة بعدد الأنفاس. هذه المقولة خطرة، لأنها قضت على الاستعباد، فلو كان كل واحد منا نفسا كما خلقنا، لزفر به الكون قبل إرخاء نفسه بين الأرجاء. ومن هنا، فإن الأشياء لها معنى واحد، فالذات، والمعرفة، والحقيقة، كل هذه الأشياء موجودة بوجودها في ذاتي، وأنا موجود بها في هويتي، وإذا انفصل فيها شيء، حدث الضياع، والتيه، والفراغ. وحقا، لو أدركنا أننا جرم عظيم، لكفانا ذلك عن كثرة الحروب، والصراعات، والنزاعات، لكنهم لم يريدوها نفَسا واحدا، بل رمونا بين الشعاب، لكي نحشر إلى باب واحد في النجاة من آلام الديار.



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فلسفية 7
- تأملات فلسفية 6
- تأملات فلسفية 5
- تأملات فلسفية 4
- تأملات فلسفية 3
- تأملات فلسفية 1
- تأملات فلسفية 2
- صيد الذكرى
- رسائل إلى السماء الرسالة الثانية 2-2
- رسائل إلى السماء الرسالة الثانية 1-2
- رسائل إلى السماء الرسالة الأولى
- عطر الصباح جنون الكتابة
- عطر الصباح مقالات نافرة، وزافرة
- عطر الصباح وقفة مع كتاب سر الصباح 1
- عطر الصباح وقفة مع سيدي أحمد بن الحسن أبناو في كتابه: سر الص ...
- عطر الصباح تعليق على قصيدة ميثاق كريم الركابي: كانت لنا قضية ...
- عقيدة الكاتب
- إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 2
- إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 1
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 8


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جميل حسين عبدالله - تأملات فلسفية 8