أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام عبود - السّدُّ الموصلُ














المزيد.....

السّدُّ الموصلُ


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5067 - 2016 / 2 / 6 - 15:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين تعبير "سدّ الموصل" وتعبير "السّدُّ الموصلُ" علاقة رهيفة، قوامها زيادة ألف ولام في المبنى. أمّا في المعنى فالاختلاف عظيم، يشير الى علاقة موغلة في الخراب من حيث الدلالة والأثر. علاقة أبعد كثيرا من اختلاف في التعبير أو التوصيف. عند تمعّن هذه العلاقة جيّدا نكتشف أنـّها تعبّر عمّا هو أبعد من حدود سدّ، ومن جغرافيّة مدينة أو محافظة أو طائفة أو عرق. إنـّها تلخيص تام، تاريخيّ وفنيّ وتنقيبيّ، لحقيقة ما يحدث في العراق كلـّه، من أقصاه الى أدناه، طوليّا وعرضيّا، أفقيّا وعموديّا. فما يحدث لسدّ الموصل وما حوله، ليس حدثا معماريّا خالصا، وليس حدثا سياسيّا محضا، وليس مشروعا عسكريّا بحتا. إنـّه واقع أكثر إظلاما من ذلك بكثير. العراق، الذي نزلت عليه الحروب مثل غضب ربّانيّ لا نهاية له، العراق الذي نُهب وسُلب وأهين ودُمّر واستبيح على يد القاصيّ والدانيّ، تُعاد صياغته أخيرا ليس كوطن، وإنـّما كعنوان لمدوّنة سرديّة ناجزة المغزى، كخلاصة لغوية وجوديّة، مكتملة التعبير، ستدخل تاريخ الأمثال والعبر، باعتبارها أمَرّ وأفدح وأقسى العبر والمغازي.
ما يحدث، طبقا للروايات الغزيرة المتسارعة، التي تنهال علينا كلّ دقيقة، من كلّ حدب وصوب، عقابٌ إضافيّ، تكميليّ. كأنـّنا لم نشبع بعد من ويلات الغزوات والنكبات والدماء، حتـّى بتنا لا نفرّق بين الحقيقة والخيال، بين الدجل والتطمين، بين حفر الآمال وحفر القبور والخنادق.
لماذا نحن يا عليم! لماذا تـُمعن في الانتقام منـّا بهذه الطريقة الخالية من الرحمة؟
يا عليم! أخبرنا لماذا بدأت حكاية سدّ الموصل بالترابط مع مشاريع حفر الخنادق الأمنيّة "الوطنيّة" على الأرض: خندق كردستان الكبرى، وخندق بغداد الكبرى، وخندق الموصل الكبرى؟ لماذا هذا التزامن العجيب، يا عليم ويا ستـّار؟
حكاية سدّ الموصل تضعنا أمام حالة مصيريّة، استثنائيّة، مركـّزة، موغلة في الغرابة والبشاعة والنذالة، ينتقل فيها التعبير السياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ من فعل دموي على الأرض الى رؤيا أسطوريّة، وتنقلب فيها المعاني من دعايات تخويفيّة حربيّة، أو تسويقيّة تجاريّة، أو تضليليّة سياسيّة، الى تداعيات خياليّة أسطوريّة. وحينما أقول أسطوريّة، أعني أسطوريّة بالمعنى الحرفيّ لكلمة أسطورة.
تداخل الاقتصاد بالعهر السياسيّ، وتداخل الأنانيّة المصلحيّة بموت الضمير، جعل جوقة البارزاني تحبـّذ استقدام المعماريّ الأميركيّ المنقذ، مصحوبا بقوات أرضيّة أميركيّة، وجعل المجموعة الحاكمة تفضّل معماريّا إيطاليّا، ممثـّلا بمجموعة «تريفي»، مدعومة بقوات الناتو، بينما آثر النجيفيّ الشّهم استقدام معماريّ تركيّ، مسنودا بالقوّات التي تتخذ من بعشيقة رأس حربة.
بائعو الوطن يتفنـّنون في طرق احتقار شعبهم، وفي ابتكار أساليب النضال الناجعة، الرامية الى تهديم البيت العراقي على رؤوسنا.
نحن إذاً لسنا أمام تصعيد عسكريّ لقوّات أجنبيّة متعدّدة، أو تصعيد اقتصاديّ، ممثـّلا بصراع الشركات الناهبة. بل نحن أمام تحدّ خرافيّ، أمام سدّ مأرب جديد، سدّ أخلاقيّ وروحيّ وثقافيّ ووجوديّ يُراد هدمه، لكي يتفرّق بعده العراقيّون أيدي سبأ.
هنا ولدت الحكاية. وهنا تـُبعث الأسطورة.
سدّ الموصل، هو جسر الحياة، الذي يُوصل شرايين الموصل بأوردة البصرة. إنـّه الخارطة الروحيّة والعاطفيّة للعراق الواحد، المترابط. وسواء أكان انهياره خرافة ودعاية ابتزازيّة، أو حقيقة علميّة، أو أنـّه قرار إرغاميّ يُراد صناعته بالقوّة، فإنّ المغزى النهائيّ هو المعنى الأسطوريّ، لا غير.
العراق على شفا انهيار مروّع، سيجعل من أبنائه مضربا للمثل، تتناقل ذكره الأقوام على مرّ العصور.
إنـّه مأرب جديد.
مأرب عصر الفضائيّات والحروب الجويّة، مأرب يُصنع أمامنا لبنة لبنة، وكلمة كلمة، وصورة صورة.
وإذا كان سدّ مأرب ما قبل التاريخ قد اختتم سيرة أقوام مُزّقت شرّ ممزّق، سادت ثم بادت، ولم تترك وراءها سببا معلـّلا للخراب سوى خرافة الفئران، التي نخرت قاعدة السّدّ، فإن حكاية سدّ الموصل تضعنا أمام فجر جديد لسلالة الجرذان التاريخيّة ذاتها.
حينما نتأمل "حيونة" هذا الكائن المسمى بالإنسان، الذي رأى أن الفئران، وليس شرهه وسفهه ووقاحته، كانت سببا في انهيار سدّ مأرب! فإننا ندرك فورا أن الأسطورة الجديدة:"سدّ الموصل"، لا تملك أسبابا كثيرة أيضا للخراب، سوى الجرذان. جرذان قـُيـّدت علامة تجاريّة مسجـّلة باسم داعش هذه المرّة. جرذان عاقـّة، آبقة، يحاربها الجميع من دون استثناء: يحاربها من خلقها، ومن درّبها، ومن موّلها، ومن احتضنها وفتح لها ممرات مدنه وممرات عقله وروحه، ومن سعى بغبائه وفساد ضميره الى تحويلها قوّة عاتية تنخر قلب الوطن، ولا يُستثنى من الجريمة حتـّى من وقف بأنانيّة الجبناء، متفرّجا على ظهور أنيابها، غير مبال بخطرها. الجميع من دون استثناء، الطيـّبون والأشرار، ذاهبون الى مقاتلة جرذانهم، التي خلقوها بأنفسهم، لينخروا بها أسس الوطن.
أيّها العراقيـّون: لكي لا تتفرّقوا أيدي سبأ، ولكي لا يبتلعكم سيل العرم، ولكي يبقى سدّ الموصل السّدّ الموصل الى القلب، الذي يربط الجبل بالبحر، لا منقذ أمامكم سوى ملاحقة واصطياد الجرذان الحقيقيّة، جرذان الأحزاب، جرذان الكتل السياسيّة، جرذان العمليّة السياسيّة اللصوصيّة، سواء أكانوا جرذانا دينيين أم مدنيين، ملحدين أم مؤمنين.
هولاء هم جرذان الخراب العظيم وخزانه الأبديّ، الجرذان الذين سيطردونكم من الجنتين، ويجعلونكم أيدي سبأ.
# # # #
وأنتم، أعني بكم سياسيّي الكتل والأحزاب المؤسّسة لنظام اللصوصيّة الجماعيّة، عاطلي الضمير: داعش وأردوغان من أمامكم، والسعوديّة والأميركان من خلفكم؛ إيران القويّة من شرقكم، والأردن اللئيمة من غربكم! العالم كلـّه فوقكم، وأنتم في قعر العالم. لا أحد يحمي مصالحكم سوى الفساد الجماعيّ، الفساد التفاعليّ، الفساد التعبويّ، الفساد الديموقراطيّ المؤمّن دستوريّا، الفساد التكافليّ.
تآزروا! اتحدوا! وهبّوا هبّة رجل واحد لحفر خنادقكم الصغيرة والكبيرة، ثمّ عجـّلوا بهدم سدود الوطن!



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النخلة: عقلنة النص الديني، الجزء الثاني والثالث
- النخلة بين الدين والأسطورة، الجزء الأول
- جائزة نوبل: نظرة من خارج السرب (سفيتلانا ألكسيفيتش في الميزا ...
- يوسف يخربط اللعبة
- مجنون نخلة
- زبالة بالنكهة اللبنانيّة!
- السيستاني يعلن الثورة العلمانيّة
- ثورة -كلشي وكلاشي- المدنيّة الديموقراطيّة
- التقشّف، أكذوبة اللصّ العراقيّ الجديدة
- لا حياد في بيروت
- عيشة بنت الباشا: ملصّقة شهويّة استدراكيّة
- العراق: معركة المصير الأخيرة - رسالة الى المقاتل العراقي وال ...
- مهزلة البحث عن داعش في متحف الموصل
- راشد الغنوشي وجائزة ابن رشد
- الاحتلال الجوّي: تعميم النموذج اليوغسلافي
- الحاكم فرداً وقائداً: المالكي نموذجاً
- خفايا هزيمة الجيش العراقي في الموصل: مؤامرة في المؤامرة
- العراق على حافة الهاوية: جذور الانهيار
- الإعلام اللبناني بين التعازي وتفخيخ الجثث
- الوظيفة التربوية للاعلام السياسي اللبناني


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام عبود - السّدُّ الموصلُ