أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الإنسان الطيب














المزيد.....

الإنسان الطيب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5069 - 2016 / 2 / 8 - 21:03
المحور: المجتمع المدني
    


أجولُ الآن بين مقابر أجدادي الفراعين بالأقصر. أتوقفُ أمام الرسوم بألوانها المشرقة العصية على الزمان. أتأملُ أقوال السَّلف الطيب وأذاكر كلماتِهم وأفكارَهم لكيلا أفقد بوصلتي في الحياة. أودُّ أن أحافظ على براءتي مهما تكاثفت طبقاتُ الشرور من حولي. أرددُ مع صدى أصواتهم في بهو المعبد: “أنا لم أتسبب في دموع إنسان. أنا أحترم الحيوان ولا أهينُه. أنا لم أعذّب نباتًا بأن نسيت أن أسقيَه. أنا لم ألوّث مياه النهر، ولم أوقف جريان الماء. أنا أُعمّم السلام. أنا أنشر الفرح. أنا أتسامحُ. أنا أعطفُ. أنا أعشقُ الكلَّ. وأنا أحيا بالحق. لهذا كلّه أستحق البعثَ والخلود.” هكذا يقول المتوفى أمام المحكمة الأوزورية في حضرة الملك أوزوريس والاثنين وأربعين قاضيًّا الذين يقررون إن كان الميتُ سيذهب إلى الفردوس والخلود أم إلى دار الفناء والعذاب، لكن ليس قبل أن تختبر "ماعت" ربّةُ العدل إن كان المتوفى صادقًا في اعترافاته بعد وضع قلبه على إحدى كفّتي ميزانها مقابل ريشتها، ريشة الضمير، في الكفّة الأخرى لتشهد إن كان قلبُه خفيفًا من الآثام، أم مُثقلاً كان بالشرور. آمن أجدادُنا بما حفروه على جدران معبادهم ومقابرهم: “إينما أحببتَ كلَّ الناس، أعطاك اللهُ الحياةَ الأخرى.” ولأنهم يرومون الخلود، نفّذوا الوصية، فصنعوا أرقى حضارات الأرض وشكّلوا فجر الضمير الإنساني. ولكن، كيف يمكن لإنسان أن يكون طيبًا ومحبًّا للآخرين، وسط مجتمع قاس لا يرحم؟ كيف يمكن أن يكون الإنسانُ خيّرًا في مجتمع تحكمه قوى الشرّ دون أن يُصفع ويُنكّل به؟ لماذا تسودُ الشرورُ العالم إلى درجة جعلت الملائكة تنزل على الأرض لتبحث عن إنسان واحد طيب يؤكد للسماء أن وصاياها لم تضع هباءً؟! هنا تذكّرت صوتَ عظيمة المسرح "سميحة أيوب" وهي تحاكم الآلهةَ بصوتها الهادر في مونولوج كتبه الكبير "صلاح جاهين" في فصحى رائقة توّجت مشهدَ الختام في مسرحية "الإنسان الطيب من ستشوان" ل بريخت.
"إنسانُكم الطيب هو أنا. أنا شنتيه وشيوتاه معًا. مشيتُكم أن أكون طيبة، وفي الوقت نفسه أظلُّ أعيش. مشيئتكم هذه شطرتني كما الصاعقة إلى نفرين. أنا لستُ قادرة أن أفسر مما حدث سوى أن صنعَ الجميلِ لنفسي وغيري معًا لم يكن ممكنًا. وخدمةَ الآخرين ونفسي، بدتْ غايةً في الصعوبة. ألا أن عالمَكم مستحيلٌ بكلِّ ما فيه من ناقصاتٍ وكلِّ ما فيه من تعجيز. ذراعٌ تُمدُّ للجائعين تُعضُّ وتُنهشُ من فورها. ومَن يمنحُ العونَ للضائعين. يضيعُ بدورِه. ومَن ذا الذي يستطيعُ التروّي. وكبحَ جماحِ الغضبْ، وبالقربِ منه يموتُ الجياع؟ ومن أين كنتُ أدبّر ما ينقصُ الُمعوَزين سوى من كياني أنا؟ على أن ذلك كان السبيلَ إلى عثرتي. فثِقَلُ وصايا السمواتِ غطّسني في الوحول. فلو أنني دُستُ فوق التعاليمِ لاختلتُ في مِشيتي. وأكلتُ لحدِّ الشبع. هنالك شيءٌ بعالمِكم أيها النيّرون غلط. لماذا يفوزُ الجُناة بحُسن العواقب. والخيرّون لهم كلُّ هذا الشقاء؟ فمذ نزحتني ضمنَ مياه المراحيضِ أُمّي، بفعل التبنّي، نشأتُ ولي نظراتُ تشقُّ الحُجُب، ورقّةُ قلبٍ تجرُّ عليّ الألم. وفي البَدء كنتُ أحسُّ بغضبةِ ذئبٍ لمرأى التعاسة. ولكن رويدًا رويدًا شعرتُ بطبعي تحوّل. وصارت شفاهي حازمةً صارمة. وأصبحَ طعمُ الكلامِ الرحيمِ بحلقي مُرًّا كطعم الرماد. على رغم هذا فقد كنتُ أسعدُ لو أنني صِرتُ حقًّا ملاكَ العشش. فمازال لي بهجةٌ في العطاء. ومازلت ألمحُ وجهًا ضحوكًا. فأسبحُ بين السُّحُب. خُذوني بذنبي. فكلُّ جريمةٍ اقترفتها يدي كنتُ أبغي بها معونةَ جاري وحبَّ حبيبي. وإنقاذَ طفلي من النومِ دون عشاء. أجل أيها الآلهة. لقد كنتُ شيئًا شديدَ الصغر. أنا الكائنُ البشريُّ الضعيف. أمام مشاريعِ حضراتِكم.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي | كلاكيت ثاني مرة
- إلى الشيخ الحويني .... قنصُ العصافير من وراء الحُجُب
- وأنتم اللاحقون!
- عن النقاب سألوني
- قضية ازدراء جديدة | مَن الذي روى الرواية؟
- ميري كريسماس رغم -غلاستهم
- لا تخرج قبل أن تقول: سلاما
- أنتم تحاكمون الخيال 2/2
- اعتذارٌ رسميّ لأقباط مصر
- شحاذ العمّ نجيب
- مذبحة 2016
- أنتم تحاكمون الخيال!! 2/1
- شجرةٌ صنوبر وشيءٌ من الفرح
- دبي الجميلة.... سلامتك!
- أسوأ صورة في 2015
- قُبلةُ حبيبي
- الموءودة
- كيف قرأ الغيطاني الخديوي إسماعيل
- مثل الزهور سرعان ما يذبل
- شهاداتُ الفارس محمد أيمن


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - الإنسان الطيب