أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - عالم الغرباء














المزيد.....

عالم الغرباء


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 17:57
المحور: الادب والفن
    


عالم الغرباء

دينا سَـليم - أستراليا

دربوني هنا وفي بلاد الغرب والاغتراب، أن أحترم عطلة آخر الأسبوع، يومان كاملان قررت فيهما زيارة جزيرة الأقزام، حيث لا أحد يسأل عن مظهر الإنسان وعيوبه بل عن عمق الإنسان الحقيقي، هذا الكائن القصير جدا يغويني ويسحرني، عقله النابت داخل رأسه الكبير نسبيا مقارنة بحجم جثته المنخفضة جدا، ينبئني بأن قامتي تشيد بقامة المكان الذي رحلت عنه، لكن وللأسف الشديد، لم أستطع العودة لأنني اعتدت على الغربة، فاسمعوا حكايتي.

- ماذا جلبتِ معك من هناك؟ سألني أحد الأقزام
- حملت معي مآسي الدنيا وجئت بها لأبحث عن حلول ترضي الجميع! أجبته

- منذ أكثر من عقدين لم يقترب القمر من الأرض بهذا الشكل الرهيب، يبدو القمر اهليجي الشكل بيضويا هذه المرة، هو يحوم قريبا من الأرض، فمنذ عام 1993 لم يكن بكل هذا الوضوح، يظهر لنا جليا وجريئا لذلك نشعر جميعنا بالحزن والاغتراب! أخبرني بثقة

- هل تريد أن تقول أن اقترابه من كرتنا له علاقة بالهزات الأرضية التي اقتحمت عدة مناطق منكوبة، وهو سبب تشرذمنا وضياعنا وغياب القيم الجميلة من حياتنا؟ سألته ومضيت في طريقي.

مشيت على سطح غطي بالرماد فاتسخت قدماي، قررت أن أصنع طريقا آخر لي فتقاطعت الطرق أمامي، أنا الخارجة من قوقعة الآلام لا أهتدي إلى سطح آمن يأوي خطواتي المتوغلة في عمق الأرق، توقف عقلي عن التفكير فدرت في حلبة مفرغة والقزم يتتبع حركاتي الفارغة بفضول، لم تتفق روحي مع نظراته الحائرة، نظراته تذكرني بأن الصباح قد انتهى!

- هل أنتِ من هؤلاء؟ سألني
- من هم الذي تتحدث عنهم؟ أجبته بسؤال آخر، يصله صوتي المبحوح الذي تغيّر بسبب تبدّل المناخ.
- المنفيون من أنفسهم؟ قال

ضحكت ضحكة بلهاء هزّت أعماقه، ارتجف بطنه المنتفخ ورفلت عيناه، استطاع أن يتخلص من صوتي عندما وضعه في صندوق قديم كان يحمله، هل سيضع روحي التائهة هناك أيضا؟ سألت نفسي وأنا أصرخ مجددا، ملأت الكون صراخا ثم عدت كالمهزومين لأمتثل أمامه، ومن فوق، نظرت إليه وهو غير آبه بي، لقد استطاع أن يلملم صياحي هذا المخلوق، ابتعد فلحقت به، وعندما طلبت منه أن يعيرني حذاءه قتله الضحك مجددا، انطرح أرضا وبدأ يتلوى مثل الأفعى التي فقدت ذيلها، إنه يستهزئ بي هذا المسخ السعيد، شككت بمصدر سعادته وهو لا يملك من حيل الدنيا سوى بعض سنتمترات تمنح لقامته العرجاء استنشاق بعض الهواء، قال:
- عقلك متوقف عن الحياة!
- أغلق صندوقك وأوصد نباحي داخله إذن! قلت له بعصبية ظاهرة
- العقل لا ينشط إلا بالحب، فموعدك مع الجمال لم يحن بعد، أنت تكرهين أكثر مم تحبين لذلك تشعرين بالغربة، أحبِ، فحينها ستكونين على موعد مع الحياة! قال
- عقلي دائم التجدد ولا أملك وقتا للمحبة، لا أحد يحب أحدا الآن، الكل يدوس على الجثث ويفتخر بقوته، الحب ضعف والكره سيادة!
- لماذا أنت هنا في جزيرة الأقزام؟ سألني محاولا احراجي
- الوقت هنا يملك هوية وللمطر لغته، من هنا أستطيع تنظيم طريق العمر، قلت لنفسي ربما هناك في الأفق البعيد تتضح الأشياء وتظهر الحقيقة، لذلك أتيت!
- لذلك نزلتِ من كوكبكِ إلى آخر مكان في الكون؟
- هل هذه آخر المحطات؟ سألته متخوفة
- نعم ولم يبق سوانا من البشر هنا، هلا تشاركنا الحياة؟ هيا بنا نبني صندوق سيدنا (نوح) معا؟
- هل تنوي بناءه فعلا؟
- نعم، لأن النهاية باتت وشيكة!
- لنفعل ذلك معا إذا، سوف أساعدك فقامتي تساعدني على فعل الأشياء الصعبة!
- ومن قال لك أننا سنفعل ذلك معا، وبما أنكِ بدأتِ ومنذ بداية علاقتنا التي لن تستمر، بمعايرتني بقصر قامتي، كيف لنا العيش معا في صندوق واحد، دورة القمر الثانية ستكون سنة 2029، لن أستطيع تغيير معتقداتك السيئة خلال هذا الوقت الوجيز، من الأسهل تغيير وجهة القمر، فربما يصطلح حالنا جميعا وتعودين أنتِ من حيث أتيت... لن تأتي معي لأننا لن نتفق أبدا!
- يا لهذا الوهم الذي كسا عقل الإنسان مثل الوباء، كل يتوهم بتصليح الكون وذلك حسب معتقداته، فما يعانيه البعض من نواقص ونوازع لا تناسب أهواء الآخر، يا لهذه الأنانية، إسمع أيها القزم الواهم، هي ثلاثة حلول لا غير، أو تصبح مثلي أو أصير أنا مثلك، أو يغادر أحدنا الآخر المكان. أجبته بحزم وقسوة
- سأتركك وأذهب إذن، هذا هو الحلّ الذي يرضيني!
- إلى أين تذهب وتتركني وحيدة هنا في عالم الصغار، أقصد عالم الأقزام مثلك؟
- وتجددين الإهانة؟ لسنا صغارا يا صاحبة القامة الممشوقة، بل أقزام ونفتخر.
- لا تذهب، لا تتركني وحيدة هنا أرجوك، ثم كيف نفترق ونحن فقط الوحيدان الموجودان في الكون الآن، لنتدرب كيف يتقبل بعضنا الآخر، وربما ...
- صهِ، كفى، سأزور جزيرة العمالقة أولا، هناك أصير عملاقا وأنتِ ستصبحين بالنسبة لي قزما صغيرا، وسألتقط القمر بيدي هذه المرة رغم قصر قامتي، وسأبدل اتجاهه لكي يستقر الحال بالبشر، يجب أن أفعل شيئا لأن العاديين لا يجدون الحلول لمآسي البشرية.
- إذن ستتبدل من قزم لتصبح عملاقا، وستجد الحلّ وستبدل القمر؟ قلت له ساخرة

لم يأبه، تركني وحيدة وذهب لكي يلتقط القمر بيده، ليكن، ليفعل ما يريده، جميعهم صامتون، ينظرون إلي بصمت مخيف منذ حضوري إلى جزيرتهم، لقد تحولوا إلى صخور، يا ترى ما الذي يخططه الأقزام الآن، قدماي تؤلماني فلم أعتد على المضي حافية، ثم أحذيتهم لا تليق بمقاس قدمي، تهت في المكان ولم أستطع العودة، يا إلهي لقد تحوّلوا إلى أصنام فعلا، وصديقي تخلى عني وأخذ صندوقه معه، صندوق العجب، ولم يظهر القمر في السماء!

جميعنا غرباء، تلفنا الغربة كرداء أبدي لا يهترئ، وسنموت أغرابا مثل الغربان.



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن رواية -الحلم المزدوج- لدينا سليم: سيرة عن هجر الوطن وأوجا ...
- دبابيس
- هلوسات يوم حار
- الفأر الأكثر حظا
- لا أترك البحر وحيدا
- المحبة والكراهية – مرضان سيئان
- شذرات - ابواب
- قلب العقرب
- رأس الذئب
- ثلاث مشاهدات وربع
- المدينة هيكل من ملح
- جارة حاقدة أيام الطفولة
- دينا سليم في رواية (جدار الصمت)
- الحرية نبيّ قادم
- عندما يصبح عالمنا بلا خرائط
- قصص قصيرة
- تغطية احتفال توقيع
- أحلام ملفقة
- شجرة الجوز والطوفان
- مستحيل يا غسان


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - عالم الغرباء