أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد شمو - عودة الوعي














المزيد.....

عودة الوعي


عماد شمو

الحوار المتمدن-العدد: 5066 - 2016 / 2 / 5 - 22:28
المحور: الادب والفن
    


عودة الوعي
كانت ضربة الكرباج قد غيبته عن وعيه ,شعر ببرودة السوط اولا , ثم انقلبت الى نار جهنم تلسع لحمه ,سقط على جسدها العاري وهو يتلوى ,كان في العادة يكتفي بقبلات سريعة ,واحضان شهية ,يلحم جسده بجسدها ,يمجه يمينا وويسارا ,ثم ينتهي ,لكن هذه المرة اراد المزيد ,عبر حدود الشهوة الى ما بعدها ,لم يقاوم شبقه ,ولم يحاول ,انتفض وفض كل ما وجده امامه .
لم ينسى شفيق ذلك اليوم ابدا ,قبل 50 عام ,كانت الندبة على ظهره تذكره يوميا بوالده عمده الكفر ,كان يتساءل يوميا ,وهو يتحسس الجلد المتيبس على ظهره ,كم كان سوطك قاسيا يا ابي ,تجول في خاطره تلك الفلاحة المسكينة ,والماء ينهمر على جسده ,ماذا جرى لها وكيف كانت عقوبتها ,كانت الصورة القاسية لوالده لاتفارق خياله ,كان يتخيلها عارية الضهر وهي تضرب بالكرباج ,صراخها يملئ المكان ,دموعها تتطاير في الهواء مع كل ضربة سوط يمزق لحمها ,كان يشعر بالاسى لها او يتظاهر بذلك ,ينهي حمامه اليومي بغسل ذنوبه تلك ,وواضعا كل اللوم على العمدة و قسوته.
كان قد نسي اسمها ,لكن ملامحها كانت مبصومة في ذاكرته ,كما بصم الكرباج على ظهره ,لا يزال يتذكر القطار الذي حمله الى المدينة ,التي كرهها كثيرا ,كما كره اباه ,لعن الشيطان حينها ,لانه لم يجرء ان يحتقر ذاته .
تبدل شفيق مئات المرات الى ان استقر كانتهازي يهرول خلف منصب رفيع في الحكومة ,توفر لزوجته لقب اكثر رفعة .حرم الوكيل اصبح لا يناسب غرورها ,كانت تصبوا الى لقب اكثر رفعة ,حرم الوزير ,او حرم رئيس الحكومة ,كان ذلك فقط يرضي طموحها ,كان لها الحق في ذلك فهي من انتشلته من القاع ,والقاع في المحروسة ممتلئ باصحاب الشهادات وغيرهم ,كانت تعتبره محظوظا بزواجه منها ,لم تعيره بذلك ابدا ,لكن نظرة منها كانت كافية ,لتذكره بما كان وما اصبح عليه.
كان في ذلك الصباح يقدم وجبة نفاق عادية لمدير مكتب الرئيس ,طمعا في تحقيق رغبات زوجته ,اهمل المسؤول كلمات المجاملة تلك وعاجله بجملة واحدة , كلمات قليلة جدا ,اسقطت شفيق بالضربة القاضية على الارض ,احاله الرئيس على التقاعد . اصيب بجلطة دماغية ,كان قلبه يضخ الدم بقوة لم تعد تتحملها شراينه الضيقة بالدهون ,اصابته لم تكن قاتلة ,لكن خيبة الامل اصابته بالحزن ,لم يصدق ما سمع ,ماذا سيقول لها .
كان كل ما يشغل باله الان هو الوقت الذي سيقضيه في البيت مع زوجته ,تفنن في التهرب منها ,بدأ يجتر التاريخ ,من اليوم الذي طرد من قريته ,ثم هروبه الثاني الى القاهرة ,كلية الاقتصاد ,حتى وصل الى اول لقاء له بزوجته ,كانت من عائلة برجوازية غنية جدا , طموحة جدا ,حددت اهدافها مسبقا ,هذا ما ارعبه في البداية . هو من النوع الحالم الى حد الكسل , لا ابالي ,وهي كانت قوية ,تعرف ما تريد ,والى اين تريد الوصول . بعد زواجهما ,مرت الايام مسرعة ,نسي فيها قريته واهلها ,لم يبقى الا حوالة النقود التي كانت تصل من والدته ,شاحت عنه ملامح والده ,غابت عنه شخصيته ,هل كان يتعامل مع الجميع بقسوة ,يركز لوهلة لكنه لايستطيع ان يتذكر حالة معينة عن قسوته مع الناس ,على العكس من ذلك استطاع استرجاع الكثير من حالات عطفه على الفلاحيين ,تذكر باحة بيتهم الذي لم يكن يفرغ ابدا من المحتاجين. طوال فترة زواجهما لم تشجعه على زيارة اهله ,وهو لم تكن له رغبة بذلك ,كان قد دخل في دوامة الحياة ,كانت تطحنه احيانا وترفعه احيانا اخرى ,بعد وفاة والدته تلاشى كل ما يربطه بالماضي .لكن بعد مرضه ذاك , اصبح الماضي يطارده ,ازعجه كثيرا ,وافرحه في نفس الوقت ,كان كمن صحى من غيبوبة طويلة ,شعر بانه لا ينتمي الى هذا المكان ,لم تكن هذه احلامه , ولم يكن هذا طموحه ,هو لم يخطط لذلك , اه,كيف خطفتني السنين ,اين غاب عقلي وكيف غاب
كان ينجر بلا وعي الى القرية ,ويتسائل من جديد ,ماذا جرى للبنت الفلاحة تلك ,هل كان المجتمع قاسي عليها ,كيف تحملت العيش هناك بعد الفضيحة ,اسئلة كانت تحرمه النوم .بحث عنها كثيرا ,اراد الوصول الى حقيقة ما جرى في اليوم التالي ,اراد تاكيد اوهامه عن قسوة ابيه ,لعله يرفع عن كاهله القليل من الشعور بالخسة والنذالة ,واخيرا عرف مكانها من العمدة الجديد ,كانت تعيش في نفس المدينة التي نفي اليها اول مرة ,تبيع الخضار في السوق الكبير .
راقبها اياما عديدة ,اشترى منها الكثير ,كان يامل ان تتذكرته ,تنهره ,تعنفه ,كانت عجلة الحياة قد سحقتها كما سحقت غيرها ,يلملم افكاره ,وهو يراقبها تلمل ماتبقى من بضاعتها ,يساعدها شابا في عمر ابناءه ,قد يكون ابنها ,لكن هل من الممكن ان يكون ابنه ايضا ,يتسائل ,ثم يبتسم للفكرة ,سيكون اول شئ فعله بارادته ,شعر بكيانه لاول مرة ,كان من الممكن ان يكون رجلا يتحمل المسؤولية , زاد ذلك حنقه على ابيه ,لكنه لم يستطيع ان يكرهه بعد الان ,مضى وقت طويل لذلك . كان اندفاعه من نشوة الفكرة ,جعلته يسرع اليها ,لعلها تؤكد له رجولته ,دقائق طويلة ثم يرجع مكسورا ,خائبا ,سمع ما لم يسره ,كان والده العمدة رقيقا وعادلا معها ,كانت ضربة الكرباج على ضهره حماية لها ,صيانة لشرفها ,كان كريما معها ,لم يتركها لغوغائية المجتمع ,زوجها من احد حراس شيخ الخفر ,حتى الولد لم يكن له نصيب فيه ,ولدته بعد سنين من زواجها .
اعاد ترتيب الاحداث من جديد , يكتشف ذاته , شعر بالاشمئزاز , عاد مسرعا الى بيته ,يرمي بنفسه على المقعد ,ينظر اليها بخنوع معتاد , تساله ان كان قد اخذ الدواء ,يكتفي بأيماءة صغيرة من راسه .



#عماد_شمو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة - احلام حقيقية
- هناء


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد شمو - عودة الوعي