أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 35















المزيد.....


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 35


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 5064 - 2016 / 2 / 3 - 15:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 35
ضياء الشكرجي
[email protected]
www.nasmaa.org
المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي 2002 – 3/4
هذه الحلقة الأخيرة التي أواصل فيها ذكر "أسباب تحفظ بعض [أو أكثر] الإسلاميين على الديمقراطية"، كما كتبته عام 1993 في مقالتي الأولى عن الديمقراطية، وأعدت ذكرها في ما أطلقته عام 2002، أي قبل السقوط بحوالي السنة مما أسميته "المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي". وأرجو مرة أخرى الالتفات إلى أن لغتي، وطريقة تفكيري، وأسلوب تعبيري؛ كل ذلك يمثل تلك المرحلة، حيث كنت أعتبر نفسي ديمقراطيا-إسلاميا، والذي تخليت عنه، بعد حسم تحولي العلماني عام 2006، ومع هذا ورغم اشتمال النص على أدبيات ومفردات ترجع للمرحلة الإسلامية من حياتي السياسية، يجد القارئ المدقق النزعة العلمانية كامنة بين طيات إسلاميتي آنذاك، إلى أن فرضت العلمانية نفسها، لأنها حسبما اكتشفت لاحقا، تنسجم أكثر مع طبيعة شخصيتي، لثلاثة أسباب رئيسة، هي عشقي للديمقراطية، وأهمية قيمة الحرية عندي، واعتمادي للنسبية. والآن نواصل مع نص مشروع المنتدى آنذاك عام 2002، حيث كنت كمتشرع آنذاك أحاول أن أؤسس للأرضية الشرعية للديمقراطية، كي يقبلها الإسلاميون. ووضعت ملاحظاتي المابعدية بين [مضلعين].

مفاسد الديمقراطية في تطبيقاتها الغربية [الله أكبر]
فالممارسة الديمقراطية وفق النموذج الغربي، الذي لا يصلح استنساخه للمجتمع الإسلامي، [هكذا يفكر الإسلاميون، وهكذا يعيشون هوس الخوف من الحداثة، وكل ما أنتجته الثقافة (الوافدة) للغرب (الكافر)] تشتمل من غير شك على الكثير من المفاسد - لاسيما المفاسد الاجتماعية والأخلاقية للديمقراطية في صيغها الليبرالية التي ترفض أي تحديد للحرية الشخصية -، والتي لا يمكن القبول بها في المجتمعات الإسلامية، لتعارضها مع القيم الأخلاقية [حسب فهم الإسلاميين للأخلاق التي يختزلونها في الممارسة الجنسية]، ومع هوية الشعوب للعالم الإسلامي. [هذا النموذج الغربي للديمقراطية، أي الديمقراطية العلمانية، هو الذي سيكون له المستقبل وفقا لحتمية التاريخ، التي يقرها القرآن نفسه، بأن «ما يَنفَعُ الّناسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ»، و«أما الزبد»، وما كان ضرره أكثر من نفعه، فلا بد أنه س«يَذهَبُ جُفاءً»، مع اختلاف المعايير لما هو نافع وما هو ضارّ، ما بين معايير النص الديني، ومعايير العقل والتجربة البشرية الغنية] وجانب كبير من هذه المفاسد يجد على أي حال في واقع اليوم أرضية خصبة في ظل الأنظمة المستبدة الموالية، أو المحاكية للغرب. [بل حتى في الدول ذات الأنظمة الإسلامية كإيران والسعودية] ومن هنا نستطيع أن نقول، أن إمكانية درء هذه المفاسد تكون أكثر احتمالا في ظل الخيار الديمقراطي، من خلال اعتزاز الأمة بقيم إسلامها، وما يمكن أن تمارسه الحركات الإسلامية من توعية للأمة على هذه القيم، بحيث تجعلها تنزل الكثير من تطبيقات الإسلام إلى أرض الواقع، أو تفرض - على أقل تقدير - احترام قيمه الأساسية، لاسيما الأخلاقية منها [الأخلاق صدق ونزاهة وإتقان والتزام ومراعاة لقناعات ومشاعر الآخر، وليست امتناعا عن العلاقات الجنسية من غير عقد شرعي ولو بالتراضي]، وبقرار ديمقراطي، وذلك من خلال تعميق الوعي لدى الأمة، وتغييرها إسلاميا، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعيدا عن منهج الإكراه. فنحن نطالب ب«الديمقراطية السياسية» [هذه الإضافة كانت باقتراح من نوري المالكي]، ومن خلالها يجب أن نعمل على درء مفاسد «الديمقراطية الاجتماعية» [بل الديمقراطية لا تتجزأ، فتطبيقها يجب أن يكون على الصعيد السياسي، والثقافي، والاجتماعي]، وذلك عبر توسيع وتجذير الوعي الإسلامي في المجتمع، وبواسطة أدوات الديمقراطية نفسها [وبأدوات الديمقراطية ندعو لما نراه أنه الديمقراطية الحقة، أي الديمقراطية العلمانية]. فتمارس الأمة حق وضع الاستثناءات، بقرار ديمقراطي، لأن من شأن النظام الديمقراطي أن يحترم إرادة ومصلحة وحرية الأكثرية، دون ممارسة التعسف تجاه الأقلية، ولكن من حق الأكثرية أن تحترم الأقلية إرادتها، كما أنه من حق الأقلية أن تحفظ لها حقوقها وكرامتها. إذن الأداء الصحيح من قبل الإسلاميين، والثقة بالأمة، وقبل ذلك الثقة بالقدرات الهائلة للإسلام [حسب فهمي آنذاك]، كل ذلك كفيل بدرء ما تخشى عقباه.
الديمقراطية لا تعني بالضرورة تغريب المجتمع
من هنا نجد أن الديمقراطية لا تعني بالضرورة تغريبا للمجتمع الإسلامي [يا ليتنا نصل إلى معشار ما وصلت تلك المجتمعات من عقلانية، وإنسانية، وتطور، وتقدم، وسمو في الأخلاق]، لأن الديمقراطية ليست مفهوما مطلقا، حتى عند أشد المتحمسين لها من رواد المدرسة الليبرالية الغربية، وذلك من خلال ما يوضع من حدود لبعض الحريات [الإسلاميون مهووسون بالخوف من الحريات] التي تضر بالمجتمع، بقرار ديمقراطي، وهذا ما يمكن للإسلاميين استغلاله لتحريك الأمة نحو المطالبة بوضع الضوابط، التي تضمن عدم تجاوز الحد الأدنى من ضرورات أحكام الشريعة، والقيم الأخلاقية الإسلامية [الحداثة زاخرة بالقيم الأخلاقية، مما تفتقده المجتمعات المتدينة، إلا إذا اختزلت الأخلاق بالجنس]، أو بتعبير آخر من خلال وضع خطوط شرعية حمراء ديمقراطيا.
الديمقراطية كوعاء وآلية لا كمحتوى فكري
إن حقيقة كون الديمقراطية تمثل بالنسبة للغرب آلية من آليات علمنة الحياة، لا يمنع من أن تكون الديمقراطية بالنسبة لنا آلية من آليات أسلمة الحياة [نستجير بالله، وهذا ما يحاوله الإسلاميون، باستخدام الديمقراطية، للوصول إلى أقصى الممكن من نقيض الديمقراطية، فهم يلتزمون بشكل الدولة المدنية، ولكن يحاولون أن يجعلوا الدولة المدنية وعاء، يعملون على أن يضخوا فيه أكبر قدر ممكن من مضامين الدولة الثيوقراطية]. فالديمقراطية في الواقع ليست إلا وعاء [وهنا المشكلة، وهنا مكمن الخطر على الديمقراطية]، يمكن أن يملأه كل مجتمع بمحتواه الفكري والقيمي والأخلاقي والحضاري، فإذا كانت العلمانية المحلية كامتداد فكري للغرب في عالمنا الإسلامي ستعمل على ملئه بمحتواها، وبالتالي بالمحتوى الغربي، فلنتسابق ولنتنافس تنافسا سلميا حضاريا وإياهم على ملء الوعاء الديمقراطي بالمحتوى الأكثر انسجاما مع حضارة الأمة وتأريخها وأصالتها وعقيدتها، ألا هو الإسلام الضارب بجذوره في أعماق وجدان وتأريخ ومشاعر الأمة [كديمقراطيين علمانيين، لا نسمح لأنفسنا أن نحارب عقائد الأقلية، ناهيك عن عقائد الأغلبية، لكن بما أن الإسلام حمَال أوجه، ومتعدد بل متناقض الاجتهادات، بحيث يكون لدينا مجموعة إسلامات، منها الإسلام العقلاني الإنساني الديمقراطي، وهو واحد من عشرات الصور للإسلام، فمنها، أي من تلك الإسلامات، المتطرف، والإرهابي، والمتزمت، والجامد على النص، والمعادي للحريات، والمعادي للمرأة، والمنتقص من حقوق غير المسلم، والرافض لعموم مواثيق حقوق الإنسان، لا بد من جعل الدين شأنا شخصيا، وهذا ما أراه متحققا في المستقبل، والذي أتطلع إلى كامل تحققه في نهاية هذا القرن، أو في مطلع القرن الثاني والعشرين]. فحتى لو استطاعت العلمانية أن تنجح في شوط من أشواط المنافسة السياسية، والحضارية، والفكرية، في التجربة الديمقراطية، فأشواط المدى الأبعد كفيلة في أن تجعل حظ الإسلاميين هو الأوفر، فإن الأمة لم تنسلخ عن إسلامها، حتى لو شيبت أفكارها وأعرافها وسلوكياتها في مرحلة ما من عمرها بشوائب مزيج غير متجانس من أعراف محلية قبلية أو ما شابه، وأخرى مستوردة، لا تنسجم مع حضارتها الأصيلة [اليوم أرى أن المستقبل وطبقا لحتمية التاريخ، أو سنن التاريخ، للعلمانية والديمقراطية والحداثة]. وإن الخيار الإسلامي الذي يأتي في شوط متأخر باختيار الأمة، سيكون أكثر تجذرا في واقعها، من إسلام السلطة التي يُستعجَل فرضه عليها، من غير اختيار حرّ منها، وبعيدا عن إرادتها، أو بإرادتها ولكن في لحظة الحماس وانفجارات العواطف الملتهبة، التي تكون من لوازم الحدث الثوري [كنت أستحضر هنا التجربة الإيرانية كمثال]، في حال أن التغيير جاء عن طريق ثورة شعبية، أو جاء بطريق آخر، ثم رافقته ثورة شعبية. وعندما نذكر إرادة الأمة، فإن هذه الإرادة - وكما مرت الإشارة إليه - لا تمثل من حيث المبدأ وبالعنوان الأولي مصدر الشرعية، ولكنها يمكن أن تمثل حصن الشرعية، فشرعية غير محصنة بإرادة الأمة تكون شرعية محلقة في آفاق السماء، من غير أن تملك ثباتا على أرض الواقع، وبالتالي لن تكون مؤثرة في تفاعلات مشاعر الأمة وفكرها وسلوكها، إلا بشكل محدود، مما يجعل هذه الشرعية عرضة للانهيار، لاسيما مع احتمالات خطر أن تعصف بها العواصف من لدن خصوم الإسلام الداخليين والخارجيين. هذا كله يتطلب منا نظرة واقعية، تجعلنا نلجأ إلى العناوين الثانوية، والاستفادة من المساحة المرنة للتشريع. ف«ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَّلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن تَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم» قد يحرم الديمقراطية، و«لا إِكراهَ فِي الدّينِ» يحللها، و«ادعُ إِلى سبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ» يرجحها، أو لعله يوجبها في ظرف ما. [ما مرّ، ما زلت أعتبره صحيحا، بالنسبة لمن يؤمن بوجوب أن يُحكِّم الإسلام في رؤيته السياسية، وما يترتب على هذه الرؤية وذلك الإيمان، فهو حق مشروع، ولا يمكننا تجاوز إرادة الأكثرية، حتى لو كان قرارها متعارضا مع مبادئ الديمقراطية، فيما نراه كعلمانيين. فمثلما قلت سابقا كمؤمن بالمشروع السياسي الإسلامي، ومؤمن بالديمقراطية في آن واحد، أن على الإسلاميين ألا يخافوا من قرار الأكثرية، حتى لو اختارت العلمانية، فبالنتيجة لا يمكن أن يكون المستقبل إلا للإسلام، لأني كنت أعتقد أن هناك مشروعا إسلاميا إلهيا، قد وضع الله خطه العام، وكلف الإنسان أن يجتهد في فهمه وتطبيقه، ولا يمكن أن يكون المستقبل بالنتيجة إلا منسجما مع إرادة الله، وسنن الله، أقول اليوم، ما زال المشروع الديمقراطي العلماني الحداثوي، هو من لوازم العقلانية والإنسانية، لا بد أن يكون المستقبل له، وهذا أيضا لا يخرج عن كونه لونا آخر، وبفهم آخر، من تجسيد إرادة الله، بالنسبة للعلمانيين الإلهيين، أو لنقل تجسيدا لحتمية التاريخ، وقانون البقاء للأصلح، والأنفع، والأكثر تجسيدا لمثل الإنسانية وقواعد العقلانية.]
مفسدة فرض النظام الإسلامي دون اختيار الأمة
هذا كان فيما يتعلق بالمفاسد المحتملة للديمقراطية [صدگ، چذب؟]، أما إذا تناولنا المفاسد من الخيار المعاكس، سنكتشف أن هناك مفسدة كبيرة جدا في حال إكراه الأمة على الخيار الإسلامي، لما يمكن أن يسبب ذلك إلى استعداء الأمة ضد الإسلام، بدل سلوك منهج النَفَس الطويل في دعوة الأمة وتغييرها، وإعادة النظر في التجربة ودراسة أسباب الإحباط. وعلى أقل تقدير فإن الديمقراطية يمكن أن تصبح بالعنوان الثانوي جائزة، أو لعله راجحة شرعا، أو ربما واجبة، لما فيها من جلب منافع جمة للدعوة الإسلامية، وما فيها من درء لمفاسد جمة عنها. [صحيح كان يهمني إقناع الإسلاميين بجدوى الديمقراطية، ولكني كنت أؤمن بما كنت أكتبه، باستثناء ما اقترح البعض ممن حاورتهم إضافته، فلعلي استجبت لذلك، طمعا في كسب أكبر تأييد ممكن للبيان في الوسط الإسلامي، بالرغم من أني لم استجب كليا لأكثر المقترحات، بل صغتها بما يلتقي بالحد الأدنى مع قناعاتي آنذاك.]
الديمقراطية الحقة تحترم بالضرورة هوية الشعب
من الطبيعي أن تصورنا عن الديمقراطية أن تكون ديمقراطيةً تحترم هوية الشعب العراقي وانتماء غالبيته للإسلام، وما ينتج عن هذه الهوية من التزامات، ولكننا لا نجد في ذلك مبررا لأن نجعل الديمقراطية - هذا المشترك الوطني - مشروطة بهذا الشرط أو بغيره. بل شرطنا - والمفروض أنه يمثل شرط كل القوى الوطنية والشرائح الشعبية - هو التطبيق السليم للديمقراطية، كديمقراطية، لا كشيء آخر. لأننا عندما نفترض أن لشعب ما ثمة هوية، فإنما يُقصد بالهوية هو منظومة الملامح الثابتة والبارزة والعامة لذلك الشعب. فإن كان المعنى من الهوية هو هذا، وإذا مورست الديمقراطية بشكل سليم، فحتما ستفرز هذه الديمقراطية انسجاما كليا، أو يكاد يكون كليا مع هوية الشعب. وبخلاف ذلك لا بد أن يكمن الخلل في أحد أمرين، أما أن الديمقراطية لم تُمارس ممارسة صحيحة، أو أن ما يفترض أنه يمثل هوية الشعب ليس بهويته في حقيقة الأمر. [هنا أضع احتمال أن شعبا مسلما أو ذا أكثرية مسلمة قد لا يريد بالضرورة أن يعدّ الإسلام هويته العامة والأساسية، وهذا ما يجب عندها احترامه.] وإذا كان ما نفترضه هوية للشعب ليس بهويته، فلن نستطيع أن نلبس شعبا هوية أجنبية عليه، ونفترض أنها هويته. أما إذا كانت تلك الهوية هي هويته بالأصل، وقد انسلخ عنها، وتحول إلى غيرها، ووجدنا أن في هذا الانسلاخ والتحول حالة مَرَضية غير مَرْضية، كان لا بد من معالجة الخلل بالنَفَس الطويل والحكمة. ولكن هذا كله لا يشكل إلا افتراضات نظرية لا يمكن [بل يمكن] أن يكون لها تحقق في الواقع، لأن شعبنا العراقي لم ولن ينسلخ عن هويته التي تمثل ملامحه الثابتة البارزة العامة، كما تمثل تاريخه وقيمه وعقيدته. [التحولات لدى الشعوب والأمم، كما هي عند الأفراد ممكنة] إذن بدلا من وضع شروط مسبقة للديمقراطية، سنعمل على أن نجعل لها ضوابط تقنن بآلياتها هي، وليس بشيء خارج عنها.
الإسلاميون العراقيون والموقف من الديمقراطية
في الوقت الذي كان معظمنا كإسلاميين - لا سيما في سني عقد الثمانينات - يعمل من أجل إقامة نظام إسلامي عادل، ينعم [كفرضية نظرية مثالية] في ظله الجميع بالحرية والكرامة والعدالة، نجد اليوم - ومن غير أن يعني ذلك أننا تنازلنا عن أهدافنا، أو تجردنا عن أصالتنا الإسلامية -، بعد أن أفرزت تجربة العمل السياسي للعقدين الماضيين نضجا سياسيا جديدا أكثر تجذرا، وأعمق وعيا لقراءة الواقع، ومن خلال التفاتنا إلى واقع التنوع في كل مجتمعات الشعوب الإسلامية، وفي المجتمع العراقي خصوصا، ومن خلال ما تفرضه النظرة الواقعية، والتفكير العقلائي، والمسؤولية الوطنية والإنسانية والشرعية في حفظ السلام، ومن خلال الاستفادة من مرونة التشريع في عناوينه الثانوية، نجد اليوم أن الخيار الأفضل الممكن لنا ولعموم أبناء الشعب هو إقامة البديل الديمقراطي في العراق، الذي لا بد من جعله هدف المرحلة للجميع [بل يجب أن يكون الهدف الاستراتيجي لكل مراحل المستقبل، ما لم تصل التجربة الإنساينة إلى ما هو أفضل]، لأنه يمثل كما بينا القاسم الوطني المشترك الأعظم، والممكن الوحيد الأفضل، والذي لا بد للجميع أن يتبانوا عليه كعقد وطني ملزم.
الديمقراطية: مطلب الحد الأقصى - الأدنى
فإننا كإسلاميين، إذا نظرنا إلى الديمقراطية ضمن عمليتي مقارنة، ننظر في كل منهما إلى الديمقراطية من زاويتين مختلفتين، وجدناها تمثل بالنسبة لنا مطلب الحد الأقصى - الأدنى، وذلك:
إذا نظرنا إليها من الزاويتين الوطنية والإسلامية نجد أنه:
-;- وطنيا: تمثل الديمقراطية مطلب الحد الأقصى.
-;- إسلاميا: تمثل الديمقراطية مطلب الحد الأدنى.
وإذا نظرنا إليها من زاويتي الإمكان والطموح نجد:
-;- من حيث الممكن: تمثل الديمقراطية مطلب الحد الأقصى.
-;- من حيث الطموح: تمثل الديمقراطية مطلب الحد الأدنى.
وهذه المعادلة الواقعية والموضوعية هي التي تجعلنا إذن ندعو إلى ما يمثل الحد الأقصى من الممكن وطنيا، والحد الأدنى من الطموح إسلاميا، ولا نجد خيارا ممكنا أفضل ندعو الجميع للقبول به، حتى لو افترضنا أن سقوط النظام كان سيكون بأيد إسلامية، وكانت عواطف الشارع جلها مع الإسلاميين، ومع الأطروحة الإسلامية، حيث أن هذا المنهج سيجنب البلد الصراعات الداخلية، ويعمق الثقة بالإسلاميين، مما يسهم في إنجاح مهمتهم في الدعوة إلى أطروحتهم، التي يؤمنون بأنها الأفضل، فيأتي الخيار الشعبي، ليحصن الخيار الشرعي، لا ليمنحه الشرعية، لأن شرعيته - حسب قناعتنا [وقناعتي آنذاك] كمتشرعة - مستمدة من نصوص الشريعة، إلا إذا قصدنا بشرعية الخيار الشعبي بما يمثل ذلك من عقد وطني، ثم ما يمثل الالتزام بالعقد من جانبه إلزاما شرعيا من خلال إلزامية العقود وبالعنوان الثانوي. [وكنت أستشهد على ذلك بالنصين القرآنيين: «إِنَّ العَهدَ كانَ مَسؤولًا»، «وَأَوفوا بِالعُقودِ».]
الديمقراطية: البديل المقبول الوحيد للعراق
فهذا النظام المنشود - مع إضافة عنصر الفيدرالية في إطار الوحدة الوطنية - هو وحده سيفتح الفرص أمام كل القوى السياسية، الإسلامية منها، واليسارية، والقومية، والليبرالية، للمساهمة في بناء عراق يرفل في ظل الإخاء الوطني والإخاء الإنساني [حلم لم يتحقق منه شيء بعد مضي عقد كامل]، ويستعيد عافيته، فتزاول الأحزاب والتيارات السياسية كلها نشاطها السياسي، وتتمتع بحرية الدعوة إلى برامجها السياسية، ومناهجها الفكرية، من غير خوف من قمع أو ملاحقة، وكما تمارس المذاهب من سنة وشيعة شعائرها الإسلامية العامة، والمذهبية الخاصة، ويزاول أصحاب الديانات الأخرى طقوسهم وعباداتهم، ويعيش أبناء القوميات كل أبعاد تراثهم القومي، وتاريخهم ولغتهم وأدبهم، ويباشر أبناء المناطق المختلفة في العراق إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم، فتُرعى الخصوصية القومية، والمذهبية، والدينية، والسياسية، والثقافية، لكل منطقة في إطار الوحدة الوطنية.
أهمية الحوار الوطني والدعوة إلى الكلمة السواء
من دون شك أن الأحزاب السياسية الوطنية غير الإسلامية تعتبر الطرف المعني الأساسي في الحوار حول المشروع الديمقراطي لعراق ما بعد الخلاص من الديكتاتورية، ومن أجل تحقيق المصالحة الوطنية، والاتفاق معها على ثوابتنا الوطنية، فدعوتنا إلى شركاء الوطن أن «تَعالَوا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَبَينَكُم» في هدفنا المنشود لعراقنا في مستقبله السياسي، وتحديد ما نريده من المشترك الوطني (الديمقراطية)، نتبانى عليها بديلا عن الديكتاتورية القائمة، وأن نحترم هوية شعبنا وانتماءه، ونضع مصلحة الوطن فوق بقية الاعتبارات، ونتعاهد على التزامنا - نحن وأنتم - بالديمقراطية، وإن أفرزت الخيار المخالف لقناعات هذا الطرف أو ذاك، أن يلتزم كل منا بهذا العقد الوطني، سواء من موقع القوة، أو من موقع الضعف، من موقع الحكم - انفرادا أو مشاركة وائتلافا - أو من موقع المعارضة، فلا نسمح لاستبداد أو ممارسة لاديمقراطية من قبل أي تيار كان، إسلاميا، قوميا، أو يساريا، في هدم القاعدة الوطنية المشتركة (الديمقراطية)، وتضييع الفرصة على شعبنا في تنسم الحرية، والتمتع بحقوقه الإنسانية كاملة، والعيش بسلام، ووئام، وإخاء وطني، ليشترك الجميع في بناء الوطن، ونعيش أخلاقية قبول واحترام الآخر، بحيث أكون أنا المدافع عن حريتك، إذا افترضنا أنه قد أراد أحد من دائرتي الانتمائية الخاصة أن يقمع حريتك، وتكون أنت المدافع عن حريتي، إذا أراد أحد من دائرتك الانتمائية الخاصة أن يقمع حريتي. دعونا نقتلع كل أدغال الخوف من أرض الوطن، لنزرع بدلا عنها أوراد السلام والأمان، فلا تخافون منا حتى لو صوتت غالبية الشعب لنا، ولا نخاف منكم حتى لو صوتت غالبية الشعب لكم، ولا يضمر أحدنا قمع الآخر، عندما يمتلك عناصر قوة، ذاتية كانت أو خارجية. ثم لنتعاهد على ألا نجعلها - نحن الإسلاميين - ديمقراطية مشروطة بشرط الإسلام، وألا تجعلوها - أنتم العلمانيين، أو يجعلها الغرب - ديمقراطية مشروطة بشرط العلمانية [وهل الديمقراطية غير المشروطة إلا الديمقراطية العلمانية؟]، بل دعونا أنتم ونحن نجعل ديمقراطيتنا لعراقنا مشروطة فقط بشرط تحكيم إرادة شعبنا العراقي. لا تسمحوا لأصولية علمانية تفتح ملف المواجهة الحادة معنا من جديد، فتمارس القمع ضدنا، ولن نسمح نحن لأصولية إسلامية أن تفتح ملف المواجهة الحادة معكم، وتمارس القمع ضدكم. دعونا نوفر على شعبنا أي تصعيد جديد للصراعات الحادة، والأزمات التي تعكر صفو أجواء السلام والوئام، التي يحتاج شعبنا أن يتنسمها بعد طول المحنة، أشد من أية فترة مضت، فقد طال ظمأ شعبنا للحرية، والكرامة الإنسانية، والسلام، والاستقرار. إذن فليتحرر كل منا من طموحات الذات، ويحمل الهم العام لهذا الشعب، ومسؤولية بناء مستقبله. [كم كنا سنحقق لشعبنا من سعادة، لو كان هذا النداء قد لقي أذنا صاغية، وعقلا واعيا، وإحساسا عميقا بالمسؤولية التاريخية، وضميرا حيا، لكن هاجس الصراع بين الاتجاهين الإسلامي والعلماني آنذاك، واجه صراعات من نوع آخر، لم أكن أحسب حسابها، يوم صغت هذا البيان، إذ أشعل السياسيون نار الصراع الطائفي، الذي دفع العراق أكثر من مرة إلى حافة الهاوية لحرب أهلية.]



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 34
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 33
- أمراض المتعصبين دينيا أو مذهبيا
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 32
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 31
- لست مسلما .. لماذا؟ 3/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 2/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 1/3
- مقدمة «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 10/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 9/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 8/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 7/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 6/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 5/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 4/10
- مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 3/10
- مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 2/10
- مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 1/10
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 30


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 35