أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فاهان كيراكوسيان - ثورة الخفافيش















المزيد.....

ثورة الخفافيش


فاهان كيراكوسيان

الحوار المتمدن-العدد: 5065 - 2016 / 2 / 4 - 10:41
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    



قبل اجتياح هذا الطوفان المعلوماتي الذي جرف روح الإنسان إلى الوديان و المنحدرات الخطيرة، كان الناس يتزاورون ( يتبادلون الزيارات )، يتسامرون، يسهرون بعضهم عند بعضهم الآخر، و خلالها كانت الأماسي تتحوّل إلى شبه منتديات، فَ كنتَ تسمع القصص و الروايات، و الأغاني، و الأمثال و الحِكَم. أمّا في البيت الواحد، فَ كانت الأم في أغلب الأحيان، هي الراوية و الحكواتية، حيث أنها كانت تقصّ علينا من خيالها و ذاكرتها البريئة ما تيسّر لها من قصص و حكايات دينية، خيالية، رمزية، حقيقية، فَ القصص و الحكايات التي سمعتها من أمي و أبي، كان فيها الكثير من الرمزية و الحكمة، فَ مثلا قصة آرو و النهر، ملخّصها. أنّ النهر يتحدث من خلال خرير و هدير مياهه، و هو ينادي كل يوم قائلا: انقضى النهار و لم يأتِ آرو، انقضى النهار و آرو لم يأتِ، و تفسيرها حسب أمي الحبيبة، هو أنّ النهر لم يستطع النوم ما لم يأخذ ضحية، أي أنّه لن ينام دون أن يغرق أحدا في جوفه، و الحكمة من ورائها، هي أن نبتعد عن النهر و أن نكون حذرين حين الذهاب إليه. و في واحدة أخرى، في بداية الربيع كانت تقول لنا: مَن يذهب في الصباح الباكر إلى المرج و يغسل وجهه بِ الندى المتكاثف على العشب الأخضر، فَ إن وجهه سيبقى دائما نضرا، نقيا و جميلا، و الحكمة منها هي أن نتحلى بِ النشاط و الحيوية و حبّ الطبيعة. أودّ هنا أن أذكر واحدة من روائع تلك القصص و الأمثال التي نحن بِ حاجة ماسة لِ التفكّر فيها، و هي الآتي: كانت هناك مجموعة من الطيور تعيش في أحد الحقول حيث الطعام و الشراب، و لم يكن ثمة ما يعكّر صفوة الحياة، و كان هناك طير ماكر يريد الاستحواذ على الحقل، فَ عَمَدَ إلى تسريب شائعة بين الطيور، مفادها، أنّ هناك امتيازات سوف تحظى بها الطيور التي سَ ترتدي حلة زاهية جديدة مختلفة عن التي نرتديها الآن، و مَن يريد الفوز بها، عليه أن يخلع ثوبه هذا لِ يكون جاهزا غدا لِ ارتداء الثوب الجديد و معه الترقية المميّزة. راحت فصائل الطيور تتشاور فيما بينها بَ خصوص الشائعة، فَ كانت النتيجة أنّ فصائل الطيور كلها رفضت السير خلف تلك الشائعة، إلاّ نوعا محدودا من فصيلة العصافير، فَ هي اقتنعت، و في المساء شَرَعَتْ بِ خَلْعِ ثيابها و راحت تنتظر بِ فارغ الصبر. لقد اقترب الشفق و بدأت الطيور بِ الزقزقة و الانطلاق نحو النهر و الأشجار و الحقول، أمّا تلك التي خلعت ثوبها فَ لم تستطع الخروج و الطيران لأنها كانت عارية، انتظرت النهار كله و لم يأتِ الثوب الجديد، ظلّت تنتظر كي تستر عورتها، لكن الثوب لم يأتِ، فَ اضطرت لِ الخروج في الليل و دون زقزقة لِ تبحث عن الطعام، و في اليوم التالي أيضا لم يأتِ الثوب الجديد، و أيضا اضطرت لِ الخروج في الليل بدلا من النهار، لِ أنها كانت تخجل من عورتها، و ظلّت تنتظر في النهار مختبئة متوارية عن الأنظار و لم يأت الثوب، فَ تخرج في الليل، و هي إلى هذا اليوم تنتظر متوارية عن الأنظار نهارا خجلا من عورتها لِ تخرج في الليل، و هذه المجموعة من فصيلة الطيور التي ارتضت الانجرار خلف الشائعة تحوّلت إلى الخفافيش، تخجل من عُرْيها و تخرج فقط في الليل. خلال تأسيس الدولة السورية الشمولية من قِبَل الثوار القومويين شبه الاشتراكيين في بدايات الستينيات من القرن المنصرم، و بِ الاعتماد على آليات النموذج السوفييتي/ الثورة، القائد، الحزب القائد، دكتاتورية البروليتاريا، الجيش الأحمر" العقائدي "، الأمن القومي...إلخ/. هؤلاء الثوار ( حسب رغبتهم بِ تسمية أنفسهم – الثوار - ) نجحوا في تغيير النظام بِ سرعة قياسية خلال الانقلاب العسكري عام 1963، و شرع الثوار في عملية بناء دولة الثورة. في عام 1967 تعرّض الرفاق لِ هزيمة مأساوية، إذ شنّت دولة إسرائيل هجوما شاملا صاعقا على مصر و سورية، و في 16 تشرين الثاني 1970 قام وزير الدفاع حافظ الأسد و معه رئيس الأركان مصطفى اطلاس بِ انقلاب أبيض تحت مسمّى الحركة التصحيحية، و تمّ تنصيب السيد أحمد الحسن الخطيب رئيسا ( سلّما ) مؤقتا لِ الجمهورية، و من ثم اعتلى حافظ الأسد عرش دولة سوريا منهيا بِ انقلابه العسكري زمن الانقلابات العسكرية في سوريا ( و ل نَقُلْ زمن الثورات الشعبية ). أثناء تحويل سوريا إلى دولة دكتاتورية شمولية بوليسية مكتملة الأركان، كان رموز النظام و أزلامه في العقد الأول من حكم الرئيس حافظ الأسد، كانوا هم الخفافيش الذين يتوارون عن أنظار الشعب السوري الراقي بِ أخلاقه و علمه و ثقافته، حتى المؤسسة الأمنية بِ قادتها و عناصرها كانوا منبوذين مثل اللصوص و المرتشين من أزلام النظام. كان العمل قائما على قدم و ساق لِ صناعة الزعيم، و بِ التالي تكريس مفهوم عبادة الفرد، و لِ ذلك كان يتطلب إلغاء طيف الألوان من سماء سوريا، و اعتبار الشعب السوري كله مدان تحت الطلب، و الأمر الذي سرّع من نجاحهم، هو أولا- ارتماء الأحزاب الأخرى في أحضان حزب البعث و الأجهزة الأمنية، باستثناء الحزب الشيوعي/ المكتب السياسي/ بِ قيادة المناضل رياض الترك، و ثانيا – بدء الاخوان المسلمين بِ ثورتهم على النظام، و البداية المدوّية كانت في مجزرة مدرسة المدفعية في حلب عام 1979، و الفصول التالية معروفة لدى الشعب السوري. في ربيع عام 2011 قرّرَ العقل الكوني البدء بِ الثورة في سوريا، و ذلك بِ الاعتماد على جملة من المتغيرات العميقة و البنيوية منها: - حرب الخليج الأولى ( الحرب العراقية الإيرانية ) التي استمرت قرابة ثماني سنوات / 1980- 1988 / راح ضحيتها أكثر من مليون قتيل و خسائر مالية تُقدّر بِ أكثر من 400 مليار -$-. – هزيمة الجيش الأحمر في أفغانستان و انسحابه في 15/ أيار/1988 . - تفكك الاتحاد السوفييتي و حلف وارسو في 26 / أيلول / 1991 . - حرب الخليج الثانية، تسمى كذلك عملية عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت 1991 – حرب الخليج الثالثة و تسمى أيضا غزو العراق أو تحرير العراق و التي بدأت في 20 مارس 2003 . – القرار الأممي 1559 الصادر بتاريخ 02/أيلول/ 2004 و القاضي بِ إخراج الجيش السوري و جميع الجيوش غير اللبنانية من لبنان، و حلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية و تجريدها من السلاح...إلخ. – اغتيال رئيس حكومة لبنان السني رفيق الحريري بتاريخ 14/شباط/ 2005. – خروج روسيا الاتحادية من غرفة العناية المشدّدة، و نجاحها في اختبار حرب التشيتشان، و من بعدها و الأهم على المستوى الاستراتيجي العسكري، اجتياحها لِ جورجيا و انتزاع أبخازيا عام 2008 و أمام أنظار حلف الناتو. إن بروفات الربيع العربي الناجحة، كانت بِ مثابة حافز و إشارة لِ البدء في المسرح السوري؛ و فعلا بدأت اللعبة في سوريا ربيع 2011 ، و كانت البداية محصورة في رد الفعل الطبيعي و المحق مئة بالمئة، فَ الأهالي في درعا خرجوا ضد همجية و وحشية الأجهزة الأمنية المجردة من الأخلاق و الضمير و الحس الوطني، و كانت حركتهم إنسانية تدافع عن الكرامة و الحرية. كانت تحدّي حقيقي، مدني، حضاري، سلمي ضد الطغيان و الظلم و الذل، كانت بطولة مذهلة ضد الاستبداد و القمع و الرذيلة، و أنا كنت أودّ لو أنّ هؤلاء الأبطال الحالمين الشجعان يكتفون بِ هذه الرسالة المزلزلة لِ النظام القمعي البوليسي الفاسد، و أن يتم البناء عليها، لكن و لِ الأسف الشديد، لقد تم اغتيال ذاك الحلم السوري الوردي من قِبَل هؤلاء الذين انخرطوا في مخطط تدمير سوريا، و الذين كانوا يراقبون في الظل، ريثما تأتيهم كلمة السر من عش النسر عبْر مكة و أنقرة. إن القوى العظمى سوف تستكمل تنفيذ المخطط المرسوم بِ دقة فائقة، مع احتفاظها بِ البديل لِ طرحه في حال تعثّر التنفيذ الشامل و الكامل لِ المخطط الأم، و في كل الأحوال، النتيجة مدروسة و أيضا بِ دقّة متناهية، فَ العقل الكوني قد بدأ، و لن يتوقف لِ الاستراحة، إلاّ بعد الانتهاء من المرحلة الأولى، و المرشحين على لائحة التغيير و الدمار في هذه المرحلة، هم دول و مشيخات و إمارات و ممالك و سلطنات و مافيات في هذا الشرق و من ضمنها تركيا الشقيقة، و قد تكون هي على رأس الصفحة في هذه المرحلة، طبعا بعد الانتهاء،( أو ربّما بِ التزامن مع ) من الموضوع السوري. السؤال البسيط الذي يدور في خلد أيّ إنسان مثقف و مهتم بِ الشأن الإنساني العام هو التالي: لماذا لم يتم أخذ كل تلك المتغيرات الجيو- استراتيجية بِ نظر الاعتبار قبل اتخاذ القرار بِ بدء الثورة و خاصة دخول روسيا الاتحادية لِ المسرح العالمي و من ورائها حلفائها الأقوياء الكبار، و من ضمنهم الدولة الفارسية العميقة ذات التاريخ المتميز؟ ألم ندرك إلى هذا اليوم بِ أن الدعوة إلى الثورات هي مثل دعوة ذاك الطائر الماكر الذي دعا الطيور إلى الثورة، و الذي راح ضحيتها أولئك الذين صدّقوه و أنطلقوا بِ سرعة و تهوّر، و خلعوا ثيابهم و بقوا عراة يتسامرون مع زملائهم خفافيش النظام في الفنادق و القصور المضيافة لِ أجَلٍ مسمّى ليس إلاّ؟!.
فاهان كيراكوسيان 03/02 /2016



#فاهان_كيراكوسيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخاض التركي الطويل
- دمشق الياسمين
- تحالف الحضارات ضد العصابات
- عاصفة الأناضول
- أمريكا القدوة الحسنة أم....؟
- عليكِ يا سوريا السلام
- حرائق الشرق
- خلاص دمشق في أل - مو معقول


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فاهان كيراكوسيان - ثورة الخفافيش