أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان يونس - قراءة في قصة نصف يوم لنجيب محفوظ















المزيد.....

قراءة في قصة نصف يوم لنجيب محفوظ


إيمان يونس

الحوار المتمدن-العدد: 5064 - 2016 / 2 / 3 - 21:29
المحور: الادب والفن
    


قراءة في قصة "نصف يوم" – نجيب محفوظ
إيمان يونس

"نصف يوم" هي القصة الثانية في المجموعة القصصية التي تحمل عنوان "الفجر الكاذب" للأديب الراحل نجيب محفوظ. وقد صدرت هذه المجموعة في نفس العام الذي حاز فيه محفوظ على جائزة نوبل للآداب وذلك عام 1988.
تكمن جمالية القصة في بعدها الرمزي الذي يلخص فيه الكاتب "مشوار حياته". هذا المشوار الذي بلغت مدته الزمنية آنذاك (أي عام 1988) نحو سبعة وسبعين عاما، يراها الكاتب وكأنها يوم أو نصف يوم!

يعود الراوي بذاكرته إلى أيام الطفولة، حيث كان يعيش بسعادة ورضا داخل بيته الحميم، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أجبر فيه على الدخول إلى المدرسة. فسار إلى جانب والده بملابسه الجديدة وحذائه الأنيق. مرّا بين الجناين والحقول الشاسعة الممتدة على جانبي الطريق. ولما وصلا دفعه والده نحو الداخل واعدًا إياه بأن يكون بانتظاره عند موعد الانصراف. تقدم في فناء المدرسة فوجدها تكتظ بالأولاد والبنات، ولم تلبث أن جاءت المديرة لاستقبالهم يتبعها عدد من المعلمين قاموا بتنظيم الأولاد وترتيب الصفوف.
بدأ يشعر بالارتياح شيئا فشيئا، وأخذ حاجز الجليد بينه وبين الطلاب يذوب تدريجيا، فتقرب منهم وتعرف إليهم وقضى وإياهم وقتا في اللعب والمرح والتعلم. ثم تناولوا طعامهم واستراحوا قليلا واستأنفوا دروسهم. لكنه وجد أن المسألة ليست لهوا ولعبا دائما، فثمة منافسة وكراهية وتحديات.
حين انقضى النهار اندفع نحو البوابة باحثا عن والده فلم يجده، ولما طال انتظاره دون جدوى، قرر العودة إلى البيت بمفرده. سار في نفس الطريق التي جاء منها لكنه فوجئ بتغييرات كثيرة، فالمزارع والحقول والجناين التي مر بها صباحا لم تعد موجودة، وحلت مكانها مدن وعمارات عالية وجموع غفيرة من الناس، ومركبات وسيارات. وإذ هو في أوج ذهوله وحيرته تقدم منه صبي كواء وقال له بشهامة: "يا حاج دعني أوصلك".

حاول محفوظ في هذه القصة أن يلخص مسار حياة الإنسان منذ ولادته إلى أن يصبح كهلا. وقد عبر عن ذلك برؤية لا تخلو تشاؤم. فهو يرى أن الإنسان يأتي إلى الحياة بغير إرادته، فيضطر إلى مواجهتها بعد أن ينتزع عنوة من "بيته الحميم". والبيت الحميم هنا هو بيت الرحم.. بيت الإنسان الأول، حيث الشعور بالدفء والراحة والأمان. وحين تأتي ساعة المخاض، ينتزع المرء من هذا البيت فيشعر بالحزن الشديد بدلا من أن يكون سعيدا بعيد ميلاده الأول: "غير أنني لم أسعد بالملابس الجديدة سعادة صافية فيومي لم يكن يوم عيد، ولكنه أول يوم يلقى بي في المدرسة" (ص32)، والمدرسة هنا ليست مدرسة عادية بل هي مدرسة الحياة.

نلاحظ استعمال الكاتب لصيغة المبني للمجهول في قوله "يلقى بي" فكأنه يؤكد بذلك أن لا إرادة له بكل ما يحدث معه. وكذلك استخدامه لكلمة "انتزاعي" في جملة " ... انتزاعي من بيتي الحميم"(ص32)، التي توحي بالعنف والقسوة، أراد الكاتب من خلالها أن يعبر عن قسوة الحياة التي يستشعرها الإنسان منذ اللحظات الأولى لولادته.
بداية حاول الطفل أن يقاوم وأن يتصدى لفكرة الذهاب إلى المدرسة عن طريق الاستغاثة بوالدته حينا وبتعهده لوالده بألا يقترف أي ذنب حينا آخر. وبذلك يحاول الكاتب أن يلقي اللوم على آبائنا الذين أتوا بنا إلى هذه الحياة وأجبرونا على مواجهتها، لكن هؤلاء الآباء هم أيضا لا يملكون خيارا سوى أن يدفعوا بنا نحو الحياة راجين أن ننخرط فيها بتفاؤل وأن نكون مثالا طيبا وأبناء صالحين: " ادخل بنفسك وانضم إليهم، ابسط وجهك وابتسم وكن مثالا طيبا" (ص32).
حين يدخل الطفل إلى المدرسة تأتي سيدة لاستقباله ومن معه من الطلاب، والسيدة هنا ترمز إلى القدر، فمنذ اللحظة الأولى التي يولد بها الإنسان يجد القدر باتظاره، فيستقبله بداية بابتسامة وترحاب: "وقالت المرأة: جففوا دموعكم واستقبلوا الحياة بالأفراح.." (ص33).
وهنا تبدأ مرحلة الاستسلام، مرحلة الرضوخ للقضاء والقدر، فلا يجد الإنسان مفرًا أمامه سوى الاندماج في ركب الحياة وتقبلها: "استسلمنا للواقع...وسلمنا الاستسلام إلى نوع من الرضا" (ص33).

يستعرض محفوظ بعد ذلك مراحل عمر الإنسان من خلال المراحل التي يمر بها في المدرسة، فيبدأ بمرحلة الطفولة حيث يقضى الطفل معظم وقته في اللهو واللعب: " ولعبنا شتى الألعاب من أرجوحة وحصان وكرة.." (ص33). وعندما يكبر قليلا يبدأ بتعلم القراءة والكتابة: "وتم أول تعارف بيننا وبين اللغة" (ص33).
وكلما تقدم في السن أكثر ازدادت العلوم والتحديات، فيتعلم الجغرافيا والرياضيات والدين.
هذه المرحلة من حياة الإنسان والتي يقضيها في المدرسة منذ نعومة أظفاره حتى يبلغ سن الرشد تمر كلمح البصر، فكأنها بضع ساعات: "وغفونا قليلا، وصحونا لنواصل الصداقة والحب واللعب والتعلم"(ص34).

وتنتهي تلك المرحلة المفروشة بالورود لتعقبها مرحلة جديدة يضطر فيها المرء إلى الاعتماد على نفسه وخوض تجارب جديدة ومواجهة تحديات كثيرة.. مرحلة العمل والزواج والشعور بالمسؤولية: " وأسفر الطريق عن وجهه كله فلم نجده صافيا كامل الصفاء والعذوبة كما توهمنا"(ص34). فتتغير الأحوال وتتبدل، ويبدأ القدر الذي اعتاد من قبل على مجاراته ومسايرته، بإظهار الجانب الآخر لوجهه، فيعاكسه ويضع له العراقيل: "والسيدة كما تبتسم أحيانا تقطب كثيرا وتزجر. ويعترضنا أكثر من تهديد بالأذى والتأديب"(ص34).
ويرى الكاتب أن الإنسان في هذه المرحلة لا بد أن يعمل بجد واجتهاد وأن يغتنم الفرص حتى يوفر لنفسه حياة كريمة يستطيع بعدها أن يرتاح ويرفه عن نفسه. لكن عندما يحين الوقت المناسب لذلك يكون قد أنفق من العمر معظمه!!
يرى محفوظ أن الإنسان يمر بتغييرات وتطورات كثيرة خلال فترة حياته، وهذه التغيرات لا تقتصر عليه وحده، بل تشمل جميع نواحي الحياة. فالتغييرات الداخلية تقابلها تغييرات خارجية أيضا. فكما أن الإنسان ينمو ويكبر ويتطور بروحه وجسده، كذلك يحدث للعالم الخارجي من حوله، وهو قد لا يكون واعيا لهذه التغييرات لانخراطه في مشاكل الحياة وهمومها.
يعبر الكاتب عن التغييرات التي طرأت على المجتمع والبيئة القريبة من خلال ثيمة "الشارع المصري" وهي ثيمة مألوفة في أدب محفوظ، إذ يرسم لنا لوحة غنية بالتفاصيل مجتزأة من صميم الواقع، فيقارن بين بلدته أيام طفولته وبين بلدته حين أصبح كهلا طاعنا: "..أين شارع بين الجناين؟..أين الحقول على الجانبين؟ قامت مكانها مدن من العمائر العالية، واكتظت طرقاتها بالأطفال والصبيان، وارتج جوها بالأصوات المزعجة، وفي أماكن متفقة وقف الحواة يعرضون ألعابهم...وطابور من سيارات جنود الأمن...وعربة مطافئ تصرخ بسرينتها..ومعركة تدور بين سائق تاكسي وزبون..."(ص35).

لم يكتف محفوظ بـتوظيف "الرمز" ليعبر عن فكرته الرئيسية التي تتمحور حول قصر عمر الإنسان ومروره بسرعة، بل وظف الأسلوب والمبنى لخدمة هذه الفكرة أيضا. فلجأ إلى الإيجاز والتكثيف، وجاءت جمله قصيرة، سريعة، خاطفة مباغتة:" ودق الجرس معلنا انقضاء النهار وانتهاء العمل. وتدفقت الجموع نحو البوابة التي فتحت من جديد. ودعت الأصدقاء وعبرت عتبة البوابة...انتحيت جانبا أنتظر(ص34).

أما من حيث المبنى فقد استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع في بناء الحدث، إذ تبدأ القصة بالعودة إلى الزمن الماضي ثم تتسلسل الأحداث تدريجيا لتعود إلى الزمن الحاضر ثانية. وقد جاءت القصة فقرة واحدة متماسكة مترابطة لا يقتطع هذا الترابط سوى بعض الجمل الحوارية. وبهذا يعبر الكاتب عن ترابط مراحل عمر الإنسان بعضها ببعض فلا يمكن الفصل بين مرحلة وأخرى على الرغم أن لكل مرحلة خصوصياتها ومميزاتها وتطوراتها. لذا يمكن القول بأن القصة عبارة عن كتلة واحدة في مبناها العضوي، بدأت في سن الطفولة وانتهت في سن الكهولة. غير أن القارئ كما الراوي لم يشعرا بالقفزات الزمنية إلا في نهاية القصة حيث يكتشفان معا أن الزمن الحقيقي لأحداث القصة كان في الحقيقة أكثر بكثير مما تصوراه. وبذلك يكون الكاتب قد نجح في جعل القارئ يشاركه الإحساس بمضي العمر بسرعة فكأنه بالفعل "نصف يوم"!!!




#إيمان_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان يونس - قراءة في قصة نصف يوم لنجيب محفوظ